اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

الحقيقة الغائبة: نظراتٌ في أسرارِ أسمهان، وسحرِ فنِّها (ح2)// سيمون عيلوطي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سيمون عيلوطي

 

عرض صفحة الكاتب 

وقفة أخرى مع اسمهان:

الحقيقة الغائبة: نظراتٌ في أسرارِ أسمهان، وسحرِ فنِّها (ح2)

(الحلقة الثانية)

سيمون عيلوطي

 

وقفة لا بُدَّ منها:

أودُّ أن أوضَّح أنني لا أهدف في هذه المقالات إلى سرد حكاية أسمهان الحياتيَّة والفنيَّة، حيث أن سيرتها الذاتيّة، ومسيرتها الفنيّة عولجت في أكثر من كتاب، كما يتوفّر لدى القارئ عشرات المقالات التي كُتِبَت حولها. بإمكان المهتمِّين أن يبحثوا عنها إذا رغبوا. لكنَّني في هذه المقالات أردت أن أتوقَّف عند المحطات التي أراها هامَّة ومفصليّة في حياة وفنّ هذه الفنّانة التي لم يشهد الغناء العربيّ عبر تاريخه الطَّويل، باستثناء أم كلثوم، مطربة بقامتها وبصوتها المعجزة، وإنَّ توقُّفي حول المهم والمفصليّ في حياتها لم يأتِيا حسب تتابع وقوعهما زمنيًا، بل وفق ما يتماشى مع مجريات الوقائع والمواقف التي تفي بهدفي من هذه الإطلالات على أسرارها وفنِّها، ما يعطي صوره شاملة عن الإشكاليات التي رافقت مشوارها، بهدف الوصول إلى استنتاجات تُنْصِف هذه الأميرة فنيًا وإنسانيًا، وتحاول أن تردَّ الغبن الفاحش الذي لحق بها، وأحاطها بإشاعات مغرضة، تتَّهمها زورًا بالجاسوسيَّة تارة، وبالعابثة اللعوب تارة أخرى، وهي من هاتين التُّهمتين براء، كما سنرى من خلال تتبُّعنا لهذه السِّلسلة.  

 

أمَّا اتِّهامها بالجاسوسيَّة، فقد كان أشدُّ لومًا لأنَّه أتاها من أهل القربى، فشدت سنة 1944، موال "يا ديرتي مالك علينا لوم/ لا تعتبي، لومك على من خان"، تقصد ب "لومك على من خان" المخابرات البريطانيَّة التي خانتها ونكثت بوعدها لها بتحرير بلادها من سيطرة قوات الفيشي الفرنسيَّة الموالية لألمانيا النازيَّة.

 

من هذا المنطلق، فأنا لم أعتمد على المراجع التي تطرَّقت لحياة وفنِّ أميرة الغناء العربي بعفشها ونفشها، حيث أنَّ بعض تلك المراجع وقعت تحت تأثير إشاعات بعيدة عن الموضوعيَّة وعن الأمانة الصحافيَة، فذهب أصحابها إلى نسج حكايات مختلقة، أحداثها جرت فقط في خيالهم، دون الأخذ بالاعتبار مدى الإساءة التي لحقت بمطربتنا، وبعضها الآخر جاءت منقوصة، ومحرَّفة عن قصد أو عن غير قصد، فخلصت إلى استنتاجات عجيبة غريبة لا تمتُّ للواقع بصلة، مثل علاقتها برئيس الديوان الملكي، أحمد حسنين باشا، التي تمَّ تضخيمها في  رواية الصحافي محمَّد التَّابِعي ، كما جاءت في كتابة: "أسمهان تروي قصتها" الصادر عن "دار الشروق"، تقول الرِّواية: هذه العلاقة أشعلت نار الغيرة عند الملكة نازلي، والدة الملك فاروق التي كانت تعشق أحمد حسنين باشا إلى حد الجنون، فحقدت على أسمهان، وحاولت إبعادها عن مصر، غير أنَّ القَشَّة التي قصمت ظهر البعير: في انتشار تلك العلاقة، كانت عندما قيل للملكة نازلي إنَّ أسمهان متواجدة برفقة أحمد حسنين باشا في بيت الممثلة أمينة البارودي، وهي صديقة مُقرَّبة للمطربة أسمهان، فما كان منها سوى أن تحمل مسدَّسها وتذهب لقتلها، إلَّا انها لم تجدهما في بيت الممثلة، فعادت  إلى قصرها، تجرُّ أذيال خيبتها، لكنَّها لم تَكُفَّ عن ملاحقة الأميرة الحسناء. 

 

  إزاء هذا الحال: لم أجد مناصًا من إهمال بعض تلك المصادر من جهة، ومن جهة أخرى وجدتُ نفسي أفنِّد وأناقش بعضها الأخر بما يُنْصِف أميرتنا المطربة، مع الأعراف بأنني كلما اقتربتُ من الوصول إلى كشف سر من أسرارها، زادني الكشف غموضًا، وعرقل وصولي نحو فكّ طلاسمها وأسرارها، فاعتمدتُ على الاستنتاجات القابلة للمنطق، والملائمة للواقع العجائبي الذي طبع حياة مطربتنا على مختلف الأصعدة، الحياتيَّة الذاتيَّة، السِّياسيَّة والفنيَّة. 

 

لقد ساقتني هذا البحث إلى التَّفكير في إيجاد وسيلة ما تمكِّنني من التَّواصل مع ابنتها، الأميرة كاميليا حسن الأطرش، بهدف الاستفسار منها عن بعض الأمور التي أحتاجها، لعلَّها تساعدني على فكِّ بعض طلاسم والدتها، الفنَّانة أسمهان، وكشف بعض أسرارها، فتفاجأت أثناء بحثي عن صفحتها على "فيسبوك" بنبأ وفاتها الذي أعلِنَ على صفحة عادل فؤاد الأطرش، رئيس "جمعيَّة محبِّي فريد الأطرش"، مؤكِّدًا وفاة الأميرة كاميليا حسن الأطرش، ابنة الفنِّانة أسمهان،  عن عمر يناهز 85 عامًا، وذلك من خلال منشور تضمَّن مجموعة من صورها عبر فيسبوك، ولفت إلى أن صلاة الجنازة ستقام يوم الإثنين20/٢ /2023 السَّاعة الواحدة ظهراً في دار الطَّائفة الدُّرزية في بيروت. كما ذكرت الصَّفحة أنَّ العزاء سيقام يوم الأربعاء 22/2/2023 في دار الطَّائفة من السَّاعة الثانية عشرة ظهرًا وحتَّى الخامسة عصرًا. 

 

كاميليا الأطرش في سطور:

كاميليا الأطرش هي ابنة أسمهان من زوجها الأمير حسن الأطرش، وقد ولدت عام 1937، وتزوَّجت كاميليا من رياض جنبلاط، وهو لبنانيّ الجنسيَّة ولها منه أربعة أولاد وهم: سهى، فيصل، فادي، وزياد. لم يتّجه أي من أحفاد أسمهان للمجال الفنّي، إلا أن بعضهم يملك حسّاً فنيّاً: فادي يعزف على الجيتار، أما زياد فصوته جميل ويعزف على الجيتار ويغنّي بالأجنبية، ولديه فرقة غنائيَّة على سبيل الهواية وليس الاحتراف. كما أن لفادي ابن يدعى باسل، وهو يشبه كما أكّدت جدّته كاميليا، خالها فريد. أما كاميليا الحفيدة ابنة فادي فتملك شامة أسمهان، حسب ما ذكرته جدّتها كاميليا.

 

 تجدر الإشارة إلى أنَّ الزَّعيم وليد جنبلاط، عم زوج الفقيدة المرحومة كاميليا، نعاها بمنشور حدَّد فيه موعد الدَّفن والتَّعزية المشتركة بين عائلتي جنبلاط والأطرش.             

  كما أنَّ خبر رحيل كاميليا، 1937-2023 احتلَّ معظم وسائل الإعلام المسموعة، المقروءة، والمرئيَّة. والملاحظ أنَّ الخبر جاء تحت عنوان: "رحيل كاميليا الأطرش، ابنة أسمهان عن 85 عامًا" ما يُدلُّ بشكل قاطع على أنَّ الفنّ أخلد من السِّياسة، لذلك لم تحمل عناوين رحيلها اسم والدها، الأمير حسن الأطرش، خشية أَلا يتعرَّف الجُّمهور على هويَّة الفقيدة، رغم المكانة السياسيَّة المرموقة التي بلغها والدها الأمير. فلا غرابة في ذلك، حيث أنَّنا لا تذكر من هو القيصر الذي حكم في زمن الأديب الرُّوسي، تولستوي، (1828-1910م) لكنَّنا نذكر تولستوي، صاحب رواية الحرب والسَّلم. وقد لا نذكر أيضًا من هو الحاكم في زمن الموسيقار بيتهوفين (1770-1827) لكنَّنا نذكر الموسيقار، ونستطيع أن تعدِّد أعماله، أهمها: السيمفونيَّة الخامسة. ومن بيننا من يحفظ ويردَّد بعض مقاطعها عن ظهر قلب.

 

الغريب في هذا الجانب هو أنَّنا لم نزل نجد في مجتمعنا من لا ينظر إلى الفنِّ، بعين الرِّضى، السيد فادي جنبلاط، ابن الرَّاحلة الأميرة كاميليا، كان قد صرَّح لتلفزيون الجديد، أنَّ والدته "عاشت أميرة وراحت أميرة، وصوتها كان أحلى من صوت أمَّها، لكنَّها لم تشأ احتراف فن الغناء مثل جدَّته أسمهان، إلَّا أنها كانت تغني ضمن نطاق العائلة، وقال: (نحنا بيت جنبلاط ما خلِّناها تغنِّي، بتغنِّي لإلنا بس).  جاء هذا الكلام مناقضًا تمامًا لروح عنوان نص النَّعي، وهو: (رحيل كاميليا الأطرش ابنة أسمهان عن 85 عامًا). أنوِّه أنَّ الذي صاغ نعي كاميليا ابنة أسمهان، يعرف دون شك أنَّ الأميرة أسمهان تخلَّت عن الإمارة بالوراثة بين الجدران، لتنطلق في فضاء الحريَّة الواسع نحو مجد إمارة أخرى صنعتها هي بنفسها في عالم الغناء، فأصبحت أميرة الغناء العربيّ، كأنِّي أراها تتربَّع على عرش إمارتها في الغناء، إلى جانب عرش شوقي، أمير الشُّعراء، وبموازاة عرش محمود تيمور، أمير الأدباء. وكأنّي أسمعها في هذه اللحظات تصدح عاتبة: "يا ديرتي مالك علينا لوم" ألحان فريد الأطرش.      

https://www.youtube.com/watch?v=FEAppGRJ02M

 

(يتبع)

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.