اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

العام وتذويب الفرد...// خديجة جعفر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

خديجة جعفر

 

عرض صفحة الكاتبة 

العام وتذويب الفرد...

خديجة جعفر

 

تعمد السياسات الخارجية العالمية إلى ترسيخ رؤاها ومصالحها على العالم بشكل ملزم تباعا مع إحساس هذه الدول بفوقيتها وقوتها المرتبط بعوامل عدة بدء من الانجازات العلمية إلى التقنية وصولا الى منظومة قيم يُسَوق لها نموذجا حياتيا  للدول الموَصفة نامية عن القدرة على اتخاذ القرار . فالولايات المتحدة مثلا ، وخلال الحرب الأخيرة على غزة ، تفرض بالجهر مواقفها وسياساتها على كِلا المتحاربين وأتباعهم على تنوع واختلاف الإنتماءات، فالسياسة الامريكية ليست خجلة في فرض مواقفها حتى أصبحت تصريحاته خارطة التوقيت العالمي لقراءة المستقبل والاستعداد له بناء على ما يُقدم، كأمر لا يحتاج أية تأكيدات مع   متابعة بعض النشرات الإخبارية...

إلا أنه ما قد يبدو طريفا وغير واضح المعالم في ظل هذا التسويق ، وعلى ما يجادل به البعض سواء لجهة الكم او الجدوى، مصادفة بعض المواقف او المبادرات الفردية التي تبرز نقيضة، وتثير نقاشات غير مألوفة بل مستحدثة لجهة منظومة قيم عالمية تشهد تفاوتا حادا في معايير التفوق والنقص، لنشهد ما يؤكد وجود حياة مجدية مقابل حياة مخلة بالسلامة العامة، طفولة تستحق مقابل طفولة العبء على إقتصادات العالم، الأمن الهجومي المبرر مقابل تهديد أمن آخر في توصيفات النخب...

 

نقرأ هنا وهناك عن بعض المبادرات الإنسانية التي تعبر عن شخصيات أصحابها فقط دون العودة الى مرجعية هوية التفوق في فرض القرار العام، لتظهر وعلى قدر  سموها ورقي ونبل فكرها، سخرية قدر متفلتة من النظام العام كأنها الثمرة المهترئة سقوطا من شجرة النظام العام، ويتم التعامل معها بغموض التشتت من  اللا هوية واللا توصيف..

فكيف يمكن التسويق لممرضة أمريكية ترفض مغادرة مستشفى مهدد بالإخلاء بهدف الاحتلال، وكيف يتحول دمعها المتفوق هذا، فجأة، خارج السياق؟ كيف يتم تفريغ هذا الدمع من معاني انسانيه حينا وخارج قدرات قوته المؤثرة المفترضة حينا آخر؟ كيف يؤذن له ان يتساوى قدرا وقدرة بدمع أهل غزة أنفسهم في المسار والمصير ؟

كيف يمكن ان نثمن تجربة طبيب كندي، مجردا من تقنيات بلاده المتفوقة مزودا بقناعات إنسانية عامة ليقدم بشخصه موقفا يخدم مفهوم مجرد كقيمة الحياة والموت  في الطب مثلا ؟..

كيف يتساوى الاحتراق لذات الطيار الامريكي "رون بوشنل" الذي أقدم على خطوته تعبيراً عن موقف إعتراضي على سياسة تدخل خارجية من بلاده تمارس بحسب رأيه عنفا غير مبرر ليقول كفى، بالمدعو "محمد البوعزيزي" التونسي الذي أحرق نفسه مطالبة بمزيد من خدمات دولته لتحسين وضع معيشي ضاغط؟

كيف يمكن لمواقف يفترض ان تكون ضاغطة على اختلاف ظروفها وموضوعاتها  تتساوى نتيجةً بمرورها وأثرها دون القدرة على ان تتحول لظاهرة عامة اذا ما قارنا على سبيل المثال قضية الشرطي الذي تعدى على مواطن امريكي اسود لتتخذ مجرى  القضية العنصرية الضاجة من قبل السلطة تبريرا والشعب تضامنا؟

ماذا يعني القيام ببعض مبادرات ذوات من دول صناعة القرار داخل دول التلقي دفاعا عن قضية إنسانية بهذا الحجم؟

 

كثيرة هذه المبادرات لكنها تضيع هويةً في سياق الحدث العام واستثمار اهدافه ليبتلعها دون احتمالات التفكير بصفاء الموقف تجاهها، لتبقى خارج السياق مفتقدة عمق المعنى او حتى تسليط الضوء عليها..

فبكاء ممرضة أمركية على مرضى دون فرص علاج على شاشات التلفزة ومواقع التواصل كان يجدر به أن يكون بكاءً ثمينا، ودمعاً قادراً، إلا انه يتوه في بعثرة مفترقات الفردية مقارنة بالسياق العام...

 

  يصعب بالاغلب التعامل مع هكذا مبادرات، ان لجهة التعتيم الإعلامي والتسويق لها باعتبارها شاذة على القرار العام فتصبح ملعونة من أنظمتها ومرفوضة ضمنا بحكم المسبق في دول التلقي..

فتبقى حائرة التموقع والتوصيف لتثبت سقوط منظومة قيم كان من المفترض، متفق عليها عالميا والتي يثبت يوما بعد اخر، ومصلحة بعد أخرى، واقتتالاً بعد آخر مدى خواء هذا المفهوم وتجريده من معانيه، وتتحول هذه المبادرات السامية فجأة، الى تعدي سافر على اصطفافات التفوق، من منظومة القيم الانسانية، لنبصم على وجود حياة تستحق الاستمرار وحياة غير مجدية، طفولة واعدة من طفولة العبء من أمن النخب.. لتتوه الفردية أمام قدرة السياق العام وميكانيكيته في فرض المعالم لعبودية جديدة صاعدة....  

 

خديجة جعفر

5/4/2024

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.