اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (1121)- مقال زيد الحلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 حسين الاعظمي

 عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1121)

 

مقال زيد الحلي

     لم ارى في كل الاوساط الادبية والثقافية والفنية والصحفية والجماهيرية شخصية مقبولة ومحبوبة كشخصية الكاتب الكبير الاستاذ زيد الحلي، فهو اخ وصديق وعزيز وكريم مع الجميع..! شخصية اخي زيد ابي رغدة، شخصية ودودة نقية صادقة امينة مع جميع الناس لاتشوبها شائبة، وبالتالي فهو كاتب صحفي كبير طوّق الكثير من الفنانين بافضاله وكتاباته المرموقة. ها هو اليوم مرة اخرى يزيد فضلاً جديداً من افضاله علينا، حين حضر الى حفلتي في الملتقى الثاني للموسيقى العربية(مساحات شرقية) الذي كان موضوع حلقتنا السابقة، بدار الاوبرا السورية وطرز ما رآه وسمعه في ليلتنا 30/5/2011 ضمن كتاباته الشهيرة تحت العنوان المثير(السنين ان حكت). لاداعي للاطالة واترككم اعزائي الى ما سطره الحبيب ابي رغدة من موضوع قيِّم وكلمات ذوقية راقية عن ليلة العراق في هذا الملتقى الموسيقي بدمشق العربية.

*****************

حسين الأعـظمي واستذكارات ملتاعة على مقام الصبا..!

بقلم : الاستاذ الكاتب الاديب زيد الحلي / ضمن كتاباته الشهيرة (السنين ان حكت)

تاريخ النشر : 2011-06-14

 

    يقال إن الاعتياد يفقد الانبهار والدهشة، وفي ذلك القول الكثير من الدقة، ومعظم الناس لمسوا هذا الأمر في حياتهم اليومية، فكم من حديقة غناء دخلنا إلى مروجها دون أن نلتفت الى نفائس أزاهيرها، لأننا نشم أريجها وتمر صورها على عيوننا يومياً، وكم من لوحة عظيمة الشأن كلوحة"موناليزا" لا يلتفتُ إليها العاملون في متحف اللوفر في باريس الذي يحتضنها، كون عيونهم اعتادت على مشاهدتها يوميا، فيما ان رؤيتها هي حلم ملايين الناس في كل بقاع العالم. والأمثلة تتقاطر والجميع يدرك ان الاعتياد نقيض الدهشة إلا في الحالات ألاستثنائية. وسفير المقام العراقي الفنان حسين الاعظمي على قمة استثناءاتي..! فهذا الفنان الأصيل لم يكتف بما وهبه الخالق الكريم من رخامة وجمال الصوت، بل راح منطلقاً من نسيج  نابع من رؤية أكدها في دراساته، بأن المقام العراقي هو هوية العراق.

      وفيما كان الجمهور الذي حضر لسماع الاعظمي في قاعة الأوبرا السورية الفخمة في الشام الاثنين 30/5/2011 يصغي السمع بألق، لألوان المقام العراقي، كنتُ أجول بذاكرتي الى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن مستذكراً، صبر وعشق ووله هذا الفنان الاعظمي بالمقام العراقي، وإنني أتصوره وُلد وفي فمه نغمة مقام عراقي..! عكس كل ولادات العالم التي تبدأ بصرخة الحياة، إلا هو حيث كانت صرخته الأولى نغما مقامياً عراقياً..!

     وتلوح لي الآن صورة حسين الاعظمي وهو يتابع خيوط المقام العراقي بأدق صورها، وهو المختص والمتخصص به، لكنه في هذه الصورة التي أشير إليها، يُبين بأن المبدع مهما أوتي من دراية وتعمق ودراسة، يبقى بحاجة الى المزيد، وهذا المزيد يحتاج الى مزيد آخر..! فقد عنّ لنا زيارته يوماّ في وقت غير مناسب، بل وقت ثقيل، هو الثالثة بعد منتصف الليل، كنا مجموعة من الزملاء تحتفظ الذاكرة باسم أثنين منهم(د. احمد عبد المجيد ومازن عبد العزيز) وبيت ألأعظمي يقع خلف جامع الإمام الأعظم وهو مطل على نهر دجلة ومن الأبنية التراثية الجميلة، وما ان طرقنا الباب حتى أطل علينا الاعظمي بدشداشته البغدادية وبدأ الترحيب وكأننا نزوره على موعد وفي وقت مناسب. وفي دقائق كنا في شرفة داره وتحت هذه الشرفة كان عدد من أصحاب الزوارق الصغيرة(البلام) يغنّون المقامات وعلى مبعدة أمتار قليلة كانت اليابسة المحاذية لدجلة، تحتضن السمك المكسوف وهو يشوى على نار أعواد البلوط بانتظار آكليه الذين أصروا علينا مشاركتهم وليمتهم "اليومية". لقد أنّسانا  ذلك المنظر وترحيب الاعظمي وأصوات(البلاّمة) المنبعثة في هزيع الليل الأخير(نوبة) الخجل لزيارتنا(المتأخرة) لصديقنا الاعظمي، لنكتشف ان هذا الوقت هو وقت التدريب اليومي الممزوج بالغناء الفطري للبغداديين المنحدر من الأب الى الابن ومن الجد للأب و.. و.

     كانت ليلة من العمر ولا أحلى، في طقس يحياه سفير المقام العراقي يومياً، طقس يمتزج فيه فن المقام العراقي بجذور حية، كل جذر فيه يغذي الآخر. ألأعظمي درس المقام العراقي نظرياً، فكان الأول على دفعته في معهد الدراسات النغمية العراقي، ثم أصبح معيدا، وبعد ذلك مديراً لبيت المقام العراقي، لكن كل ذلك لم يشبع نهمه في عشقه للمقام العراقي، فدخل الى روح البغداديين. خالط مزاجهم وناقش رؤيتهم وتناغم مع موروثهم. ان قناعته كبيرة  ومستلة من فهم واع لجذور المقام العراقي، بأن لعشاق المقام العراقي أهمية عظيمة، ولولا  تعاقب الاجيال، لأندثر الكثير مما نعرف اليوم عن المقام العراقي، فلم يكن في سالف الزمان أساليب التوثيق الحالية، وهو مدين لهم بفضل حفظهم للقراءات المقامية المتنوعة جيل بعد جيل، ودائماً ما يشير الى ذلك في دراساته ومقالاته ومحاضراته،  حتى خرج بمحصلة لا تقبل النقاش، وهي ان المقام العراقي أصل ألأشياء وهو علم العراق وهويته الثقافية والفنية المتجذرة غير القابلة على النسيان. عاشق للمقام العراقي وليس مطربه. فقط..!

      ان حسين الاعظمي ليس قارئاً للمقام العراقي فقط،  فهوسه في أصول المقام العراقي دائماً يدفعه الى النقاش في امتداداته للحد الذي ينسى فيه عشاق سماع صوته، وقد لمستُ شخصياً حيث عشتُ ساعات من القلق، حين شرفني أخي حسين الأعظمي في بيتي قبل عقدين من الزمن، لينظمّ إلى أخوة وزملاء كانوا في ضيافتي. كان الجميع يرنو الى سماع الأعظمي، لكن ما جرى هو ان احد الحضور سأل الصديق عن حقيقة التأثير الإقليمي على المقام العراقي مستشهدا بالكلمات غير العربية الداخلة في "البستات" المصاحبة للمقام العراقي، فتحول الموضوع الى حلبة من النقاش الثقافي والفني قبل ان يحسم الأمر ضيفي العزيز الأستاذ الشاعر الكبير حميد سعيد بأن يطلب تأجيل النقاش الى ما بعد سماع المقام العراقي بصوت سفيره. وصدح صوت الاعظمي بحميمية رائعة ونسى الجميع النقاش حتى لحظات غبش اليوم التالي..! هذا هو الاعظمي. إنسان المقام العراقي وسفيره وحافظ ميراثه، وهنا أتذكر كيف أقبل الفنان الكبير لطفي بو شناق، بشوق شاقاً صفوف الجمهور في نهاية تسعينيات القرن المنصرم على أثر انتهاء حفل للمقام العراقي أقيم في تونس أحياه الاعظمي. لقد طبع"بو شناق" قبلة على جبين الاعظمي أعقبها عناق طويل قال بعدها فنان تونس الكبير"بوشناق" عن فناننا ما يُسعد ويفرح. يومها دمعت عيناي، فأسرعتُ الى تقبيل صديقي الاعظمي وكأنني أراه  للمرة الاولى..! ورغم ثقته العالية بنفسه التي بناها بدراسته وتعبه ومتابعاته، إلا أن صديقي الاعظمي ليس من رهط من يحبون الظهور والوجاهة حيث تكبر(الأنا) عندهم فيرون أنهم مركز الكون، وهو مؤمن انه كلما كبرت(الأنا) شارف الإنسان على التهلكة، فهي طريق محفوفة بالأضواء الكاذبة والبريق الذي يضرب على الوتر الحساس بداخل كل واحد فيهم. فهؤلاء ينامون ويصحون حالمين بالنجومية ناسين ان حلمهم مثل ظل  يصاحب النور وشيطان يغار من الإنسانية، وفي جلساتنا العديدة سمعته مرارا يردد ان الإنسان مهما أمعن بالصعود او النزول، فسيبقى من هم فوقه ومن هم تحته. وقد نشأ الاعظمي، إنسانا سهل النفس، منبسط السريرة، بعيد النظر، وشعرتُ من خلال صداقتي الطويلة معه انه خرج من وراء ذاته، بعيداً في عمق الحياة. وهو في نتاجه الغزير، شخصية فنية متميزة، لا يأخذ من مستمعه، دون ان يعطيه أضعاف ما أخذ، ويثري فكره وقلبه ووجدانه ويجعله يحلق في فضاء المتعة، وإيمانه راسخ بأن الأثر الفني هو الفنان نفسه، ومن أجل ذلك يعمد الى منتهى الابداع ليصل الى مبتغاه. وكل شعر او بستة مقامية يؤديها، أحسُّ انها تصطبغ بدمع العين ووجيب القلب وزفرة النفس. انه يشعرني بأن صوته يغمسه في قلبه قبل الغناء، ليستخرج من أعماقه صورة حية لعاطفة حية. وأقول للتاريخ بأنني لا أفهم صوت الاعظمي، نقراً على عود، ولا رنة في وتر، أفهمه على أنه تلاقي شفاه تستحم في سكون الليل..!!

      حسين الاعظمي مسك ختام فعاليات دار الاوبرا السورية، وقد تميزت حفلته في دار اوبرا دمشق، حيث شاركته فيه فرقته الموسيقية الرائعة، بكونه كان مسك  ختام ملتقى“مساحات شرقية” الذي شهدته سورية. وضم الملتقى الذي يقام للسنة الثانية، مجموعة كبيرة من الفعاليات، من بينها حفلات موسيقية لمشاركين من سوريا وتركيا وإيران والعراق والمغرب ومصر وأوزباكستان ولبنان والجزائر. وشهد الملتقى(مؤتمر علمي عن نظرية التأثير في الموسيقى الشرقية) وآخر عن الموسيقى في سوريا من خلال علم الآثار شارك فيه ريتشارد دمبرل من انكلترا وثيوكريسبين من هولندا وميريام مارسيتو ومارغو بوسكيه من فرنسا وداليا شحاتة من مصر، وفراس سواح من سوريا. وسبق للفنان الكبير حسين الاعظمي ان أحيا حفلات مشابهة في تونس وفرنسا وايطاليا والأردن وعُمان وغيرها الكثير. وحاضر وغنى تطبيقاً في امريكا بجامعتي هارفارد في بوسطن وجورج تاون في واشنطن، ولازال كتابه القيم(المقام العراقي الى اين..؟) الصادر في بيروت قبل أعوام مثار جدل ودراسة لعلميته، وهو عضو الجمعية الفرنسية للموسيقيين في باريس.

     ان وفاء حسين الاعظمي الإنسان الى موهبة حسين الاعظمي الفنان، نبع صاف من خلق نبيل، وهو على انسجام تام مع ذاته وخياراته الشخصية في كل مراحل حياته، وأمين على علاقاته وصداقاته، ولذلك لم يفاجئني ذكره لأسمي من عـلى مسرح دار الأوبرا، مرحباً بي قبل بدأ حفله الكبير المتميز الذي اكتظت فيه نخب من المدعوين من المثقفين والدبلوماسيين وعوائلهم. وعندما ذُكر العراق وذُكرت

بغداد  في غنائه، لاحت لي دمعة سالت من عينيه فسألته في كواليس المسرح عن ذلك، قال ان دمعة الحزن ودمعة الفرح كلتاهما من نبعة واحدة. وفي مسيرة الصديق الاعظمي، يصح القول ان كل شيء يبدأ من العقل وينتهي اليه..!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

 

صورة 1 / الكاتب الكبير زيد الحلي يحتفي باخيه حسين الاعظمي في المنتدى الثقافي العراقي بدمشق عند إلقاء الاعظمي محاضرة عن المقام العراقي في المنتدى، بتقديمه للاعظمي الى الجمهور الحاضر وادارته للامسية في 22 /5 /2010.

 

 

صورة 2 / حسين الاعظمي وسط زملائه الموسيقيين، عازف القانون علاء السماوي في مقدمة الصورة بدار الاوبرا السورية 30 /5 /2011 وداخل احمد وعبد الكريم هربود وعلي اسماعيل جاسم.

 

 

صورة 3 / حسين الاعظمي وسط زملائه الموسيقيين، عازف القانون علاء السماوي في مقدمة الصورة بدار الاوبرا السورية 30/5/2011 وداخل احمد وعبد الكريم هربود.

 

 

صورة 4 / حسين الاعظمي في مسرح المدينة الكبير(دولافيل) بباريس مساء 13/1/1997.

 

 

صورة 2 / حسين الاعظمي وسط اعضاء فرقته الموسيقية في دار الاوبرا السلطانية بمسقط في سلطنة عمان ، 6/ شباط 2016 في الصف الامامي من اليمين المرحوم علاء السماوي ووسام العزاوي و د.محمد قمر وعلاء مجيد . وفي الصف الخلفي اديب الجاف وعبد الكريم هربود وحسين علي اسماعيل واحمد سليم وخالد محمد علي ورافد عبد اللطيف واخيرا عازف العود الاردني المعروف صخر حتر

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.