اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ألمسـألة الآشـورية بين مظالم الأكثرية والمعاهدات الدولية// وليم أشعيا عوديشو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

ألمسـألة الآشـورية بين مظالم الأكثرية والمعاهدات الدولية

وليم أشعيا عوديشو

 

لا توجد مسألة في تأريخ العراق السياسي الحديث عانت من تهميش وتحريف أكثر مما عانت منه المسألة الآشورية من حيث تناولها بشكل غير موضوعي ومنحاز في محاولة لتشويه تأريخهم وطموحاتهم الوطنية المشروعة في العراق وطنهم الذي عاشوا فيه منذ آلاف السنين. كانت آثار المرحلة الاستعمارية قد انعكست على مجمل عالمنا المشرقي منذ القرن التاسع عشر وشكل العراق والمنطقة عموماً وما تزال موقع جذب للقوى الكبرى لأسباب سياسية واقتصادية ليتعذر الفصل بين تطور الحياة السياسية والاجتماعية العراقية وسياق العلاقات الدولية الذي تركز في الغرب سابقاً وظهور ما سمي في حينها بالمسألة الشرقية تلك المسألة التي انطوت على تدخلات غربية تحت شعار حماية المسيحيون في الشرق الذي كان خاضعاً للدولة العثمانية وما تبعها من حروب وتداعيات. ومع فتح العثمانيون أبواب الشرق أمام البعثات التبشيرية الغربية منذ القرن الثامن عشر لتبدأ سلسلة من التعقيدات والذي ساهم في إشعال حرب القرم(1853-1856)بين روسيا القيصرية من جهة والدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى ولتتفاعل تلك المواقف والتدخلات الدولية مع الأوضاع الاجتماعية والديموغرافية للمسيحيون في الشرق وخاصة لدى الآشوريون الذين انقسموا كنسياً الى عدة طوائف كالكلدان والسريان والموارنة. وتمت تسوية المسألة الشرقية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وبما يتوافق مع مصالح الدول المنتصرة(روسيا وفرنسا وبريطانيا) وتقسيم عالمنا المشرقي الى عدة دول بموجب اتفاقية سايكس- بيكو(1915) ولذلك كان من الطبيعي أن تتفاعل المسألة الآشورية مع تطور الأحداث في شمال العراق وجنوب شرق تركيا وأن تصبح لاحقاً ضحية التسويات بين العراق وبريطانيا وتركيا إلى جانب القضية الكوردية . ويجدر الاشارة هنا إلى أن الآشوريين قبل الحرب العالمية الاولى كانوا يعيشون أساساً في الامبراطورية العثمانية(العراق, سوريا, لبنان, تركيا) وفي إيران وكانوا يتمركزون في ولايات الموصل وحكاري وأرضروم ووان وأورمية والجزيرة السورية وقد أطلقت عليهم تسمية آشوريو حكاري أو آشوريو الجبال(حكاري ولاية تقع اليوم في جنوب شرق تركيا وكانت ضمن شمال بلاد ما بين النهرين سابقاً قبل تخطيط الحدود في العقد الثاني من القرن المنصرم) في حين يمثل آشوريو السهول كافة الآشوريين الذين عاشوا في المناطق الواقعة في أورمية وعينكاوة والموصل وأطرافها المعروفين طائفياً باسم الكلدان والسريان وشمال الموصل(دهوك حالياً) في زاخو وبرواري بالا والعمادية وعقرة) وكان آشوريو الجبال لا يخضعون لكامل القوانين العثمانية وطوروا لأنفسهم نظاماً خاصاً لإدارة شؤونهم الخاصة . عانى الآشوريون الكثير من حملات الإبادة والتطهير العرقي والديني وكانوا من أوائل ضحايا الارهاب المنظم وارهاب الجماعات ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى دخل الآشوريون غمار الحرب ضد الدولة العثمانية الى جانب الحلفاء كخيار لا بد منه أملاً في الحرية والكرامة وبالرغم من كونهم قوة قتالية غير نظامية حسب المقاييس العسكرية إلا أن الروح القتالية العالية والمهارة التي عرفوا بها في في الحروب الجبلية والمناطق التي كانوا يسيطرون عليها والتي شكلت البوابة الأكثر أماناً لتقدم القوات الروسية وعرقلة تقدم القوات التركية باتجاه آسيا الوسطى وإيران كل تلك الأمور جعلت من دخولهم الحرب ذو أهمية سوقية في الاستراتيجية العسكرية على المدى البعيد . كان دخولهم الحرب قد جلب عليهم سلسلة من الكوارث والتي وصلت ذروتها عام(1915) مع إعلان الدولة العثمانية الجهاد المقدس ضدهم لتبدأ المذابح الرهيبة ونزوحهم مع عوائلهم في مسيرة الموت التي توجب فيها عليهم شق طرقهم التي كان يسيطر عليها أعدائهم باتجاه الأراضي الإيرانية ليفقدوا في تلك المسيرة حوالي ثلثي عددهم من جراء القتال المتواصل والامراض والمجاعة. ورغم اعتراف بريطانيا بالآشوريين كحلفاء في الصراع ضد المانيا والدولة العثمانية حسب ما جاء على لسان ممثل القوات البريطانية في قيادة ما وراء القفقاس في الاجتماع الموسع الذي عقد في مدينة أورميا الإيرانية (28/1/1917) والذي حضره الزعماء الآشوريون مع قادة عسكريون من فرنسا وروسيا إضافة إلى بيان الحكومة البريطانية (31/5/1924) والذي نص: (أن الحكومة البريطانية تنظر في حماية مصالح الشعب الآشوري واضعةً نصب عينيها الخدمات التي أدوها لقضية الحلفاء أثناء الحرب العظمى وعلاقتهم في المستقبل بالدولة العراقية وقد قررت أن تسعى إلى مد حدودها إلى أبعد حد ممكن في الشمال لكي تستحوذ على القسم الأكبر من الشعب الآشوري). المصدر(تأريخ الوزارات العراقية).عبدالرزاق الحسني. إلا أن منظمة عصبة الأمم(منظمة تشكلت في 28/4/1919 من قبل الدول الموقعة على معاهدة فرساي من أجل حفظ الأمن والسلام في العالم وكان مركزها مدينة جنيف واستمرت حتى الأول من حزيران (1946) لتحل محلها منظمة الأمم المتحدة )وبريطانيا تعاملت مع المسألة الآشورية بطريقة ملتوية لتمر بمراحل معقدة وليتشتت بسببها الشعب الآشوري في المنافي حيث طرحت لأول مرة للمناقشة أمام مؤتمر الصلح الحكيم(30/10/1918)بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ولم يتم التوصل الى أي حل منطقي فقرر آشوريو الجبال إعادة أراضيهم التي فقدوها بسبب أحداث الحرب بقوة السلاح وفعلاً بدأت حملتهم العسكرية في أواسط تشرين الأول(1920)إلا أن الحملة لم تحقق أهدافها لسببين أولهما لوجستي حيث بدأ هطول الأمطار وتساقط الثلوج بغزارة وثانيهما سياسي وهو عدم رغبة بريطانيا بنجاح تلك الحملة ليتسنى لها المطالبة بولاية الموصل بعد اكتشاف النفط فيها واستخدام اراضي آشوريو حكاري(شمال الموصل) كورقة للمساومة. وبعدها كان من المقرر مشاركة وفود آشورية في مؤتمر باريس السلمي(1919) ولكن تلك الوفود لم تستطيع الوصول كاملة الى مكان المؤتمر لأسباب سياسية والوفد الذي وصل متأخراً لم يتسنى له احراز أي نجاح يذكر بسبب إزدواجية المعايير التي أتخذها المؤتمرون وبما يؤمن مصالح الدول الكبرى فقط وهكذا ضاع أمل الآشوريون في حل محنتهم في ذلك التجمع الدولي. وعندما عقدت معاهدة سيفر(10/8/1920) نصت المادة(63) على أنه يجب أن تضمن للآشوريين إمكانية التطور القومي وإعادة كافة أراضيهم وممتلكاتهم التي فقدوها أثناء الحرب وأفردت تلك المعاهدة أيضاً ضمن المادة(62-64) ما يضمن حل المشكلة الكوردية ولكن تلك المعاهدة ولدت ميتة ولم تحقق شيئاً يذكر وبعدها أضيفت المسألة الآشورية الى جدول أعمال مؤتمر لوزان والذي عقد من أجل استبدال مقررات معاهدة سيفر والذي أستمر من(20/تشرين الثاني/1922 حتى 24/تموز/1923) بعد استعادة تركيا لدورها السياسي والعسكري ونوقشت المسألة الآشورية ومصير المهجرون الآشوريون بسبب أحداث الحرب ومصير ولاية الموصل بدون التوصل الى أية حلول لذلك تم تأجيل بحث تلك الأمور وإضافتها إلى جدول أعمال مؤتمر القسطنطينية الذي عقد ضمن إطار عصبة الأمم للفترة من(19/مايس-5/حزيران/1924) وانطلاقاً من التصورات الاستراتيجية طلب ممثل بريطانيا بيرسي كوكس(الضابط السياسي الأول في العراق للفترة من 1916-1918)في ذلك المؤتمر توسيع الحدود الشمالية للعراق على حساب ولاية حكاري(موطن آشوريي الجبال) مبرراً طلبه بعدم رغبة الآشوريين في العيش مجدداً تحت ظل الاضطهاد ورفض تركيا القاطع في عودتهم الى أراضيهم في تلك الجبال قبل تخطيط الحدود بين تركيا والعراق بشكل نهائي. وفي السادس من آب(1924) طلبت الحكومة البريطانية من عصبة الأمم إدراج مسألة تسوية الحدود العراقية التركية ضمن جدول أعمال الدورة(30) لمجلس العصبة وحصل الاقرار بالتسوية النهائية لمشكلة الحدود في (تشرين أول من عام 1924) والذي سمي بخط بروكسل وأصبح ساري المفعول واعتمد في حل النزاع الحدودي بين الدولتين واعتراف اللجنة المشكلة بذلك الخصوص في ضرورة حماية الآشوريين الذين أصبحت بعض أراضيهم شمال خط بروكسل في الجانب التركي والقسم الآخر جنوب الخط في شمال العراق وهكذا بقيت ولاية الموصل جزء من الدولة العراقية الحديثة وللأمانة التأريخية نشير هنا الى الدور المهم الذي لعبه الآشوريون وخاصة آشوريو حكاري في حسم ضم ولاية الموصل الى العراق(16/12/1925) حيث تجلى دورهم هذا من الناحيتين العسكرية والسياسية فعسكرياً قامت الوحدات النظامية الآشورية بصد غارات القوات التركية وأصبحت القوة الوحيدة التي تحرس الحدود الشمالية في الوقت الذي كان فيه الجيش العراقي في مرحلة التكوين وسياسياً في مطالبتهم بضم منطقة حكاري الى العراق(بالرغم من أنه لم يتم الاستجابة لذلك الطلب) إلا أنهم أثروا تأثيراً كبيراً على قرار العصبة النهائي بشأن مشكلة الموصل. ومع حل مشكلة ولاية الموصل إلا أن بريطانيا لم تنفذ التزاماتها حول ضمان حقوق القوميات العراقية(الآشوريون والكورد والتركمان) التي أوصت بها قرارات مجلس عصبة الأمم والذي كان السبب المباشر في إثارة الاضطرابات والحروب الأهلية في شمال العراق حتى يومنا هذا إضافة الى النظرة القاصرة في التعامل مع التنوع القومي وآثارها السلبية على مستقبل العراق السياسي المعاصر ومن الغريب أن بعض الكتاب والمؤرخين لا زالوا يتعاملون مع المسألة الآشورية التي كانت في مقدمة الأحداث السياسية خلال الثلث الأول من القرن المنصرم من تأريخ العراق الحديث بطريقة فكرية تتطابق مع المناهج الأستبدادية للأنظمة الشمولية. واستمر الآشوريون في المطالبة بحقوقهم القومية وعقدوا اجتماعاً في منطقة العمادية في شمال العراق(حزيران من عام1932) وأصدروا وثيقة تتضمن مطالبهم في الاعتراف بهم كجزء من مكونات الشعب العراقي ورغم كون تلك المطالب غلبت عليها صفة البساطة في محتوياتها إلا أن بعض أفراد النخبة الحاكمة في العراق وبتأييد من بريطانيا رفضوا تلك الوثيقة ومع قبول العراق عضواً في عصبة الأمم(في الثالث من تشرين أول عام1932) ورغم الضمانات التي قدمها ممثل العراق في العصبة حول حقوق القوميات العراقية كافة إلا أن الأمور بدأت تسير نحو الأسوأ بخلق أجواء معادية للآشوريين وإثارة النعرات العرقية لتنتهي إلى المذابح التي طالت الآشوريون في منطقة سميل القريبة من مدينة دهوك (السابع من آب عام1933) وراح ضحيتها قرابة ثلاثة آلاف آشوري وحرق ونهب حوالي ستة وستون قرية آشورية واستمرت المجازر في تأريخ العراق لتشمل الكورد وأبناء الفرات الأوسط والشيعة ضمن مسلسل إرهاب الدولة المنظم. ومن المثير للسخرية هو قيام عصبة الأمم في إصدار مشروع لإسكان الآشوريين والذي صدر كوثيقة تحت عنوان(إسكان الآشوريين كعمل إنساني) ضمن منشورات العصبة في عام 1935/قسم الأعلام /المسألة الخامسة/جنيف / سويسرا يتضمن محاولات فاشلة لإسكان الآشوريون الذين نجوا من المذبحة وذلك في نقلهم إلى منطقة سهل الغاب(يقع في سوريا بين اللاذقية وحماة ) وفي محاولة نقلهم إلى مقاطعة(بارانا)البرازيلية وجزيرة (غويانا)البريطانية وحوض النيجر في أفريقيا الغربية والتعامل مع الشعب الآشوري وكأنه شعب لا وطن له وهي حقيقة منافية للتأريخ كون الآشوريين من الشعوب الأصلية في بلاد ما بين النهرين وتواجدوا فيه منذ آلاف السنين وساهموا في إغناء البشرية بالحضارة التي شيدوها في العراق القديم. لقد آن الأوان ونحن العراقيين ندخل الألفية الثالثة والعالم المعاصر يدخل مرحلة محاربة الإرهاب أن نجرؤ على تسمية التطورات بأسمائها والتحلي بالشجاعة اللازمة لوضع النقاط على الحروف والبحث عن أفضل السبل لبناء العراق الجديد بعد إزالة الدكتاتورية المتمثلة بالنظام الحالي مع الأخذ بنظر الاعتبار خصوصية المرحلة الراهنة وطنياً وإقليمياً ودولياً في خضم التطورات العالمية المتلاحقة والعمل على دعوة العالم المتحضر لنصرة القضية العراقية. فقبول الديمقراطية والتعددية السياسية والقومية ووحدة العراق أرضاً وشعباً كخيار لا بد منه سوف يبرز وجه العراق المشرق للعالم وهذه حقيقة أكدتها أحداث تأريخ العراق المعاصر منذ ثمانية عقود من تجربة الحكم والإدارة. وليس في وسع الدولة المزمع بنائها في العراق الجديد أن تلعب أي دور سياسي إيجابي في حماية الوحدة الوطنية وحقوق القوميات العراقية إذا لم تحرر ذاتها ككيان من أي شكل من أشكال التمثيل العصبوي أو الفئوي أي أن وظيفة الدولة العراقية في إنصاف الجميع تبدأ من تغيير قواعد تكوين الدولة نفسها وقدرتها على تجديد نفسها من الداخل وتأمين شرعيتها في إشراك الكل في بناء الوطن الجديد باعتبار أن الوطن هو كالحرية ويجب أن يكون لكافة العراقيين.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.