اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

بالحزن والدموع ودَّعنا والدتي -//- نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بالحزن والدموع ودَّعنا والدتي

نبيل يونس دمان

يوم الجمعة المصادف 15- 3- 2013 لم يكن يوما عاديا لنا، فقد اغمضت والدتي عينيها لآخر مرة، واسدل الستار على حياتها التي عاشتها فوق الارض ثمانية عقود.

ولدت كرجية كوريال اسطيفو اودو عام 1933 في القوش واقترنت بوالدي يونس ياقو ميخا دمان عام 1950، انجبت ولدين وست بنات ثم توالى الاحفاد، شاءت الظروف ان تنتشر سلالتها في اماكن متفرقة من المعمورة.

غادرت وطنها بشكل نهائي عام 2007 ودخلت في العد التنازلي، فتدهورت صحتها يوما بعد يوم حتى اعتزلت العالم ولم يعد بامكانها التعبير عن ما يراودها، في السنين الاخيرة عاشت في دار العجزة تبتسم للوجوه المألوفة التي تتشوق للحديث معها، لكنها لا تستطيع الكلام كما عهدتها القوش وبيتنا: متحدثة، اجتماعية، قلبها يخفق بالمحبة والانسانية.

امي لم تدخل المدرسة ولم تتعلم ولم تجيد لغة غير لغة ابائها العريقة، امي ابنة عائلة دينية- طبية شعبية معروفة، ومن اقدم محلة في القوش هي (محلة اودو) وهي اخت لخمسة ابناء وثلاث بنات، ابنة عم مطران حلب الحالي مار انطوان اودو، وسليلة اسرة البطريرك المعروف مار يوسف اودو.

 

ربتنا على حب المدرسة والتعلم والايمان ومساعدة الناس ما امكننا ذلك، وربتنا على الصمود بوجه الصعاب، فعندما كانت حلقات الدهر تضيق بنا، شان العراقيين عبر الازمان كانت تقوي معنوياتنا بالقول ان المصائب تاتي على الرجال، عليهم تحملها وعدم الانهيار مهما بلغت وطأتها، لن ننسى تشجيعها بمثل تلك الاقوال.

 

منذ الطفولة وانا استمع اليها وهي تحدثني عن الحوادث والنوائب والقصص التي مرت بها او سمعتها، واستمرت عندي تلك الحكايات وكأنني عشتها فحفظتها لقوتها ومصداقيتها، تكاد معظم معلوماتي عن بلدتي وتراثها الشعبي مستقاة في الاساس من امي كرجية التي كانت تفخر وتتباهى عندما يناديها احد ب (ام نبيل) ، يا لها من محبة كانت تغمرني بها كل ايام حياتي التي عشتها قريبا منها او بعيدا عنها.

 

كما يعلم الجميع ان سيناريو حياتي لم يكن سهلا فانتابته ظروف صعبة فوقفت الى جانبي، لم يمض اسبوع على التحاقي بالانصار في كردستان عام 1982 حتى تفاجأت بها وهي تقف على رأسي في قرية كاني بلاف على قمة جبل (متين) ، وعندما اصطحبت عائلتي الصغيرة الى اليمن الديمقراطية الشعبية، سنحت لها الفرصة فزارتنا مع الوالد هناك في اقصى جنوب الجزيرة العربية عام 1990. وبعد استقراري في اميركا توالت لقائاتنا في نهاية التسعينات وطوال العقد الماضي.

 

والدتي ليست استثناء وكباقي الامهات تحملت الاعباء، سهرت على الاطفال، فرحت في مواقف، وحزنت في اخرى، وفي آخر المطاف غادرت مودعة بنحيبنا وآهاتنا حيث رافقناها الى مثواها الاخير في ولاية مشيكان، وقد خصنا بتضامنه وأسفه جمع غفير من الاقرباء الاصدقاء وانهالت علينا المكالمات الهاتفية من جهات الدنيا الاربع، اضافة الى مراسم العزاء التي اقيمت على روحها في بلدتها القوش فحضر ايضا كثير من الناس، حيث عبرت عن اسفها وتمنياتها بان نكون هناك في استقبالهم، ولكن ما العمل وقد خرجت حياتنا من نسقها المألوف الى المهاجر ومرارة الاغتراب.

اذهبي يا امي الى رحمة الله والى مستقرك الابدي، لن يكن باستطاعتنا ان نوفي حقك علينا ابدا، ولكننا لن ننساك وحتى آخر يوم من حياتنا سنتذكرك ونحدث احفادنا والناس عنك، الى ان تحين ساعة لقائنا معك في الاجل المحدد الذي ينتظرنا جميعاً.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

March,20 , 2013

USA

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.