اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الربيع العربي يُحاكي الخريف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. خليل الجنابي

الربيع العربي يُحاكي الخريف

 

الشٌعلة التي أوقدها ( محمد البو عزيزي ) في تونس الخضراء لازال نورها الوهاج يمتد خارج الحدود الواحدة بعد الأخرى بدون إستأذان , ولتُعلن أن الأوراق الخضراء التي إصفرت لطول فترة الخريف عادت إليها الحياة من جديد وسوف تستمر الى أن تورق الأشجار كلها وتصبح دائمة الخضرة وتنحسر الصخور التي أثقلت كاهل الأوطان بعد أن تجرفها سيول ( سد مأرب ) الذي إنهار على الرؤوس التي رفعت إسمها عالياً بدلاً من إسم الشعوب .

فمن تونس بدأ ( الربيع العربي ) , ويا ليت ( أبو القاسم الشابي ) يُبعث من جديد ليُنشد ويُغني قصيدته الرائعة :

إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة …. فلا بُدَ أن يستجيبَ القَدَر

ولا بُد لليلِ أن ينجلي …. ولا بُد للقيد أن ينكسِر

لكن لا بأس فالجماهير التواقة للحرية أخذت على عاتقها تلحين النشيد وصدحت حناجرها تردد بشكل أرعب ( النمور الورقية ) التي لاذت بالفرار بعد أن شعرت بأن ( كراسيها ) قد هزها الإعصار وهو أشد وأقسى من إي ( تسونامي إجتماعي ) يحدث على الإطلاق منذ عقود .

وما دُمنا في تونس لا بُد من التعريج ولو بعُجالة على نهج ( إبن خلدون ) في القرن الرابع عشر وهو مؤسس علم الإجتماع أو ( العمران البشري ) كما يسميه . حيث إبتكر إبن خلدون فلسفة للتأريخ هي بدون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم ( آرنولد توينبي ) .

إن مؤلف إبن خلدون هو أحد المؤلفات التي أنجزها الفكر الإنساني ( جورج مارسيل ) .

وقد إكتشف إبن خلدون دور العوامل الإقتصادية وعلاقات الإنتاج , ومن رسالة بعث بها ( مكسيم غوركي ) الى المفكر الروسي

( أنوتشن ) والتي إطلع عليها ( لينين ) حيث قال على أثرها ( تُرى أليس في الشرق آخرون من أمثال هذا المُفكر ) .

فبذور الأفكار التي زُرعت في السابق وإنطمرت لأجيال عديدة تحت قسوة الظروف الإجتماعية والتخلف والأمية أخذت تنمو بمجرد هبوب الرياح والهواء الطلق والمياه العذبه والشمس الساطعة ودفء الربيع , فعادت إليها الحياة من جديد , وهي تشق التربة بعد أن روتها دماء المضحين والمنادين بالحرية والديمقراطية والإصلاح الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي وغيرها .

إن الطفرة اللاحقة التي حدثت في ( قاهرة المُعز ) لا تبتعد عن أفكار وآراء مثقفي عصر النهضة , وتأثيرهم كان كبيراً ولا زال على مجمل العالم العربي , أسماء حفظتها الأجيال عن ظهر قلب , ووضعتها بين جوانحها , تستلهم منها العِبر , ومن هذه الأسماء ( أحمد عُرابي , سعد زغلول , قاسم أمين , محمد عبده , جمال الدين الأفغاني , أحمد شوقي , أمين الريحاني , إبراهيم رمزي , جورجي زيدان , عباس محمود العقاد , طه حسين , توفيق الحكيم , حافظ إبراهيم , مصطفى لطفي المنفلوطي , بيرم التونسي , وأخيراً وليس آخراً الدكتورة نوال السعداوي ) , وعشرات ومئات غيرهم , فمن منا لم يقرأ كتاباً أو خطاباً أو شعراً لواحد من هذه الأسماء النيِّرة , ومن منا لم يحفظ كتاباً لأحدهم في مكتبته ولو فوق ( الرفوف العالية ) .

إن الأصوات حين تعالت مطالبة بالإصلاحات ضحك عليها ( الريس ) وتصورها ( لِعب شوية عيال ) ووجه إليهم ( الحديد والنار ) , وسقط المئات من الشهداء , فإشتعل اللهيب وماجت الجموع الغاضبة , فتنحى الرئيس وسلمها بحركة ( بهلوانية ) الى ( العسكر ) الذين تتلمذوا على أياديه طيلة الفترة الماضية .

وإستمر الإشعاع يتخطى الحدود ووصل الى ( اليمن السعيد ) الذي يعيش أبناءه في قمة الفقر والتخلف نتيجة السيطرة العشائرية والقبلية على دفة الأمور , وإحتدم الصراع بين الجماهير العزلاء التي تنادي بالإصلاح والحرية والحياة الديمقراطية وبين قوات الشرطة والجيش التي إستدعاها ( علي عبد الله صالح ) من أجل الحفاظ على مقاليد الحكم , وسقط المئات من الشهداء والجرحى , ونزيف الدم لازال يجري مدراراً , ورغم تعرضه لمحاولة إغتيال ووصوله الى حافة الموت إلا أنه عاد من جديد يقتل أبناء شعبه ويبطش بهم وبكل ضراوة ويدفع باليمن الى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر !! .

العواصف الشديدة التي هبت على الشمال الأفريقي دخلت ( ليبيا عمر المختار ) أسد الصحراء الذي دوخ الطليان بمقاومته العنيدة عندما إحتلوا ليبيا على أثر ( معاهدة لوزان ) عام 1912 , وقاد حرب التحرير التي نشرت بذور الحرية في أعماق الصحراء الليبية وتحت كل حبة رمل فيها حيث إستطاع ( القذافي ) على مدى أكثر من أربعة عقود على تحويل ما زرعه ( عمر المختار ) لصالحه وصالح أبنائه والمقربين منه , وأخذت الجماهير الليبية تطارده من ( زنكة زنكة ) وتهاوى نظامه القمعي ليلحق بركب الرؤساء الذين سبقوه الى مزبلة التأريخ .

وكذا الأمر بالنسبة الى سوريا فوصلتها الرياح , وتوالت الأحداث , فمن المطالبة بالإصلاح والحريات الديمقراطية الى المطالبة بإسقاط النظام وذلك بعد أن سقط المئات على مذبح الحرية , وأصبح الأمر بالنسبة للشعب السوري ( الحياة أو الموت ) لأن من تربع على مقاليد الحكم لا يفهم غير السلاح و ( شبيحته ) التي توجه نيرانها الى صدور المتظاهرين الأبرياء , فزادهم القمع عزيمة وإصراراً ورُفع عنهم حاجز الخوف وسيستمر نضالهم تساندهم شعوب العالم الى يوم النصر المُبين .

وفي خضم هذه الأحداث و ( ثورات الربيع العربي ) لا بُد من الإشادة بشعب ( البحرين ) الذي قدم هو الآخر أغلى التضحيات من أجل نيل حقوقه التي إستفردت بها أُسرة ( آل خليفة ) التي تحكم البلاد منذ القرن الثامن عشر , فإن نكصت ثورتهم اليوم نتيجة التدخل ( الخليجي ) , ومسيرتهم التي إنطلقت من ( دوار الؤلؤة ) سوف تستمر متحدية كل الصعاب , وسيكون ( الربيع ) طويلاً عندهم , وسيلحق ركبهم بركب الشعوب العربية الأخرى .

وعن الجزائر بلد ( المليون شهيد ) سيكون هناك فصلاً آخر لا يقل شأناً عن باقي الفصول الأربعة التي إمتدت من مشرق الأرض الى مغربها , وعندها سيكون ( الطوفان ) , وسيغرق من قفز على رُفاة الشهداء وبكى عليهم بدموع التماسيح , ( وسِيمكث في الأرض ما ينفع الناس ) .

أما عن العراق بلد الرصافي والجواهري والسياب وبلد أبطال ثورة العشرين وإنتفاضات آل أزيرج والحي وكاورباغي والجسر

وأعوام 48 , 52 , 56 , وثورة 14 تموز الخالدة عام 1958 , وإنتفاضة ( معسكر الرشيد ) وغيرها وغيرها . العراق الذي وصل الى درجات متقدمة من الفساد والسرقه والفقر والتخلف والذي يعيش 25% - 40% من أبنائه تحت خط الفقر منهم مليون من الأطفال حسب تقارير منظمة اليونيسيف الأخيرة وأن 5% من السكان يعيشون في ( فقر مدقع ) .

والعراق الذي يُصدر أكثر من 2 مليون برميل من النفط ولديه ثالث أكبر إحتياطي نفطي في العالم بعد السعودية وإيران وهي تُقدر بنحو ( 115 ) مليار برميل يعيش في مستويات متدنية عالميأ وفي كل المجالات الخدمية والصحية والتعليمية وغيرها , ناهيك عن الوضع الأمني المتدهور والإحتراب بين الأحزاب المتصارعة على السلطة من أجل الحصول على ( حصة الأسد ) .

إن ساحة التحرير وساحات المدن الأخري والشعارات السلمية التي رُفعت فيها هي كغيرها في العالم العربي , بدأت ولن تنتهي ما لم تُحقق أهدافها في الوصول الى حياة إجتماعية عادلة ,

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.