اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (1152)- مقالة رشيد العبيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1152)

مقالة رشيد العبيدي

 

         في لقاء تلفزيوني قصير، كان بمناسبة احدى الاحتفالات، حاورتني الاعلامية، اما السيدة نضال الحسون او السيدة رقية حسن، لا اتذكر بالضبط مع تحياتي لهما من هنا. وكان ذلك عام 2000 حيث كنت ابلغ من العمر(48 سنة) وقلت في هذا الحوار القصير، بأنني انوى التوقف عن الغناء واقامة الحفلات لبعض السنوات القادمة بعد بلوغي(50 سنة) كي اتفرغ لكتابة واعداد ونشر بعض كتبي المخطوطة وكتاباتي السابقة، وافكار اخرى ارغب ان اكتبها واجهزها للطبع ان شاء الله. ولكني ولله الحمد دائما وابدا. انجزتُ طبع اول كتاب لي في نفس العام وانا لم ابلغ الخمسين طبعا، ولكنه طبع في كانون الثاني من عام 2001 ومع ذلك فقد اصبح عمري في الـ(49) على حساب السنين، وكان هذا الكتاب هو باكورة نتاجاتي الكتابية وفي مرحلة حرجة جدا يعيشها العالم في كل مكان، وهي توديعنا للقرن العشرين ونهاية الالف الميلادية الثانية، واستقبال القرن الحادي والعشرين والالف الثالثة، التي ساد فيها الحديث في كل وسائل الاعلام بالعالم حول المصطلح الجديد(العولمة) ولكن كتابتي لكتابي الاول الذي اسميته(المقام العراقي الى اين ..؟) حيث يتضح من خلال هذا العنوان، القلق والخوف والارتياب من المصير والمستقبل المجهول للموروثات عامة، بل حياة الانسان برمتها..!؟

        وبالرغم من ان الكتاب لم يطبع في بغداد، ولم يأتِ الى مكتبات بغداد إلا بعضها القليل جدا، لان بغداد في زمن الحصار الظالم على بلدنا العراق، اصبحت من الناحية الاقتصادية محلية ولا يمكن مقارنة اسعار الكتب في بغداد عن اسعارها خارج العراق بسبب فرق العملة الكبير بينهما.

        على كل حال، كان رد الفعل عندي كبيرا، حيث استنسختُ الكتاب كله في احد المكاتب ووزعت منه الكثير على اصدقائي المثقفين والدارسين، فضلا عن الوسط المقامي برمته. وكان كما توقع اخي الناقد والشاعر الغنائي حامد العبيدي الذي قال لي قبل طبع الكتاب، بانه سيحدث ضجة في الوسط الغنائي والموسيقي والمقامي على وجه الخصوص في حالة طبعه ونشره..! وفعلا تناولته الصحافة العراقية باسهاب، من صحفيين ونقاد وباحثين ومتذوقين .... الخ. ولست هنا في صدد نشر الكثير ممن كتب ونقد واعطى آراؤه، ولكني اخترتُ لكم الان مقالة من احدى الكتابات الكثيرة التي تناولت الكتاب، وهي للمرحوم الاستاذ الدكتور رشيد عبد الرحمن صالح العبيدي المؤرخة في (20/5/2001) واليكم هذه المقالة.

*******

 

المقالة

كتب ا. د. رشيد العبيدي

بغداد 20/5/2001

 

المقام العراقي إلى أين!؟

كتاب للمطرب المقامي الشهير حسين الأعظمي..

 

(((صدر في بيروت مطلع هذا العام(2001) كتاب يعالج فن موسيقى وغناء المقام العراقي ومريديه، منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى بعد منتصف القرن العشرين. وهو كتاب جديد لم يسبق لأحد ان كتب في مجاله بهذه الطريقة، أو عالج موضوعه الخاص بهذا الضرب من الفنون الموسيقية وهمومه والمعنيين به وأصوله التي تيقنها من يمارس التغني به أو يعالج أنغامه التي تجاوزت التسعين لحنا بهذا الأسلوب في الكتابة.

      كتاب(المقام العراقي الى اين..؟) يجمع بين الخبرة الطويلة في هذا الفن، والنظرة الأكاديمية المنهجية التي تقدم لرواده طرحا جديدا في تلقينه وتعليمه وإيصال أدواته وأجزائه التي ينبني منها ويقوم عليها في عالم الأداء الغنائي.

      ولم يقف مؤلف هذا الكتاب الفنان حسين الاعظمي على كيفية المعالجة والأداء فحسب، بل فتش عن المستويات المقتدرة على الأداء، والمستويات المقلدة والمستويات المبعثرة. ووضع لكل منها سماته وصفاته، وأوضح عناصر الجودة والضعف فيها. وسوف أشير إلى ذلك فيما يأتي:

      قسّم المؤلف الاعظمي كتابه على أربعة فصول سنتناول مضامينها بعد قليل. ولكننا نقول هنا انه استطاع خلال الفصول الأربعة ان يتنوع في هذا الفن بين التقليد والأصالة والجمود والإبداع والالتزام والتجديد والتعقيد والبساطة والتكلف والعفوية..! وكذلك كان المؤلف الباحث قد وضع إصبعه على الأدواة، واقترح لها الدواء، لكي يبقى غناء المقام العراقي، في نظره فنَّـاً عراقياً شامخاً، يعبر عن الجماعة والفرد في إطار غنائي موسيقي، انتجه الشعب العراقي حين يجري معرفته به، على ما يقدم له من نصوص شعرية، يراد أداؤها غناء، أو يراد أداؤها لحنا مقاميا، ونريد بالأداء الغنائي تحويل النص الشعري إلى أغنية شعبية بلحن سريع أو ما أشبه، ونريد باللحن المقامي تطبيق قواعد المقام التقليدية على المقطوعة الشعرية، لكي تؤدى بعناصر المقام العراقي المكونة (form) .

      ولقد عني هذا الكتاب بهذا الشأن وبغيره، فجاء كتابا جامعاً شاملاً لفن الغناء عموما، وفن غناء المقام العراقي بشكل خاص، لأنه وضع أصلا لموسيقى وغناء المقام العراقي.

      فالكتاب جمع بين الكتابة عن المقام العراقي من ممارس مطرب ومجرب حكيم يعرف قواعد وطرق أدائه من جهة، وكون الباحث فنانا أكاديميا قام بتدريس المقام العراقي في المعاهد الموسيقية وجامعة بغداد بكلية الفنون الجميلة، وقرّبه إلى الأذهان وفسّره لرواده وطلبته بأسلوب علمي ومنهجية دقيقة من جهة أخرى.

      ان أهم ما يتميز به عمل مؤلف الكتاب حسين الأعظمي في كتابه هذا هو:

 

1-   يعد أول كتاب يطبع عن موسيقى وغناء المقام العراقي خارج العراق من كاتب يعيش في العراق.

2-   أول كتاب بهذه الشمولية(الأصولية التقليدية) معالجة القضية الأدائية، وخصوصيات أهله المؤدين.

3-   أول كتاب عن المقام العراقي والموسيقى العراقية يكتب باسلوب قريب من الناحية(الأثنوموزيكولوجية) أي أن الكتاب اقترب كثيرا من توضيح علاقة هذا الغناء التراثي بالحضارة والتاريخ والثقافة والمتلقي والمجتمع .

4-   ينقل هذا الكتاب تجربة خاصة وخبرة طويلة ووجهات نظر ناقد وخبير ومطرب قدير.

5-   بما ان الباحث حسين إسماعيل الأعظمي موسيقي ضليع بالموسيقى، مدرك لأهميتها في مصاحبة الغناء حين يؤدى المقام العراقي، فقد جاء كلامه دقيقا في تحليل علمي موسيقي مبينا كيفية تماسك البناء اللحني وتطور العلاقات النغمية في ساعة أداء المقام العراقي.

6-   يؤكد الكاتب حسين الأعظمي على العلاقة الوثيقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، أي يدعو إلى الانطلاق من جذور المادة المقامية ويعيش الحاضر وتعبيراته وينظر الى المستقبل. وهذه اللمسات هي التي تميز حسين الأعظمي من يوسف عمر وناظم الغزالي وحسن خيوكة وغيرهم ممن لهم باع طويل في الأداء.

7-   ان كتاب(المقام العراقي الى اين..؟) لم يكتب للمتخصصين في الغناء والموسيقى فقط..! وانما لكل الجماهير بكل اختلاف ثقافاتها وعلومها، لأن مضمونه يتميز بالناحية الفكرية والثقافية والشرح والتفصيل.

 

حاول المؤلف الاعظمي في كتابه هذا ان يترصد المقام العراقي في مسيرته التاريخية مع رواده البارزين في الأجيال المتعاقبة، جيل احمد الزيدان والملا عثمان الموصلي ورشيد القندرجي ومحمد القبانجي ونجم الشيخلي وحسن خيوكة. ونظراءهم من مطربي الريف حضيري ابو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم، كذلك من كان في أعقابهم كصديقة الملاية وناظم الغزالي ويوسف عمر وجميل الأعظمي وعبد الرحمن خضر .... الخ، ثم تسلّم الجيل مقاعدهم من بعدهم، وعلى رأسهم مؤلف الكتاب نفسه. فاظهر السمات المميزة لكل جيل. فوصف الجيل المتقدم بالتقليدية ولاسيما من عاش في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ممن كانت مشاركتهم في هذا الأداء دينيا ودنيويا.

لقد وضع المؤلف فن المقام العراقي في دراسة أكاديمية على وفق منهج علمي بحثي، يطرح لأول مرة في كتاب يعالج هذا الفن ويفتش عن المستويات المقتدرة والمقلدة والمتعثرة، ووضع لكل منها سماته وصفاته وأوضح عناصر الجودة والضعف فيها، فكان كتابا محللاً وعلاجياً ومقترحاً مستقبليات له.

 

ففي الفصل الأول تناول الأداء المقامي في العراق من منظور تاريخي تطوري، وحاول ان يبين التأثيرات البيئية والحضارية والمعاصرة في هذا الفن، كالتكنولوجيا، وشركات التسجيل، وتطور الدراسة الموسيقية، ودخول المرأة عنصرا في الأداء المقامي ودور الصحافة وظهور حركة النقد الغنائية الموسيقية التي مالت بفن المقام العراقي إلى التجديد والإبداع والتطور.

 

وحاول المؤلف حسين الأعظمي في الفصل الثاني ان يتحدث عن مادة فن المقام، وان يعطي نظرة مستقبلية لهذا الفن، والتوقعات التي تنتظره في الجيل المستقبلي، وحاول تحليل البناء الفني والكشف عن روابط الأداء، وهي محاولة رائدة له في هذا المجال. وإقبال جماهير الناس على سماعة، ومكانة مطربي المقام العراقي بين الناس. ولما كان المقام العراقي يمثل تراثا اجتماعيا وحضاريا، عقد مبحثا لكيفية التعامل مع هذا التراث الغنائي الموسيقي الأصيل، وربط بين اللحن المقامي وأداء الأغنية البغدادية وصلتها باللحن المقامي. كما ربط بين الشكل والمضمون. والإسهاب والإيجاز وتناسب منهجي مبرمج بين الكلمة المغناة واللحن المناسب والموسيقى المصاحبة والصوت المؤدى.

            

ثم تحدث في الفصل الثالث عن الخصوصيات المميزة لفن المقام العراقي عن سائر الفنون الأخرى. فتناول موضوع فهم المقام العراقي وتعلمه وصعوبة تأديته عند البعض، ويسّر تأديته عند البعض الآخر. وتناول محاولات تدوين المقام العراقي وتنويطه وكيفية أدائه والأساليب التي ينبغي للمؤدي ان ينهجها في الأداء.

 

وفي الفصل الرابع تناول المؤلف شخصيات المقام العراقي في حقبة سابقة في ميدان الأداء المقامي. ومعلوم ان المؤلف الاعظمي هو مطرب مشهور. ارتقى خشبة المسرح لأول مرة قبل ثمانية وعشرين عاما حيث غنى مقام المخالف. وكان يومئذ صوت القبانجي في اعوامه الأخيرة، صداحا يحمل من الإبداع والنضج  ما يكون دروسا مؤثرة في اتجاهات المقاميين من الشباب، وتميزا واضحا بين المقاميين الرواد من أمثال حسسن خيوكة وجميل الأعظمي وشهاب الأعظمي ويوسف عمر وناظم الغزالي وهاشم الرجب وبعض المؤديات مثل مائدة نزهت وسليمة مراد.

اجتهد المؤلف حيث وضع إصبعه على أهم ما يميز هذه النخبة من خصائص وسمات فردية وصوتيه وادائية.

 

ان المؤلف حسين اسماعيل الأعظمي يتساءل في هذا الكتاب عن مصير المقام العراقي، ويضع عنوانا لكتابه(المقام العراقي إلى أين؟) وهو يعلم جيدا ان المقام العراقي تراث أصيل وتاريخ حافل بالصدق في التعبير عن ذاتية الأفراد، وتاريخ الأمة وتراثها هما الجذر الذي تعرف به وتنسب إليه، وتتميز بين أمم الأرض. فإذا كان المقام العراقي يمثل الأصالة والجذرية، فلن نستطيع ان نتخلى عن جذورنا وتاريخنا وأصالتنا، وإلا انتهت الأمة واستطاع المتسللون الهدامون نخر أساسها. وقد قلت في قصيدة لي:

 

قالوا غبرت تراث الخالدين وقد             نـراك تبحـث لا ضيق ولا نصـب

(أما ستـترك من أودى زمانـهم / وانك أبـن زمان أمـره عجـب)

(فقلت ذلك اصـلي قد رجعت له / وكيف اعرف لا اصل ولا نسب)

(أنا أبن هذي الربا الخضر التي أنغرست في تربها القيم المعطاء والنشب)

(أنا الذي كتب التاريخ ملحـمة / لامـة تتحـدى كـل ما كـتبوا)

 

ان المقام العراقي فنٌ أصيل وتراث عريق، يمتد في عروق الزمن إلى العصور الجاهلية والإسلامية بدءا من الحداء والركبانية وانتهاء بأنغام منصور زلزل وإبراهيم ابن المهدي وغيرهما. وقد سبق لي ان كتبتُ في جريدة(الزمان) العراقية عام 1962 مقالا بعنوان(العلاف والمقام العراقي) أكدت فيه أن كثيرا من المقامات تمتد في أصولها ونشاتها الى العصور العباسية في مغني بغداد والحواضر الإسلامية العراقية وكان هذا رأي العلاف رحمه الله وهو الخبير المقامي المعروف، هذا الفن يمثل امتدادا حضاريا وأصالة تراثية، فلا بد له من ان يبقى وان دخله بعض التطور في أجزاء من شكله ومضمونه وكيانه))).

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

مجموعة الصور

صورة واحدة / حسين الاعظمي يستضيف الاستاذ الدكتور رشيد العبيدي في ملتقاه الثقافي الاسبوعي الذي يعقده في بيته يوم الخميس من كل اسبوع .

 

 

حسين الاعظمي يستضيف الاستاذ الدكتور رشيد العبيدي في ملتقاه الثقافي الاسبوعي الذي يعقده في بيته يوم الخميس من كل اسبوع .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.