اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

تكافل ...!- قصة قصيرة// عبد الرضا المادح

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

عبد الرضا المادح

 

عرض صفحة الكاتب 

تكافل ...!- قصة قصيرة

عبد الرضا المادح

 

تحت جنح الظلام المشوش، بخيوط ضوء تأتي من بعيد باهتة، ترسم ظلالها المتكسر على جدار متهالك، تسلق بصمت الى داخل باحة الدار، تلفت ذات اليمين وذات الشمال، لم يرى إلا اشباح اشياء لم تثر اهتمامه، تحرك بحذر واقترب من باب غرفة غير موصد باحكام، وضع اذنه على حافة الباب محاولاً إلتقاط صوت تنفس أو شخير، إطمأن ودفع الباب بهدوء، أنهال عليه ظلام المكان، اغلق الباب واشعل مصباحه اليدوي، إنكشف أمامه مشهد مُحبط، فلم يجد سوى اواني معدنية قديمة صدِئة، وحطاماً من اواني فخارية وزجاجية وخرق قماش بالية متناثرة على ارضية الغرفة، مطّ  رقبته من خلال الباب ليتأكد من خلوّ باحة الدار، ارتعب وتسمر في مكانه فقد لاحظ انبعاث ضوء من شق باب غرفة اخرى، بقي يراقب لدقائق عديدة، لم يسمع صوت حركة، اقترب بخطوات قط متأهب للأنقضاض على فريسته أو الهرب، تلصص من خلال الفتحة الضيقة فوقع بصره على مشهد اثار حزنه، امرأة طاعنة في السن تتدلى قدميها النحيفتين من حافة سرير متهالك، مدت يدها المرتجفة لتناول قدح الماء من على طاولة صغيرة امامها ، انقلب القدح وانسكب ما تبقى فيه من الماء، ثم تهاوى جسدها الهزيل على الارض، اعتصر المشهد قلبه ودون اكتراث لأفتضاح أمره ، اسرع إليها:

- السلام عليك يا حاجّة .

 رفعها بين يديه ليعيدها الى سريرها .

-- بصوت مكتوم ومرعوب وهي ترتعش كالسعفة اجابت : مـ...من أنت ؟  حمامي ؟

لشدة خوفها وارتباكها خانها التعبير فكررت : حـ... حـرامي !

ناولها كأس الماء : تفضلي يا حاجّة اشربي واهدأي ولا تخافي مني .

رشفت جرعة ماء ازاحت قليلا من خوفها: لم تقل لي من أنت وكيف دخلت بيتي؟!

ركزت عينيها الغائرتين في محجريهما في وجه الغريب عسى أن تتعرف عليه !

- اعذريني فقد جأت ابحث عن ما اسد به جوع اطفالي الخمسة وزوجتي المريضة!

لمع الحنان في قلبها كقطعة ذهب من الزمن الماضي ، ومرّ مشهد اطفالها سريعا على شاشة الذاكرة التي فزت من سباتها العميق ، فرأت كيف كانوا يتراقصون حولها بأنتظار مائدة الطعام اللذيذ الذي كانت تُعدّه لهم كل يوم ، ارتسمت ابتسامة واهنة على تجاعيد خديها الذابلين وقالت :

-- لماذا لا تعمل لتطعم عائلتك بلقمة حلال ؟!

- فقدت العمل منذ فترة طويلة وحاولت عبثاً أن اجد عملاً جديداً !

رقّ قلبها وقالت :

-- مدّ يدك تحت السرير وناولني الصندوق الخشبي .

وضع بين يديها الصندوق الصغير ، رفعت الغطاء ودست يدها فأخرجت صرة قماش قديمة ، فتحتها لتكشف عن رزمة نقود ليست بالكبيرة وقالت :

-- تفضل فهي حلال لك لتطعم عائلتك !

اصابه الارتباك وتصبب العرق من جبينه خجلاً ، حاول أن يغير من الحديث فسألها :

- هل لديك أحد يرعاك ويطعمك ؟

-- أبنائي هاجروا الى بلدان بعيدة هرباً من الحروب ، الأصغر منهم وعائلته غرقوا في البحر وزوجي توفى منذ سنتين . التمع الضوء الحزين منكسرا على دمعة وهي تنساب في اخاديد حفرها الزمن على وجهها ، وخرجت من فمها آهة اشبه بالنحيب !

ساد الصمت في سكون الغرفة المشبع بالرطوبة ورائحة عفن الأفرشة القديمة .

- كيف اسمح لنفسي أن آخذ نقودك وأنت وحيدة بلا مورد !

--  أنا لم يبقى لي من العمر طويلاً  وقليل من الطعام يكفيني ، ولا يرضى ضميري أن يبقى اطفالك بلا طعام ، واُحلفك لن تخرج إلا والنقود معك !

قبل جبينها والابتسامة تشع على وجهها وقال :

- سأقتصد بشراء الطعام لنا جميعاً لحين حصولي على عمل ، وأوعدك بأن زوجتي ستأتي لك يومياً بالطعام وتقوم بخدمتك !

سحب الغطاء فوق جسدها النحيل ودّعها وخرج .

عبد الرضا المادح

2020.04.20

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.