اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

المأزق المنهجي لنظرية المثل// د. عدنان عويّد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. عدنان عويّد

 

عرض صفحة الكاتب 

المأزق المنهجي لنظرية المثل

د. عدنان عويّد

 

أولاً: المثاليّة الأفلاطونيّة.

     ظلت المثل تشكل المنطلق المعرفي والسلوكي للكثير من الفلاسفة والكتاب والأدباء والفنانين الذين اعتقدوا بأن المعرفة تكمن خارج العالم الحسي أو الإدراكي. أي هي معرفة تأتي أو تتشكل من داخل عقل الإنسان وتأمله أو حدسيته, أو من عالم آخر مفارق لواقعه. هذا ويُعتبر أفلاطون مؤسس نظريّة المثل, حيث يذهب إلى أن الفكر المجرد عن الواقع هو الحقيقة الكبرى في الوجود, التي لو أسقطناها من الاعتبار, فإن الواقع كله سيسقط, وهو يُفَصِلْ ذلك في نظريّة المثل التي تعني عنده التالي:

     إن المثل عنده غير مقيّدة بالزمان أو المكان, وهي بالتالي غير مخلوقة, وليس للواقع أي دور في إنتاجها أو التأثير فيها, وهي جوهر الخير والحق المطلقان, والفيلسوف بعد أن يرى حقائق الأشياء كما هي في عالم المثل, عليه بعد ذلك أن يعود إلى الكهف, أي إلى واقع الحياة وعلاقات الناس الاجتماعيّة كي يمارس هذه المثل. (1).

 

     إذن, إن القاعدة التي يفسر بها أفلاطون الأشياء, أو الأحداث الاجتماعيّة, هي قاعدة تكمن خارج الكهف, (أي خارج الوجود الاجتماعي). وإن الإنسان وحده القادر أن يطل على عالم المثل ويدرك حقائق الأشياء, وهو وحده الذي يختص بفن إدارة وسن القوانين التي تضبط عالم الكهف. أو بتعبير آخر إن نظرية المُثُل نظرية تعني بأن عالم ما قبل العالم الحسي أو المادي، يكون فيه الإنسان على علم بجميع العلوم والخفايا بشكل مسبق، وعند ذهابه إلى العالم الحسي (أي عالم الكهف) يكون قد نسي كل هذه العلوم، وما عليه إلا أن يتذكرها في هذا العالم الحسي, ويعيد تجسيدها في الواقع المعيوش.

 

     هذا ويعود أصل (فكرة المثل) أو نظريّة المثل إلى عمليّة التمييز بين الحقيقة المجردة (المثل) والمظاهر أو الأشياء الظاهرة، ويعتقد أفلاطون أن العالم الذي نلمسه من خلال الحواس، ونختبره من خلال التجربة, هو عالم غير حقيقي، بل هو عالم مشابه أو مستنسخ من العالم الحقيقي المجرد (المثل) بصورة غير كاملة إلى حد ما. وحسب رأيه: (ففي هذا العالم تتغير الأشياء أي الظواهر، فهي تأتي وتذهب، لذلك هو عالم الاخطاء الكثيرة. لكنه يرى أن هناك عالماً حقيقيّاً توجد فيه كل الاشياء الحقيقيّة التي تتصف بالكمال ولها مثيلاتها المشابهة لها إلى حد ما, أو المستنسخة منها في عالمنا المحسوس. وسمى افلاطون هذا العالم عالم الحقيقية أو الصحيح. هذا العالم الذي يعتقد أفلاطون بأنه مستقل عن كل شيء, وغير مـتأثر بالتغيرات التي تحصل للعالم الذي نختبره عن طريق الحواس.(2).

 

     إذاً وبتعبير أخر: إن الفلسفة الأفلاطونيّة في المحصلة, تجعل عالمنا التجريبي والمحسوس تابعا لعالم الأفكار أو المثل، ففيما وراء العالم المحسوس والمتغير والخاضع للصيرورة والسيرورة, هناك وجود لحقائق ثابتة، وهي موضوعات الفكر الخالص، بل هي نماذج الأشياء ذاتها، إنها الأفكار أو المثل. وتتميز هذه المثل (الماهيات) بكونها غير مدركة, رغم كونها أكثر واقعيّة من الموضوعات الحسيّة، وهي التي تؤسس معقوليتها وتعطيها مشروعيّتها. وعلى هذا الأساس, هو يشير إلى وجود ثنائيّة جوهريّة في فلسفته، وهي ثنائية الدال والمدلول. والمقصود بالدال هنا هو هذا العالم المادي المحسوس، والمدلول هو العالم المثالي المتعالي المحتجب عن الرؤية, وبسبب هذا الحجب (فإن الفلسفة الأفلاطونيّة تحتقر الحواس إلى حد كبير كوسيلة للمعرفة، وتقول إن الإنسان يمكن أن يصل إلى المعرفة من خلال تجاوز الحواس والمادة، بالرجوع للعقل والتأمل أولاً, بالإضافة للحواس، وأنه إذا تم الوصول للمعرفة, فإنه يمكن أن تكون متداولة بين البشر من خلال اللغة.). (3).

 

العالم المادي:

     يقول افلاطون: إن عالم المادة يحكمه قانون آخر في الكون، هذا العالم الذي ليس فيه أي شيء من عالم الكمال أو المثل الذي تكلمنا عنه الآن. أي أنه عالم المادة الأوليّة الذي صورت فيه أو بصمت عليه أفكار عالم المثل. فهو يقول: (لنفكر في عمل النحات، ولنفرض أن لديه فكرة في صنع تمثال معين من مادة الرخام، لنقل الآن إن الفكرة هي (صورة التمثال) وهي مستقلة عن كل أنواع الرخام أو المادة الأوليّة الموجود في الكون، لكن بالنسبة للرخام (أي المادة الأوليّة) هناك حالة ضروريّة (قانون طبيعي حسب رأي افلاطون) تتطلب إيجادها من أجل أن تكون مدركة أو معروفة للأخرين عن طريق الحواس. لذلك أخذ النحات قطعة من الرخام ونحت عليها صورة التمثال الذي يرغبها. وبالتالي, فالرخام كمادة أوليّة انطبعت عليها فكرة التمثال، وبدون فكرة النحات لم يكن هناك أي احتمال ان يُكون الرخام هذا التمثال بذاته، لكن النحات يستطيع عمل عدة أنواع من التماثيل من نفس الفكرة دون أن تتأثر بها الفكرة الاصليّة, أي فكرة التمثال. (4)

 

      إن عالمنا إذن ليس عالماً حقيقياً, لكنه عالم مبصومة أو مطبوعة عليها فكرة الحقيقة. لذلك يقول افلاطون: (إن معرفتنا عن الحقيقة هي كمعرفة الجالسين في الكهف أمام النار ويرون ظلال أشخاص يمرون من خلفهم على جدار الكهف، لذلك العالم المادي هو غير كامل، بل هو عالم الاخطاء، عالم النقص. ولا يعود نقصه إلى عالم المثل أو الحقيقي.). (5).

 

نقد نظريّة المثل الأفلاطونيّة :

ثانياً: منهج أرسطو ونظريّة الجوهر:

     لقد خالف أرسطو أفلاطون في نظريّة المثل, باعتبار أن فكرة المثل المطلقة هذه, فكرة تلتف بالغموض والابهام, وهي ذات صفات غير محددة, وبالتالي, لا تصلح أن تكون مرتكزاً أصوليّاً يفسر ظاهرات الحياة ويعطيها معنى واتجاها, لأنه كيف تتم عمليّة تفسير الحياة بإرجاعها إلى قوة لا مواصفات لها وتحتاج هي نفسها للتفسير.

 

      لقد رفض أرسطو فكرة المثل, واستعان عنها بفكرة الجوهر, فبدلاً من القول بأن الحقائق المطلقة الاشياء توجد في عالم المثل, ينبغي أن يقال إن كل شيء (ظاهرة) جوهر, وأن حقيقة الشيء تكمن في جوهره, بدلاً من القول بأن العالم يحكم من خارج الكهف الاجتماعي ويرى في عالم المثل, وينبغي أن يقال إن الفرد والمجتمع والدولة كلها كيانات تسعى لتحقيق وجودها. وإن القانون الذي يسنه الحاكم ويطبقه في المجتمع, ليس قانونا يهبط من عالم المثل, إنما هو قانون يكتشف ويؤخذ من واقع العالم الاجتماعي. (6).

 

ثالثاً: الديانات وعالم المثل (الفضيلة):

     اعتبرت نظريّة المثل (الفضيلة) في الدين برأيي نتاج سلطة عليا مقدسة, وبالتالي تحولت المثل في شريعة هذه الديانات إلى نصوص مقدسة يحويها معبد ويحرسها رجال دين, وفي الأغلب رجال سياسة. وهي صالحة برأي حملتها لكل زمان ومكان, وما على الناس إلا الالتزام بنصوص الدين والسعي لتطبيقها في الواقع, وأي خروج عنها هو خروج عن عالم المقدس, أي عالم المثل. أي بدعة وضلالة.

 

نقد نظريات المثل – النظرية العلميّة في المعرفة:

     يرى أصحاب أو دعاة هذه النظريّة وأنا واحد منهم, أن هناك قوانين كامنة في الطبيعة وفي عالم الروابط الاجتماعيّة, وهي قوانين ثابتة ومستقلة عن وعي وإرادة الإنسان لا تتغير في الزمان والمكان, إلا أنها تقر بحركة وتطور وتبدل الظواهر, وأن هناك علاقة جدليّة ما بين أشكالها ومضامينها, وداخلها وخارجها, ومكونات أجزائها, يكتشفها الإنسان من خلال استخدام عقله وحواسه وتجربته, وبالتالي استخلاص الكثير من المعارف العلميّة من خلالها  أيضاً,  ثم يقوم بتوظيفها لمصلحته. ومن خلال معرفته لهذه القوانين الموضوعيّة وآليّة عملها, يكتشف الإنسان أسباب استغلاله وظلمه وجهله وتشيئه واستلابه وتغريبه, مثلما يكتشف سر حريته وعدالته, ومساواته اجتماعيّاً, وحق الحياة, والمساواة أمام القانون, وحق الملكيّة, والأمن والاستقرار, ومقاومة الظلم... الخ.

 

كاتب وباحث من سوريّة

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- للاستزادة في معرفة نظرية المثل عند أفلاطون العودة إلى موقع : (المرسال - نظرية المثل عند أفلاطون - دينا محمود).

2- (لمعرفة الركيزة الأساسية لنظرية المثل عند أفلاطون – راجع : (موقع ريندات 2023 نظرية المثل عند أفلاطون: مفهومها والركيزة الأساسية فيها.).

3- موقع وكيبيديا.

4- موقع ويكيبيديا.

5- موقع وكيبيديا.

6- أنظر إلى تعريف سقراط للجوهر:(موقع المعرفة – مفهوم الجوهر.), وكذلك نقد نظرية المثل الفلاطونية من قبل سقراط – (موقع المرسال - نظرية المثل عند أفلاطون - دينا محمود).

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.