اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

أوراق الخريف - رواية// الدكتور آدم عربي- الجزء الاول

 

أوراق الخريف - رواية- الجزء الاول

الدكتور آدم عربي

الإهداء: أهدي هذه الرواية إلى أسرة تللسقف

 

مقدمة

في زمنٍ تتلاطم فيه أمواج الحياة بعنف، وتتقاذفنا رياح القدر نحو مصائر مجهولة، ينبثق ضوء خافت من بين ثنايا الظلام ليروي قصةً عن الأمل والصمود. هذه الرواية، التي تنسج خيوطها من وحي الأحلام والواقع، تأخذنا في رحلةٍ عبر الزمان والمكان، لنكتشف لنا معالم في النفس البشرية، ولنتعلم أن في قلب كل نهاية، تكمن بداية جديدة.

 

نظر إلى شقوق السحاب وضوء القمر الذي يخرج منها كلما سار في الدهاليز  ، ومع كل خطوة يخطوها، يزداد الضوء سطوعًا، مُبددًا ظلمة الليل الحالكة. يتردد صدى خطواته في الفضاء الرحب، وكأنه يعزف سيمفونية الوجود، والنجوم تتلألأ كأنها جوقة تصاحبه في رحلته الساحرة عبر أحضان السماء الواسعة ، كان يرقب خطوات القمر وفكره في مكان آخر ، فلم يكن جزءاً من المنظر ، كانت الأفكار تأخذه إلى أماكن بعيدة ، وكأنه يبحث عن إجابات في ضوء القمر الخافت.

 

نظر إلى الرسائل في هاتفه المحمول ، فإزداد تشتتاً ودهشة ، صورة رجل غريب المنظر ، وكأن رأسه مغروس بين كتفيه كحجر فوق صخرة ، وكرشه يتمدد الى فخديه يتوسطه حزام يقسمه إلي قسمين كذراعين  تُطوقان منتصف كيس طحين ، فتح الرسائل واحدة تلو الأخرى، وكل صورة تزيد من دهشته وغضبه ، كانت الصور تظهر رجلاً بمظهر غير مألوف، وكأنه شخصية من عالم آخر، قصير القامة ، لا معالم واضحة عليه ، فلا يُعرف هل هو مُقبل أم مُدبر .

 

ومع تتابع الصور، بدأ يشعر بأن هذا الرجل الغريب يحمل رسالة ما، ربما تكون مخفية بين طيات ملامحه العجيبة. كانت هناك نظرة في عيني الرجل توحي بالحكمة، وكأنه يعرف أسرارًا لم يُطلع عليها أحد قط. وفي لحظة صفاء، أدرك أن الرجل في الصورة ليس سوى انعكاس لحالته الداخلية، تجسيدًا للتشتت والدهشة التي تعتريه.

 

أغلق الرسائل ورفع نظره إلى السماء مرة أخرى، وقد تبددت الغيوم لتكشف عن القمر بكامل بهائه. وفي ذلك الضوء الساطع، وجد الإجابات التي كان يبحث عنها. لم يكن القمر يخفي الحقائق، بل كان يدعوه لاكتشافها داخل نفسه. وبخطوات متزنة، استأنف مسيره في الدهاليز، مدركًا أن كل خطوة تقربه من فهم أعمق لوجوده وللعالم من حوله.

 

في الظلام الذي يكتنف الدهاليز، وقف  محدقًا في القمر، وبدأ حوارًا مع نفسه:

من يكون هذا الرجل الغريب؟ تساءل ، وهو يتأمل الصورة على شاشة هاتفه. إنه ليس سوى ظل، صورة من صنع خيالك، أجابته نفسه بصوت خافت. لكنه يبدو حقيقيًا، كأن له وجودًا في عالمنا، أو ربما في عالم آخر. أليس كل ما نراه في هذا العالم مجرد انعكاس لأفكارنا ومشاعرنا؟” ربما، لكن هذا الرجل… يبدو كأنه يحمل رسالة لي. وماذا قد تكون هذه الرسالة؟ لا أدري، لكنني أشعر بأنها مهمة، كأنها مفتاح لشيء أكبر.

تنهد  وأعاد النظر إلى القمر، وكأنه يبحث عن إجابات في ضوءه الساطع.

• • •

في صباح باكر، حيث لم تزل نسمات الفجر الباردة تداعب أوراق الشجر المتثاقلة بالندى، وقفت سيدة في طابور طويل أمام مقهى شهير. كانت تتطلع إلى الأمام بنظرات متلهفة، تتابع عقارب الساعة التي تدور ببطء شديد، وكأنها تتحدى صبرها.

 

فجأة، لفت انتباهها شخص يقف أمامها مباشرة، يرتدي معطفًا طويلًا وقبعة مُسدلة تخفي معالم وجهه. بدا هادئًا ومنفصلًا عن ضجيج العالم من حوله، وكأنه يعيش في سلام داخلي لا يُعكره شيء.

 

"تفضلي، يمكنك أخذ مكاني." قال الرجل بصوت خافت ولكن واثق، مُشيرًا إلى السيدة بإيماءة كريمة.

 

نظرت إليه السيدة بدهشة، غير مصدقة لهذا العرض غير المتوقع. "لكن لماذا؟" سألت بصوت متردد.

 

ابتسم الرجل ابتسامة خفية وأجاب، "أحيانًا، القليل من اللطف يمكن أن يُضيء يوم شخص ما، كما يُضيء القمر الليل الحالك."

 

وبهذه الكلمات، ترك لها مكانه وغادر، تاركًا وراءه أثرًا من الحيرة والتساؤلات. وقفت السيدة للحظة، تفكر في ما حدث، ثم تقدمت بخطوات مترددة نحو الأمام، وهي تتأمل في معنى كلمات الرجل .

 

بعد أن ترك لها مكانه في الطابور، توجه أحمد نحو النافذة حيث استلم قهوته المعتادة - كوبًا دافئًا من الإسبريسو الغني برائحته النفاذة. وجد لنفسه زاوية هادئة في المقهى، حيث الضوء الخافت يكسره خيط من أشعة الشمس الذهبية التي تتسلل من بين الستائر. جلس هناك، يتأمل الحياة التي تدب حوله، وكأنه يبحث عن إجابات في تلك اللحظات الصغيرة من السكون.

 

جينا، التي لم تستطع أن تنسى لطفه الغامض، حملت كوب قهوتها بين يديها وتقدمت نحوه بخطوات مترددة. "شكرًا لك على ما فعلت من أجلي،" قالت بصوت يملؤه الامتنان والفضول. "أنا جينا."

 

رفع أحمد نظره إليها، وابتسم بتواضع. "لا شكر على واجب،" أجاب بنبرة مطمئنة. "أنا أحمد."

 

"هل تأتي إلى هنا كثيرًا؟' سألت جينا، وهي تحاول أن تجد موضوعًا للحديث.

 

"بين الحين والآخر،" قال أحمد، وهو يضع كوب القهوة جانبًا. "إنه مكان جيد للتفكير والتأمل."

 

تبادلا أطراف الحديث، ومع كل كلمة، بدأت جينا ترى في أحمد شخصًا أعمق من مجرد شخص عابر. كانت هناك حكمة في عينيه، وسلام في صوته، كأنه يعرف أسرار الحياة التي لم تكن لتخطر ببالها.

 

وهكذا، في ذلك الصباح الباكر، بينما كان العالم يستيقظ تدريجيًا، وُلدت صداقة جديدة في ركن هادئ من مقهى صغير، حيث القهوة ليست سوى مقدمة لقصص الحياة التي تُروى.

 

باتت جينا تزور المقهى يوميًا، تحمل في قلبها أملًا خفيًا بلقاء ذلك الرجل الذي أثار فضولها وإعجابها. كانت تجلس على الطاولة نفسها، تتأمل الأبواب كلما فُتحت، علّه يظهر مجددًا. وفي أحد الأيام، حينما كانت الشمس تنثر أشعتها الذهبية عبر النافذة، دخل أحمد المقهى.

 

تبادلت معه النظرات، وكأن قدرًا ما قد جمعهما مرة أخرى. اقتربت منه بخطوات واثقة هذه المرة، ومدت يدها معرفةً بنفسها، "أنا جينا، لقد التقينا من قبل."

 

ابتسم أحمد وقال، "نعم، أتذكر ذلك جيدًا. أنا أحمد، أعمل في شركة نظافة في هذه المدينة."

 

"وأنا مديرة في شركة مهمة هنا في المدينة أيضاً،" أضافت جينا، وهي تطلب إذناً بالجلوس ، بالطبع أجاب أحمد وهو يرتشف قهوته ، وأردف أحمد قائلاً : شركة مهمة ، لا بد أن تكون سيرز !

 

جينا : كيف عرفت؟

أحمد : ألم أقل لك أنني عامل نظافة ؟ وسيرز من الشركات التي ننظفها ، طبعاً التنظيف كما تعلمين يكون في عطلة الاسبوع حيث تكون الشركة فارغة.

جينا : لا بد أن تكون شركة كلينرز ، فهي الشركة المتعاقدين معها ، هزَّ أحمد رأسه موافقاً ، وقال : أتمنى أن يعجبكم تنظيفنا ، طبعاَ ،أجابت جينا ، فنحن غيرنا عدة شركات قبل أن نستقر على شركتكم

 

جلسا معًا، وبينما كانت القهوة تفوح برائحتها الزكية، قالت جينا : إنها صدفة ، ولكنها، صدفة سعيدة للتعرف عليك ، ولكن ، قل لي : هل أنت مرتاح في عملك ؟ أجاب أحمد ، ما دمت أجد وقتاً للمارسة هوايتي المفضلة ، فأنا مرتاح ، أبدأ عملي الساعة السابعة وأنهي الساعة الثالثة ، وبذلك لدي مُتسع من الوقت لممارسة هوايتي ، ما هي هوايتك؟ سألتْ جينا أحمد ، أجاب ، القراءة

جينا : إنها هواية عظيمة

أحمد : بالنسبة لي طريق لفهم هذا العالم

جينا : وهل فهمته؟

أحمد : أُحاول

جينا: المحاولة هي بداية الإدراك. ما هي أكثر الكتب تأثيرًا بالنسبة لك؟

أحمد: هناك العديد، لكن ‘البحث عن الزمن المفقود’ لمارسيل بروست كان له تأثير عميق ، يُظهر كيف أن الذكريات والتجارب تشكل وعينا.

جينا: مثير للاهتمام. أعتقد أن الكتب تمنحنا فرصة لعيش حيوات لم نختبرها.

أحمد: بالضبط، وهذا يعطينا فهمًا أعمق للإنسانية وتعقيداتها.

أحمد: وماذا عنك؟ ما هي هوايتك؟

جينا: أنا أستمتع بالموسيقى، خاصة العزف على العود، هناك شيء سحري في الألحان التي تنقل العواطف دون كلمات.

أحمد: هذا جميل ، الفنون تعبر عن ما لا يمكن للغة أن تصفه ،وكل فن يكشف عن جانب مختلف من الحقيقة.

جينا: أعتقد أن هذا اللقاء لم يكن مجرد صدفة ، ربما كانت الحياة تريد أن تُظهر لنا شيئًا.

أحمد: هو صدفة ، لكن الصدفة الخالية من الضرورة لا وجود لها

جينا : لم أفهم !

أحمد : حسناً ، ما حدث في المقهى كان مصادفة ، بمعنى أنه ليس حتمي الحدوث ، كما مثلا في تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض حول نفسها ، هنا تظهر الضرورة في الحدث ونتائجة ، أما ما حدث في المقهى معك ، فلا ينتمي إلى الضرورة التي ذكرت ، إنه يتبع المصادفة حيث الحدث ونتائجة من خارج الظاهرة

جينا : وكيف ترتبط الصدفة بالضرورة؟

أحمد : الضرورة هو الحدث ، لكن الصدفة أن أكون أنا

جينا: ماذا تقول؟ اضعتني!

أحمد: نأتي بمثال آخر ، فلربما أُسهّل عليك ، شقوط شباك من عمارة سكنية على رأس إنسان يمشي في الشارع وموت الإنسان هو ضرورة ، فسقوط شباك على رأس شخص غير محمي حتماً سيموت ، إنها الضرورة في صدفة الواقعة كلها ، لكن المصادفة أن أكون أنا مثلا

جينا : يبدو كلامك عميق جدا ، يحتاج للتفكير ، الوقت داهمنا ، أليس كذلك

أحمد : نعم أكيد

 

إلّا أنَّ جينا ختمت الحوار بنبرة ممتنة وفضولية:

جينا: أحمد، لقد كان لطفك في ذلك اليوم شيئًا لم أعتده. في ثقافتنا، نادرًا ما يعطي الناس أدوارهم في الطابور. هل هذا شائع في ثقافتك؟

أحمد: في الواقع، في ثقافتنا، يُعتبر الكرم والمساعدة جزءًا لا يتجزأ من التفاعل اليومي خاصة مساعدة النساء وكبار السن. إنها طريقة للتعبير عن الاحترام والتواصل مع الآخرين.

 

في مجتمعنا الشرقي المسلم ، نحن نساعد النساء وكبار السن بشكل خاص. إنها ثقافة الشرقيين .

جينا (بنبرة اعتراض): لكن هذا يبدو كما لو أن النساء بحاجة إلى المساعدة أكثر من الرجال. أنا أؤمن بالمساواة بين الجنسين ، وهل ساعدتني لأنني إمرأة؟

أحمد: أفهم وجهة نظرك، وأقدرها ، لكن في ثقافتنا، هذا ليس عن المساواة في القوة أو القدرة، بل هو تعبير عن حماية المرأة وللحكمة وللضعف البدني للكبار ، ومن منظور غربي فالمرأة الشرقية ما زالت لم تنل حريتها ، لكن هناك جوانب في صالحها ، رغم أنني من أكبر المدافعين عن حريتها ، ومع ذلك أنا لم أُساعدكِ لأنكِ إمرأة أو لأنني أنتمي لتلك الثقافة ، انها فلسفتي في الحياة وهي " ساعد منْ تقدر على مساعدته "، فلو كنتِ رجل لفعلت نفس الشيء ولما اختلف الأمر .

جينا : أعتقد أنني أفهم الآن ، إنها مسألة مبدأ، وأنا أقدر ذلك حقًا ، من الجيد أن يكون هناك أشخاص مثلك، الذين يعملون على نشر الخير بغض النظر عن الجنس أو الثقافة. شكرًا لك على جعلي أرى هذا من منظور مختلف.

أحمد : يا سيدتي ، إنها روعة الفكر الأممي الذي أحمله

جينا: أرى، وما الفكر الأممي؟

أحمد : أنا حصلت على شهادتي الجامعية الأولى من مدرسة الحياة ، هل تعني لك شيئاً؟

جينا : جامعية وأولى من مدرسة الحياة؟ أهذا لغز؟

أحمد : ليس بالضبط لغزًا، بل هي طريقة مجازية للقول إنني تعلمت أهم الدروس من تجارب الحياة نفسها، وليس فقط من الكتب والمحاضرات. الحياة مدرسة قاسية أحيانًا، لكنها فعالة جدًا.

جينا: إنها لفكرة رائعة ، لديكَ الكثير من تجارب الحياة ، وما أنتَ عليه الآن

أحمد: بالضبط، أنا مُؤمن بأن العطاء يعود علينا بالخير، وأن مشاركة اللحظات الصغيرة يمكن أن تجلب السعادة للآخرين.

جينا: أعتقد أن هناك الكثير الذي يمكننا الحديث عنه

أحمد : ليست ثقافتي وحدها، إنها الثقافة الأممية التي أحملها، إنها توازن مثير للاهتمام بين الفرد والمجتمع ، حتى أصبح المشردون يعرفونني لأني لا أردُّ طلب أحد لفافة تبغ مني

جينا : هزت رأسها موافقة دون تعقيب

أحمد : ليس هذا سبباَ ، لكنني أنا هكذا ..ثم ماذا فعلت؟ شيء بسيط

تبادل الاثنان الابتسامات وأرقام الهواتف ومضى كلّ إلى عمله.

• • •

جينا تجلس في صمت، تتأمل الأفق من نافذة مكتبها، ثم تغوص في بحر أفكارها ، أحمد... رجل يملك بحرًا من المعرفة، يتحدث عن المحاضرات والجامعات بسلاسة تثير الإعجاب. هل خبرته تلك مرتكزة على شهادة جامعية، أم أنها مجرد شغف لا ينتهي؟ ، لكنه ذكر محاضرات وجامعات! ،  لكنه لم يبدِ اهتمامًا بمنصبي، لم يرَ فيكِ إلا جينا الإنسانة، لا جينا مديرة الشركة ، و بنبرة حائرة ، هل يعد ذلك تقديرًا لذاتي، أم إغفالًا لإنجازاتي؟

 

 ربما في عدم اهتمامه بالألقاب والمناصب، يكمن احترامه الحقيقي لكِ كشخص، لا كمنصب ، وبابتسامة خفيفة إذًا، قد يكون في تجاهله لمركزي الوظيفي، نوع من التقدير الأعمق لما أنا عليه بعيدًا عن الأضواء والمسميات ، تعود جينا إلى واقعها، تنظر إلى الأوراق المبعثرة على مكتبها، وتبتسم برضا، وتقرر لا بد من التواصل مع أحمد ، يقطع صوت مساعدها هذا الهدوء، مذكرًا إياها بواقع العمل الذي لا يرحم. “نحتاج على الأقل إلى عاملين جدد،” قال بنبرة تحمل بين طياتها القلق والإلحاح ، “العمل يتزايد، ونحن بأمس الحاجة إلى عمال.”

 

جينا: "يا فرانك، ألا تلاحظ الفراغ الذي خلفه غياب العمال؟ إن مهندسينا كالنجوم النادرة في سماء الصناعة، ليس من اليسير استبدالهم."

 

فرانك: "أدرك ذلك يا جينا، ولكن الطلبات تتوالى علينا كموج البحر، والخوف يتسلل إلى قلبي من أن نعجز عن تسليم السلع في أوانها، فتضيع الثقة كما يضيع الوقت."

جينا : من الصعب في وقت قصير ايجاد مهندسين مهرة ، لذا لا تعلنوا عن طلب عمال ، ساتصرف ، هل مهندس واحد يكفي ؟

فرانك : يكفي بشرط العمل وقت إضافي للعمال لحين إنتهاء الأزمة

جينا : حسناً ، انصرف إلى عملك ، سأتصل بلورا، من لورا؟ ها ، قلت لك انصرف لعملك.

 

رفعت جينا سماعة الهاتف واتصلت بلورا

"مرحبًا لورا، كيف حالك؟"

لورا: "أهلاً جينا، أنا بخير. ما الذي يُشغل بالك؟"

جينا: هذه المرة الأمر مختلف! ، عندي طلب صغير، أحتاج مساعدتك لمدة أسبوع ، هل تستطيعين أن تعملي معي لمدة أسبوع ، فنحن في الشركة مشغولون جداً؟

لورا: "لمدة أسبوع؟ لكنني لا أحب العمل، وأعيش على أجرة العقار الذي ورثته عن أبي كما تعرفين."

جينا: "أعلم أنك لا تحبين العمل، لكنني بحاجة ماسة إلى مساعدتك ، هل يمكنك قبول الطلب؟"

لورا: "حسنًا، ومنذ متى رفضت لك طلباً

جينا : شكراً لورا ، ننتظرك غداَ

 

في صباح يوم جديد، حيث السماء تتلألأ بألوان الفجر الزاهية، دخلت لورا عالم العمل بخطى مترددة ، كانت تعيش حياة هانئة، ترفل في دفء الراحة والاستقرار، بعيدة عن صخب العمل وضجيجه.

 

لكن الأسبوع الذي قضته بين جدران الشركة كان كفيلًا بأن يعزف على أوتار روحها نغمات التغيير ، وجدت في العمل متعة لم تكن تتوقعها، وفي التحديات طريقًا للنمو والتطور.

 

ومع نهاية الأسبوع، كان قرارها قد تبلور كقطرة ندى على ورقة خضراء، اتصلت بجينا، الصديقة التي كانت لها كالمرسى في بحر الحياة، وأعلنت لها بصوت يملؤه الحماس: “أريد أن أستمر في العمل، أريد أن أكون جزءًا من هذا العالم الجديد.”

 

ابتسمت جينا بفرح غامر وقالت: “أهلاً بك في عائلتنا الكبيرة ، تعالي إلى مكتبي غدًا، فلديّ لك طلب خاص.”

 

وفي اليوم التالي، وقفت لورا أمام مكتب جينا، حيث تلقت طلبًا لم تكن تتوقعه. “أريد منك أن تكوني عيوني وأذني، أن تكوني الحارس الأمين لأسرار الشركة ، ولكن، يجب أن تظل علاقتنا طي الكتمان.”

 

وافقت لورا بثقة، وهي تدرك أنها على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالمسؤوليات والمغامرات ، “سأكون لك كما تريدين، وسأحافظ على العهد الذي بيننا.”.

 

في لحظة من لحظات اليوم العملي المزدحم، رنّ الهاتف في مكتب فرانك، وكانت جينا على الطرف الآخر، بصوت يملؤه الحماس والرضا، قالت: “يا فرانك، ها هو اليوم الذي كنت تحلم به ، الموظفة الجديدة، بكل ما تحمله من طاقة وعزيمة، قد قررت أن تواصل مسيرتها معنا، أرجوك، امنحها المكان الذي يليق بمواهبها.”

 

ومن خلف مكتبه، أجاب فرانك بصوت متزن وثقة تعكس خبرته الطويلة: “كل المواقع في رحاب شركتنا تحمل قيمتها ومكانتها الصحيحة ، لا تقلقي، سأجد لها المكان الذي ستزدهر فيه مواهبها ، لحظات وأكون في مكتبك لإحضارها.

• • • ******

 في بزوغ الفجر، حيث تتناثر أشعة الشمس الأولى على لوحة المفاتيح، تبدأ جينا رحلتها اليومية في عالم الرسائل الإلكترونية ، حيث تتصفح بعينين تميزان بين السطور، ومن بين زحام الرسائل، تلمح عنوانًا يحمل وزن الأهمية، رسالة من جون، رئيس الشركة الذي يرسم ملامح الغد للشركة

 

تُعلن الرسالة عن الاجتماع السنوي الكبير في بوسطن والذي سيكون الأسبوع القادم، حيث تتجمع فروع الشركة لتقييم عام عن العمل، من الإنجازات والأرباح وغيرها . تتخيل جينا نفسها هناك، في قلب الحدث، حيث تتقاطع الأنظار وتتشابك الأفكار، تُحلق بخيالها متسائلة، هل سيكون هذا الاجتماع مجرد عرض للأرقام، أم ستُكتب فيه قصة نجاح جديدة؟.

 

تُدرك أن الهدف من الاجتماع هو تقييم العمل والأرباح، لكنها تعلم أن الأرقام ليست سوى جزء من القصة ، فالقصة الحقيقية تكمن في الأرواح التي تُحرك هذه الأرقام، في العزائم التي تُبني النجاحات.

 

وفي لحظة تأمل، تقرر جينا أن تكون القوة التي تُحرك الأرقام، أن تكون الصوت الذي يُلهم الآخرين. فالقوة لا تكمن في الأرقام وحدها، بل في القدرة على تحويل هذه الأرقام إلى قصص تُروى، إلى آمال تُعاش، وإلى مستقبل يُبنى بثبات وإصرار.

 

في اليوم التالي استدعت جينا فرانك إلى مكتبها

جينا : فراك ، أنت تعلم أن الأسبوع القادم موعد الاجتماع السنوي لكافة الفروع وسيكون في بوسطن لذا أطلب منك تجهيز ملفات المبيعات والأرباح

فرانك : لقد جهزتها الإسبوع الفائت عندما وصل أول بريد الكتروني

جينا : ممتاز ، هل وضعت تقرير مُفصل عن كل مندوب مبيعات؟

فرانك : نعم وضعت ، كل مندوب وكم عمل من مبيعات

جينا : هل أخفيت المؤهلات العلمية لهم؟

فرانك : لم اذكرها في التقرير ، إنما ركزت على المبيعات ، ولكن يا جينا معلومات كل شخص على السيستم أوْ النظام الإلكتروني

جينا : لا عليك ، المهم المبيعات

فرانك : على رآيك ، المهم المبيعات

جينا : استمع يا فرانك ، تنوب عني مدة سفري وهي كما تعلم أسبوع ، وكن عند حسن الظن فيك

فرانك : بالطبع ، لكن ماذا عن دانيس؟

جينا : ما به؟

فرانك : أقصد كيف أتعامل مع مُخصّصاته التشغيليه...الخ

جينا : كما هو الحال ، تأخذ منه فواتير تسلمه مقابلها النقود

فرانك : أنا لا أفهم لماذا هو الوحيد الذ يُعامل هكذا!، رغم أن نصف مبيعات الشركة تأتي منه! ، أيكون ، لأنه لا يحمل أيْ مؤهل علمي؟

جينا : ها أنت يا فرانك تسأل وتُجيب نفسك ، التزم بما أقوله لك

فرانك : حسناً ، هل يمكنني الانصراف

جينا : نعم ، لا تسال كثيرا يا فرانك

فرانك : ضاحكاً ، حسناَ

 

في صمت الفجر الباكر، حيث تتسلل أشعة الشمس الأولى خلف ناطحات السحاب،وصلت جينا إلى بوسطن، تنزل في فندق يطل على شوارع المدينة النابضة بالحياة، تلك الشوارع التي ستكون شاهدة على بداية فصل آخر في مسيرتها المهنية ، تستيقظ مع نسمات الصباح الباردة، تنظر من نافذتها العالية،

 

ترى المدينة تستعد ليوم جديد، وهي أيضًا تستعد لأسبوع حافل بالعمل.

 

تتناول قهوتها الصباحية، تلك الرشفات التي تمنحها الدفء والنشاط،

 

ثم تخرج من الفندق، متجهة إلى مقر الشركة، حيث ينتظرها أسبوع من العمل ، تمشي بخطى واثقة، تتأمل المباني التاريخية والحدائق الخضراء،

 

تشعر بروح المدينة تسري في عروقها، تمدها بالقوة والإلهام.

 

تصل إلى الشركة، تلك البناية الشامخة التي تعكس تقدم بوسطن وريادتها،

 

تدخل بابها الرئيسي، مستعدة لتقدم أفضل ما لديها، لتثبت نفسها في هذا العالم أيضاً.

 

يجتمع مدراء الفروع مع مدير كلّ الفروع السيد جون، يبدأ الحديث بالترحيب، معلنًا يوم عمل مثمر وملهم و يقف في قاعة الاجتماعات، حيث تتجمع العقول اللامعة، ويبدأ بكلماته الرصينة:

 

"أرحب بكم جميعًا في قلب بوسطن، حيث تلتقي الأفكار لتشكل مستقبل شركتنا ، اليوم، نحن لا نجتمع فقط لنراجع أرقامًا وخططًا، بل لنحتفل بروح الفريق والإبداع الذي يجمعنا ، سنعمل معًا لنضع استراتيجيات جديدة، ونبحث عن فرص نمو لا مثيل لها."

 

يتابع جون، مشيرًا إلى الشاشة الكبيرة التي تعرض رؤية الشركة، ويقول:

"كل فرع من فروعنا يمثل جزءًا حيويًا من هذه العائلة الكبيرة ، واليوم، سنتشارك النجاحات والتحديات، وسنتعلم من بعضنا البعض ، فلنبدأ بتقديم تقارير الفروع، ومن ثم نناقش كيف يمكننا تحسين أدائنا وتجاوز توقعات عملائنا."

 

بعد الانتهاء من الكلمة الترحيبية، يبدأ المدراء بتقديم عروضهم، وتتوالى الأفكار والمقترحات ، يسود الاجتماع جو من الجدية والتفاؤل، ويشعر الجميع بالحماس للمساهمة في رسم ملامح مستقبل الشركة.

 

وعند حلول الساعة الرابعة عصرًا، يُعلن جون عن استراحة لتناول طعام الغداء، داعيًا الجميع للاستمتاع بأشهى الأطباق في أفخم مطاعم بوسطن. يتوجه الجميع إلى المطعم، حيث يتبادلون الأحاديث والخبرات في جو من الألفة والرقي.

 

ينتهي اليوم بالتخطيط للغد، حيث يعود كل مدير إلى فندقه، مستعرضًا ما تعلمه وما يأمل تحقيقه، وفي قلوبهم جميعًا، يحملون العزم على جعل اليوم التالي أكثر نجاحًا وإبداعًا.

 

وأتى اليوم الموعود، اليوم الذي تنتظر جينا بفارغ الصبر، يوم التقدير والاحتفاء، حيث تُعلن الإنجازات وتُكرم الجهود ، في هذا اليوم، تتجمع الأنظار حول مندوبي المبيعات من كل فرع، وتُقيّم الأرقام لتُعلن النتائج المبهرة ، ومن بين الفروع اللامعة، يبرز فرع جينا، مثل نجم يتلألأ في سماء النجاح، مُعلنًا عن تحقيق أعلى الأرباح للسنة الثالثة على التوالي.

 

جينا، بكل فخر واستحقاق، تتسلم الجائزة، وتُشع في عينيها نظرات العزم والتصميم ، فقد كانت رحلتها ليست بالسهلة، لكنها بالتأكيد كانت مليئة بالشغف والإصرار الذي لا يعرف الكلل.

 

وفي ذات اليوم، يُكرم دنيس، مندوب المبيعات الأسطوري في فرع جينا، حيث يُعلن عنه كأفضل رجل مبيعات في جميع الفروع ، إنجازات دنيس لا تُصدق، فمبيعاته تساوي أربعة أضعاف ما يحققه مندوب عادي، وهو بذلك يُعتبر معجزة في عالم المبيعات.

 

جون : يا جينا ، هذا المندوب معجزة ، لا بد من تنظيم دورة لمندوبي المبيعات في الفروع ، للاستفادة من مهارات دنيس التسويقية ، لا بد من تنظيم هذه الدورة

جينا : فكرة عظيمة أن نتشارك الخبرات....نعم ، بكل سرور

جون : لا بدّ أنه يحمل شهادة جامعية عليا ! أليس كذلك يا جينا ؟

جينا : لا يحمل أيّ شهادة سيد جون

جون : ماذا؟ لم أفهم....ماذا تقصدين؟

جينا : المؤهل الوحيد الذي يحمله هو مستوى صف تاسع مدرسة ، كلّ ما يحمله شهادة تُثبت أنه أنهى الصف التاسع

جون : وكيف تقومين بتعينه؟ وهو لا يحمل مؤهل تسويقي جامعي ؟

جينا : يا سيد جون ، إنّ مبيعاته تشفع له

جون : وكيف اكتشفتينه؟ وهو أساسا ممنوع أنْ يعمل لدينا وقوانين الشركة واضحة؟

جينا : في الحقيقة معك حق بكل ما تقول ، لكنني ، وبصوت واثق ،عندما جاء وطلب العمل ، وأصرَّ على العمل بقسم التسويق ، مما أثار فضولي ، اختبرته لمدة شهرين وكانت النتائج مبهرة ، وها أنت تعطيه جائزة أفضل مندوب مبيعات للسنة الثالثة

جون : أمره مُستغرب هذا الموظف دنيس ، شخص بهذه المواصفات دون شهادة؟

لكن حسب قوانين الشركة ممنوع أن يعمل ....نحن يا جينا لسنا مالكين للشركة ، نحن ندير استثمارات مستثمرين وضعوا ثقتهم بنا

جينا : أعرف هذا يا جون ، لكن رجل معجزة ، وهل المستثمرون لا يهمهم الربح؟

جون : أهم شيء عندهم الربح ، اسمعي يا جينا ، سوف أرفع ملفه كامل إلى المستثمرين مع كل إنجازاته التراكمية ،لأصحاب الشركة فالقرار لهم ، لن آخذ قرار على عاتقي ، كما فعلت أنت رغم أنه معجزة

جينا : حسناً ، وإن كنت أعرف النتيجة بالايجاب

جون : أنا أقف على قمة هذه الشركة ومُؤتمن عليها وما أُقرره يمشي ، احتفظي به ، ففي عالم المال أهم شيء هو الربح

جينا : وأنا لهذا أحتفظ به

جون : يا جينا ، ما سرّ هذا الرجل ، إنه أمر عجيب ! ، لا بدّ أنه قوة جبارة في الإقناع

جينا : ستُصدم يا جون إن حدثتك عنه

جون : ماذا؟ وهل هناك ...؟ أكملي ...لم أفهم ...كيف سأُصدم؟

جينا : السرّ يا جون ، أنّ دنيس مُدمن قمار

جون : سأفقد عقلي .... هذه مشكلة لا يمكن السكوت عنها ....مُدمن قمار؟ أهذا ما قُلتينه؟

جينا : دعني أُوضح لك الأمر ، أنا عندما عينته في الشركة لم أكن أعرف أنه مُدمن قمار ، عينته لمقدرته والنجاح الذي حققه ، ثم تساءلت مثلك عن السرّ ، فوجدت أنه يعمل بمهنية عالية جداً من أجل زيادة مبيعاته ، لأنه كما تعلم ، كلما زادت مبيعات المندوب يزداد "البونص" أو المكافأة على المبيعات ، وكل دخله يصرفه على القمار ، فهو هدفه زيادة دخله من أجل القمار

جون : لكنه مُدمن يا جينا والمُدمن قد يتصرف بلا عقل .....هل يحمل بطاقة أمريكان إكسبرس مثل باقي مندوبينا؟ كيف يؤتمن عليها ....

جينا : لقد سحبت منه كل بطاقات الإئتمان ، وأتعامل معه فواتير مقابل مال ، وللحقيقة لم أرَ منه شيء يستوجب الشك فيه ، إنما فعلت ذلك إحتياطاً

جون : حسناً ، لا أُريد مشاكل ، لكن من موقعي أقول ، نريد الاحتفاظ به ، هذا الرجل علمني درساً مهماً في الحياة وهو لا حدود لإرادة الإنسان ، لكنه أيضاَ إلى جانب إرادته لا بدّ أنه شخص مقنع جداً كمندوب مبيعات

جينا : هو مُقنع جداً ، وإنْ كانت سوسة القمار دافع له

جون : سنبعثه لاحقاً إلى مركز علاج المدمنين ، فشخص كهذا يحتاج دعمنا

جينا : فكرة جيدة سأعمل عليها

جون : أترك الأمر لك ، وأُريد أنْ أسمع أخبار سارة في العام القادم عن هذا الرجل ، فهو يستحق كل جيد ، وهو جزء مهم من الشركة

جينا ; ستسمع يا جون ، أعدك بذلك

• • • 

كان أحمد مشغولا بترتيب خزانة ملابسه عندما وقعت عينه على بطاقته الجامعية عندما كان يدرس الهندسة "المكانيكية" في سوريا ، وقف أحمد للحظة، يتأمل البطاقة الجامعية التي كانت تحمل اسمه وصورته الشابة، تلك الصورة التي كانت تعكس طموحاته وأحلامه في ذلك الوقت ، كانت الذكريات تتدفق كمياه النهر بعد عاصفة شتوية، تعيد به إلى أروقة الجامعة، حيث كان صدى ضحكات زملائه وهمسات المحاضرات لا يزال يتردد في أذنيه ، أعاد أحمد البطاقة إلى مكانها بعناية، وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، متأملاً في كلّ خطوة في رحلة حياته الحافلة بالمغامرات والذكريات والتحديات .

 

تأمل حياته في لبنان بعدما أتم دراسته الجامعية في سوريا والتي شكلت منعطفاً حاداً في حياته ، غاص مجدداً في الذاكرة ، عندما ترك سوريا مُلتحقاً بأحد الفصائل الفلسطينية ، حيث انضم إلى المقاومة الفلسطينية هناك .

 

في أرض الأرز، حيث تتجذر الحضارة وتتعانق السماء مع قمم الجبال، دخل لبنان محملاً بعزيمة ونضال جيفارا ، كانت مسيرته في الثورة قوية وملهمة ، تحت شمس الحرية، قاد النضال من أجل المستضعفين، وكتب بدمائه قصة الصمود والتحدي ، كان يعلم أن الثورة ليست مجرد انتفاضة عابرة، بل هي مسيرة طويلة تحتاج إلى إصرار وإيمان ، وهكذا، بين جبال لبنان، ترك أثراً لا يُنسى في قلوب رافقة من المقاتلين ، وفي كل خطوة على الجبهات والمهام المتعددة ، كان يحمل معه روح جيفارا، رمز الثورة والتغيير ، لم يكن يخشى الموت يوماً، بل كان يراه جسراً نحو الحرية التي يتوق إليها كل إنسان ، ومع كل فجر جديد، كان يستقبل النور بعزم لا يلين، مؤمناً بأن الشمس لا تشرق إلا لتنير درب الثوّار والثائرات، وكم كان يُمازح المُقاتلات بقوله " الجميلات هنَّ الثائرات " .

 

وقف شامخاً في وجه الظلم، متحدياً كل الصعاب، متسلحاً بإرادة لا تقهر وعقيدة لا تتزعزع ، كان يعلم أن الثورة لا تُبنى على الأحلام وحدها، بل تُبنى على العمل والتضحية والإيمان بالقضية ، وفي قلب العاصفة، كان صوته يعلو فوق الريح، كان أسطورة رفاقه، فقد ترك بصمات مهمة في ميادين القتال ، فقد أصبح اسمه مرادفاً للنضال والفداء.

 

لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، بل كان مليئاً بالأشواك والتحديات ، لكنه لم يتوانى، ولم يتراجع، بل كان يتقدم دائماً إلى الأمام، متخطياً كل الحواجز، متجاوزاً كل العقبات، متطلعاً إلى يوم يرى فيه نصراً وعدلاً على هذا الكوكب.

 

يأخذ أحمد نفساً عميقاً ، ويُخاطب نفسه :

- ركضتَ وَرَاءَ وَهمِ التّحرِيرِ، وَنَسيت أَنَّ الجرَاحَ نارٌ وَبأسٌ

- آهٍ من الجرحِ عندما يتحوّلُ إِلَى رصَاصةٍ لا تعرِفُ الهدفَ القَرِيبَ

- وآهٍ من الرَّصاصة عندما تتحَوَّلُ إِلى جرحٍ لا يعرِفُ الهدفَ البعِيدَ!

- كان عليكَ أَنْ تمضيَ بِالتَّجربةِ

- وإِلّا كَيفَ نفهمَ؟ نفهمُ مُتأخّرِين أَحيانًا، وَلكنَّنا نفهمُ رغمَ كلِّ شيءٍ، رغمَ الجرحِ، رغمَ الجراحِ!

ـ هكذا

- نعم، وهكذا نتغَيّرُ

 

يستمر أحمد في تقليب الذاكرة باحثاً عن أهم محطة في حياته ، حيث يجدها في زاوية من زوايا الذاكرة، حيث تتشابك خيوط الأمس بحبال اليوم، يسترجع أحمد لحظات القدر التي رسمت مسار حياته ،يتذكر كيف وقع في قبضة حزب الكتائب ، حيث الأقدار تُكتب والمصائر تُحاك.

 

في الطابق الرابع من بناية شاهقة، حيث الأفق مغلق والأمل معلق، وُضع أحمد ، وفي صمت الليل الحالك، سمع همس الموت يناديه، "أعدموه في الصباح" ، كانت الكلمات كالرصاص الذي يخترق الروح، لكنه لم يستسلم لقدره المحتوم.

 

بقلب يعتصره الألم وروح تتوق للحرية، ألقى بنفسه من الطابق الرابع، في ليلة كان القمر فيها شاهداً على شجاعته ، سقط على شجرة، وكأن الطبيعة أمدته بذراعيها لتخفف من وطأة السقوط، لكنه تكسر، والألم انتشر في جسده كالنار في الهشيم.

 

مع ذلك، لم يستسلم للألم، بل زحف، زحف بإصرار الجريح الذي يرفض الموت، زحف نحو الحياة، نحو المجهول ، بالصدفة وصل إلى نقطة سيطرة تابعة للقوات الدولية، حيث تم الإنقاذ، أنقذوه ، وفي المشفى، بين الجدران البيضاء والأسرّة المتراصة، وجد أحمد نفسه، حياً، ناجياً، وشاهداً على معجزة البقاء

• • •

في غرفة بيضاء، حيث الأصوات تتلاشى خلف جدران الألم، يستلقي أحمد على سرير المشفى، يتنفس الصعداء بعد معركة أخرى مع الموت. يفتح عينيه ببطء، يتساءل في دهشة وحيرة: "كيف كُتبت لي الحياة؟ وماذا لو كان للنافذة حماية؟ وماذا لو لم يكن هناك شجرة تحتضنني؟ هل كل هذا صدفة أم ضرورة؟" يقطع تفكيره صوت الممرضة ، " تبدو بحالة جيدة يا أحمد ، فأنت تتعافى بسرعة " ، هزَّ رأسه أحمد موافقاً وأردف قائلاً : متى أخرج؟، تبتسم الممرضة بلطف وتقول: “إن تعافيك يتقدم بشكل جيد، يا أحمد، إذا استمر هذا التحسن، قد تتمكن من الخروج بعد بضعة أيام.” يشرق وجه أحمد بأمل جديد ويقول: “هذا خبر رائع، لقد بدأت أشعر بالملل من هذه الجدران الأربعة ”. يضيف بنبرة متفائلة: “أتطلع لليوم الذي أستطيع فيه العودة إلى حياتي الطبيعية.”

 

تومئ الممرضة موافقة وتقول: “سنفتقدك هنا يا أحمد ، لكن الأهم هو صحتك وسلامتك.” ومع هذه الكلمات، تتركه ليرتاح، وتغلق الباب خلفها بهدوء، ينظر أحمد إلى السقف، يفكر في الأيام التي ستأتي، ويتساءل عما سيحمله المستقبل له ، ولكن في قلبه، يعلم أنه مهما كانت الإجابات، فإنه مستعد لمواجهة كل تحدي بشجاعة وأمل.

 

في ضوء فجرً جديدٍ، أحمد يغادر أسوار المشفى، حاملاً معه نفحات الشفاء والعافية،و بخطى واثقة وقلب مفعم بالأمل، يعود إلى صفوف رفاقه، حيث تنتظره وحدته في المقاومة الفلسطينية، هناك، بين أخوته ورفاق دربه، يستأنف مسيرته، متسلحاً بالعزيمة والإرادة، يمارس مهامه بكل حيوية ونشاط ، متحدياً كل الصعاب، مؤمناً بعدالة قضيته.

 

تجهزوا يا شباب ، فهناك موقع متقدم علينا مهاجمته والاستيلاء عليه قائلاً قائد المجموعة ، نحتاج إلى أرعبة عناصر للمهمة ، بعد ربع ساعة سوف نخرج ، وستكون معنا يا أحمد ، رد أحمد بحماس،" بك تأكيد ، أشعر أنني أكثر حماساَ لهذه المهمة".

 

تحت القمر الباهت، تجمعت الفرقة في الظلام ،وكان القائد ينظر إلى الخريطة، وجهه مضيء بضوء القمر. "نحتاج إلى الأفضل من أفضل لهذه المهمة'"، قال بصوت ثابت، "الموقع محصن ومحمي بشكل جيد، سيكون علينا التسلل والاستيلاء عليه قبل أن يكتشفون وجودنا."

 

المقاتلون الأربعة أعطوا تصريحًا بالرأس، مستعدين للمهمة ،و كانوا مدربين تدريبًا عاليًا، وكانت لديهم خبرة في العمليات الخاصة، القائد أخذ نفسًا عميقًا وألقى نظرة على الفريق، "لنذهب ونجعل هذه المهمة نجاحًا"، قال بثقة.

 

وصلت المجموعة الشجاعة إلى حافة الموقع، حيث القائد الحكيم بريشته يرسم الخطة. "يا أحمد، اصطحب معك مقاتلاً وانطلقا كالسهم من اليمين، وأنتما البطلان، تحركا من اليسار بكل قوة وعزم. أما أنا، فسأكون في المنتصف، متحفزًا للإشارة الأخيرة ، انتظروا إشارتي، فلا تطلقوا النار إلا عندما تدوي طلقتي في الأفق، فتكون بداية معركتنا ونهاية صمت الليل."

 

دارت رحى المعركة لمدة نصف ساعة ، الصراع العنيف انتهى بسيطرة المجموعة على الموقع، وفي خضم الفوضى، سقط مُرافق أحمد ،يشعرأحمد بثقل الخسارة يطغى على فرحة الانتصار، الحزن يتسلل إلى قلبه، وعدم الارتياح يلفه كالضباب الكثيف...

 

كثيراً ما كُلف أحمد بمهام خطرة هو ومجموعته ولكنهم كانوا جميعاُ يعودون بسلام.

 

في عالم مليء بالألغاز، يُكلف أحمد بهمات استطلاعية وقتالية مع المقاتلين. ويشارك في مهمات خطيرة. لكن هناك شيء غريب يحدث في كل مهمة يشارك فيها ، إنه شئ جديد لم يالفه أحمد ولا أحد ،إنه تكرر مقتل كل من يرافقه! .

 

أصبحت هذه الظاهرة مثل لعنة تطارد أحمد ، كلما توجه إلى مهمة جديدة، يفقد أحد رفاقه حياته ، الأمر أصبح مرعبًا للمقاومين الآخرين ، يخشون مشاركته في المهام، خوفًا على حياتهم ، لم يعد أحمد مجرد مقاوم، بل أصبح مصاص للأرواح، وما يزيد الأمر حيرة هو أنّ هذه الظاهرة جديدة

 

فنفسية أحمد تأثرت بشكل كبير، يعيش في حيرة دائمة، لماذا يحدث هذا له؟ هل هو ملعون؟ هل هو مصاب بلعنة؟ يحاول أن يكشف الغموض وراء هذه الظاهرة، لكن كل محاولاته تبوء بالفشل.

 

المقاومين يترددون في الاقتراب منه، يخافون أن يكونوا ضحاياً للظاهرة نفسها، أحمد أصبح وحيدًا، محاطًا بالألغام النفسية والشكوك. هل هو بالفعل مصاص الأرواح؟ أم أن هناك تفسيرًا آخر لما يحدث له؟.

 

في أحد المهمات القتالية توسّل أحمد القائد أنْ يتركه يذهب بمفرده دون مشاركة أحد ، إلّا أنَّ القائد وبخه قائلاً له ، " لا أؤمن بهذه الخرافات ، فأنت لست مسؤول عن موت أحد ، ثم أنا أريد اثنين في تلك الجهة" ، تابعت المجموعة المسير إلى مهمتها ، فجأةً صاح أحمد في المجموعة ابتعدوا ، فأنا أقف على لغم ، ذهل الجميع ، الّا أن القائد أمر المجموعة بالابتعاد ، وأعطى تعليمات لأحمد تساعد في انقاذه ، طلب من ألّا يتحرك ، وأن يقفز بشكل أفقي ، وبقية أفراد المجموعة ينتظرون وكأن معجزة ستحصل ، قفز أحمد بشكل أفقي على الأرض ، لم يصدق أحد ماذا حدث ، فاللغم لم ينفجر ، مما دفع أحمد للصراخ والقول للقائد " ألم أقل لك؟ وهذا برهان على ما أقول" ، رد عليه القائد بنبرة حادة ، " هذا خطأ في تصميم الصاعق ، فكف عما تفكر به " ، وسط ذهول بقية أفراد المجموعة .

 

تابعوا المسير إلى الهدف المقصود ، وزع القائد الأفراد ، كما تتطلب الخطة التي رسمها ، أحمد ومقاوم من جهة اليسار والقائد ومقاوم في الوسط ، ومقاومان من حهة اليمين ، بدأت المعركة ، أحمد دفع المقاوم شريكه إلى الأسفل حيث وادي عميق ، معتقداً أنه بهذه الطريقة يُحافظ على حياته ، واشتبك لوحده مع العدو ، إلّا أنّ المقاوم في أسفل الوادي تسلق التلة بسرعة البرق ، فشاهده أحمد ، ويأخذ يصيح به " انبطح أرضاً" ، لم يعر المقاوم أيّ اهتمام لأحمد وباشر القتال ، أحمد فقد التكيز ، فهو من جهة يُقاتل العدو ومن جهة أخرى يرقب رفيقه ويحاول حمايته ، فأخذ يخاطر في الإقتراب من نقطة العدو متقدماً رفيقه وجلّ همه الحفاظ على حياة رفيقه ، فأُصيب أحمد ، سحبه رفيقه من مرمى النيران ، وتابع القتال حتى خمدت أصوات الرصاص ، أسرع الكل بما فيهم القائد إلى مكان أحمد ، فوجدوا رفيقه يسعفه ، حيث أُصيب في كتفه إصابة خفيفة ليست قاتله ، نظر أحمد إلى القائد بفرح شديد

• • •

في محاولة لاستكشاف أغوار الذات والوجود، كان أحمد يجوب بين طيات الحيرة، يسبر أغوار السؤال الأزلي: “ما الذي يحدث لي؟” كانت رحلته في البحث عن الإجابات تأخذه إلى عوالم متعددة من المعرفة، يقلّب الصفحات بنهم، يتلهف للكشف عن الأسرار المدفونة بين السطور.

 

بدأ أحمد رحلته في عالم الكتب، يقرأ من كل فن ومضمار، يتنقل بين العلوم والآداب، الفلسفة والتاريخ، وكأنه يبحث عن مفتاح خفي يفتح به أقفال الغموض التي تحيط به. ومع مرور الوقت، استقر به المقام على شرفات الروايات، حيث القصص تحاكي الواقع، والشخصيات تنبض بالحياة، والأحداث تسرد بلغة تخاطب الروح.

 

وفي أثناء غوصه في بحر الروايات، لفت نظر أحمد مقطع بارع الصياغة، محمل بالدلالات والرموز، وقف عنده طويلاً، يتأمله، يحلله، وكأنه وجد ضالته المنشودة. كان المقطع بمثابة مدخل لعالم جديد، يفتح أمامه أبواب الفهم والإدراك، وكأنه يقول له: “ها هو العالم يكشف لك عن وجهه الآخر، فتعال واستكشفه”.

 

يقول الكاتب:

أمات أخي الآخر نفسه مثل كثبان الصحراء المحترقة تحت الشمس، دخلت الشمس في رأسه يوم كان طفلاً ينتظر الملك على رصيف جهنم لاستقبالٍ دامَ ساعاتٍ طويلة كلفته العذاب مدى سني حياته. "ضربة شمس" كما كنا نقول. فتحوا رأسه ليرسموا على جمجمته الجزيرة البريطانية وأرخبيلات الشمال، ليبعثوا حركة الموت التي بدأت في ذراعه وانتهت بذراعه. لم يصبها الشلل ذراعه، كانت ذراعه ترقص بكتفه على إيقاع موسيقى الحياة. وبعد ذلك مع الحياة أدركنا كلنا أن الشمس في رأسه ولدت ابنًا اسمه السرطان ما عدا زوجته من الجهل لا من التفاؤل كانت واثقة من الخطأ، فطلقها من الغضب، كان واثقًا من الصواب، قبل أن يميت نفسه تحديًا لنفسه، فلا تقول الشياطين المعاقة عنه "استسلم للمرض". كان بلدًا صغيرًا يتحدى قارة كبيرة ومجنونًا أسود من مجانين الصومال. في المنجرة الحديثة، نشر ذراعه بالمنشار الكهربائيّ، ثم ألقى بجسده بين الأسنان المفترسة، والمنشار الكهربائي يقهقه في برلين، وقهقهاته تُسمع من اسطنبول.

 

في مقهى بيروت من الشارع المزدحم بسوقه الرائجة، كنت على موعد مع آينشتاين صديقتي الأمريكية. كانت القاعة مفتوحة على الرصيف، والرواد كثيرين، يشربون القهوة مع قطعة بقلاوة، وأنا كذلك. نقلت قطعة البقلاوة بأصابعي، وقضمتها، فذاب تحت لساني ملح البحر.

 

- تأخرت عليك، قالت لي امرأة ملتفة بالنقاب انتصبت فجأة أمامي، أنا آينشتاين، أضافت أمام حيرتي وهي تجلس.

- آينشتاين هذه أنت؟! تلعثمتُ وأنا أبلع حلواي المالحة بصعوبة.

- لم أقل لك على الهاتف كي لا أصدمك.

- منذ متى؟

- منذ آخر زيارة لك للندن.

- أنا لن أستطيع إنهاء قطعة البقلاوة اللذيذة التي سكرها مالح.

- هل تسألني لماذا؟

- لأن في رأسك مسًا.

- تمامًا، في رأس مس، جميل أن يكون في رأسي مس كشاعرة.

- ليس هكذا، الشعر ليس هكذا.

- أوقفتني امرأة ترتدي النقاب في بيكاديللي ، وقالت لي كنت أرتدي الفساتين القصيرة التي تبين نصف فخذيّ مثلك وأكشف عن صدري حتى منبته، كنت مومسًا أقف في زاوية غير بعيد من هنا.

- أنتِ لست مومسًا.

- بعد أن أفرغت قنينة ويسكي بأكملها اتخذت قراري.

 

غرفة آينشتاين الكولوكيشن كانت تقع بين الطابق الأرضي والطابق التحت الأرضي، أقول غرفة بينما هي زنزانة، لكن ما يغري فيها السطح الذي خرجنا نجلس حول طاولة عليه من النافذة.

- لا تخلعي نقابك، قلت لآنشتاين.

- ومن قال لك إني سأخلعه، أنت غريب عني، أجابت آينشتاين.

- أنا هنا كي أعلمك كيف تكتبين القصائد.

- وما علاقة كتابة القصائد بنقابي؟

- اتركيني أنا أخلعه.

- لماذا؟! لا تنس أننا أصدقاء، فقط أصدقاء، لم نمارس...

- لا لا لا ليس هذا.

- ماذا بالله عليك ماذا؟

- إذا كنتِ بمثل هذا العمى وأنت تتنزهين بين آياتك أنت لن تفهمي.

- آياتي إلهامي.

- في الواقع أنا أريد أن أكتبك.

- أن تكتبني؟!

- أنا أريد أن أخلع نقابك فثيابك قطعة قطعة، هل تفهمين؟ أنا أريد أن أخلق منك القصيدة التي تبحثين عن كتابتها ولا تجدينها.

في الصيف أمطرت نيويورك على ثديي آينشتاين، في الشتاء أشرقت باريس في ظل ردفيها، في الخريف أورقت لندن بالذهب من أذنيها وكتفيها، في الربيع جاءها العشاق من جميع أنحاء العالم.

 

- سأطبشرك آينشتاين، قلت لها، فلا تقلقي.

- لماذا؟ سألت الشاعرة.

- مسودة قصيدة.

- وبعد ذلك؟

- سأشحبرك.

- مسودة قصيدة كذلك؟

- مسودة قصيدة.

- الآن سأصبغك بكل الألوان والمعاني.

- أوه! هل أنا جميلة إلى هذه الدرجة؟

- نعم أنت جميلة إلى هذه الدرجة بألوانك ومعانيك في كل مكان في لندن في أحيائها الفقيرة وفي أحيائها الغنية.

- وفي نيويورك؟

- وفي نيويورك، وفي مدن أمريكا كلها. لكن... بيضاء لا، سوداء لا.

- وعندما أضع النقاب؟

- تغطين جمالك.

- أنا لن أسير في الشوارع عارية لجمالي.

- قصيدتك بلى، شعرك نعم، ينتقل بين الناس، ويبقى في العقول إلى الأبد.

 

وأنا أتمشى في شارع الهاي كينسينجتون ستريت كانت بعض النساء المحجبات ينظرن إليّ ويبتسمن وبدوري كنت أنظر إليهن وأبتسم، وأتساءل لماذا أساطيل المارينز لا تبحر في شوارع لندن؟ أين هم الجنرالات الذين لا يقرأون القصائد؟

 

في البب ذي هاند آند روز، طلبتُ كأس بيرة، وطلبت آينشتاين عصير برتقال.

- أريدكَ أن تقرأ قصائدي الجديدة.

- أرِنِي.

- كتبتها دفعة واحدة في ليلة واحدة.

- ..........

- هل أعجبتك؟

- أنتِ نسيتِ شيئًا لتكتبي قصائد جميلة.

- ما هو؟

- عامل الزمن.

- ............

- ابن الشمس في الرأس الذي يتحول إلى سرطان.

• • •

أحمد يُتابع القراءة، يقرأ روايةً جديدة من حيث المضمون ،بدت له تحمل أفكار جديدة . كانت الصفحات تنبض بالحكايات والشخصيات المثيرة. وفيما كان يتبادل الأحداث مع الورق، شعر بأنه يرى في هذه الرواية أفكارًا جديدة تتسلل إلى عقله. كأن الكلمات تنمو وتتحول إلى أفكار ملهمة، تجعله ينظر إلى العالم بعيون جديدة.

 

كانت الرواية تحمل طابعًا سياسيًا مميزًا. كانت تتناول قضايا الحرية والظلم والتحولات الاجتماعية. أحمد أدرك أن الكاتب كتب بشجاعة، وأن الرواية تحمل رسالة قوية. وعلى الرغم من أنها كانت خيالية، إلا أنها كشفت له الكثير عن الواقع والسياسة.

 

وفي لحظة معينة، انفصل أحمد عن الرواية وانغمس في مقطع تخيلي. كان هذا النص يصف عالمًا موازيًا، حيث يمكن للأشياء أن تكون مختلفة تمامًا. كانت الأفكار تتداخل والحدود تتلاشى. حيث يقول الكاتب :

 

وقفت في قصر باكنجهام في القاعة الذهبية في قلب الإمبراطورية الغاربة، وأنا أنظر في المرايا، وأنتظر الدخول إلى عالم الحكمة. كان لا أثر هناك من الماضي، وأنا على أية حال أقف دائمًا خارج فوهات المدافع وأنين الأمم، أنظر إلى ظلي وما حوله، بما في ذلك عروش الملوك.

 

- سير، هتف مرافقي، إنها اللحظة!

 

تقدمنا بخطوات واسعة والباب الضخم لمكتب صاحبة الجلالة يفتحه على مصراعيه اثنان من حراسها. كانت تقف ببساطة امرأة عظمى، وهي تبتسم لي، ولسرعة خطواتي تقدمت مني، وشدت على يدي بحرارة.

 

- أحييك سيدي بكل مشاعري الودية، قالت إليزابيث الثانية.

- أسمى تحياتي لجلالتك، قلت للملكة.

- هل تفضل الجلوس على هذه الكنبة المريحة أم التمشي هناك تحت شمس لندن النادرة حتى في الفصل القائظ عند غيرنا؟

- لنتمشَّ.

- التمشي من الأفضل لي ولك.

- لم تزالي في كامل أناقتك يا صاحبة الجلالة.

- تريد القول في كامل صحتي، أشكرك على دماثة أخلاقك. أنت كذلك في كامل صحتك كما أرى مع فارق العمر ما بيننا ها ها.

- ليس كثيرًا.

- هذا ما يدعوه الفلاسفة بالتواضع الزائف ها ها.

- صاحبة الجلالة اسمحي لي أن أعبر لك عن إعجابي بكل هذا الورد.

- و... لكننا على السطح التابع لمكتبي فأين الورد؟ نحن لسنا في حدائق باكنجهام!

- دعيني أتأمل أجمل الجواهر في تاجك.

- إِ... لكني لا أضع على رأسي أيَّ تاج من تيجاني.

- اتركيني أنعم باستقبالي من طرف كل الملكات الإنجليز.

- ها ها أنا أفهم الآن ما لم أفهم، منذ متى وأنت تمارس الكتابة يا سيدي؟ منذ خمسين عامًا؟

- منذ خمس دقائق يا سيدتي.

- منذ خمس دقائق وتنتهي من كتابة أعظم رواياتك؟

- ها ها ها نحن في الذكاء خلقنا لبعضنا.

- لو كان فيليب لم يزل على قيد الحياة لطلب من وزير الدفاع ما لم يطلبه في حياته مرة واحدة ها ها.

- أنا قلت في الذكاء جلالتك ها ها ها.

- أعرف، في الشيء الآخر الوقت ليس الوقت.

- نِعْمَ القول جلالتك.

- .............

- وماذا عن وقتك الأول منذ أخذ العرش منك وقتك الثاني؟

- قصدك وقتي الشخصي؟

- وقتك كامرأة.

- الحياة.

- تحبينها بنهم؟

- آكلها بنهم نعم إنه المصطلح بقدر ما آكل أطباقكم الفرنسية (وبالفرنسية) إسكلوب نورماند، ستيك فريت، بات أَ لا بولو...

- ها ها ها!

- أوه معذرة هذا الأخير إيطالي ها ها.

- ها ها ها!

- أقضمها كما أقضم سكاكركم الشرقية، السكر ليس جيدًا للصحة ها ها.

- ها ها ها!

- أشربها كما أشرب عصير البرتقال بشرط أن يكون من يافا.

- أنت إذن الحياة!

- أنا الحياة! والبرهان على ذلك أنني لم أزل على قيد الحياة بعد كل هذا العمر الطويل.

- والموت؟

- أنا أتركه للغير.

- .........

- أنت فهمتني.

- أنا فهمتك.

 

- الموت شيء رهيب في وقتنا شيء غير عادل شيء يجب أن يفكر المتحكمون بنا فيه بكثير من الجد، وهم لو يهدأون قليلاً ويناقشون الأمر فيما بينهم بروية لأمكنهم التغلب عليه بسهولة.

- مصالح الموت أعظم من مصالح الحياة.

- أنا خلال بضعة أيام سأقول باي باي للجواهر التي أملكها والتي تجعل مني أثرى امرأة في العالم.

- .........

- سأترك كل شيء من بعدي.

- .........

- السعادة ما هي؟ ألا تترك شيئًا من بعدك.

- ..........

- أوه! مساعدي يظهر من جديد لموعدي القادم.

- وما هي النصيحة التي تعطينها لشعوبي؟

- في أمريكا الجنوبية قبائل هندية تصلي لله مرة واحدة في السنة كيلا تزعجه فيما لو صلّت كل يوم وخمس مرات عندكم ها ها وكيلا تعيقه في أعماله لأنه الله المدبر لشئون الكون ولا حاجة إليه لدعاء من أحد أو لشكرِ أيٍ كان.

• • •

في العام  ١٩٨٢ حيث اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان، حينما اخترقت الدبابات الأفق وأضاءت السماء بلهيبها، وقف أحمد على أرض لبنان متحديًا. القصف لم يميز بين شجرة وحجر، وفي زحمة الدخان والغبار، أصيب أحمد، ولكن جروحه لم تكن لتثني عزيمته.

 

مع كل دوي للمدافع، كان يفقد رفيقًا، حتى بات وحيدًا من بين مجموعته الأحد عشر. وفي صمت الليل الموحش، كان يتساءل بلغة الروح “لماذا بقيت على قيد الحياة؟”، كأنما يبحث عن إجابة في ثنايا الأقدار.

 

لم تكن الحرب لتدوم، فقد جاء الوقت الذي انسحبت فيه المقاومة الفلسطينية، ومعها أحمد، إلى تونس، حيث البحر يحكي قصص الرحيل. وهناك، في لحظات الصفاء، كان يحاور نفسه حول الظلم الذي لا يعرف حدودًا ولا أوطانًا.

 

بحثًا عن الأمان والسلام، طرق أحمد أبواب الدينمارك، وهناك وجد اللجوء. كمقاتل من جنسية عربية، كانت العودة إلى الوطن محفوفة بالمخاطر، فاختار الحياة في أرض الفايكنج، حيث يمكن أن يبدأ من جديد، بقلب يحمل الأمل وعين تتطلع إلى الغد.

 

أحمد وجد نفسه في دنمارك، أرضٍ بعيدة عن القتال والدماء، حيث الهدوء يلف الشوارع والناس يعيشون حياةً مختلفة تمامًا. لكن كانت التحديات تنتظره هناك، فالاندماج في مجتمع جديد ليس أمرًا سهلاً.

 

بينما كان يتعلم اللغة الدنماركية ويتكيف مع الثقافة المحلية، كان يحمل ماضيه كمقاتل. كان يشعر بالغربة والتباين بين العالم الذي تركه والعالم الذي يعيش فيه الآن. كان يتساءل عن معنى السلام والحرية، وكيف يمكن لمن كان يحمل السلاح أن يعيش بلاه.

 

في لحظات الوحدة، كان يجلس ويتحدث مع نفسه بلغة عميقة. “لماذا بقيت على قيد الحياة؟” كان يتساءل. “هل لأنني أحمل رسالة أكبر؟ هل لأنني ملزم بأن أكون صوتًا للمظلومين؟”

 

وبينما كان يبحث عن إجابات، قرر أحمد أن يكون جسرًا بين الثقافات. بدأ يعمل في مجال العمل الاجتماعي، يساعد اللاجئين والمهاجرين على التكيف مع الحياة الجديدة. كان يروي قصته للآخرين، يشاركهم تجربته ويحثهم على الأمل والتحدي.

 

كان أحمد يجد في الروايات عالمًا آخر، ملاذًا يأوي إليه من واقعه المعقد. كانت الصفحات تنقله إلى أزمنة وأمكنة بعيدة، حيث يعيش مع الشخصيات أحداثها ويتشارك معها أفراحها وأحزانها. في كل رواية كان يقرأها، كان يجد جزءًا من نفسه، وفي كل بطل يلتقيه كان يرى انعكاسًا لروحه المقاتلة.

 

كان يحب روايات دوستويفسكي بشكل خاص، حيث يجد فيها تعقيد النفس البشرية والصراعات الأخلاقية التي تمس جوهر الوجود. كان يقرأ “الجريمة والعقاب” ويتأمل في العدالة والتكفير، ويتلمس في “الأخوة كارامازوف” أسئلة الإيمان والشك.

 

في الدنمارك، وجد أحمد في القراءة جسرًا يربطه بماضيه ويعزز من فهمه للعالم الجديد الذي يعيش فيه. كانت الروايات بمثابة أصدقاء يرافقونه في رحلته، يعلمونه وينير له الطريق نحو مستقبل ملؤه الأمل والإمكانيات.

 

عاش أحمد في الدينمارك عشرة سنوات مع صديقته الدينماركية، التي رأت فيه ليس فقط مقاومًا، بل إنسانًا بقلب نابض وروح متطلعة. كانت تحب فيه شجاعته وإصراره على الحياة، وكيف أنه استطاع تحويل معاناته إلى قوة تدفعه للأمام.

 

كانت ترى في أحمد الإنسان الذي يحمل في عينيه قصصًا من الأرض التي جاء منها، وفي كلماته حكمة من تجاربه العديدة. كانت تعجب بقدرته على الحديث عن الأمل في أحلك الظروف، وكيف أنه يجد دائمًا النور في نهاية النفق.

 

معًا، بنيا حياة مليئة بالتفاهم والاحترام المتبادل. كانت تدعمه في نشاطاته الاجتماعية وتشاركه شغفه بالقراءة والأدب. وكان أحمد يقدر فيها روحها المتفتحة وقلبها الكبير الذي استوعب قصته وأحلامه.

 

في لحظةٍ من الزمن، انقلبت حياة أحمد رأسًا على عقب. الحزن الشديد انتابه، والكآبة أغلقت أبواب قلبه. ماتت شريكته، الدينماركية التي أحبته لأنه مقاتل. كانت ترى فيه أكثر من مجرد رجل، كانت ترى فيه الأمل والقوة والإصرار.

 

في لحظات الوحدة، كان يفكر باللعنة التي تصيب من يرافقه. كان يتساءل عن العدالة والقدر، وكيف يمكن للحياة أن تأخذ منا أعز الأشياء. كان يحمل الألم في قلبه، وكلمات الوداع ترن في أذنه كالنغمات الحزينة.

 

في تلك اللحظات، كان يجلس ويتحدث مع نفسه بلغة عميقة. “لماذا بقيت على قيد الحياة؟” كان يتساءل. “هل هناك معنى للألم؟ هل يمكن أن يكون هناك معنى للفقد؟”

 

كان أحمد يجد في أقوال الفلاسفة صدى لما يدور في رأسه من أفكار. كان يقرأ لنيتشه ويتأمل في مفهوم الإرادة والقوة، ويستلهم من سقراط الحكمة في الحوار والاستفسار. كان يجد في كلمات كانط عن الأخلاق والواجب، مرآة تعكس صراعاته الداخلية.

 

كان يقرأ لكامو ويتفكر في العبثية، ويتساءل عن معنى الحياة في عالم يبدو أحيانًا بلا معنى. وفي أفكار سارتر عن الوجودية، كان يبحث عن الحرية والاختيار، وكيف أن الإنسان محكوم عليه أن يكون حرًا.

 

وفي الأوقات التي كان يشعر فيها بالوحدة واليأس، كان يلجأ إلى الفلاسفة الشرقيين، يقرأ للفارابي وابن رشد، ويتأمل في العقل والروح. كان يجد في تعاليم الصوفية عن الحب والتسامح، بلسمًا لجروحه.

 

كانت الفلسفة بالنسبة لأحمد ليست مجرد نظريات وأفكار، بل كانت رفيقة دربه في الحياة، تساعده على فهم العالم ومكانه فيه. وبهذه الأفكار، كان يستمد القوة ليواصل مسيرته، متحديًا الألم والحزن، ومتطلعًا نحو الأمل والمستقبل.

 

وقف أحمد أمام قبر شريكته، الرياح الباردة تداعب وجهه، والسماء الرمادية تعكس مزاجه الحزين. كانت اللحظات تمر ببطء، كل ثانية تحمل وزن الذكريات التي جمعتهما معًا. بصوت خافت وقلب مثقل بالأسى، همس وداعًا لا يعلم إن كان سيكون الأخير.

 

“إلى رفيقة دربي،” قال، “لقد علمتني كيف أحب الحياة مرة أخرى، وكيف أجد الجمال في أبسط الأشياء. أحمل معي حبك وذكرياتك إلى كل مكان أذهب إليه.”

 

وضع أحمد باقة من الزهور البيضاء على القبر، وترك خلفه رسالة مكتوبة بخط يده، تحمل كلمات الشكر والحب. ثم التفت ومضى، مغادرًا الدينمارك بقلب مكلوم وروح تبحث عن السلام.

 

في أمريكا، بدأ أحمد فصلاً جديدًا من حياته. كان يعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، لكنه كان مستعدًا لمواجهة التحديات. كان يأمل في أن يجد في هذه الأرض الجديدة فرصة للشفاء والبداية من جديد.

 

أحمد وقف أمام نفسه، يحمل عبءً ثقيلًا من الألم والفقد. كانت عقدة الموت تلتف حول قلبه، تطارده في كل خطوة يخطوها. لم يكن يريد أن يعيش هذه الألم مرة أخرى، لذا قرر أن لا يرتبط بأحد. ولذا قرر أن يعيش حياته بمفرده، بلا ارتباطات.

 

عاش أحمد في أمريكا، حيث الأحلام تتسع والفرص تتنوع. جرب حظه في مجالات شتى، يبحث عن مكان يستطيع فيه أن يجد نفسه. وأخيرًا، استقر في شركة تنظيف، حيث العمل الشريف يضمن له عيشًا متواضعًا ويترك له الوقت ليعانق شغفه الأول: القراءة.

 

في الصباح، كان يعمل بين الأروقة والمكاتب، ينظف وينظم، وفي المساء، كان يعود إلى منزله الهادئ، حيث تنتظره رفوف الكتب. كان يقرأ للفلاسفة والأدباء، يتأمل في الحياة ويبحث عن الحقيقة بين السطور.

 

وفي هذا الروتين البسيط، وجد أحمد سلامًا داخليًا. لم يكن يحتاج إلى الكثير ليكون سعيدًا، فقط كتاب جيد ووقت ليقرأه. ومع كل صفحة يطويها، كان يشعر بأنه يسافر إلى عوالم جديدة، يعيش حيوات مختلفة، ويكتسب فهمًا أعمق للعالم من حوله.

 

وهكذا، في بلد الفرص، وجد أحمد طريقه الخاص، حيث العمل اليدوي يلتقي بالروح الفكرية، وحيث يمكن للإنسان أن يعيش بسلام مع نفسه ومع العالم.

 

… “في الحياة، نحن نسير على طريق مليء بالألغاز والأسرار. كل خطوة نخطوها تقودنا إلى فهم أعمق لأنفسنا وللعالم من حولنا. ومع كل تجربة، نتعلم أن الحقيقة ليست دائمًا واضحة، وأن البحث عنها هو ما يعطي الحياة معناها”.

 

هذه الكلمات أثرت في أحمد بشكل عميق. كان يشعر أنها تعكس رحلته الخاصة، حيث كان دائمًا يبحث عن معنى في الفوضى التي عاشها.

 

وفي مكان آخر يقول الكاتب :

ككل مساء جاء كباريه اسطنبول في أنقرة كمال سلاماي وزير الدفاع التركي ليشاهد الراقصة سوزي شعبان وهو يرشف كأس الشاي المعتادة بصمت كنسيّ يكاد يكون مطبقًا. لم يكن يبدو عليه الاهتمام بمحاسنها التي تتماوج تماوج البحر على الأنغام الشرقية، كان يتماوج هو مع أفكاره وعلى وجهه أمارات الحزن. كان يشخص ببصره إلى المرأة، كل ما يفعل. وعند الانتهاء من نمرتها كان يغادر الملهى على عجل دون أن يلتفت إلى أحد من الحاضرين، وكم من مرة حاولت سوزي شعبان اللحاق به والإمساك به وتذهب محاولاتها هباء.

- من أنتما؟ سألت الراقصة بقلق وهي تعود إلى لُوجِهَا.

- سي آي إيه، قال الواضع قدمه على مقعدها أمام المرآة والآخر العالك للعلكة يقفل الباب بالمفتاح.

- ماذا تريدان؟

- اجلسي مِسْ في مكانك المعتاد، طلب الرجل وهو ينزل قدمه عن المقعد.

- هل فعلت ما لا يعجبكم يا أمريكيين؟ لا تنسيا أننا في تركيا.

- تركيا أو غير تركيا على قفانا، قال الآخر من وراء ظهرها، وهو يبصق العلكة التي في فمه على تواليتها ويضع أخرى.

- قولا لي، فلنتفاهم.

- ها هي تقول ما قررناه قبل أن تعلم، قال الأول للثاني وهو يبتسم.

- أعلم ماذا؟

- كمال سلاماي.

- أنا لا أعرفه يأتي ويذهب.

- ما نعرفه نحن أنك تشبهين شبهًا تامًا زوجته التي ماتت بعد إصابتها بحادث سير.

- إذن لهذا.

- بدأتْ تفهم كما قلت أنا على عكس ما قلته أنت إنها لن تفهم، رمى أحد ضابطي السي آي إيه للآخر.

- أقول لكما الحقيقة أنا لا أتابعكما.

- اسمعي يا قحبة! نبر صاحب العلكة وهو يجذبها من شعرها، غدًا لن تقومي بنمرتك، سترتدين الججاب وتنتظرينه عند باب سيارته، سيكون يغلي من الحزن والحنق، تكشفين عن وجهك ليعرفك وتركبين معه. أين سيأخذك؟ سيتصرف. اتركيه ينكحك بكل الأوضاع.

وهذا ما وقع.

 

بعد عدة ايام في شقة الجاسوسين الأمريكيين.

- أحسنت هانم سوزي شعبان، قال ماضغ العلكة وهو يطبطب على إليتيها.

- ارفع يدك عن مؤخرة الهانم، تهكم زميله وهو يداعب نهديها، كن مؤدبًا مع الزوجة القادمة لوزير الدفاع.

- سيشتري لي شقة، همهمت، وسأعتزل الرقص.

- أوووه! هل تسمع؟

- خطوة هامة قبل الزواج.

- هو لا يرغب في الزواج.

- هل من الممكن أن تقولي لنا لماذا.

- لم يزل يعاني من وفاة امرأته.

- أووووه! حساس معالي الوزير!

- أنا لن أقتله، قالت فجأة.

- لا.

- إذن ماذا تريدون؟

- وثائق سرية.

- سيكون لكم ما أردتم بشرط ألا أقتله.

- قلت لا يلعن دين، صاح الرجل.

- والآن ماذا أفعل.

- الآن اخلعي سنخترقك كقناني الويسكي.

 

حصل الجاسوسان الأمريكيان على وثائق خطيرة حول تطوير الدرونات التركية بدونها لن تحرز الولايات المتحدة قصب السباق في هذا الميدان. انتهت مهمة الرجلين، وعزما على شكر سوزي شعبان على طريقتهما للمرة الأخيرة قبل سفرهما. لم ترد على رسائلهما القصيرة الكثيرة، ولم تعد أنقرة بالنسبة لهما غير علامات استفهام. ذهبا إلى حيث تسكن، فوجداها قتيلة في فراشها.

 

- المجرم، جمجم الأول، كان يحبها كزوجته.

- لنسافر، قال الثاني وهو يبصق العلكة في منديل من ورق ويضعها في جيبه.

- لنقتله قبل سفرنا هذا القذر.

- أنت متأكد مما تقول؟

- مقتله سيسقط الباقين.

- مسكينة.

- المرأة.

- تركيا.

• • •

كنا ثلاثة في المصعد الكهربائي، أنا والأميرة قزمة وخطيبها الهولندي، المصعد الكهربائي في حي لندن المالي "السيتي"، وهو لا يتوقف عن الصعود والهبوط، بابه مغلق على طول طوابق ناطحة السحاب.

 

- أبي وأخي قتلوهما، قالت الأميرة قزمة بصوت خافت يكاد لا يسمع وهي تمسح بأطراف أصابعها دموعها، جاء رجال الإف بي آي إلى كُليَّتي، وقالوا لي عليك أن تغادري الولايات المتحدة وتذهبي إلى المملكة المتحدة أمك تنتظرك في لندن لأن أباك وأخاك قد قُتلا. أعطوني دبلومي على الرغم من أنني كنت أقوم بالامتحانات ولم أنته منها، وأركبوني أنا وخطيبي في أول طيارة إلى هذا المصعد الكهربائي. أنا لا أفهم، كان اتفاق العائلة إذا ما حصل شيء أن نلتقي كلنا في قصرنا النيويوركي.

 

- لماذا اصطحبت معك الزرافة؟ سألت وأنا أنظر عاليًا نحو رأس الخطيب الهولندي المطوي على سقف المصعد الكهربائي.

 

- قلت لنفسي أخلص قليلاً من رقابة عيون أبي المندسة في كل مكان وقد مات فأقبّله كما يحلو لي بحرية.

 

وَقَفَتْ على أصابع قدميها بينما طوى صدره ليصل إليها وطَبَعَا فم الواحد على فم الآخر.

 

- أنا مثلك جاء رجال السكوتلاند يارد وقادوني حتى هنا دون أن يقولوا لي الأسباب، أوضحت بدوري سبب وجودي في الصندوق الآلي.

 

- الأمر غريب، قالت سموها وهي تواصل تقبيل خطيبها، أتعبهما الوضع، فارتاحا قليلاً، ثم عادا يواصلان قبلة السيرك الملكي.

 

- حقًا الأمر غريب، أكدت.

- ربما لأنك تريدني أن أكون الملكة، همهمتْ وهي لا تبعد شفتيها عن شفتي الشاب وتنظر نحوي بجفنين ينفتحان وينغلقان.

- أرجو من سموك أن تنسي هذا الموضوع تمامًا.

- إذن لماذا قتلوا أبي الملك وأخي ولي العهد؟

- أنا لا علاقة لي بالأمر.

- أعرف.

- أنا نسيت كل الموضوع.

- أشك.

- أنا خارج لعبة الدم.

- أكيد.

- انزلي عن كتف الزرافة ولنعد إلى موضوعك.

- هه!

- جيد.

- لماذا أنتَ؟

- لماذا أنتِ؟

- لماذا أنا ماذا؟

- في المصعد.

- قلت لك لماذا.

- قلت لي كيف.

- أنا لا أعلم.

- هل قال لك رجال الإف بي آي من قتل أباك وأخاك؟

- ومن تريدهم أن يكونوا؟ ليس هناك غير رجال السي آي إيه! هم يقومون ويقعدون معنا. بابا أرادهم لنا حماية منذ كنا أطفالاً وله درعًا لا يخترقه الرصاص، فانظر ما فعلوا! كان غبيًا صاحب الجلالة، وضع نفسه في القفص معهم وأعطاهم المفتاح!

- هل قالوا لك لماذا.

- لم يقولوا لي.

- أنا كذلك لم يقولوا لي.

- لماذا لم تسألهم؟

- لم أسألهم لأني بطلت لا أريد كل هذا.

- لأنك تعرف.

- الواقع لأني أعرف.

- هل سأكون الملكة؟

- أعتقد.

- وأنتَ؟

- لا أعتقد.

- سأرفض.

- أرجوك سموك لا ترفضي.

- بدونك سأرفض.

- أرجوك.

- ....... أهأ أهأ.

- لا تبكي، قلت وخطيبها ينحني ويمسح بمنديله الدموع التي تسيل من عينيها.

- أهأ أهأ.

- سيعينك هذا الشاب المسكين.

- لماذا المسكين؟

- لن تتزوجيه عن حب ستتزوجينه لأنه طويل القامة مثلما تزوج أبوك أمك لأنها طويلة القامة، لكن لم يمنعها ذلك من إنجابك قصيرة القامة.

- المرحوم أخي كان طويل القامة.

- أخوك لا أنت.

- صحيح ما تقول.

- الدولة تحتاج إلى عقول لا طبول.

- وما دخل الدولة في الموضوع؟ الأمر شخصي بحت.

- هم يخلطون الاثنين الخاص والعام لأن البلد حظيرتهم والشعب بهائمهم.

- أنا لم أتعلم هذا في الولايات المتحدة.

- لم يعلموك هذا.

- لم يعلموني هذا.

- لغة الحكم كلغة القلب.

- ماذا تعني؟

- أنت لم تفهمي لغة القلب ولم تعرفي لغة الحب.

- ......... مفكرة.

- أنت لم تزالي عذراء.

- الآن وقد تحررت يمكنني أن أصبح امرأة على حقيقتي بعدة دقائق.

- الآن وقد تحرر الشعب.

- قال لي رجال الإف بي آي إن الشعب دخل المقر الملكي ليعبر عن فرحته بالتخلص من أبي، وأبدى كل التحضر الذي يتميز به، فلم يحطم أي شيء لم يحرق أي شيء لم ينتقم من الجلاد بابا.

- إذن ها هم قد قالوا لك ما يسر الخاطر ويسعد البال.

- وقالوا لي إن ماما بكت..... أهأ أهأ أهأ!

- أنت لن تعودي إلى البكاء.

- ماما بكت وأختي بكت وأخي الصغير بكى...... أهأ أهأ أهأ!

- تعالي بين ذراعيّ، ضممتها وخطيبها يمسح لها بمنديله الدموع.

 

في الليل أطفأنا المصعد الكهربائي، وحاولنا النوم ونحن نتلوى على بعضنا. أنا لم أستطع، ولا سمو الأميرة، وخطيبها لانحنائه وتعبه والمصعد يعمل طلوعًا هبوطًا طوال الوقت ذهب غافيَا، وما لبث أن راح يرسل شخيرًا متقطعًا. جاءتنا أنا وسموها أنوار المكان في المساء، أنسامها في الصيف، همساتها في الفراش. طلع القمر في المصعد، وابتسم لكل العاشقين في العالم. تلامسنا بشفتينا، وابتعدنا أكثر ما يكون عن الحكم، أغرقنا قارب السلطة في بحر العناق، محونا بؤس المكان بحلمه الذي كناه فجأة هكذا كما تُمحى العيوب، همستْ في أذني "خذني بابا"، فهل أقطف الثمر من أفواه النجوم، هل أنادي على الملائكة في القرآن لتشهد، هل أكتب الدستور، هل أحقق أماني المظلومين، هل أعانق طموحات الشعوب الذين ينامون مثلنا  وهم يعانقون الصخور، هل أذهب بها وببلدي مع القوافل، هل ألوح بيدي للرمال، للنبي الذي يقف هناك على كَثْبٍ بداية ذهبه في الجزيرة العربية ونهاية ماسه في الجزيرة البريطانية، هل أجعل من لندن ابنتي، عشيقتي، أمي؟

• • •

في داخل بونكر بالجدران المصفحة من مباني البنتاغون اجتمع وزير الدفاع دين فوكس مع الجنرال مونتغمري المكلف والمخطط لاغتيال الملك، وصحراء النفود بأفاعيها وعقاربها وايائلها تجتمع بالتخيل الافتراضي معهما.

- الحر شديد جنرال، قال الوزير دين فوكس وهو يمسح العرق عن جبينه، على الرغم من أن مكيفات الهواء تدور في البونكر أربعًا وعشرين ساعة على أربعٍ وعشرين ساعة.

- الحرارة ليست أشد مما هي عليه في الصحراء سيد الوزير، ألقى الجنرال مونتغمري وهو يفحص الأوراق التي بين يديه.

- أنت تقول، في الصحراء، إذن... أين كنا؟

- الكوماندوس الأمريكي سيغادر "إيزنهاور" في البحر الأحمر غدًا قبل طلوع الفجر على ظهر سفينة صيد كيلا نلفت انتباه عيون الحرس الوطني وأفراده يرتدون الألبسة المحلية باتجاه الهدف، هناك سيكون في انتظارهم رئيس الحرس الوطني الملكي بنفسه.

- هل هو...؟

- هو رجلنا منذ خمسين عامًا.

- تابع جنرال.

- الكوماندوس يكون في الهدف باللباس العسكري الوطني وعلى التحديد في القصر الملكي قبل التبديل المعتاد بين حرس الصبيحة وحرس الظهيرة على تمام الساعة الثانية عشرة.

- تابع جنرال.

- الملك يتناول طعام الغداء في مثل هذا الوقت وبعد ذلك يذهب إلى جناحه من أجل بعض القيلولة، عند ذلك...

- تابع جنرال.

- يكون الانقضاض والفتك به.

- جنرال لماذا لم تتساوموا وإياه؟

- تساومنا وإياه سيد الوزير ورفض التخلي. هذا النمط من الحكام لا يتخلى عن الحكم بسهولة، ليس لأنه شجاع، لأنه جبان، ليس لأنه عاقل، لأنه معتوه، ليس لأنه عادل، لأنه قاتل لا يتردد عن قتل أقرب الناس إليه في سبيل القبض على العرش بمخالبه وأنيابه وأسنانه وبكل وسيلة تبقيه الحاكم بالسيف والنار السفاح السافك للدم كل شعبه لو استطاع قَتْلَهُ لقتله وبدون تردد هكذا هم الطغاة في التاريخ منذ روما في الأمس حتى صنعاء اليوم. ذُهاني هذياني ابن قحبة سيد الوزير.

- أنا أفهم ولكن باقي الأسرة هل ستتركونهم أحياء؟

- نحن لن نترك أحداً حياً لن نترك أحدًا منهم حيًا هم ليسوا أفضل من آل رومانوف.

- ستطبقون عليهم بعد قطع رأس الأفعى.

- بعد تصفية الملك سيقف الجيش جنبًا إلى جنب المارينز.

- لأن في الجيش الكثير من عناصرنا جنرال.

- لأن في الجيش الكثير من البلاشفة سيد الوزير.

- هل هم شيوعيون؟

- ما هي سوى استعارة سيد فوكس

- أوه طمأنتني سيد مونتغمري، نعم استعارة، إنهم القادة الأحرار الذين ملوا وتململوا وكرهوا أعوام من الحكم الجائر.

 

فتحت فاطمة الباب بالمفتاح الذي معها وهي تلهث وتنادي عليّ. ذهبت إليها لأجدها ملقاة على الكنبة غير قادرة على التحكم بأنفاسها. جلستُ جنبها، وأخذتها بين ذراعيّ. رفعتها، وأنا أسأل قَلِقًا من الخوف عليها:

- ما بك؟ ماذا جرى لك؟

- أنا لم يجر لي شيء، همهمت.

- قولي لي.

- قتلوا الملك.

- ماذا؟ قتلوا ابن القحبة!

- أول ما سمعت الخبر في السفارة أتيتك هارعة كي أنقل إليك أسعد خبر في حياتي.

- وأنا، وفي حياتي أنا، أنظري فاطمة، أنا أنتصب على الخبر، امسكيني لتتأكدي.

- حبيبي! وانقضت تقبلني من فمي.

 

كانت فاطمة تخطط للانتقام من السفير الذي تعمل معه منذ زمن غير قريب بعد أن اغتصبها في مكتبه، ومع حدث الساعة عصفت رياح صحراء النفود في عاصمة الجن والإنس.

 

- القتلة بالأجرة على استعداد منذ وقت طويل، فقط كانوا ينتظرون الفرصة المناسبة التي ها هي بين أيدينا، أوضحت فاطمة.

- أنت واثقة منهم من التنفيذ كما تخططين؟ طرحت عليها السؤال الجوهري.

- أنا واثقة منهم بنقودي، ماذا يريدون أكثر، أخذوا أعلى رقم.

- ولماذا لا تنتظرين حتى تتضح الأمور في البلد هناك أكثر؟

- الأمور من أوضح ما يكون.

- ومن سيتولى الحكم.

- أنا لا أعلم.

- تمهلي إذن، فلربما أخذوا باقتراحاتي.

- أنت تعيش في "الربما" وأنا أعيش في "الأكيدما".

- معك حق، فلأتركني جانبًا، ولأعمل على إنجاح خطتك، هذا الوغد يستحق القتل بالفعل.

 

أخذ المواطنون يتجمعون أمام سفارتهم وهم يهتفون للتغيير ويعبرون عن فرحتهم، كنت ببينهم، في قلب صحراء النفود، وفي سماء لندن جناحين للصقر المحلق يغطيان قصر باكنجهام. فتحت فاطمة باب السفارة الخلفي للقتلة بالأجرة، وما أن وجدوا أنفسهم في الداخل حتى قوسوها بمسدساتهم الكاتمة الصوت، وقتلوها. فوق كان السفير بانتظارهم، أعطاهم المبلغ المتفق عليه، وصرفهم.

 

- ماذا يا مستر، سألتني امرأة، هل أطلب لك سيارة إسعاف؟

- أكاد أختنق، همهمت بصعوبة، افتحي لي أزرار قميصي من فضلك.

- وجهك كالكركم أصفر، وأنت ترتجف كالورقة الصفراء على غصن عارٍ في الخريف، هل أفعل لك شيئًا آخر؟

- لا أشكرك، قلت وأنا أحاول الابتعاد بسرعة.

 

في التلفزيون رأيت جثة الملك المثقوبة بالرصاص كألواح النيشان في نوادي كنايتسبريدج ومايفير وشيلسي. أظهروا الملك بالأصفاد كالقرد المحنط في أحد المتاحف اللندنية، ودارت الكاميرا في شوارع المدن هناك الهادئة، فلا أحد في الخارج غير الهواء الجديد الذي يهب من أعماق جزيرة الكون.

• • •

في صمت القاعة الواسعة، حيث تتراقص أضواء الثريا الفاخرة على جدرانها، تجلس جينا وحيدة، تستنشق عبق ذكرياتها في بوسطن. تحتضن فنجان قهوتها بين يديها، تاركةً لحرارته أن تذيب برودة التفكير في الرحيل. تتأمل الشوارع من خلال النافذة الزجاجية، مستعدةً للغوص في صخب السوق .

 

تتسلل صورة أحمد إلى ذهنها، كظلٍ لم يفارقها منذ لقائهما الأخير. تتعثر أفكارها حول سبب صمته، تلك الفترة التي تجاوزت الشهر، دون أن يحاول الاتصال بها. تدور في فكرها حوارات وهمية، تبحث فيها عن إجابات قد تُسكن روع الشكوك التي تعتريها.

 

وأخيرًا، تقرر جينا كسر حاجز الصمت، تمسك هاتفها بتردد، ثم بقوة، وتضغط على الأرقام . ترن الأجراس في أذنها، وتترقب الصوت الآتي من الطرف الآخر. وبنبرة ملؤها الخجل والترقب، تقول:

- مرحبا أحمد

- أهلا جينا

-أنا في بوسطن

- يا حظ بوسطن ، ماذا تفعلين هناك؟

- ها ها ، العمل ومشاكله

- العمل أم مشاكله؟ ها ها

- الاثنان

- بالطبع يا جينا ، ما دمتِ تتحركين ستشعرين بالأصفاد على قدميكِ

- ها ها، نعم صحيح

- ما هي أخبارك وماذا تفعل يا أحمد

- تمام ، بخير

- هل تريد شيء من بوسطن

- في الحقيقة أريد واشنطن

- هذا ليس بمقدوري هاها

- أعرف ذلك ،ربما بمقدوري يوماَ ما

- ماذا؟

- لا شيء ، ها ها

- لم تقل لي ، ماذا تريد؟

- شكراً ، لا أريد شيئاً

- لكنني أرغب بشراء هدية لك ، فماذا تريد؟

- يعني لا بدّ من الهدية!

- نعم ، لا بدّ من الهدية

-حسناً ، اختاري أنتِ أيّ شيء

- أصلُ غداً مساءاً ، وبعد غد أكون في الشركة ، وأنت تعرف مكان الشركة ، أكون سعيداً أنْ نتناول طعام الغداء معاً في كوبلت

- حسناً ، لكن الغداء على حسابي

- نناقش ذلك لاحقاً

 

في صباح يوم مشرق، كانت جينا تعد الثواني والدقائق، تترقب بشوق لحظة اللقاء المنتظر مع أحمد في أروقة الشركة. ومع حلول اليوم الموعود، دلف أحمد إلى الشركة.

 

-مرحباً

- أجابت السكرتيرة أهلا

- أين مكتب السيدة جينا؟

- بانتظارك ، وفتحت له الباب المؤدي إلى مكتب جينا

 

بخطوات واثقة، توجه نحو مكتب جينا الفاخر، حيث الأناقة تعانق الذوق الرفيع. وهناك، في ذلك الفضاء الذي يشع بالدفء والترحاب، جلس أحمد.

 

- هكذا هي مكاتب البرجوازيين؟ ها ها

- هاها ، يبدو يا أحمد لا تحبهم

- بالعكس ، هم أساس التطور، لكن ليس حباً في التطور وإنما حباَ في المال

- أنا موظفة يا أحمد

- أعرف ، أعرف ،هاها

 

وفي لمسة تعبيرية عن التقدير والمودة، قدمت جينا لأحمد هدية تليق بالمناسبة؛ زجاجة عطر فاخرة، تفوح منها رائحة الاحتفال باللقاء والتواصل الإنساني.

 

ومع اكتمال الصورة، خرج الاثنان معاً، تاركين وراءهم جدران الشركة، لينعما بأشعة الشمس الدافئة ويذهبان لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم القريبة، وهو مطعم كوبلت الفاخر، متبادلين أطراف الحديث والضحكات.

 

- هل دخلت هذا المطعم من قبل يا أحمد

- لا

- لكنه مطعم فاخر

- أعرف أنه فاخر ، لكن ليس لي

- لمن إذن

-للطبقات البرجوازية ،وأنا بسيط ، وأنا لستُ منهم

-هاها ، لستُ برجوازية يا أحمد ، صحيح أنني مديرة شركة ، لكنني لستُ منهم

- ها ها ، ليكن طموحك أن تكوني منهم ، فأنت شارفتِ على الوصول إليهم ، فأنتِ الآن من فئة العليا من الطبقة المتوسطة

- أنتَ تعرف الكثير يا أحمد ، ما هي أجمل المعارف؟

- أجمل المعارف أن تعرف نفسك

- عظيم ، أكمل

- أجمل المعارف أن تعرف نفسك ، أجمل عودة أن تعود لنفسك ، أجمل اكتفاء أن تكتفي بنفسك ، وربما أجمل الصداقات صداقتك لنفسك ، وأول جملة فلسفية لسقراط : اعرف نفسك

- كلامك جميل يا أحمد ، هذا كلام فلاسفة ومشاهير

- كلام فلاسفة نعم ، أما مشاهير فلا

- ماذا تقصد؟

- أكثرهم شهرة ، ممثلين ولاعبي كرة قدم ، أما الفلاسفة والأدباء والعلماء فهم أقل شهرة ، يكسب الأولون الملايين والاخرون يكسبون قوت يومهم ، فالناس تميل الى اللهو أكثر من المعرفة ، اللهو أقرب للقلوب والمعرفة أقرب لوجع الرأس .

- بالفعل

 

أحمد يرفع يده مشيراً للنادل بالقدوم ويدفع ثمن الغداء مع إكرامية للنادل وسط ذهول جينا....

• • •

في مكتبها الأنيق، جلست جينا خلف مكتبها الكبير. كانت تواجه مشكلة دنيس، وكان عليها أن تجد حلاً لمشكلته. اتصلتْ بسكرتيرتها، التي كانت في الغرفة الأخرى .

 

قالت جينا ، "هل يمكنك الاتصال بـ دنيس وطلب منه أن يأتي إلى مكتبي؟ لدي موضوع هام أحتاج إلى مناقشته معه."

 

في الحال ، أجابت السكرتيرة ، وأخذت الهاتف

 

كانت تعرف أن جينا لا تطلب أبدًا شيئًا إلا عندما يكون لديها ضرورة حقيقية. انطلقت السكرتيرة في الاتصال بدنيس

 

وهكذا، تم تحديد موعد لدنيس للحضور إلى مكتب جينا. كانت الأفكار تتداول في عقلها، كيف تحل مشكلة دنيس ، فهي ليست بسيطة ، وهو مكسب كبير للشركة بنفس الوقت.

 

تجول جينا في دوامة أفكارها، تعود بذاكرتها إلى المطعم حيث تتأمل جينا في سخاء أحمد الذي لا يعرف حدودًا، فقد دفع فاتورة الغداء بكل كرم، رغم أن ظروفه المادية لا تسمح. تسأل نفسها، كيف لرجلٍ في حالته أن يظل متمسكًا بمبادئ الكرم والجود؟ إنه لغز يتطلب منها التفكير العميق لفهمه. يبدو أنه لا يعترف بقيود الثروة والفقر، فهو يعطي بلا حساب، مما يجعله في نظرها أغنى الرجال معنويًا.. كانت تتأمله بصمت، تتساءل في دهشة عن سر هذا الرجل الذي يفيض علمًا وحكمة، والذي يبدو أن بساطته ما هي إلا قناع لغز كبير يتوجب عليها كشفه. ترغب في التقرب منه أكثر، لكنها تصطدم بجدار عدم اكتراثه، فهو ليس كأولئك الرجال الذين مروا في حياتها، الذين كانوا يتسابقون لإرسال رسائل الصباح والمساء. أحمد مختلف، لم يبعث يومًا بتلك الرسائل التي تُشعرها بالأهمية، وهذا ما يزيد من حيرتها وإعجابها به في آنٍ معًا.

 

في غمرة التأملات العميقة، غارقةً كانت جينا في بحر أفكارها، تُفكر بأحمد وإذ بنغمات صوت السكرتيرة تخترق الصمت، تناديها حضر دنيس. لم تتردد جينا، فأجابت بصوتٍ يملؤه الحزم والجدية: "أدخليه الآن، دون تأخير."

 

- مرحباً جينا

- أهلاً دنيس ، كيف أحوالك وكيف أنت والقمار؟

- أحوالي بخير وزادها خيراً ليلة أمس حيث ربحت عشرة آلاف دولار

- حسناً ، قصرتَ عليَّ المسافة ، لديكَ عندي خبران ، الأول سيعجبك ، لكن الثاني سيزعجك ، هذا مبلغ عشرة آلاف دولار مكافأة من جون رئيس الشركة كونك أفضل رجل مبيعات ، أما الخبر الثاني ، يجب أنْ تُقلع عن لعب القمار ، هذا ليس قولي وإنما قول رئيس الشركة جون ، عليكَ أنْ تختار ما بين لعب القمار والعمل في الشركة ...فهل تفهم ما أقول؟

- لكن ما علاقة القمار بعملي يا جينا ، هل هناك تقصير في العمل؟ ، ثم أنا لا أقدر ترك لعب القمار

- قوانين الشركة تمنعك من العمل لدينا ، من دون مؤهل جامعي ، فكيف وأنتَ مدمن قمار!

- قوانين ماذا؟ شهادات ماذا؟ أنا أفضل رجل مبيعات ، ثم أنا لا أقدر..

- لهذا نريدك عندنا وعلى مسؤوليتنا ، لكن دون إدمان قمار ، فهذا لا يمكن السماح به

- مُدمن قمار ، وماذا يفعلون رؤوس الأموال غير لعب القمار؟ هل تعرفين مع من كنتُ ألعب ليلة أمس؟ مع مدير شركة كوسكو .....

- هذه قوانين شركتنا ، هل تفهم؟

- لا أريد أنْ أفهم

- ماذا؟

- كما سمعتِ

- ألا تخاف على عملك؟

- أنا أعمل لألعب قمار ، لذا عندما تمنعيني من لعب القمار ، فلا داعي لعملي

- دنيس ، إسمع ، أنتَ رجل مبيعات ممتاز ، بل اسطورة ، نحن نحب مساعدة موظفينا ، فكيف إنْ كان الموظف نشيط مثلك ! ، على كل حال ، لن تدفع سنتاً واحداً في علاجك ، الشركة ستدفع كل المصاريف

- أريد أنْ أُفكر في الأمر

- معكَ أسبوع ، في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم تحضر ، أمامك خياران ، القمار أو العمل معنا

- الجواب معرف جينا

 

خرج دنيس من مكتب جينا والغضب يعتصر قلبه، فالقمار له في نفسه مكانة لا يرغب في التخلي عنها. كانت خطواته تدوي في الأروقة معلنةً عن ثورة الرفض التي تجتاحه.

 

وقفت جينا خلف زجاج مكتبها تراقب ظهر دنيس المتحجر، تشعر بالقلق ينهش أطراف روحها. كيف لها أن تتخلى عن أفضل رجل مبيعات في فريقها؟ تتوالى الأسئلة في ذهنها دون جواب: "ما العمل؟ كيف أثنيه عن قراره؟" وتظل الإجابات طي الكتمان…

 

جينا تشعر بالانزعاج من ردة فعل دنيس ، عيناها تتبع حركاته وهو يغادر المكتب، وقلبها ينبض بالقلق.

 

تفكر جينا في كيفية حل هذه المشكلة، فهل يمكن أن تقنع دنيس بترك لعب القمار؟

 

تريد جينا أن يوافق دنيس على التخلي عن هذه العادة الضارة، لكنه يرفض بقوة. ما العمل؟

 

تقرر جينا الاتصال بـ أحمد لأخذ رأيه في هذا الأمر.

 

تتصل جينا بأحمد وتقول له: "أريد أن أراك، لدي مشكلة في العمل وأحتاج إلى رأيك فيها." يتساءل أحمد: "لماذا؟" تجيب جينا بصوت متردد: "هذا ما سأخبرك به عندما نلتقي" .

 

في لحظةٍ من عدم التركيز، يرن هاتف جينا مُعلنًا عن مكالمة من أحمد. "أنا الآن بين أحضان المقهى،" يقول بصوتٍ قلق، "لكن إذا كانت الأمور تتطلب حضوري، فسأترك فنجاني وأسرع إليكِ في الشركة. أرى في صوتكِ نبرة التوتر، سأحضر حالاً".

 

-ما الأمر يا جينا ، تبدو متوترة

- مندوب مبيعاتي هو المشكلة

- تخلصي منه ، فهناك الآلاف غيره

-ليس بهذه السهولة ، فهو عمود الفقري لهذا الفرع

- لا افهم

- جينا تخبرك أحمد بتفاصيل المشكلة وما آلت ،إليها

- يضحك أحمد كثيراً ويقول " هو على حق وأنتم على باطل "

- لم أفهم!

- ما دمتِ يا جينا قد قمتِ بكل الاحتياطات المالية مع هذا الدنيس ، يعني ليس منه خطراَ على الشركة ، وهو رجل مبيعات مميز ، فلمَ تخسرينه؟

- لكنها قوانين الشركة يا أحمد

- هاها ، لو عرف مالكو الشركة به لجعلوه يُدمن على الكوكايين ، هاها ، فرأس المال لا يهمه سوى الربح ، والقلب الذي ينبض بين ضلوعه لا يعرف الشفقة ، فلا داعي للقلق

- لكن ماذا أقول لجون رئيس الشركة

- ما سأقوله لكِ

-وماذا تقول؟

- بما أنه لا خطر منه على رأس المال ، وعلى فلوس الشركة ، وهو أسطورة مبيعات ، تقولين أنه يتعالج في مركز الإدمان ، هو أساساً لن يسألكِ

- لكن أنا حقاً أُريد مساعدة دنيس ، أشفق عليه ، فكل ما يكسب يذهب في القمار

- يا جينا ، هذا الرجل مدمن ، والمدمن لن يترك إلّا بقرار شخصي عن اقتناع ، مدمن التبغ مثلا ، يترك التدخين عندما يمرض بسبب التدخين ، وكذلك مدمن الكحول ، نعم هناك أشخاص أو قلة من البشر تترك الإدمان دون الوصول لمراحله النهائية ، باختصار هذا الرجل سيترك لعب القمار عندما يقع في مشكلة أكبر من القمار ، فدعي الرجل وشأنه

- هذا رأيك؟

-لا يوجد غيره

- جينا تهز رأسها موافقة

 

جينا تشعر بالارتياح لنصيحة أحمد ، فقد كانت كلماته تلامس قلبها بلطف واهتمام.

 

تقول له مازحةً: "جيد أنه حدث مشكلة، حتى نراك." تضحك جينا بخفة، وتحاول تخفيف التوتر الذي يلف اللحظة.

 

تقول له بصوتٍ مرتفع ومليء بالحماس: "هل تقبل دعوتي إلى بيتي في نهاية الأسبوع لحفل شواء؟" تتخبط كلماتها قليلاً، فقد كانت تنتظر ردًا منه.

 

أحمد يتردد قليلًا، يبدو أنه يفكر في الأمر. هل سيوافق أم يرفض؟

 

تقول جينا بثقة: "سأنتظرك بفارغ الصبر.' وتبتسم، على أمل أن يكون حفل الشواء فرصة للتقرب أكثر من أحمد.

• • •

كثيرًا ما كان مفهوم السلطة يحيرني، أقول سلطة القمر عليّ فأقبل، أقول سلطة هايدن عليّ فلا أقبل، أنا لا أطرح مسألة السلطة من ناحية نوعها وما يؤثره فينا، أنا أنظر إلى السلطة كمعيار يضغطنا من هذه الناحية أو تلك، يحشر إنسانيتنا، أنا أنظر إلى السلطة لا كقوانين، لا كتقييد،، أنا أنظر إلى السلطة كقيمة. أنا لن أتكلم عن اختطاف صديقتي عليا والسيناتور بلز، سأتكلم بهذا الخصوص عن وضع في السلطة. عندما بدأ محققو مافيا السلاح " شغلهم "، كان ما يريدون التوصل إليه معرفة الحقائق الخفية للعلاقة العاطفية بين السيناتور ممثلهم الحربي في الكونغرس وبين صديقتي المقربة، أنا صاحب المشروع السلمي التخيلي والواقعي. باقة من الزنابق المتناقضة في النوع وفي اللون! كان ما يريدون التأكد منه هل المرحلة الجديدة التي ستحرمهم من ستين بالمائة من إنتاجهم العالمي بدأت أو لم تبدأ وإن بدأت ماذا سيفعلون. كل هذا سيبقى في إطار السلطة بمعناها الأكثر بربرية، فأين السلطة في كل هذا بمعناها الأكثر إنسانية؟

 

" أنا لا أفهم أي شيء مما تفكرون، قال السيناتور بلز بهدوء وهو يجلس على كرسي متحرك يئز تحته. علاقتي العاطفية تقلب برامجكم إلى درجة تقررون فيها اختطافي مع رفيقتي! "

 

" أجب على سؤالي، نبر المحقق، ماذا يعني ارتباطك بهذه المرأة؟ "

" أحبها. "

" لماذا هي؟ "

" أنا لن أعمل ضدكم، طوال عمري السياسي أنا أخدمكم."

" هذه المرأة هنا تمثل لنا السلم هناك. "

" وهل سيكون هناك سلم؟ "

" السؤال هل ستبقى هناك حرب؟ "

" وإذا لم تبق؟"

" أقفلنا أبواب مصانعنا فماذا سنفعل؟ "

" بكل بساطة تحويل مصانعكم وتبديل إنتاجكم. "

" وهل من السهل هذا برأيك؟ "

" برأيي ليس من السهل، برأيي من الممكن. "

" الحرب ستنتهي، الحقيقة الأولى التي نبحث عنها. "

" الحقيقة الثانية السلم سيبدأ. "

" الحقيقة الثالثة أنت قذر. "

" إياكم المساس برفيقتي! رفيقتي حبلى! "

" حبلى ليس منك. "

" حبلى! مني أو من غيري، حبلى! "

 

اقتربوا منها يريدون تعذيبها ليعرفوا حقائقهم بالأحرى وليس الحقائق، حقائقهم التي تريد السلطة أية سلطة الحوزة عليها، لم تكن السلطة تحت مفهوم الزنابق، كانت السلطة دون الابتعاد كثيرًا عن مفهوم الزنابق، كانت السلطة تحت مفهوم الماخور، كانت السلطة الماخورية، السلطة الشرقية في أسود صورها، كانت السلطة الدستورية، السلطة الغربية في أبيض صورها، لأن في حالة السلطة في الغرب وفي الشرق التطابق في نهاية المطاف واحد بين سوادها وبياضها.

 

وبكل هدوء أخذت عليا تخلع ملابسها قطعة قطعة حتى عرت نفسها تمامًا، فألجمتهم في أماكنهم، وجمدتهم في خيالاتهم. لم يعد تعذيبها هو المطروح، كان تأمل جسدها، والرغبة في لمسه، بينما هم كانوا عاجزين عن لمسه. لم يكن الإنسان عدوانيًا بالفطرة، لم يكن ينقل في جسده المجرم الذي من المفترض أن يكونه، لم يكن الجلاد الفيزيقي مقابل الآخر، الجلاد الميتافيزيقي. نقلت أصابعهم بين يديها، وجعلتهم يلمسون بطنها، فابتسموا لوضعها، وأذعنوا، وبكل فرح العالم صاح بعضهم «الولد يتحرك»، وكأن طفل صديقتي طفله.

• • •

أشاحت جينا وجهها عن مكتبها ناحية النافذة، مُفكرةً بيوم غدٍ حيث تجتمع مع أحمد في بيتها لأول مرة، انحسرت تنورتها الضيقة وهي تضع ساقًا على ساق، فبانت فخذاها المشتهاتان، وانسكبتا من تحت التنورة في قالب مرمري يصبو الناظر إلى لثمهما وتمريغ وجهه عليهما. تململت في جلستها وسرحت مع الأفق الممتد خارج النافذة ، وبحركة لا شعورية غيرت وضع ساقيها اللتين رفعتا التنورة عنهما بلا حساب، فبانتا تستعران. تململت جينا في جلستها والأفكار تداعب في خيالها الحيرة، فالتصقت فخذاها وهما تضغطان البضاضة بينهما وفي الوقت نفسه تجمحان، شدت تنورتها حتى الركبتين، والدم يكاد يتفجر من عروقها في السعير حتى ولو على حساب ما تحلق معه هناك بعيدًا في جهة أخرى هي أبعد ما يكون.

 

في مساء دافئ، كانت جينا تنتظر بفارغ الصبر وصول أحمد إلى بيتها لعشاء الشواء الذي طالما تخيلته. الأفكار تتلاطم في رأسها مثل أمواج البحر الهائجة، تتساءل كيف سيكون هذا اللقاء، وهل ستتمكن من فهم أعماق شخصيته ومعرفة الكثير عنه.

 

وفي لحظة صمت وانتظار في مساء يوم السبت، يقطع الهدوء طرقات على الباب، إنه أحمد، ومعه ليس فقط ابتسامته العريضة، بل وشتلة ورد جميلة يمكن زرعها في الحديقة. ترحب به جينا بحفاوة وتسأله بنبرة ملؤها الفضول، "لم هذه الشتلة؟"

 

يبتسم أحمد ويرد بصوت هادئ، "زراعة وردة في الحديقة تضيف لها جمالاً، وتساعد في جعل العالم أجمل." كلماته تترك جينا في حالة من الذهول والإعجاب، فهي لم تتوقع أن يكون لهذا اللقاء معنى أعمق من مجرد عشاء.

 

جينا: أحمد، أنا سعيدة جدًا لأنك جئت إلى حفلة الشواء في منزلي هذا الأسبوع!

 

أحمد: شكرًا لكِ جينا، أنا أيضًا. أعلم أنكِ تعتقدين أنني مجرد ضيف، لكنني أود أن أقوم بالشواء بنفسي.

 

جينا: حقًا؟ هذا رائع! لكن، هل لديك خبرة في الشواء؟

أحمد: بالطبع، أنا ابن ثقافة الشرق والغرب. لقد تعلمت فن الشواء من والدي، وثانيا أعتقد عندنا وعندكم الرجل يقوم بمهمة الشواء في هذه الحالة

جينا: هذا مثير للإعجاب!

أحمد: أفكر في تحضير مزيج من الأطباق التقليدية والعصرية. كباب متبل بنكهات شرقية، وستيك بتوابل غربية، وربما بعض الخضروات المشوية للتنوع.

جينا: يبدو ذلك شهيًا! لا أطيق الانتظار لتذوق كل ذلك. سأتأكد من تجهيز كل ما تحتاجه للشواء.

أحمد: بالتاكيد

 

أحمد يضع اللمسات الأخيرة على الشواء، وينفث الدخان العطري من الشواية بينما يضع اللحم المشوي والخضروات على الطاولة.

 

جينا: أحمد، لقد فاقت رائحة الشواء كل توقعاتي! كيف تعلمت كل هذا؟

أحمد: من شواء البشر هاها

- ماذا تقصد؟

- لا عليك ، الشواء وطريقة الشواء تعلمتها من صغري

- عظيم

- لم تخبرني عنك جيدا

- أحسن لك ألا تعرفي

-لماذا؟

- لنأكل الآن

- على رأيك

-نأكل ونتحدث

-نتحدث ونأكل

- حسناً ، رغم عدم معرفتي الفرق بينهما ، حدثني عن نفسك

- بعرفكم ، إرهابي سابقاً ، حالياً مواطن أمريكي

- ماذا؟ ماذا؟ كيف حدث ذلك؟

- كنتُ مُقاوماً في لبنان فيما مضى مع المقومة الفلسطينة

- أأنت فلسطيني؟

- وهل من الضرورة أنْ أكون فلسطيني حتى أُقاوم؟

- هكذا أعتقد

- التضحية من أجل قضية عادلة لا تعرف قومية أو دين أو عرق

- معك حق ، إذن أنتَ كنتَ مقاوماً ، وهذا يعني لي الكثير

- ماذا يعني؟

- إنسان غير عادي ، ربما أتخيلك جيفارا يجلس معي

- إذن أنتِ تبحين عن النوع لا على الكيف

- لا ، أنا ايضاً مع القضايا العادلة ، لكننا نسمع فقط ما تقدمه لنا حكومتنا في وسائل الإعلام

- أفهم هذا جيدا ، أَنسيتِ أنني أمريكي؟

- تضحك جينا ويضحك أحمد

 

ويتبادلان كؤوس الفودكا حتى قادتهما إلى السرير وغرقا في العسل

• • •

أحمد: صديقي دونالد، هل تفضل أن نتحدث عن السياسة أو الاقتصاد أولًا؟ ترامب: ولماذا تسأل، يا أخي؟ نحن نتعرف على بعضنا حتى بدون أن نلتقي، أنا سيد المال، وأنت سيد الثقافة والأدب، والآلهة في الأعالي تعرف بعضها كما تعرف النجوم بعضها، فإذا قلت لي دونالد، سأقول لك أحمد.

 

خامنئي: ونحن الآلهة في الأسفل. (يضحك مشيرًا إلى نفسه)

ماي: إذا كنتم تقسمون الآلهة إلى علوية وسفلية، أود أن أكون زيوس، فهو يعلو ويسفل.

ماكرو: وأنا أود أن أكون أثينا.

 (يضحك) ترامب: لا يمكن إخفاء توجهاتك الجنسية، يا عزيزي إيمانويل. ماكرو: والله أنا بريء، بناللا لم يكن حبيبي.

خامنئي: بناللا يعني ابن الإله، وكما ترون، نحن دائمًا معًا. (يضحك الجميع)

أحمد: لكنك لم تجبني، دونالد، هل نبدأ بالسياسة أم الاقتصاد؟

ترامب: السياسة والاقتصاد، هل هناك اختلاف حقًا؟

ماي: الاقتصاد ثم السياسة.

خامنئي: السياسة أولًا ثم الاقتصاد، الفرق واضح.

ماكرو: أدعم رأيك يا سيدي الإمام.

خامنئي: ولماذا تدعوني سيدك الإمام؟ قل لي “علي”، وسأقول لك إيمانويل، قد لا نتشارك في العمر، لكننا جميعًا آلهة هنا (يضحك)، العمر ليس سوى رمز للزمن، لا أكثر.

ماكرو: أتفق مع علي، دعونا نناقش السياسة أولًا، ثم الاقتصاد ثانيًا، لنبني الأخير على الأساس الأول، هذه طريقتي في كل شيء، والأولويات لدي هي الأساس.

خامنئي: كالأساس الذي في السماء.

 

(يضحك) ترامب: (متهيجًا) هذا انحراف عن الموضوع! لا أفقه في اللاهوت، سواء كان دينيًا أو دنيويًا، أنا أفهم في الصفقات.

ماي: (مبتسمة) انحراف عن الموضوع!

ترامب: عندما أنحرف عن الموضوع، لا تكوني صارمة.

ماي: أدرك ذلك، لكن لا يمكنني ألا أذكرك، فهذه ثقافتي البريطانية، سيدي الرئيس.

خامنئي: دونالد.

ماي: ثقافتي البريطانية، سيدي الإمام. وبالمقابل، يمكن للجميع مناداتي بـ"تيريزا" الصغيرة.

ترامب: (بغضب) تيريزا، اصمتي، ودعي أحمد… أقصد دعي أحمد يتحدث.

أحمد: شكرًا لك.

ترامب: (بانفعال) تفضل بالكلام.

خامنئي: (بهدوء) نعم، تحدث يا أحمد.

أحمد: السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وأفغانستان فشلت بشكل ملحوظ، كما تعلمون، أنا دائمًا مع الأعلى والأسفل (يضحك)، لكني أتبعهما في الواقع، لا في الخيال. أين الاستقرار الأمريكي في أفغانستان، العراق، سوريا، اليمن، فلسطين، وحتى على المريخ؟

ترامب: ومن أخبرك أننا نسعى للاستقرار الأمريكي؟

أحمد: لقد أجبت بشكل ممتاز، دونالد، هذا ما كنت أرغب في سماعه منك. ترامب: (مبتسمًا) كلمات ثمينة، أليس كذلك؟

ماكرو: بفطنتي المعهودة، أدركت ما يهدف إليه أحمد.

خامنئي: وأنا أيضًا.

ماي: أنا لا، هذه ثقافتي البريطانية، فالرجاء العذر.

ماكرو: إذا نظرنا إلى عدم الاستقرار الأمريكي وما يجلبه من أرباح لصناعة الأسلحة بالمليارات وتأثيره على القطاعات المدنية، فهو أقل بكثير مما أنفقه الاحتياطي الفدرالي في المنطقة، ولا ننسى ما يفكر فيه الجميع، بما في ذلك دونالد، عن الجنود الأمريكيين الذين قضوا، والضمير المثقل بالشعور بالذنب الذي تحمله عائلاتهم، والذي يمتد إلى الشعب الأمريكي بأسره.

ترامب: سلفي السابق عمل على تقليل عدد جنودنا هنا وهناك…

أحمد: …ولكن ذلك لم يحل المشكلة، أقصد المشاكل.

ترامب: وأنا سأزيد عددهم…

أحمد: …وهذا أيضًا لن يحل المشكلة، أقصد المشاكل.

ماي: أظن أنني بدأت أستوعب، هذا ما نطلق عليه في بلادنا آلية الحلزون أو آلية اللولب.

خامنئي: ليست الأوامر هي التي تحكم زيادة الجنود لدونالد، بل الظروف التي وضعها الأمريكيون هي التي تفرض ذلك. في أفغانستان، في كل مكان، حتى في سوريا التي أعرف تفاصيلها أفضل منكم جميعًا، أنا موجود هناك بسبب هذه الظروف. وإذا ما حاول التخفيف من بعض الأعباء على نفسه، فلن يتمكن من التخلص من الأعباء الأكبر التي تفرضها عليه سياساته في شمال سوريا مع الأكراد والميليشيات. سيبقى مرتبطًا بسياساته في سوريا وغيرها، رغمًا عنه. الوضع نفسه ينطبق على العراق، اليمن، وأي مكان آخر أكون فيه أو يكون فيه. الأمريكيون يتصرفون وفقًا للظروف التي يخلقونها، وأنا، بمحض الصدفة، أتصرف وفقًا لهذه الظروف أيضًا. هذا لا يعني أنني أتلقى الأوامر، بل أنني من يصدرها. الصغار في هذا العالم قد لا يفهمون، لكن الكبار سيدركون. هذه هي بالفعل آلية الحلزون التي تحدثت عنها تيريزا. والبقية، مثل القصة الخرافية لإيران وإسرائيل، كل شيء يخضع للظروف، وكل شيء له سياقه. عندما تنتهي هذه الظروف أو تلك، يعود كل شيء إلى ما كان عليه، والعودة إلى الوضع الأصلي تتطلب آلية جديدة، مختلفة عن آلية الحلزون، هذا التعبير الغني بالمعاني من الزميلة العزيزة، رئيسة الوزراء البريطانية. ماي: (بفرح) أشكرك سيدي الإمام، لقد أجدت التعبير للنساء.

خامنئي: العفو! هل للنساء فقط؟ (مبتسمًا)

ماكرو: إذًا، ما الذي يترتب على ذلك؟

ترامب: البلايين التي يصرفها الاحتياط الفدرالي في سياستي، هي أقل بكثير من الأرباح التي تجلبها سياستي الحمائية اليوم.

أحمد: دعونا نناقش الاقتصاد.

ماكرو: الأسبقية للسياسة ضمن النظام الاقتصادي.

خامنئي: النتائج الاقتصادية تأتي ضمن النظام السياسي.

ماي: أعتذر، لا أستوعب، هذه ثقافتي البريطانية.

ترامب: (بحدة) لا حاجة للاعتذار، تيريزا، فأنا كذلك لا أستوعب.

أحمد: البلايين التي يصرفها الاحتياط الفدرالي ليست من أجلك، دونالد، فسياستك الحمائية بزيادة الرسوم الجمركية تخلق انتعاشًا اقتصاديًا مؤقتًا ولا تحل الأزمة الاقتصادية، وقد تؤدي حمائيتك إلى ركود اقتصادي لم يسبق لأمريكا أن شهدت مثله.

ماكرو: الحمائية في الثلاثينيات لا تماثل شروط اليوم الاقتصادية، كما يقول علي عن الشؤون العسكرية في السياسة، فالأمس كان للانخفاض، واليوم للارتفاع، وهي تمثل السرعة القصوى للاقتصاد العالمي، لا يوجد ما هو أسرع، ولذا ستؤدي الحمائية إلى زيادة الأسعار، والتضخم، والفوائد.

ماي: وبعد أن أدركت ما يقصده السيد الرئيس، ومستلهمة من تجربة “البريكسيت” التي أعيشها، وفيما يتعلق بالانتعاش الذي تحدث عنه أحمد، فهذا الانتعاش يأتي بالأحرى من خفض الضرائب الفدرالية، الذي زاد الطلب، وهذا ما أسعى لتحقيقه مع الاتحاد الأوروبي، على النقيض من كل ما أتفاوض حوله بشأن رفعها تجاه إنجلترا لإرضاء المتشددين في حزبي، مما يجعل الاستيراد من الخارج ليس عقبة بل عنصرًا مهمًا للتصدير.

خامنئي: ليست هذه سياسة دونالد تجاه إيران فحسب، بل هي رفع للضرائب اليوم وحظر للتصدير غدًا، مما يجرنا إلى دوامة اقتصادية كما يجرنا إلى دوامة سياسية.

أحمد: إيران تمثل نموذجًا حيًا لدول المنطقة جميعها.

ماكرو: بل هي نموذج لكافة دول العالم، وحتى للولايات المتحدة نفسها. إذا نظرنا إلى زيادة الرسوم الجمركية على الفولاذ والألمنيوم، سنجد أن الولايات المتحدة لا يمكنها الإفلات من هذه الدوامة، فارتفاع الأسعار سيحول دون تحقيق مشاريع تحسين البنية التحتية التي تتجدد يوميًا.

ماي: لذلك أنا مؤيدة لخفض الضرائب بعد البريكسيت وكذلك لرفعها. ترامب: (بانبهار) تيريزا، لقد أصبتِ الصميم رغم ثقافتك البريطانية!

ماي: أشكرك، سيدي الرئيس.

ترامب: الشكر ليس ضروريًا.

خامنئي: كيف يمكن خفضها ورفعها في آنٍ واحد؟

ترامب: هذه تفاصيل يجب أن تظل بيننا.

خامنئي: ليس أمامي.

ماكرو: سيداتي وسادتي، المعضلة ليست في الزيادة أو النقصان، بل في التكنولوجيا نفسها. مع تطور تكنولوجيا الإنتاج، تقل الحاجة إلى العمالة وتزداد البطالة، مما يؤثر على الاستهلاك وبالتالي على الاستثمار والنمو الاقتصادي.

خامنئي: إيمانويل، لقد أبدعت!

ترامب: (بجفاء) ماذا عني؟

خامنئي: (بابتسامة) أنت أيضًا عبقري.

أحمد: وما هي الحلول؟ (يسود الصمت)

أحمد: لقد شهدنا فشل السياسات الأمريكية سواء في السياسة أو الاقتصاد، بينما النجاح ممكن للجميع. الأمر يتطلب فقط تغيير استراتيجية النفوذ إلى استراتيجية الاستثمار.

ماكرو: حاولنا ذلك في إيران…

خامنئي: …وفشلتم.

ترامب: لم أفشل بعد، انسحبت من الاتفاق النووي لهذا السبب، لأتجنب الفشل.

ماي: (بانفعال) دع أحمد يتحدث، دونالد! أعني، سيد الرئيس! دعني أستعير ثقافتي الأمريكية البسيطة المتأثرة بمسلسلاتكم التلفزيونية!

ترامب: لن أسمح لك بذلك، تيريزا ماي، لقد أسأتِ إلى كبريائي!

ماي: آه، نسيت أن هذا جزء من مسلسلاتكم!

ترامب: دعنا نستمع إلى أحمد.

أحمد: في الأمس، توصل ترامب ويونكر إلى اتفاق لتجنب حرب تجارية محتملة، لكن السؤال يبقى متى وكيف سيستمر هذا الحل؟ إنها سياسة المقايضة التي لا تضمن الخروج من الدوامة الاقتصادية. أما أنا، فأقترح العودة إلى مبادئ آدم سميث وديفيد ريكاردو في التخصص والتميز. بالنسبة للشرق الأوسط، أطرح مفهوم “العواصم الخمس البارزة”، حيث تتخصص كل عاصمة في مجال معين: طهران في التكنولوجيا، الرياض في المالية، تل أبيب في الصناعة، القاهرة في الزراعة، والرباط في الثقافة. هذا التخصص سيؤدي إلى إنتاج ذو قيمة عالية، نمو اقتصادي متقدم، ومستوى معيشي مرتفع.

ترامب: (بتوتر) هل نظرت في مسألة التجارة ومن يكسب ومن يخسر، أو من يكسب أكثر من الآخر؟

أحمد: نعم، كما فعل الاتحاد الأوروبي، يجب أن تكون هناك قواعد تحكم التجارة.

ترامب: من يفرضها؟

أحمد: من يضعها.

ماي: هذا هو جوهر المشكلة التي أواجهها في بريكسيت، التأرجح بين الفرض والتأسيس.

خامنئي: الفرض قد يقود إلى حروب تجارية.

ماكرو: التأسيس قد يقود إلى سلام تجاري.

أحمد: نعم، إلى سلام تجاري شامل.

ترامب: (مهتمًا هذه المرة) وماذا عنا نحن؟

أحمد: يجب أن نبني نظامًا اقتصاديًا يخدم الجميع، وفي مقدمتهم الأمريكيون، بناءً على التخصص والتميز، وبخطوات مدروسة، دون هدم النظام الحالي، وبكل بساطة دون الحاجة إلى شخص مثل ألكسندر هاملتون.

ترامب: (بتوتر مجددًا) لكن أنا لا أحتاج لتخصص لأنني أجيد كل التخصصات، ولا أحتاج لتميز لأنني أتميز في كل شيء!

خامنئي: أحمد، أرى أنك تنظر إلى عالمهم من منظور عالمنا. كما أفهم، التخصص والتميز في الشرق الأوسط يمكن تطبيقهما في أمريكا وأوروبا وروسيا، حيث يتم الاتفاق على التخصص والتميز لكل منها.

أحمد: كلامك في محله، سيدي المرشد.

ماكرو: بالإضافة إلى ذلك، حركة السلع والأشخاص والأموال - ولا ننسى الدور المهم للرياض كمركز مالي متخصص ومتميز - ستكون الأساس للنمو والازدهار في سياسة عولمة جديدة تنشط الأموال الثابتة وتقوي الإنتاجية الضعيفة وترفع من قيمة الصادرات والواردات، كما يرغب دونالد، بالاعتماد على نظام جديد بديل لنظام الحلزون، نظام يركز على الجودة، والذي يعد في ظل التطور والتقدم الذي سيشهده الشرق الأوسط والعالم، ضمانًا لقوة الشراء، وليس هذا فحسب، بل وللمنافع المتبادلة. ماي: هل ترغبون في قنينة بيرة؟ إنها جزء من ثقافتي…

ترامب: (بغضب) ثقافتك البريطانية لا تعنيني، تيريزا! ألم تتذكري الأخ علي الذي معنا؟

ماي: أعتذر!

ماكرو: سأحضر لكل واحد منكم زجاجة عصير رمان من طهران. خامنئي: إنه المشروب المفضل لدي!

أحمد: ولي أيضًا.

ترامب: يُقال إن له فوائد صحية عديدة.

 (يضحكون)

ماكرو: هذه هي المنافع المتبادلة التي نتحدث عنها.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.