اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الدفان والحرب- قصة قصيرة// عبد الرضا المادح

تقييم المستخدم:  / 4
سيئجيد 

عبد الرضا المادح

 

عرض صفحة الكاتب 

الدفان والحرب- قصة قصيرة

عبد الرضا المادح

 

في المقبرة المترامية الاطراف، كان العمل المُنهِك في حفر القبور يتواصل ليل نهار بلا انقطاع. كرر المذيع بحماس وبلا ملل اخبار الانتصارات الساحقة في الجبهات. مَد يده من القبر إلى حافته ليرفع صوت المذياع، الذي يرافقه باستمرا ليبدد وحشته بين الموتى. على انغام المارشات العسكرية والاناشيد الوطنية تزداد همته في نبش الارض وقلب تربتها. رائحة التربة تمتزج مع الرائحة المتسللة من القبر المجاور. الساكنون هناك اُجبروا على ان يتدافعوا بمناكبهم وكأنهم في ساحة التدريب. معظمهم دفنوا عراة بلا كفن. كان القرار صريحاً، أن تُدخر الاموال لتحقيق النصر.

 

وضع معوله جانباً واتكأ على جدار القبر ماداً رجليه ليشغل نصف الحفرة. اخذ جرعة ماء من الكوز الفخاري. شعر ببرودة الماء في بلعومه رغم حرارة الطقس التي تزيد القبر اختناقاً.

 

تساءل مع نفسه ان كان الجندي المُسجي بجانبه، قد توفرت له جرعة ماء في الخندق الامامي، قبل ان تصرعه طلقة من الشرق.

ـ  ماذا يغيّر ذلك في الامر ان حصل على الماء ام لا، فالموت واحدُ...! ردّد مع نفسه بصوت ابتلعه سكون القبر.

ـ  ماذا لو انتهت الحرب...؟

ـ  ستلفظني القبور الى رصيف البطالة والتسكع...!

ـ  هناك المئات من حولي يسترزقون على طوابير الاموات...!

ـ  رحمتك ربي...!

ـ  الموت ولا الجوع...!

فجأة تذكر ان اخاه لايزال في الجبهة فشعر بأنفاسه تختنق.

ـ  استغفر الله...!

 

اشعل سيكارة واخذ نفساً عميقاً لينتشر خدر لذيذ في جسده، عسى أن يبدد الخوف الذي لم يألفه بين الحفر المتناثرة. نهض من مكانه ليبرز رأسه من القبر فيلمح لمعان القبة الذهبية.

ـ  احفظ لي اخي يا أمير المؤمنين...!

 

تناول المعول ليواصل الحفر. ضربات المعول تتسارع مع ازدياد نبضات قلبه. انتابه شعور لم يألفه من قبل. التفت من حوله فتاهت نظراته بين جدران القبر الرطبة، قرر أن ينهي عمله قبل أوانه.

 

مدّ يديه ليمسك بقدمي الجثة التي ملّت الانتظار تحت وهج الشمس، سحبها بقوة لتهوي إلى قعر القبر. انزاحت قليلاً قطعة القماش التي سترت وجه الميت، لتتدلى سلسلة فيها لوح معدني.

 

قرّب الدفان وجهه ليقرأ المكتوب عليها، فخرّ صريعاً، لتتعانق الجثتان بصمت.

 

عبد الرضا المادح

ستوكهولم

03/05/2007

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.