اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عراقيون في أعياد رأس السنة الجديدة// إبراهيم الزبيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

إبراهيم الزبيدي

 

عرض صفحة الكاتب 

عراقيون في أعياد رأس السنة الجديدة

إبراهيم الزبيدي

       

الاحتفال، في العراق، والرقص والغناء بمناسبة رأس السنة الميلادية حق مشروع من حقوق أبناء السيد المسيح العراقيين، فقط لا غير.    

ولكنْ جميلٌ جدا من آخرين من أبناء أنبياء آخرين من الذين لم يُفسد قلوبهم وعقولهم صداُ التخلف الديني والطائفي والفكر الظلامي المتطرفم إخوتهم المسيحيين أفراحهم، فيُزينون، مثلَهم، منازلَهم بشجرة الميلاد، ويضيئون مصابيحها الملونة، ويطلقون المفرقعات والألعاب النارية، ويغنون ويرقصون ولكن دون مبالغة وافتعال.

 

ولكن الذي تابع احتفالات العراقيين بالعام الجديد 2023 لابد أن يكون قد شاهد كيف امتلأت المراقص الليلية والبارات والفنادق الراقية في بغداد والمحافظات الأخرى بالسهرانين المبالغين في إظهار أفراحهم بهذه الليلة. وكؤكد أيضا أنه فوجيء برجال ونساء، ومعهم أطفال صغار ينثرون آلاف الدنانير والدولارات والتومانات على الراقصات والراقصين، وسط ضجيج الموسيقى الصاخبة، وأدخنة السكاير والمخدرات.

 

طبعا لا يمكن أن يكون الذي كان يرمي رزم الدنانير والدولارات والتومانات عراقيا عاديا عاملا في مخبز، مثلا، أو صاحب حانوت، أو موظفا بسيطا، أو متقاعدا، أبدا. لأن هذه الأموال الطائلة التي أهدرت في ليلة واحدة لا يقدر عليها إلا واحد من كبار المجاهدين أعضاء الأحزاب الحاكمة، أو المرجعيات، أو الفصائل المسلحة، أو أحد سماسرة بيع المخدرات وتهريب الدولارات وتزوير الشهادات.

 

وهؤلاء، قطعيا، إسلاميون متدينون في النهار، ومتهتكون في الليل، شيعة وسنة، يحتفلون بأعياد مسيحيين يُكفرونهم، ويطالبونهم بدفع الجزية، ويتآمرون عليهم، ويعاملونهم بحق طائفي وديني وعنصري، ويسطون على محلات تجارتهم، ويصادرون منازلهم، ويسبون بناتهم، ويذبحون أبناءهم، ولا يستحون.

فعارٌ على قادتهم ومراجعهم وأئمتهم أن يسمحوا لأتباعهم بالخروج من مساجدهم وحسينياتهم إلى علب الليل والمنتديات والساحات والمراقص، ليطلقوا العيارات النارية في الهواء احتفالا بسنة ميلاد السيد المسيح، تهريجا وليس إكراما واحتراما وتقديسا لهذه المناسبة المباركة.

     

والحقيقية التي يعرفها الصغير والكبير أن أتباع الديانة المسيحية العراقيين، منذ الغزو الأمريكي للعراق، ثم هيمنة وكلاء النظام الإيراني المتزمت المتشدد السلفي المتخلف، يعانون من ظلم دعاة الطائفية الموالين لإيران، وعدوان الجماعات المتطرفة السنية، سواء بسواء.  

 

والمحزن أن فئة قليلة من الأجيال العراقية الجديدة تعرف أن العراق، قبل الفتح الإسلامي، كان وطن هؤلاء المسيحيين، دون شريك.   

ويؤكد التاريخ أن الآباء المسيحيين كانوا أصحاب حضارة وعلوم وفنون وآداب سبقوا بها الأمم الأخرى، وعلموا الشعوب المجاورة الكثير من العلوم والفنون والآداب، وكانت ثقافتهم تتميز بالتسامح والحرية والمحبة والسلام.  

 

والغريب أن التاريخ أعاد نفسه على المسيحيين العراقيين. ففي القرن السابع الميلادي حدث الغزو الفارسي لبلاد ما بين النهرين. فكانت قسوة جنود الغزو وتعصبهم لديانتهم المجوسية ثم الزرادشتية سببا في نقمة أهل البلاد الأصليين المسيحيين، وتعلقهم بأمل التحرر من ظلم الغزاة الفرس.

 

وحين جاءت الجيوش العربية الإسلامية عام 637 إلى بلاد النهرين رحب بها العراقيون (المسيحيون)، بعد أن حصلوا على عهود الأمان من قادة جيوش المسلمين، وضمان خلاصهم من القهر والظلم والمضايقة والحصار.     

 

وعند تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 وضع المسيحيون العراقيون أنفسهم في خدمتها، فضمنوا حرياتهم الدينية والاقتصادية، وحافظوا على هويتهم الثقافية والاجتماعية.  

وكان منهم أعلامٌ كبار خدموا اللغة العربية والثقافة العربية وحتى الإسلامية الفلسفية والفقهية، وأضافوا فيها الكثير.

وللتاريخ نسجل هنا أن المسيحيين العراقيين، في عهد الرئيس أحمد حسن البكر في السبعينات، وحتى في عهد صدام حسين، في الثمانينات والتسعينات، تنفسوا الصعداء كثيرا، وامتلكوا حريتهم الدينية والثقافية والاجتماعية إلى حد كبير.   

 

ورغم أن آلافا من الأسر المسيحية العراقية هاجرت نحو العالم الجديد، لأسباب سياسية واجتماعية وأمنية بالدرجة الأولى، إلا أن الغالبية العظمى منها تمسكت بالبقاء في أرضها ومدنها وقراها، وتفادت الاكتواء بنيران التقاطعات والانقلابات والانفجارات والحروب التي تعرض لها المجتمع العراقي. فلم ينخرط في الأحزاب والجماعات المتناحرة إلا قلة تعد على الأصابع من المسيحيين العراقيين.

ولكن الكماشة المتطرفة المتخلفة اكتملت عليهم بداعش من جهة، وبأحزاب إيران من جهة أخرى، وخصوصا في نينوى وصلاح الدين.

 

وقد حذر تقرير بريطاني جديد من أن المسيحية تواجه خطر الاندثار في العراق، في غضون خمس سنوات.

وأكد تقرير آخر للـ”بي بي سي” تعرّضَ قسمٍ من المسيحيين العراقيين لأحداث إجرامية، كالخطف والتعذيب والقتل، وتكررت بشكل خاص حوادث اختطاف واغتيال رجال الدين المسيحي.

 

وأشار تقرير الـ”بي بي سي” إلى أن استهداف الكهنة المسيحيين يرجع لأسباب عديدة منها الدافع الديني للمتطرفين الذين يريدون إخلاء العراق من العناصر غير المسلمة، والدافع المالي الذي تعمل بناء عليه عصابات إجرامية باستخدام الدين ذريعة لها في اختطاف رجال الدين وطلب فديات كبيرة لإطلاق سراحهم، مستغلين الوضع المالي الجيد الذي تتمتع به الجماعة المسيحية في العراق.

بعبارة واضحة نقول إن الغزو الإيراني القديم هجر المسيحيين في القرن السابع الميلادي، وهو نفسه، اليوم، يقوم بتهجير من تبقى منهم في العراق.

     

إذن، فبأي وجه، وبأي عين يحتفل الإسلاميون الشيعة والسنة بأعياد الفئة القليلة المسيحية التي كفروها بالأمس، وما زالوا يكفرونها، اليوم، ويسعودن إلى طردها من وطنها الذي لا تملك وطنا سواه؟

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.