اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

• ضابط ٌ مِن القوش

لطيف ـولا

 

جمال الياس ﭘـولا ( 3- نيسان 1962)

ضابط ٌ مِن القوش

 

كان ذلك في اوائل الخمسينيات  ايام البيادر في الصيف والقوش تسودها حركة عمل ، وبيادرها ملأى بمحصول الحنطة والشعير والعدس والحمص والباقلاء ، ومزارع البطيخ على امتداد البصر ،والرجال والنساء شيبا وشبابا وحتى الاطفال كخلية نحل وقرية نمل في حركة دؤوبة لا يعرفون الكلل ولا الملل . يصنعون رغيف خبزهم من عرق جبينهم ، يجمعون ما زرعوه قبل شهور ليعيلهم في موسم البرد القادم من مؤن يكفيهم لسد رمقهم طوال موسم الخريف والشتاء. اجل لازلتُ اتذكر تلك الايام ..ايام صنع رغيف الخبز  في البيادر  وكور الجص والبساتين ومزارع البطيخ وما يرافقها من اعمال كانت سببا في ازدهار  النجارة والحدادة وصنع البرادع والاحذية والحياكة والبقالة ، كل ذلك من اجل الاكتفاء الذاتي لبلدة عريقة تنبض بالحياة في لفح جبل منذ آلاف السنين واسمها القوش أم الابطال المناضلين

والبطاركة الصالحين والخطاطين المشهورين والمعلمين المؤمنين والفلاحين الدؤوبين والعمال الواعيين والرعاة الجبليين الماهرين والشعراء والادباء والفناين والمثقفين الوطنيين .                                          

رغم كون الحقل والبيدر والتجارة والاعمال الحرة الاخرى التي ورد ذكرها كانت مصدر رزق العائلة الالقوشية ، إلا ان طموحهم في تعليم ابنائهم واهتمامهم بالعلم

  والثقافة والمدرسة لم يقل عن إهتمامهم بايمانهم وبكنيستهم . فكان الاباء والامهات يتحملون عبء تكاليف دراسة ابنائهم ومصارفهم الباهضة . إذ كانوا يرسلونهم الى دهوك والموصل وبغداد لمواصلة دراستهم لتحقيق اهدافهم في الحصول على شهادة تؤهلهم لنيل وظيفة في الدولة . فكان من ابناء القوش  منذ نشوء الدولة العراقية في 1921م موظفون ماهرون ومعلمون ومحاسبون واطباء وضباط ومناضلون في الحركات السياسية الوطنية ساهموا في تطوير المجتمع وبناء الوطن والذود عنهما بالغالي والنفيس . لقد دخل المئات منهم السجون كمناضلين ونال العشرات منهم  شرف الاستشهاد في سبيل الوطن والشعب .. ومن بين هؤلاء المناضلين الابطال ابن عمنا جمال الياس ـولا ..اتذكره جيدا كما قلت اعلاه ، في اوائل الخمسينيات وكنت طفلا صغيرا مع والدي في بيدرهم الكائن خلف دائرة البريد الكائنة قرب متوسطة القوش للبنين . وفي منتصف النهار كان وقت استراحة العاملين في البيدر والدواب .. إمتطى الشاب جمال الياس ـولا ، وكان في الرابعة او الخامسة عشر من عمره ، فرسا تدعى( سيفو  ) كميت داكنة اللون ، وكان شابا رشيقا مفعما بالحيوية والنشاط .. وما ان استوى فوق فرسه راح ينهب الارض نهبا ..وبعد وقت  قصير رأيته عائدا على فرسه ومعه  زنبيل مملوء بالعنب  وضعه امام الحاضرين  ليشاركوه باكله ..اجل تلك البيادر صنعت فرسانا عركتهم الحياة وخبرت معدنهم .

وفي عام 1956م دخل المرحوم جمال الكلية العسكرية وتخرج منها عام 1959 م ملازم ثاني في الجيش العراقي صنف الدروع . وكان رقم الدورة التي تخرج منها ( 35 ) . ومن الضباط الذين تخرجوا معه في نفس الدورة المذكورة عدنان خيرالله طلفاح . وكانت دورة (35 ) اول دورة تخرج ٍ بعد ثورة 14 تموز عام 1958 م. قام  الزعيم عبد الكريم قاسم بتوزيع شهادات التخرج للدورة المذكورة . عُرف الضابط جمال الياس ولا بحماسه الوطني ونشاطه العسكري وحبه لشعبه ولمهنته . أُعتقل بعد انقلاب   8 شباط 1963م وقدم الى المجلس العرفي العسكري الرابع في كركوك وكان يرأسه نوري صالح الراوي وحكم عليه بالسجن خمس سنوات .

ارسل بعد قرار الحكم الصادر ظلما بحقه الى نقرة السلمان . اما التهمة التي وجهت اليه كانت مؤازرته لنظام حكم عبد الكريم قاسم ومشاركته في التظاهرة المليونية في عيد العمال 1959 م كشيوعي . وكان قد ردد شعارا  اثناء الاحتفال بتخرج دورته (((دال دال بلشفية فيها جمال الياس ما بيها بعثية )))!!!! . امضى في سجن نقرة                                      

السلمان ثلاث سنوات وخمسة اشهر ..

وبعد استلام عبد الرحمن عارف زمام الحكم في العراق اصدر قانون العفو  وكان جمال من بين الذين شملهم العفو . اطلق سراحه في حزيران 1966م واحيل الى

 وظيفة مدنية عمل ملاحظا إداريا في شركة الزيوت النباتية . استمر في الوظيفة حتى 21- 3 -1972 م حين زُرق بابرة في المستشفى كانت سببا لنقل الفايروس الكبدي اليه والذي لم يمهله اكثر من ساعات ادى الى قتله ...

 وباعتقادي كان ذلك مسلسلا لتصفية الضباط المناضلين الاحرار .. لقد شيُع المرحوم في بغداد بموكب رسمي وعسكري ضم زملاءه من الضباط المناضلين والوطنيين من الذين كانوا معه في الجيش وفي سجن نقرة السلمان .  ومن الجدير بالذكر ان الضابط المناضل الشهيد جمال الياس ـولا هو الشقيق الاصغر للمناضل الشيوعي الرائد حبيب الياس ولا والذي كان بدوره اول خريج جامعة في القوش نظم منذ اوائل الاربعينيات عددا من الشباب في صفوف الحزب الشيوعي ومن الذين كسبهم الى صفوف الحزب الاستاذ رحيم قلو والاستاذ موسى نوح . حيث ورد في مذكرات الاستاذ رحيم قلو ان المرحوم  حبيب الياس ولا هو الذي كسبهم الى الحزب عام 1942 م في بغداد . وهو ايضا ابن عم الشهيد المرحوم هرمز ولا (عم كاتب هذه السطور ) وكان العم الشهيد هرمز ولا قد استشهد في معارك الفلوجة عام 1941 م اثر غارة جوية بريطانية على قواتنا المسلحة وهو ايضا  ابن عم الشهيد المقدم المرحوم وليد جميل توسا ـولا والذي سبقه في الاستشهاد ايضا اخوه الشهيد المرحوم كريم جميل توسا ـولا  وهو ايضا ابن عم الشهيد غانم كريم ولا وابن عم اخي الشهيد اسعد ولا وابن عم الشاعر الفنان فاضل ولا وابن عم اللواء الركن صبري موسى ولا وابن عم كاتب هذه السطور اخوكـــم لطيف ـــولا.. واي شرف ارفع من ان يكون الانسان ضمن موكب المناضلين في سبيل الشعب والوطن والانسانية ؟؟؟؟

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.