اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

أوراق الخريف – رواية// الدكتور آدم عربي- الجزء الثاني

 

أوراق الخريف – رواية- الجزء الثاني

الدكتور آدم عربي

الإهداء: أهدي هذه الرواية إلى أسرة تللسقف

 

• • •

في ليلتها التالية، بعد ليلة العشاء مع أحمد، جينا، وبعد يوم عملٍ مرهق، ها هي تتمدد على كنبتها الوثيرة، فتغرق في بحر ريشها الدفين المغلّف بالنسيج القطني الباهظ الثمن، المزركش بالألوان الزاهية كقوس قزح شتوي. تأخذها فكرة غريبة حول الظل، فباتت تعتقد بأنه كما للأشخاص في الشمس ظلها، أيضًا للمواقف ظل. تظن جينا أنه بجانب كل موقف معلن، موقف ظل، ليس بالضرورة أن يتواءم شبهاً مع الأصل لكنه لا ينفصل عنه، وإلا كيف يمكن تفسير نظرات أحمد الشبقة، ذات الأهداف المحددة، المرافقة مع أحاديث مختلفة لا تقرب النظرات بأم وأب؟ فكان مديح الشواء ينصبّ نظره على العنق المكشوف بقصة شعري القصيرة جدًا، فيما دقة وصفه جمال أشجار الحديقة تفضح ميله للفستان الأصفر القصير وقد بدت منه ساقان برونزيتان، فيما تجوب نظراته المكان بسرعة الكاشف. كانت كلماته مقتضبة، ومدروسة بدقة محقق، لولا توزيع ابتسامة كلما التقت نظراتنا بتقصد الصدف المفتعل، لينشغل ببقع الدهن المتقطر من سخونة الشواء. مدروسة نظراته، كما كلماته القليلة، تترك الظل من الموقف حشد تساؤلات، ودلالات، وحيرة أكبر، متخبطة في شكوكها، تريدها تفسيرات إعجاب من أحمد. بينما اقتضابه ينفي ..، لا تنطبق قاعدة الظل على أحمد .. هذا يُخيّل لي ... فأنا من بادر إليه وكان يتمنع، ربما نظرية الظل تنطبق عليّ أنا، فأحمد عندما حضر إلى البيت، كنتُ وضعته تحت الأمر الواقع ....... ما هذا الرجل؟ قطع تفكير جينا مشكلة دنيس، فقد وصلها عنه خلال الأسبوعين الماضيين مجموعة شكاوى، مفادها أنّ دنيس يأتي الشركة عندما يأتي، في وضع غريب غير معتاد عليه، فهو الأنيق المرح والذي يحول الموظفين عند قدومه القليل للشركة سعداء، فماذا حلّ به الآن؟ ولماذا يأتي عبوسًا وكئيبًا ورائحته كريهة؟ فهو مثال النظافة! لا بدّ أنْ أطلبه لمكتبي غدًا فالأمر مقلق ... غدًا سأرى الأمر وتخلد للنوم.

 

في الصباح وكعادتها تذهب جينا إلى الشركة وأول عمل تقرر فعله هو الاتصال بدنيس.

- تطلب الرقم فورًا،

رنين...

- صوت دنيس متقطع يصلها بعد الرنين الرابع...

- أهلا جينا

- ما بك دنيس؟ صوتك على غير عادته؟

- أوووف جينا... (نفس عميق) فصمت

- دنييييييس ...

- دنيييس ..

- هيا تكلم..

- ما بك؟ ماذا يحدث معك؟

- ظروفي صعبة قليلاً هذه الفترة... المهم قولي جينا، ماذا تريدين؟ لماذا تتصلين صباحًا؟ ليست عادتك أبدًا؟

- حسنًا دنيس، أريد رؤيتك ومحادثتك للضرورة، ثمّ أنا المدير العام أتصل متى أشاء.. أين أنت الآن؟

- أظنني قريب

- إذن تعالَ حالًا

- مسافة الطريق

- يطرق دنيس مكتب جينا

- تفضل يا دنيس

 

لقد هالها ما رأت، إنه شخص آخر، ذو رائحة كريهة، وسخ الملبس، كئيب، فهل هذا الرجل الأنيق المبتهج النظيف والذي يُسعد الموظفين حضوره؟ ما بك يا دنيس؟ وما حلّ بك؟

- (دنيس، منهارًا ويبكي)

- ما بك؟

- رائحتي الكريهة، وملابسي المتسخة، لأني أنام في الشارع

- ماذا؟ وكيف؟ تكلم..

- قصة حدثت منذ أسبوعين

- تكلم، ما بك؟

- خسرت بيتي في القمار، وطردتني زوجتي ورفعت ضدي قضية طلاق، فأنا الآن سكني هو سيارتي ومشرد

- يا للهول، لكن لكل مشكلة حلّ، وأنا هنا لمساعدتك

- لا بدّ من العلاج دنيس، فقد وصلت قصتك مع القمار إلى نتائج مدمرة

- حسنًا يا جينا

- اسمع دنيس، أنت ستذهب لمركز العلاج، والشركة تتكفل بالمصاريف، وهذا مبلغ مالي هو أيضًا ضمن المصاريف، من أجل شقة لك تسكن بها، فنحن ندعم موظفينا، المهم أن تكون مقتنعًا يا دنيس

- أنا مقتنع جدًا

 

لأول مرة منذ ولادته لم يعش هذا الشعور بالضعف، الخواء، الإهانة، الانزواء والدونية، لقد سمعه من أكثر شخص يحب، حتى إنه يحب زوجته أكثر من طاولة القمار ومكاسبها، لم يكن يتوقع يومًا أن يقف في مواجهة حبيبته، لتصرخ به مهينة موجعة دون إنذارات أو تسويات للبقاء ريثما يستطيع تعديل خساراته، فهذه المرة خسر منزله على طاولة القمار، بعد نفاد أمواله، راهن على المنزل وخسره، ليترك وحيدًا، خاسرًا، وبلا بيت، وبلا حبيبة...

 

- حسنًا دنيس .. لا تقلق سوف تعود زوجتك إليك بعد أن تستعيد ثقتها بك وبأسلوبك في إدارة أمن الأسرة، هي تحبك ولن تفرط بك بسهولة ..

- أتمنى، أتعرفين حين؟ أسبوعان وأنا أنام في سيارتي على أرصفة الشوارع، ولا يؤلمني إلا آخر كلماتها وهي تغادر ..

- لا تقلق دنيس

سوف نجد حلولاً لاستعادة الثقة

هي لم تتركك لأنها مغرمة بشخص آخر،

هجرتك لخساراتك المتكررة

لا سيما وقد راهنت على البيت وخسرته

الموضوع ليس بسيطًا دنيس، لكن لكل مشكلة حل، لا تقلق... سوف نجد الحلول سويًا..

 

- أعرف طبعًا، لست ألومها

لكني متعب، أحتاجها جدًا بجانبي في هذه الأزمة

- أتريد رأيي؟

- بالتأكيد، تعرفين أني أثق بك تمامًا

- حسنًا سوف نتخذ قرارات تساعد زوجتك على استعادة الثقة بك

ولن نقول لها ذلك قبل أن تقدم ضمانات

ما رأيك؟

- في ماذا؟

- في أن تبادر للعلاج..

- موافق

- ممتاز

 

لقد وعدتك سابقًا بمجانية العلاج، وما زلت على عهدي، المهم أن آخذ منك وعدًا بالموافقة لنبدأ بأسرع وقت ممكن..

- موافق، أنا الآن لا خيار لي سوى الموافقة، فزوجتي اشتكتني للشرطة، وصوري الآن في جميع آلات القمار، حتى إنْ فكرت في الدخول يتم اعتقالي

- المهم يا دنيس قناعاتك الداخلية، فهذا يُسهل العلاج

- طبعًا أنا مقتنع جدًا

- ممتاز، هذا نصف العلاج

سوف تخرج من هذا الباب الأسود باتجاه المركز العلاجي وأتابعك بشكل يومي ودقيق وأقدم كل دعم يستلزم استعادة الثقة

- حسنًا... موافق

- سوف أتابع رحلة العلاج...

 

تقفز جينا فرحًا.. تعبر عن فرحها الكبير، تضمه وتدور به أرجاء المكتب دورات ثلاث، تقبله مهنئة..

 

بعد خروج دنيس تتذكر جينا كلمات أحمد عن دنيس "لن يترك القمار إلّا بمشكلة أكبر من القمار" تُقرر الاتصال بأحمد

- مرحبًا أحمد

- أهلاً جينا، أراكِ مبسوطة من صوتكِ

- نعم صحيح

- وما السرّ؟

- لنْ تُصدق يا أحمد

- جينا تخبر أحمد بما حصل لدنيس وموافقته على العلاج

- جيد يا جينا ، إنما اتمنى أنْ تكون النتائج حسب التوقعات

- ماذا تقصد

- لا شيء ، فقط أتمنى له مستقبلاً أفضل

- متى أراك يا أحمد

- سنرتب لاحقاَ

- الى اللقاء

- إلى اللقاء

• • •

أحب طيور السنونو في واشنطن، أنظر إليها وهي تحلق في منتزه ناشيونال مول، وأنظر إليها وهي تختفي في نهر بوتوماك. الشمس بين أعمدة الكابيتول بالظلال الإغريقية تغرق في الغبار، التاريخ شيء آخر، تذكرني أعمدة الغبار بالمعارك في الأوديسة . الحَمَام الأبيض قليل بالمقارنة مع الحمام السكنيّ، غائط كليهما من لون واحد، غائط تنقره الغربان عندما تجوع، فتوفر على البلدية عشرات ملايين الدولارات سنويًا لتنظيفه. كان عليّ أن أعتاد على الجو المَتْحَفِي لهذه العاصمة التي ليست كغيرها من عواصم العالم، الجو الروبابيكي، على الرغم من أنني لا أحب المتاحف، وأكره النظر إلى اللوحات النادرة التي أثمانها بعشرات ملايين الدولارات وأحيانًا بمئاتها، إنها لجنون حقًا هذه الأثمان الخيالية لبضعة أنابيب من الألوان تستثمرها العبقرية الإنسانية، ومن هذه الناحية، ناحية الاستثمارات الاستثنائية، أنا أهتم بمعرفة شذرات عن حياة مشاهير الرسامين في العالم وطريقة كل واحد منهم في تسلق سلالم المجد.

 

طيور السنونو في سماء واشنطن، وبعض الغيوم، وسلالم اللوبي، أين الصعود إن لم يكن إلى الثريات إلى المُزَن إلى عروش الآلهة؟ أحب رؤية طيور السنونو وهي تحلق وقت الغروب، وهي تغرق في الشفق والشفق يغرق في نهر بوتوماك، الشفق الحاد اللون لحد الحماقة، أنا أعني ما أقول، لحد الحماقة، فالحماقة صفة للعقل اللوبيّ الخارق، خارق حتى أبعد ما تكون عليه الحماقة، إنه العقل البراغماتي في أعظم حالاته. وفي اللحظة التي تذوب فيها طيور السنونو في أمواج نهر بوتوماك، تفوح من البحيرات في منتزهات واشنطن العديدة رائحة الدولار عطرًا أزليًا.

 

كان مساء الجمعة هادئًا وباردًا في تلك المدينة الكبيرة. أحمد وجينا كانا يجلسان على الأريكة في غرفة المعيشة في بيت جينا، يتحدثان عن الأسبوع الذي قضياه وعن خططهما للمستقبل. الأشجار خارج النوافذ تتمايل برفق مع النسيم، وأضواء المدينة تضفي جوًا من الرومانسية على الأمسية.

 

"أحمد، لماذا لا تنتقل لتعيش معي؟" قالت جينا بنبرة هادئة وهي تنظر إليه بعينين مليئتين بالأمل. "نحن نقضي معظم وقتنا معًا هنا على أي حال، سيكون الأمر رائعًا أن نكون معًا طوال الوقت."

 

ابتسم أحمد بلطف، لكن عينيه كانتا تحملان بعض التردد. "جينا، أعلم كم سيكون ذلك رائعًا، ولكنني أحب شقتي المتواضعة. إنها جزء مني ومن حياتي. أحتاج إلى تلك المساحة الخاصة بي."

 

جينا لم تكن تتوقع هذا الرد، لكنها احترمت مشاعره. "أفهم، أحمد. فقط كنت أظن أننا قد نكون أكثر سعادة معًا. لكني أحترم قرارك."

 

صمت قليلًا، ثم قالت جينا، محاولتًا تغيير الموضوع: "ألاحظ أنك تقضي الكثير من الوقت في قراءة الأخبار السياسية ومتابعة الأحداث. هل تهتم بالسياسة كثيرًا؟"

 

ابتسم أحمد وأجاب: "نعم، السياسة هي شيء يهمني كثيرًا. أحب أن أفهم ما يحدث في العالم وكيف تؤثر هذه الأحداث علينا. أشعر أن من واجبي كمواطن أن أكون مطلعًا وأحاول أن أفعل شيئًا، مهما كان صغيرًا."

 

"هذا رائع،" قالت جينا بإعجاب. "أعتقد أن الاهتمام بالسياسة يعكس وعيًا كبيرًا ومسؤولية."

- أنا ابن الشرق والغرب الان ويهمني مصلحة الشرق بقدر مصلحة الغرب

- ماذا تقصد؟

- الغرب منذ عقود تعامل مع الشرق بطريقة تضمن نهب ثرواته ، لهذا كانت الأسلمة لهذه المجتمعات والدكترة للأنظمة ، وبهذه الطريقة الحقيرة استغل الغرب ثروات الشرق وضمن تخلف الشرق ، الآن الوضع مختلف بعد سبعين عام من هذا النهج ، هناك قطب صاعد في العالم وهو الصين إلى جانب الاتحاد الروسي ، وأعتقد أنّ الصين بخلال سنوات معدودة ستقود العالم بسبب قوة اقتصادها وبالتالي أنا أبحث في هذه التناقضات

- لا أفهم ما تقول يا أحمد

- أقول على أمريكا التخلي عن الأسلمة لصالح الأمركة حتى تستطيع البقاء ، ومن هذا المدخل يستفيد الشرق

- كيف؟

- في الأمركة تُعامل الولايات المتحدة الشرق على قاعدة الشراكة ، بدل ما كانت تسرقهم ، وعندما تعامل امريكا الشرق على قاعدة الشراكة يتطور الشرق ويستفيد الغرب

- هناك لي قريب يعمل مسؤول هجرة ، اكيد يفهم بالسياسة ، سأرتب لك لقاء معه

- جميل جدا

- الآن فهمت ماذا كنت تقصد بالنص الذي وقعت عيني عليه ، كان تعبيرا جميلا ، لكنني لم استطع فهمه ، الآن أتلمس بعض الفهم

- ستفهمين أكثر لاحقاً

- سأرتب لك لقاء مع قريبي " أنجلو"

- سأكون سعيدا

• • •

في يومٍ مشرق من أيام الربيع، جلست جينا في مكتبها تطالع تقارير الأداء التي أظهرت تباطؤاً ملحوظاً في الإنتاج. كانت شركة جينا تواجه صعوبات غير مسبوقة، واضطرت لاتخاذ قرار مؤلم بتسريح بعض العمال مؤقتاً حتى تستعيد الشركة عافيتها وتعود عجلة الإنتاج إلى سرعتها المعتادة.

 

أمسكت جينا هاتفها وأجرت مكالمة بصديقتها لورا. لورا كانت معروفة بشغفها الكبير بالغيبيات والسحر، وقد ساعدت جينا في الماضي بطرقها الغامضة. لم تتردد جينا في طلب مساعدتها مجدداً. كانت متأكدة أن لورا بقدرتها الخاصة على التبخير يمكنها أن تعيد الحيوية والنشاط إلى أروقة الشركة.

 

"لورا، أنا بحاجة لمساعدتك"، قالت جينا بصوت ملؤه التوتر.

 

"بالطبع، جينا. سأكون هناك عند السادسة مساءً. سأتأكد من أن كل شيء سيكون على ما يرام"، ردت لورا بثقة.

 

عند حلول الساعة السادسة، كانت الشركة خالية من العمال، ما عدا جينا ولورا. جلبت لورا معها مجموعة من الأعشاب والبخور، وبدأت مراسم التبخير. تجولت لورا في كل زاوية وكل مكتب، وهي تنشد تعاويذ غامضة بلغاتٍ قديمة. كانت جينا تراقبها بدهشة، مؤمنة بأن هذه الطقوس الغامضة ستعيد الحياة إلى شركتها.

 

مرت الأيام، وبعد أسبوع، بدأت الشركة تستعيد نشاطها تدريجياً. الأوامر الجديدة انهالت، وعاد العمال المسرحون إلى أعمالهم. كان التحسن ملحوظاً وسريعاً، وكأن سحراً قد حل بالمكان.

 

هذا السر ظل محفوظاً بين جينا ولورا، لم يعرف أحد عن هذا التبخير الغامض الذي أعاد الحياة إلى الشركة. بالنسبة للعاملين والعملاء، كان الأمر مجرد عودة طبيعية للشركة إلى نشاطها، لكن جينا كانت تعرف أن هناك شيئاً أكثر من ذلك بكثير.

 

لورا، بشغفها بالغيبيات والسحر، زارت أماكن عديدة حول العالم. من معابد الهند إلى أهرامات مصر، ومن أدغال الأمازون إلى صحارى المغرب. تعلمت فنوناً وأسراراً كثيرة، واستخدمتها لمساعدة صديقتها عندما احتاجت إليها. كانت رحلاتها مليئة بالمغامرات والاكتشافات، ولكن تلك الليلة في شركة جينا كانت واحدة من أهم لحظاتها، حيث أثبتت مرة أخرى قوة الغيبيات والسحر في تغيير الواقع.

 

-أحمد : أرى أنكِ لستِ قلقة على الشركة كما كنتِ الإسبوع الماضي

- جينا : لستُ قلقة

- لماذا؟ هل تحسّن الشغل

- لا

- غريب! أهوَ تفائل؟

- لا ، بل يقين

- وما الذي يجعلك على هذا القدر من اليقين؟

- لورا

- ما بها؟

- هي من تمتلك المفتاح

- لم أفهم؟

- هل تؤمن بالسحر والتبخير والشعوذة يا أحمد

- طبعاَ ، لا

- وهل تؤمنين يا جينا

- الحقيقة أنني أؤمن بالنتائج

- نتائج ماذا؟

- نتائج لورا

- وما علاقة لورا؟

- إسمع يا أحمد ، أنا لم أكن مؤمناً بهذه الأشياء ، حتى دخلت لورا بعالمها الذي لا أفهمه في حياتي ، هي صديقة قديمة لي ، تستطيع القول من أيام الدراسة ، وهي كانت وما زالت مولعة بالتنجيم والغيبيات ، وقد سافرت إلى عدة أقطار حول العالم من أجل هذا الأمر .... أتذكر ونحن في المدرسة قرأت كفي ...وقالت لي "ستكونين مسؤولة" ...تخيل هذا يا أحمد ، وأنا تعودت كلما يخف الشغل أستنجد بها ....فتذهب إلى الشركة بعدما ينصرف العمال ...تبخر الشركة وتقرأ أشياء لا أفهما وبعد أسبوع أو عشرة أيام تعود الشركة للعمل بكلّ طاقتها ....يبدو هذا غريبا لكنه حصل مرات ومرات

- لا أؤمن بذلك ، هذا طبيعي ، كل شركة تمر بفترة ركود ثم تعود إلى طبيعتها

- صحيح ، كنا نمر بفترة ركود لمدة أشهر قبل لورا ، وكان قلبي يتقطع على المستخدمين عندي بسبب الإضطرار إلى تسريحهم ، لكن لورا حلت المشكل ، أسبوع إلى عشرة أيام نعود بكامل قوتنا

- حتى لو كما تقولين ، فهي صدف

- وأنا أحب الصدف ، أليس لقاءك والتعرف عليكَ كان صدفة؟

- نعم صحيح ، هاها ، وعلى كل حال الصدفة الخالية من الضرورة لا وجود لها

- لا أفهم فلسفتكَ، هاها

- هي مجرد صدفة وقد حدث معي هذا من قبل لكن بصورة عكسية

- كيف ؟

- في مرحلة سابقة من مراحل حياتي ؛ كان اسمي مصاص الأرواح ؛ هذا وأنا مقاتل في لبنان

- كيف ؟

- كان كل من يخرج معي يموت ؛ لدرجة أنني كنت أتوسل للقائد أن يرسلني وحدي خوفاً مني على رفاقي ؛ حتى أن أحد المرات كنت في مهمة مع الرفاق وكان القائد معنا ؛ دعست على لغم وصحت بهم ابتعدوا ؛ كانت المفاجأة أن اللغم لم ينفجر عندما قفزت بعيدا عنه

- معقول هذا؟

- نعم حصل

- غريب

- كلها صدف

- صدف مرعبة

- أحد المرات أصر القائد أن يبعث معي مقاتل أثناء هجوم على موقع ؛ كان كل همي الحفاظ على حياة المقاتل ؛ دفعته عندما وصلنا إلى مشارف النقطة إلى أسفل التلة من أجل الحفاظ على حياته ؛ وهجمت لوحدي ؛ لكنه صعد التلة واشترك معي ؛ كنت مهمل نفسي محاولا حمايته وأنا أصرخ عليه أن يرجع ؛ حتى أصبت انا في كتفي وبقي هو على قيد الحياة واقتحم النقطة.....كانت إصابتي شفائي مما كنت أعاني منه .....لهذا اقول لك صدف

- ماضيك مشوق وكله إثارة يا أحمد ؛ وإن كنت أتمنى أن تبقى صدفي كما هي

- هاها

-هاها

• • •

انتقل الى الصفحة التالية

 

- ما هي أخبار وأحوال دنيس يا جينا؟

- يتعافى ، وإنْ كنتُ أراه مكتئباَ

- من الطبيعي أنْ يكون هكذا ، فهو مُدمن قمار ، يحتاج لوقت حتى يتعود على نمط حياتي جديد

- أتمنى ذلك

- وما أخبار صاحبتك الساحرة لورا؟

- ساحرة!؟ هاها...أعرف أنك لا تقتنع بكذا أمور ، وقد كنتُ مثلكَ سابقاً ، حتى رأيتُ بعيني

- ما زلتُ غير مقتنع ....هي مجرد صدف لا أكثر ....أظن أنكِ ستقولينَ لي أنها تمشي على الماء...هاها

- سأقول لك سراً آخر عنها يا أحمد

- أيضا! ، وماذا هناك ما لا أعرف؟

- عند يوم ميلاد القمر ، يعني بداية شهر قمري جديد ، أخرج إلى خارج المنزل ...إلى الحديقة ، وافتح محفظتكَ وتحدث مع القمر عدة مرات

- بأي لغة؟ هاها

- ليس مهماً ، أي لغة ، وقل له "من فضلك ، إعطني المزيد "

- هاها ، وهل سيعطيني؟

- غالباً

- يبدو أنَّ هذه خرافة هندية من تراث الهنود الحمر

- قد تكون ، لن تتحقق!

- يا للورا ويا عالمها الغامض ....

- جرب يا أحمد ، لن تخسر شيئاً ، يوم الخميس القادم هو ميلاد قمر جديد ، سأذكرك ...

- حاضر ، سأجرب ...

- ما هي آخر إهتماماتك بالسياسة يا أحمد؟

- قصدك مشروعي السياسي

- وهل أصبح مشروع؟

- طبعاَ ، وأنا لي حق الملكية

- أنت حدثتني ولم أفهم جيدا سابقاً ، أنا الان أريد سماعك

- مشروعي بسيط ولا يحتاج كل هذا الجهد للفهم ، أنا إبن الشرق والغرب ، هذه ميزة لوحدها ، أنا أعمل لصالح الشرق وأيضا لصالح الغرب الشزوفريني

- ما فهمت ، كيف تعمل؟

- العالم تغير ، فعالم اليوم ليس عالم قبل سبعين عام ، العالم اليوم هو عالم التكنولوجيا أو المرحلة الثانية من الرأسمالية ، والآن وبفضل التكنولوجيا وهي حرب أدمغة ليست مقصورة على طبقة محددة فهي عامة ، لأن العالم مليء بالادمغة بغض النظر عن الفقر او الغنى أو الدولة ، لذا السبب الصين تطورت تطوراً هائلاً ، وأصبحت تنافس الولايات المتحدة ، وقريباً ستتربع الصين على عرش اقتصاد العالم ، رغم أنَّ بداية الصين كانت بقرار أمريكي ، لمحاولة احتواء المد الشيوعي ....فأدخلوا الشركات والتكنولوجيا للصين ....وها هي الصين قوة جبارة تنافس الولايات المتحدة على صدارة العالم ، كان ذكاء صيني وغباء غربي ...الصينيون تعلموا وأضافوا وينافسون ويتفوقون الآن ...مثال على التفوق ، شاحنات السيارات الكهربائية الفعالة والمصنوعة من الليثوم من الصين ، كل شركات السيارات الكهربائية تشتري الشاحنات من الصين بسبب كفاءة الشاحنة ، فبشحنة واحدة تقطع السيارة ألف كيلومتر بينما الشاحنة الغربية أقل من هذا الرقم بكثير ...

 

الحنكة الجيوسياسية ذات أبعاد يبرهَنُ عليها في الصين، ماوتسي تونغ أوجزها بقوله الشهير "من كل روض زهرة"، لكنه في الممارسة فجر الثورة الثقافية، فأحرق الأخضر واليابس ، وإمبريالتهم ليس لها علاقة بالحزب الشيوعي .

 

الحرب الباردة انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي ومعه أداته الإيديولوجية الشيوعية ذات البعدين الداخلي والخارجي، الداخلي باتجاه ناس الاتحاد السوفياتي من لدن النطام السوفياتي والخارجي باتجاه ناس الولايات المتحدة والغرب والعالم من لدن النظام الأمريكي، كانت شروط الإنتاج في البلدان الرأسمالية على درجة من التفوق تجعلها في غنى عن مواصلة هذه الحرب المفتعلة، فاستقلت الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في مدارها الذي هو في الوقت ذاته مدار الكون، ولأن شروط الإنتاج عندها تتوقف على النفط، وبالتالي تفوقها الحضاري، كان لا بد لها من أداة إيديولوجية غير الشيوعية تسيطر بفضلها على الضمائر ضمان سيطرتها على آبار النفط خارجيًا، وداخليًا على قواها التقنية وباقي القوى الفعالة، فجاءت بالإسلام، وكانت الأسلمة لمنطقة الشرق الاوسط منبع البترول .

 

لكن مثلما كان للشيوعية مدى تاريخي ، للإسلام، كذلك، مدى تاريخي يفرضه التطور، الخبراء في الإدارة الأمريكية يعرفون ذلك غير أنهم لا يعرفون كيف يخرجون من مرحلة انتهت مع الإسلام كما كانوا يعرفون في مرحلة الشيوعية ويخططون، لهذا، الجيوسياسية الأمريكية تتخبط تخبطها الحالي في فترة هي بين مرحلتين، مرحلة الإسلام ومرحلة ما-بعد الإسلام ، لذا يأتي مشروعي وهو الامركة ، انه الحل المناسب لشعوب الشرق الاوسط ولامريكا نفسها ، وتبدأ بدمقرطة شعوب الشرق الاوسط ودمج الاقتصاد الامريكي مع الشرق على قاعدة الشراكة ، ان الشرق هو وادي السلكون لامريكا ، لان الشرق سيكون فضاء اقتصادي لامريكا ، وهذا الاندماج يحقق الازدهار للشرق والغرب .

 

- أقترح عليك نشر هذه الكتابات في الصحف حتى تُقرأ ، وتصل إلى صانعي القرار

- للاسف ما زال صانعي القرار مصممون على سياساتهم القديمة والتي انتهت صلاحيتها

- تقصد الأسلمة؟

- بالضبط ، لكنْ ، ثلاثة إجراءات يفرضها الواقع الأمريكي الجديد في الحال:  إطفاء البؤر المشتعلة والدمقرطة وتحتها خطوط حمراء  ومن ثم  الأمركة!.

- لنذهب لتناول العشاء ، ألمْ تجع؟ هاها

- نعم جوعان، هاها

 

يمرُّ بضعة أيام حتى يتلقى أحمد من جينا اتصال ، تخبره فيه أنَّ غداً الخميس ، الساعة السادسة مساءاً هو يوم ميلاد القمر....أحمد يخرج ويفتح محفظته للقمر ويقول له " أعطني المزيد " ....لنرى هذه اللورا وقمرها ماذا يفعلان ..

 

بعد يومين وأثناء وجود أحمد في العمل يطلبه المدير ويصرف له مكافأة مالية ... أحمد يندهش ويسأل نفسه " ما الذي يجري؟"..

 

اتصل بجينا يخبرها ماذا حدث معه

 

- قلتُ لك هذا ولم تقتنع ، هل اقتنعت الآن؟

- لم أقتنع رغم ما حصل

- وماذا تفسرها؟

- صدفة هاها

- أنا أحب الصدف ، هاها

• • •

-جينا ، لدي خبر جميل لك

- ما هو؟

- قريبي السياسي سيصطحبك معه إلى حفلة بالكابيتال ، وتبين لي أنهم على اطلاع ما تكتب

- عظيم جدا

- خذ مونيكا معك

- اه ، أختك الصغيرة ؟ لكن لماذا؟

- تحب الحفلات من هذا النوع

- حسناً، نأخذ مونيكا

-  إذن نحن متفقان سيناتور كين على كل شيء، قلت بحماس، ولنجرع كأسًا نخب ذلك.

-  ليس على كل كل شيء، ابتسم السيناتور كين.

- كنت أظن…

-  يا أحمد  أنا سيناتور ملتزم، سأدرس أولاً مشروعك السياسي.

- شيء طبيعي أن تدرس مشروعي السياسي الاقتصادي ال…

الغائطي، وتفجر بالضحك.

-  ليس الغائطي.

-  أنا أمزح يحق لي أن أمزح، رمى وهو يقهقه.

- كل الحق.

-  ماذا قال السيناتور جوردون؟

- لم يقل، فرك سبابته بإبهامه.

- أنا أدرس أولاً ثم أفرك ثانيًا.

- أنا أحبذ هذا.

- على أية حال ليست الأمور سهلة كما تتصور.

- أعرف

- هذا ما فهمته ولهذا.

- لهذا ماذا؟

- يجب أن ألقي نظرة عميقة على الملف. -

- طبيعي

- معجزتي أنا لا تنتظر أكثر تأملاً مما تفعل معجزات واشنطن مع لوبياتها.

- العشاء جاهز؟

- العشاء جاهز.

- موعدي مع السيناتور ويليامز في كباريه الكونغرس، وفي كلِّ كأس أحتسيه راقصة بمايوهها الأحمر في كأسي ،  وبعضُ شعرٍ للمتنبي، وكانت في القاعة بأضوائها الفاترة أمريكا كما أراها، وبعضُ زقاقٍ في نابلس.

 

انتبهت إلى حركة غير عادية ليست بعيدًا من الكونتوار حيث أجلس، مجموعة من السيناتورات تحيط بلودميلا موريس على رأسها ضمادة وعلى خدها لصقة، أجلسوها، وبقوا واقفين حولها.

 

- أكملي مدام النائبة، طلب السيناتور ويليامز، نحن في شوق لسماع باقي القصة.

- ليس لدي أكثر مما قلت، ابتسمت المرأة الأقوى في العالم.

- ولماذا لم نفجر الجزائر بقنبلة نووية؟ نبر السيناتور ويليامز بغضب، طبعًا بعد أن نُخرج جميع الأمريكيين من ذلك البلد الهمجي.

- أسطولنا قام باللازم، عادت لودميلا موريس تبتسم.

- قنبلة نووية! جمجم السيناتور ويليامز، ولما رآني حياني، وجاءني. نحن الأمريكان ذوو قلوب مشفقة نوع من شخصيات والت ديزني الخوافة. لماذا لم نفجره بلد الإرهاب الإسلامي بقنبلة نووية؟

- على سماعك سيناتور ويليامز لا داعي لنتحدث عن سلام في الشرق الأوسط، قلت بشيء من العصبية.

- أنت لوبي سلام؟ تفاجأ السيناتور ويليامز، لم يقل لي السيناتور كين ولا السيناتور جوردون، أوكي لتصنع سلامك وحدك من دوني، وعاد يتسلل في الدائرة المغلقة على نائبة الرئيس الأمريكي.

- أنتَ أحمد ؟ سألتني امرأة رائعة الجمال.

- أنتِ السيدة كاثرين كريبتون حتمًا، قلت وأنا أسلم عليها بحرارة.

- تعال يا جيمس، هتفت كاثرين بجيمس جيمس وهو يتعلق بذراع امرأة، هذا اللوبي أحمد، يحتاج لخدماتك.

- أقدم لك أختي  يا سيد  أحمد، قال وهي تحييني.

- أنت مشغول، قالت الأخت لأخيها، سأراك فيما بعد، وقبلته من فمه قبل أن تذهب، وأنا أحاول إخفاء دهشتي.

-  شرحت لي كاثرين مشروعك، قال جيمس جيمس، سأكلم مافيا " الهدم والبناء " لكني أشك في موافقتها، السلام في شرقكم الأوسط على قفاها.

- السيناتور ويليامز عنصر مؤثر في مافيا السلاح، تدخلت كاثرين كريبتون، فكلمه.

- كنا على موعد منذ قليل، شرحتُ، وعندما سمع بمشروعي السلمي فضل الانسحاب والالتحاق بلودميلا موريس هناك.

- أنت لم تعرف كيف تكلمه، وعلى سماع هذه الكلمات قهقه جيمس جيمس.

- كان عليك أن تقول له، تدخل هذا الأخير، إن سلامكم في الطريق، ومصانع الأسلحة الأمريكية ستقفل أبوابها، ولن يكون لها من بديل غيرك لوبي  السيد أحمد.

- أفضل ألا ألجأ للزمرة التي قتلت ودمرت، همهمت، منذ قليل كان يريد إلقاء قنبلة نووية على الجزائر.

- أنت لا تعرف السيناتور ويليامز، قهقهت السكرتيرة العامة للبيت الأبيض وقهقه جيمس جيمس معها، ما يقوله كلام الليل مخلوط بلبن.

- أفضل العمل مع مصدر آخر غير مافيا السلاح

 

خفتت الأضواء، وعلى المسرح تفجرت بالماس. بدأ العرض مثل كل ليلة ولكن بمايوهات أخرى، وبأنغام مختلفة. انتقلنا إلى الثلاثينات من القرن الماضي بقوة سحر هذا الماضي البعيد على الذاكرة الأمريكية، فغنجت الراقصات على إيقاعات الشارلستون، وصرخت الراقصات لتدغدغ بسحر أناقة صرخاتها قلوب الكونغرس.

 

صدحت موسيقى الفرنش كانكان مع دخول الراقصات وهن يطلقن الصرخات المثيرة لحواس الدائرين بطاولات الشمبانيا والكافيار، فأفرغ السيناتور ويليامز كأسه في جوفه دفعة واحدة ثم حطمها ضاربًا إياها بالأرض، وأفرغت  مونيكا كأسها في جوفها دفعة واحدة ثم حطمتها ضاربة إياها بالأرض. وفي الحال، أحضر النادل المكلف بخدمتهما كأسًا أخرى لكل منهما ملأهما السيناتور المحظوظ بسرعة وهو في أقصى النشوة، ومن أقاصي الرقصة الفرنسية جرفهما نهر السين بالغلمة، فعادا يفرغان الكأسين في جوفهما، ويحطمانهما ضاربين إياهما بالأرض، ومن حولهما لا تسمع غير أنّات شظايا الكؤوس ممزوجة بصرخات الراقصات الشبقة. أشار السيناتور ويليامز إلى النادل بإحضار قنينة شمبانيا بدل أختها التي عصر آخر قطرة منها في الكأسين الحزينتين، ومونيكا تضحك، وتميل عليه، تقهقه، وتتعلق عليه.

 

- كنت وأنا صغيرة أصنع قلائدي وأساوري وحلقاني من اللآلئ الملونة، قعرت مونيكا صوتها.

-  بصحة أجمل قلادة وإسورة وحلق في الوجود، هتف السيناتور ويليامز طارقًا كأسه بكأسها، وأراد أن يفرغها في جوفه، فوضعت أصابعها بين الكأس وبين فمه، ليعضعض أصابعها، ومن عنقها يلتقط بعض القبلات بينما  مونيكا تتكركر من حمى الضحك.

- لكني كنت لا ألبث أن أفرطها، قهقهت، وهي تنيم رأسها على كتفه.

- لماذا لم ترشقيني بها يا غرامي؟ قهقه الاثنان وهما يسرقان من ثغريهما القبلات.

- وهل كنت أعرفك أيها الفاسد يا سيناتور ويليامز؟

-  السيناتور ويليامز لم يكن يعرف غرامه الجميل!

- سيعاقَب السيناتور ويليامز بشرب قنينة الشمبانيا دفعة واحدة.

- نِعْمَ العقاب يا غرامي! صاح مستثارًا مفرغًا القنينة في جوفه بصعوبة لثمله، ومونيكا تصفق مشجعة وتنطنط لتختطفها منه تاركة إياه يتساقط كالخرقة الممتلئة بالماء شاربة البئر المنقلب على رأسه والشمبانيا تبقبق في فمها، ومن فمها تسيل على ذقنها فصدرها فكلها. فجأة، مع انتهاء الرقصة، انطلقت من قلب التصفيق والصراخ كالسهم حتى دورة المياه، ألقت رأسها في حوض بيت الماء، وتقيأت واشنطن بعالمها المعتوه، عالمها الجبار، عالم المعتوهين والجبارين، مع إحساس عميق بالوضاعة دفعها إلى البكاء.

- لماذا تبكين يا صغيرتي؟ همس السيناتور ويليامز وهو يرفعها بحنان الأب، امسحي دمعك يا صاحبة اللالئ الملونة.

- أوه ويليامز! سارعت مونيكا إلى القول وانفجرت على صدره منتحبة.

- لا تبكي يا صغيرتي.

- أنا لا أبكي.

- دعيني أمسح دمعك.

- كنت في حاجة إلى ذرف عمري.

- ألهذه الدرجة تتعذبين؟

- أنا لا أعلم.

- لك صديقٌ طيبٌ مع ذلك.

- أنا لا أفهم.

- لنخرج من هنا، لنتنفس بعض الهواء المنعش.

 

وهما يهبطان درج الكابيتول:

 

- في المرة القادمة لا تبالغي في الشرب لأجله، قال السيناتور ويليامز مشيرًا إلى بطن مونيكا لتبتسم.

- لن تكون هناك مرة قادمة.

- لماذا؟ لأنني بعمر أبيك؟ »

لأنني لا أريد أن أحب مرة ثانية.

- هل هو ذلك القذر الذي فعل؟

- تركته يتركني.

- حسنًا فعلت، أنا مكانك فجرته بقنبلة نووية.

- لم أكن أعرفك.

- لي ولدان من عمرك لكني عانس.

- سأنادي يوبير.

- لماذا يوبير وسيارتي الكاديلاك تحت أمرك؟

- لم تقل لي اسمك الصغير.

- جيري… في خدمتك.

- جيري.

- وأنتِ؟

- مونيكا.

- مونيكا! لا مجال لقتل المذنب والبريء في آن واحد معك.

- إلى اللقاء

-  إلى اللقاء

• • •

في صباح يومٍ غائم، استيقظ دينيس ليجد نفسه مستلقياً في فراشه بعد ليلة أخرى مضطربة. كانت الغرفة هادئة إلا من همسات الماضي التي لم تتركه. يتعافى ببطء من إدمانه القمار، مستجمعاً قواه ليواجه يومه الجديد. لقد قطع شوطاً طويلاً منذ قراره المصيري بالتخلي عن عالم الرهانات والخسائر.

 

عاد دينيس إلى العمل في الشركة التي ترأسها جينا، المرأة الصارمة التي لا تقبل إلا بالتميّز. كانت تتذكر جيداً كيف كان دينيس، المندوب النشيط والمتحمس الذي لا يكلّ ولا يملّ، يحقق أعلى المبيعات ويحصد الجوائز عاماً بعد عام. لقد كان فخر الشركة، رمز التفاني والإبداع.

 

لكن الأمور تغيرت. دينيس الآن ليس كما كان. تحولت طاقته الحماسية إلى كسَل مُزمن، واكتفى بما ينتجه دون أي رغبة في التميز أو التفوق. كانت عيناه الزجاجيتان تعكسان روحاً انهكتها المعارك الداخلية، وروحاً لم تعد تجد في العمل ملاذاً أو تحدياً.

 

جينا لم تكن مرتاحة لهذا التغيير. كانت تراقبه بصمت، تتابع أرقام المبيعات التي كانت تتهاوى مع تراجع أداء دينيس. الشركة كانت تعتمد بشكل كبير على نجاحاته السابقة، وكل جائزة أفضل مندوب مبيعات حصل عليها كانت دليل على ذلك. كانت تشعر بثقل المسؤولية وهي ترى الركيزة الأساسية لفريقها تتداعى ببطء.

 

في أحد الأيام، قررت جينا أن تواجه دينيس. دعته إلى مكتبها وأغلقت الباب خلفه. نظرت إليه بعينين حادتين وقالت بهدوء: "دينيس، ما الذي حدث لك؟". كان صمت الغرفة ثقيلاً، ولم يرد سوى صوت الساعة وهو يتكّ.

 

نظر دينيس إلى الأرض، محاولاً جمع كلماته، ولكنه لم يستطع. فقط شعر بيد جينا توضع بلطف على كتفه، وبصوتها يهمس: "أنا هنا لمساعدتك، لكن عليك أن تجد شغفك من جديد".

 

نظر دينيس إلى جينا بعينين مُرهقتين وقال: "أنا أعمل بكل طاقتي، كما كنت دائماً". كانت نبرته هادئة لكنها تحمل في طياتها الكثير من الألم.

 

جينا لم تكن مقتنعة، فابتسمت بسخرية خفيفة وقالت: "مبيعاتك الآن عادية كغيرك من المندوبين. أين تميزك الذي كنا نعتمد عليه؟".

 

سكت دينيس ولم يجيب. كان يعلم أن كلماتها تحمل حقيقة مؤلمة، لكنه لم يكن قادراً على تفسير حالته لها.

 

اقتربت جينا منه بخطوات واثقة وقالت بجدية: "إن بقي الحال كما هو عليه، لن نحصل على الجائزة هذا العام، ولن تحصل أنت على مكافأتك كأفضل مندوب مبيعات".

 

ظل دينيس صامتاً، وكانت عيناه تهربان من نظرات جينا الحادة.

 

تنهدت جينا بعمق، محاولة كسر الصمت الثقيل وقالت: "لم يبقَ إلا ستة أشهر، يا دينيس، للاجتماع السنوي للشركة. آمل أن تكون جديراً بالصدارة والجائزة كما كنت دائماً".

 

رفع دينيس رأسه أخيراً، ونظر إليها بعينين تملؤهما الحيرة والحزن، وقال بهدوء: "سأحاول...".

 

كانت كلماته تحمل وعداً مبطناً بالأمل والخوف. جينا لم تكن تعرف إذا كان سيستعيد شغفه السابق، لكنها كانت تعلم أن المحاولة كانت البداية التي يحتاجها. خرجت من المكتب تاركةً دينيس ليواجه تحدياته الداخلية، آملةً أن يعود ذلك الرجل الذي كان يضيء سماء الشركة بنجاحاته الباهرة.

 

في مساء هادئ، كانت جينا تجلس في مكتبها تعيد ترتيب أوراقها ببطء، ولكن ذهنها كان منشغلاً تماماً بدينيس. رفعت سماعة الهاتف واتصلت بأحمد،  الذي  تثق به كثيراً.

 

"أحمد، أحتاج إلى أن أتحدث معك عن دينيس. أشعر بالقلق تجاهه"، قالت جينا بنبرة ملؤها الحزن.

 

أجاب أحمد بصوت مطمئن: "أعلم، وتوقعت ذلك منذ زمن. دينيس فقد الدافعية للعمل. كان سابقاً يعمل من أجل توفير المال الذي كان دائماً بحاجة إليه من أجل لعب القمار. الآن، هو مكتفي بما يحصل عليه".

 

تنهدت جينا وقالت بسخرية: "وهل يجب علينا تعيين مدمني المخدرات والقمار كي نحصل على أفضل مندوبي مبيعات؟".

 

ضحك أحمد بصوت عالٍ وقال: "يبدو كذلك".

 

ابتسمت جينا للحظة، ولكنها سرعان ما استعادت جديتها وقالت: "هذا العام لن تتميز مبيعاتنا، وستكون مثل غيرها من الفروع. ماذا أفعل يا أحمد؟".

 

تنهد أحمد وأجاب: "اسمعي يا جينا، أريد أن أنصحك نصيحة".

 

قالت جينا بشغف: "قل يا أحمد، أنا أصغي لك وأثق برأيك".

 

أجاب أحمد بحماس: "الحل بالمهاجرين".

 

تسائلت جينا بفضول: "ماذا تقصد يا أحمد؟".

 

تابع أحمد: "المهاجر يملك أربعة أضعاف نشاط غير المهاجر. فقد ترك بلده أملاً في تحسين وضعه المالي، ويقتل نفسه من أجل مزيد من الدخل".

 

فكرت جينا للحظة وسألت: "وماذا أفعل في دينيس؟".

 

أجاب أحمد بسرعة: "دعيه يعمل معك في الشركة ودعيه يدرب قادم جديد على العمل مندوب مبيعات".

 

شعرت جينا ببعض الأمل وسألت: "لكن كيف أجد مهاجراً جديداً يا أحمد؟".

 

أجاب أحمد بثقة: "تضعين إعلاناً في مراكز قدوم المهاجرين، وتقابلين مجموعة منهم وتختارين أفضلهم لغة وطموحًا".

 

أغلقت جينا الهاتف وهي تشعر بنوع من التفاؤل. كانت تعرف أن الطريق لن يكون سهلاً، ولكن مع بعض التغييرات الذكية والإصرار، يمكنها إعادة الشركة إلى مسار النجاح. كانت تعرف أيضاً أن دينيس لا يزال لديه الكثير ليقدمه، وأنه يمكن أن يجد الشغف من جديد من خلال مساعدة الآخرين على النجاح.

 

وترحب به ويبدا المقابلة .....

 

في اليوم التالي، وبينما كانت جينا منهمكة في أوراقها، رن هاتفها. كان أحمد على الخط، صوته يحمل نبرة من الحماس.

 

"جينا، لقد وجدت شاباً طموحاً. يعمل حالياً في شركة نظافة، ولكنه دائم البحث عن عمل أفضل. يحمل مؤهل تسويق من بلده الأصلي"، قال أحمد.

 

ابتسمت جينا وقالت: "هذا عظيم يا أحمد. أعطني اسمه ودعه يأتِ لمقابلتي غداً".

 

ضحك أحمد وقال: "من غير إعلان يا جينا؟ هاها".

 

ضحكت جينا أيضًا وأجابت: "نعم، من غير إعلان يا أحمد".

 

سألت جينا: "ما اسم الشاب، يا أحمد؟".

 

أجاب أحمد بسرعة: "نادر".

 

قالت جينا بحماس: "دعه يحضر غداً".

 

في صباح اليوم التالي، وصل نادر إلى الشركة، يسأل عن مكتب جينا. كان يحمل في عينيه بريق الأمل والتفاؤل. استقبلته مديرة مكتب جينا بابتسامة ودية وأخذته إلى المكتب.

 

دخل نادر المكتب، حيث كانت جينا تنتظره. قامت من مكانها ورحبت به بحرارة. "مرحباً، نادر. تفضل بالجلوس"، قالت بابتسامة لطيفة.

 

جلس نادر وشعر ببعض الارتياح من استقبالها الودي. بدأت المقابلة بأسئلة حول خبراته السابقة وأهدافه المستقبلية، وكانت جينا تستمع بإمعان لكل كلمة يقولها. شعرت بصدق طموحه ورغبته في تحقيق النجاح.

 

"أخبرني يا نادر، لماذا ترغب في العمل معنا؟"، سألت جينا بنبرة مشجعة.

 

أجاب نادر بثقة: "أبحث عن فرصة لتحقيق ذاتي وتطوير مهاراتي. لديّ طموح كبير وأؤمن بأنني أستطيع تحقيق الكثير إذا ما أتيحت لي الفرصة المناسبة".

 

ابتسمت جينا وقالت: "نحن نبحث عن أشخاص مثلك يا نادر. لدينا تحديات كبيرة ولكنني أرى فيك الشخص الذي يمكن أن يساعدنا في التغلب عليها".

 

بعد انتهاء المقابلة، شعرت جينا بارتياح كبير. كانت تعرف أن نادر يحمل في داخله الشغف والإصرار اللذين تحتاجهما الشركة. اتفقت معه على بدء التدريب تحت إشراف دينيس، على أمل أن يكون هذا التعاون نقطة تحول للشركة ولهم جميعاً.

• • •

انتقل الى الصفحة التالية

 

بعدما انتهى نادر من توديعه لزملائه في المكتب، قرر أن يستغل فترة ما بعد الظهر للتدريب مع دنيس، الذي كان يُعتبر أحد أفضل المدربين في الشركة. كان نادر متحمسًا للغاية ومستعدًا لاستيعاب كل ما يمكنه تعلمه.

 

عندما وصل إلى المكتب التدريبي، وجده دنيس ينتظره بابتسامة ودودة. بدأوا التدريب، وسرعان ما أبدى نادر استعدادًا كبيرًا للتعلم والتقدم.

 

بعد مرور أيام من التدريب المكثف ، نظر دنيس إلى نادر وقال له بابتسامة:

 

"أنت يا نادر تذكرني في بداية مسيرتي المهنية."

 

نادر، بابتسامة متسائلة، قال:

 

"كيف ذلك؟"

 

أجاب دنيس وهو يسترجع ذكرياته:

 

"كنت مثلك تمامًا، مليئًا بالحماس والرغبة في التعلم."

 

نادر، بفضول واضح:

 

"وما بك الآن؟"

 

تنهد دنيس وقال:

 

"أميل إلى التقاعد. فقد عملت كثيرًا ومن حقي الآن أن أرتاح، أليس كذلك؟"

 

اعترض نادر بلطف:

 

"لكنك ما زلت بصحة جيدة وقادر على العمل."

 

ضحك دنيس وقال:

 

"نعم، سأعمل لخمس سنوات أخرى ثم أتقاعد. سأكملها بالكامل."

 

نظر نادر إلى دنيس بإعجاب وقال:

 

"أنت مدرب جيد يا دنيس. لقد أتقنت معظم الأشياء منذ الأسبوع الأول."

 

ابتسم دنيس وقال:

 

"نعم، أرى ذلك. لقد تعرفت جيدًا على منتجاتنا، لكن بقيت مهاراتك الشخصية بكيفية تسويقها."

 

تنهد نادر وأجاب:

 

"أعرف ذلك. لكن يا سيدي، هل تعطيني من خبرتك الطويلة نصيحة؟"

 

نظر دنيس إلى نادر بجدية وقال:

 

"إسمع يا بني، أعظم وأنجح مسوق هو الشحاذ. يذهب إلى الأماكن المناسبة، ولا يتوقع من أحد أن يعطيه مالًا، فلا يتوتر ولا يظهر على وجهه الإرباك. تعلم من الشحاذ."

 

نظر نادر إلى دنيس بإعجاب وقال:

 

"أنت بالفعل رائع يا دنيس."

 

ابتسم دنيس وقال بتواضع:

 

"شكرًا لك، يا نادر. وأتمنى لك كل النجاح في مسيرتك."

 

بعد أن أنهى نادر التدريب الداخلي في الشركة، حان الوقت للانتقال إلى التدريب الميداني. خرج نادر مع دنيس لزيارة مواقع تسويق مختلفة، وكان دنيس يقدم نادر في كل مرة باعتباره مندوب مبيعات تحت التجريب.

 

كان نادر يراقب ويستفيد من كل كلمة يقولها دنيس، ملتقطًا كل معلومة جديدة بعناية فائقة. خلال إحدى الزيارات، وصلا إلى مصنع عصائر متخصص في إنتاج جميع أنواع العصائر الطبيعية. استقبلهما صاحب المصنع وشكى لهما أن خط الإنتاج لا يُخرج الكمية الطبيعية من العصير.

 

سأله دنيس بجدية:

 

"من أين اشتريت الفلتر؟"

 

أجابه صاحب المصنع:

 

"من شركة أخرى."

 

قال دنيس بعد تفكير:

 

"الشركة التي اشتريت منها جيدة، لكن دعني ألقي نظرة."

 

ألقى دنيس نظرة فاحصة على الفلتر، لكنه لم يلاحظ شيئًا غير عادي. عندها تدخل نادر قائلاً باحترام:

 

"هل تسمح لي بإلقاء نظرة يا سيدي؟"

 

رد صاحب المصنع بالترحيب:

 

"بالتأكيد."

 

تفحص نادر الفلتر بتركيز، ثم قال:

 

"المشكلة في المسامات. يجب أن تكون أكبر في هذه المرحلة لجمع كل سائل الفواكه، أما في المرحلة اللاحقة فيجب أن تكون أصغر. ربما مندوب المبيعات لم يوضح لك ذلك."

 

سأل صاحب المصنع بقلق:

 

"وماذا أفعل الآن؟"

 

أجاب نادر بثقة:

 

"قم بتغيير مكان المصافي. ضع المصافي ذات المسامات الكبيرة في الأعلى وذات المسامات الصغيرة في الأسفل."

 

استجاب صاحب المصنع فورًا، وأمر المهندس بتنفيذ ما قاله نادر. وبعد دقائق من التعديل، حصلوا على نتائج باهرة. تأثر صاحب المصنع بإعجاب وقرر تسجيل طلبية بقيمة مئة ألف دولار من دنيس.

 

عندما عاد دنيس إلى الشركة، روى ما حدث لجينا التي طارت فرحًا بهذا الإنجاز المميز.

 

بعد ذلك اليوم المشهود، دعت جينا نادر إلى مكتبها لتوقيع العقد والانضمام رسميًا إلى فريق العمل في الشركة. استقبلته بابتسامة عريضة، وبدأت تشرح له شروط العقد بتفصيل.

 

"نادر، أنا هنا اليوم لأطلعك على شروط العقد الجديد. ستحصل على راتب ثابت، بالإضافة إلى نسبة خمسة في المائة على المبيعات. كما ستُمنح سيارة مع تغطية كاملة للوقود، وسنوفر لك بطاقة أمريكان إكسبرس لتغطية هذه النفقات."

 

كان نادر يستمع بتركيز، وعيناه تلمعان من الفرحة.

 

"هل أنت سعيد يا نادر؟" سألت جينا بابتسامة ودودة.

 

أجاب نادر بحماس:

 

"طبعًا، شكراً جزيلاً!"

 

ابتسمت جينا وأردفت:

 

"وعلى فكرة، المئة ألف دولار التي أبرمتها في المصنع، نسبتها ستكون لك."

 

تلعثم نادر قليلاً وقال:

 

"لكن، دنيس... لا أعرف كيف أتصرف."

 

ابتسمت جينا وطمأنته:

 

"لا تقلق، هي لك. لقد أثبت جدراتك واستحقيت هذا النجاح."

 

شعر نادر بالامتنان العميق، وعرف في تلك اللحظة أن هذا كان مجرد بداية لمشواره المهني الواعد.

 

بدأ نادر عمله بنشاط وحيوية، حيث كان يذهب إلى الشركة مبكرًا ولا يعود إلى البيت إلا في الليل، منهكًا من العمل. كونه أعزب ويركز كل جهوده على تحقيق النجاح المهني، كان يُخصص جل وقته للعمل.

 

استخدم نادر أسلوبًا فريدًا في تعامله مع الزبائن، يقوم هذا الأسلوب على بناء علاقة شخصية وقوية معهم. كان يستمع إلى احتياجاتهم ويقدم لهم الحلول المناسبة، مما جعلهم يثقون به ويعتمدون على نصائحه.

 

بفضل هذا الأسلوب الفريد، ارتفعت مبيعات الشركة بشكل ملحوظ. لم تتوقف الزيادة عند هذا الحد، بل استمرت في الارتفاع، مما جعل أداء نادر في ستة أشهر يعادل عمل سنة كاملة.

 

فرحت جينا كثيرًا بهذا النجاح الكبير. دخل قلبها الأمل بالفوز، تمامًا كما كانت العادة في السنوات السابقة. تخطت نسبة المبيعات النسبة المعتادة بكثير، مما جعل الشركة تحقق إنجازات غير مسبوقة بفضل جهود نادر وتفانيه في عمله.

• • •

مرت الأيام، واستمر نادر في التفاني في عمله، يحقق النجاحات تلو الأخرى. كان يشعر بالفخر والانتماء إلى الشركة التي أعطته الفرصة لإثبات نفسه. مع كل صفقة جديدة، كان يزداد تعلقًا بعمله وتطوير علاقاته مع الزبائن.

 

في أحد الأيام، وبينما كان نادر في مكتبه يعمل على إعداد عرض تقديمي لعميل كبير، طرق باب المكتب. كانت جينا، بدت على وجهها علامات الرضا والسعادة. دخلت وهي تحمل مظروفًا مغلقًا.

 

"نادر، لدي لك مفاجأة." قالتها بابتسامة غامضة.

 

رفع نادر نظره من الشاشة، متسائلاً:

 

"ما هي؟"

 

وضعت جينا المظروف أمامه على المكتب، وقالت:

 

"افتحه."

 

فتح نادر المظروف بحذر، ليجد بداخله تذكرة طيران وإقامة في أحد أفخم المنتجعات. كانت الرحلة إلى جزر المالديف، هدية من الشركة لنادر تقديرًا لجهوده وتفانيه.

 

"هذه هدية لك من الشركة. لقد كنت تستحقها. استغل الفرصة لتأخذ استراحة قصيرة وتعود إلينا بنشاط وحماس أكبر."

 

شعر نادر بالدهشة والامتنان، لم يكن يتوقع هذه اللفتة الجميلة.

 

"شكرًا جزيلاً، جينا. لم أكن أتوقع هذا، أنتم تقدرونني بشكل يفوق توقعاتي."

 

ابتسمت جينا وقالت:

 

"لقد كنت مصدر فخر لنا جميعًا، نادر. هذه الرحلة هي استراحة قصيرة لك، لأننا نحتاجك لتعود إلينا بنفس القوة والالتزام."

 

بعد أيام قليلة، سافر نادر إلى جزر المالديف. كانت الرحلة فرصة له للتفكير في مسيرته المهنية وفيما يريده من المستقبل. تحت شمس المالديف الدافئة وأمام مياهها الفيروزية الصافية، قرر نادر أن يجعل من هذه الرحلة نقطة انطلاق جديدة له.

 

عند عودته إلى العمل، شعر نادر بطاقة متجددة ورغبة أكبر في تحقيق المزيد. وضع خطة طموحة لمضاعفة مبيعات الشركة خلال العام المقبل، وبدأ العمل على تنفيذها بكل إصرار وعزيمة. كانت خطته تتضمن توسيع قاعدة العملاء ودخول أسواق جديدة لم تستهدفها الشركة من قبل.

 

بينما كان نادر يخطط لتوسيع نشاطات الشركة، جاءه اتصال من عميل قديم، كان قد تعامل معه في بداية مسيرته المهنية. كان العميل يدير شركة صغيرة، ولكنها كانت تنمو بسرعة. أراد العميل أن يعيد التعاون مع نادر، لكن هذه المرة كان لديه طلب خاص.

 

"نادر، أريد أن أطلب منك شيئًا غير معتاد. لدينا مشروع جديد كبير، وأود أن تكون شركتك هي الشريك الرئيسي لنا فيه. ولكن هناك شرط واحد: أريدك أن تشرف على هذا المشروع بنفسك."

 

تفاجأ نادر بالطلب، ولكن لم يستطع إخفاء حماسه. كان هذا المشروع يمثل فرصة هائلة، ليس فقط للشركة، ولكن أيضًا له شخصيًا ليظهر مدى قدرته على قيادة مشاريع كبيرة.

 

وافق نادر على الفور، وبدأ التحضير للمشروع بكل دقة. قضى أسابيع طويلة في التخطيط والتنسيق مع الفريق، حتى بدأ المشروع يأخذ شكلًا واقعيًا على الأرض.

 

كانت الأيام المقبلة مليئة بالتحديات، ولكن نادر كان مستعدًا لمواجهتها بكل قوة. كان يعلم أن هذا المشروع سيغير الكثير في حياته المهنية، وربما في حياته الشخصية أيضًا.

 

وبينما كان نادر يسير بخطوات ثابتة نحو نجاح المشروع، لم يكن يعلم أن التحديات القادمة ستكون أكبر مما توقع، وأنها ستتطلب منه أكثر من مجرد مهاراته وخبرته. ستكون هذه المرحلة اختبارًا حقيقيًا لقوة إرادته وصبره.

 

مع مرور الأشهر، بدأ مشروع نادر الجديد يأخذ مكانه في السوق. كان المشروع يتطلب جهودًا كبيرة وتنسيقًا دقيقًا بين العديد من الأطراف، لكن بفضل قيادته الحازمة والتزامه بالتفاصيل، بدأت النتائج تظهر تدريجيًا.

 

كان نادر يقضي ساعات طويلة في المكتب وفي مواقع العمل، يضمن أن كل شيء يسير وفقًا للخطة. كان يتابع أداء فريقه عن كثب، ويحرص على توفير الدعم اللازم لهم في كل خطوة. وبفضل هذه الجهود، بدأ المشروع يحقق نجاحات ملحوظة.

 

بالنسبة لشركة جينا، كانت هذه النجاحات لها تأثير هائل. زيادة المبيعات الناتجة عن المشروع كانت مذهلة، مما رفع إيرادات الشركة بشكل لم يسبق له مثيل. ولكن لم تكن الإيرادات وحدها هي التي جلبت الفائدة؛ فقد جذب المشروع انتباه العديد من الشركات الكبرى التي كانت تبحث عن شريك قوي وموثوق في السوق.

 

مع تزايد الطلب على خدمات الشركة، وجدت جينا نفسها أمام فرصة ذهبية لتوسيع نطاق أعمال الشركة إلى أسواق جديدة. بدأت تتلقى عروضًا من شركات دولية ترغب في التعاون، وتفكر في فتح فروع جديدة في مناطق استراتيجية. كان لنجاح المشروع أثر كبير في تعزيز سمعة الشركة وزيادة مصداقيتها في السوق.

 

نادر لم يكن فقط جزءًا من هذا النجاح؛ بل كان المحرك الرئيسي له. كلما حققت الشركة نجاحًا، كانت جينا ترى فيه انعكاسًا لجهوده وتفانيه. بدأت تفكر في كيفية مكافأته بشكل أكبر، ليس فقط على ما حققه، ولكن على الإمكانيات الكبيرة التي كشف عنها.

 

في إحدى الاجتماعات الاستراتيجية، طرحت جينا فكرة جديدة على مجلس الإدارة:

 

"ما رأيكم في تعيين نادر مديرًا عامًا للعمليات؟ لقد أثبت جدارته في كل مشروع تولاه، وأرى أنه سيكون الشخص المثالي لقيادة الشركة نحو مستقبل أكثر إشراقًا."

 

كان الاقتراح مفاجئًا، ولكنه لاقى استحسانًا كبيرًا بين أعضاء المجلس. الجميع كان يدرك قيمة نادر ودوره المحوري في تحقيق هذه النجاحات.

 

بعد فترة قصيرة، تلقى نادر اتصالاً من جينا تطلب فيه لقاءه في مكتبها.

 

"نادر، أود أن أهنئك على كل ما حققته. لقد تجاوزت توقعاتنا بمراحل، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من نجاح الشركة."

 

شعر نادر بالفخر والامتنان، لكنه لم يكن مستعدًا لما سيأتي بعد ذلك.

 

"نادر، مجلس الإدارة وافق بالإجماع على تعيينك مديرًا عامًا للعمليات. هذه الترقية هي نتيجة مباشرة لعملك الدؤوب ونجاحك الكبير في إدارة المشروع الأخير."

 

كانت كلمات جينا تحمل معانٍ عميقة لنادر. لم يكن يتوقع هذه الترقية، لكنه كان يعلم أنها ستكون تحديًا جديدًا في مسيرته المهنية.

 

قبِل نادر التحدي الجديد، وبدأ العمل على وضع استراتيجيات جديدة لتطوير الشركة. كانت رؤيته المستقبلية تتمحور حول تحقيق نمو مستدام واستغلال الفرص الجديدة التي بدأت تلوح في الأفق.

 

ومع تولي نادر لمنصبه الجديد، بدأت الشركة تشهد فترة من النمو والازدهار غير المسبوقين. زيادة الإيرادات وتوسيع قاعدة العملاء لم تكن فقط مؤشرات على النجاح، بل كانت تعكس التغيير الجذري الذي أحدثه نادر في طريقة عمل الشركة وثقافتها.

 

لم تكن الفائدة للشركة مادية فقط، بل تجاوزت ذلك إلى بناء سمعة قوية في السوق وثقة كبيرة بين العملاء. أصبح اسم الشركة مرادفًا للجودة والابتكار، وكل ذلك بفضل القيادة الملهمة لنادر وجهود فريق العمل الذي قاده.

 

وفي النهاية، أصبحت شركة جينا واحدة من أبرز الشركات في مجالها، بفضل نادر ورؤيته الطموحة. كان نادر يعلم أن الطريق لم يكن سهلاً، ولكنه كان على يقين أن التحديات التي واجهها جعلته أقوى، وأكسبت الشركة مكانة لا يمكن لأي منافس أن ينازعها عليها.

 

جينا: "ألو، أحمد؟ كيف حالك؟"

أحمد: "مرحبًا جينا، أنا بخير. ماذا عنك؟"

جينا: "أحمد، يجب أن أخبرك عن معجزة جديدة لدينا في الشركة. اسمه نادر، وهو أحد ألمع النجوم التي عرفتها الشركة منذ تأسيسها. حقق نجاحات غير مسبوقة، وتجاوز كل التوقعات."

أحمد (يضحك): "هذا رائع، جينا! يبدو أنكِ حصلتِ على جوهرة نادرة بالفعل."

جينا: "وأيضًا، أردت أن أشكرك على نصيحتك الذهبية بشأن توظيف المهاجرين. لقد كان لهذه الخطوة تأثير هائل على نجاح الشركة. أنت عبقري، أحمد، وكل هذا النجاح يعود لتخطيطك ورؤيتك."

أحمد (بتواضع): "كنت أحاول فقط مساعدتكِ، جينا. أردت أن تظلي متميزة كما عهدتك دائمًا."

جينا: "أنتَ دائمًا مصدر إلهام لي، أحمد. بالمناسبة، أود أن أدعوك على العشاء في بيتي. سيكون من الرائع أن نحتفل معًا بهذه الإنجازات."

أحمد: "سأكون سعيدًا جدًا. أشكرك على الدعوة، جينا. لا أستطيع الانتظار للاحتفال معكِ."

يتبع في الفصل الخامس والعشرون....

• • •

انتقل الى الصفحة التالية

 

تصبح العلاقة بين جينا وأحمد قوية، حيث لا تنظر إليه كعشيق فقط، بل تتعدى ذلك إلى علاقة أكثر تعقيداً وعمقاً.

 

أحمد دائماً ما كان يرفض الزواج من جينا، مبرراً ذلك بأن الزواج يقتل الحب. هذا الرفض يدهش جينا، فهي ترى نفسها حلماً لأي شخص؛ فهي تمتلك المال والجمال وكل ما يمكن أن يتمناه رجل. لكنها تجد في شخصية أحمد شيئاً مختلفاً يثير اهتمامها.

 

أحمد منصب على كتابة أفكاره، ويأمل أن تلقى آذاناً صاغية. مشروعه هو "أمركة" الشرق الأوسط بدلاً من "أسلمة" الشرق الأوسط التي استمرت لثمانين عاماً. يرى أحمد أن هذا المشروع سيكون مفيداً لشعوب الشرق الأوسط وللاقتصاد الأمريكي.

 

جينا تقتنع بمشروع أحمد وتشجعه على نشر أفكاره.

 

يبدأ أحمد بنشر مقالاته في صحف مختلفة، آملاً أن تصل أفكاره إلى صناع القرار.

 

مع مرور الوقت، تتعمق العلاقة بين أحمد وجينا أكثر فأكثر، حيث يبدآن في مشاركة تفاصيل حياتهما وأفكارهما بشكل أكبر. تصبح جينا ليس فقط داعمة لمشروع أحمد، بل شريكته الفعلية في صياغة وتطوير الأفكار التي يسعى لنشرها.

 

جينا، بفضل علاقاتها ونفوذها، تبدأ بمساعدة أحمد على الوصول إلى المنصات الإعلامية الأوسع انتشاراً. تستخدم شبكاتها الاجتماعية لتأمين لقاءات له مع شخصيات مؤثرة وصناع قرار في العالم الغربي، مما يزيد من انتشار أفكاره وتأثيرها.

 

على الرغم من ذلك، يظل أحمد متمسكاً بفكرة أن الزواج قد يحد من حريته الفكرية والإبداعية. يعبر لجينا عن مخاوفه بأن الالتزام الرسمي قد يجعله ينشغل بأمور حياتية تقليدية، مما قد يؤثر على قدرته على التركيز على مشروعه الفكري.

 

جينا، رغم تفهمها لموقف أحمد، تشعر أحياناً بالقلق من عدم استقرار العلاقة بينهما. ومع ذلك، تستمر في دعمه بقوة، معتبرة أن رؤيته الفريدة والمغايرة للمفاهيم التقليدية هي ما جعلها تقع في حبه.

 

تتوالى مقالات أحمد في الصحف وتثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والفكرية. البعض يرى في أفكاره تحدياً للواقع القائم، بينما يعتبرها آخرون طرحاً جريئاً قد يكون بداية لتغيير حقيقي في المنطقة.

 

بفضل المثابرة والدعم الذي يتلقاه من جينا، يبدأ مشروع "أمركة" الشرق الأوسط في كسب تأييد بعض النخب الفكرية والسياسية. تتزايد الدعوات لعقد ندوات ومؤتمرات لمناقشة أفكار أحمد، ومع الوقت يبدأ المشروع في اكتساب زخم أكبر.

 

يظل أحمد وجينا ملتزمين برؤيتهما المشتركة، رغم التحديات والضغوط التي يواجهانها من المجتمع والمحيطين بهما. يصبح هدفهما المشترك ليس فقط نشر الأفكار، بل أيضاً إحداث تغيير فعلي في المنطقة، ليكونا بذلك شركاء في الحب والفكر والمشروع.

 

مع تزايد الاهتمام بمشروع "أمركة" الشرق الأوسط، يواجه أحمد انتقادات حادة من بعض الأوساط التقليدية التي ترى في أفكاره تهديداً لهويتهم وثقافتهم. تُوجه له اتهامات بمحاولة تدمير القيم والأعراف التي بُنيت عليها المجتمعات الشرقية. ومع ذلك، لا يتراجع أحمد عن موقفه، بل يرى في هذه الانتقادات دليلاً على أهمية مشروعه وحتمية التغيير.

 

جينا، بفضل ذكائها الاجتماعي، تتعامل بحنكة مع هذه الانتقادات. تقوم بتنظيم لقاءات غير رسمية تجمع بين أحمد وبعض منتقديه، على أمل أن يتمكنوا من رؤية الأمور من زاوية مختلفة. وفي بعض الأحيان، تنجح هذه اللقاءات في تقليل التوتر وفتح حوار بناء حول المستقبل الذي يتطلع إليه أحمد.

في إحدى هذه اللقاءات، يظهر أحمد قوة شخصيته وجاذبيته الفكرية، مما يجعل حتى أشد منتقديه يعترفون بعمق تفكيره ووضوح رؤيته. يبدأ البعض في إعادة النظر في مواقفهم، ويرون أن مشروعه قد يحمل في طياته فرصة لإحداث توازن بين القيم التقليدية والتحديث الذي يراه ضرورياً.

 

مع مرور الوقت، يتحول أحمد إلى شخصية عامة مؤثرة، تتصدر مقالاته العناوين الرئيسية وتستضيفه البرامج الحوارية. يصبح اسمه مرتبطاً بفكرة "أمركة" الشرق الأوسط، ويدعوه الكثيرون للمشاركة في مبادرات تهدف إلى إعادة تشكيل الفكر السياسي والاجتماعي في المنطقة.

 

رغم النجاح الذي يحققه، يظل أحمد محافظاً على تواضعه وتركيزه على هدفه الرئيسي. يرفض العروض المغرية التي تتطلب منه التخلي عن جزء من مبادئه أو تغيير مساره. يعتبر أن نجاح مشروعه ليس فقط في انتشاره، بل في قدرته على إحداث تغيير حقيقي ومستدام ، وخاصة أنَّ له علاقة بجيوب الامريكين والشرقيين على قاعدة الشراكة لا على قاعدة العبودية .

 

جينا، التي باتت الآن شريكة حياته العاطفية والفكرية، تستمر في دعمه دون قيد أو شرط. تشعر بالفخر بما حققاه معاً، لكنها تظل تأمل في أن يأتي اليوم الذي يغير فيه أحمد رأيه بشأن الزواج. ومع ذلك، تدرك أن الحب الذي يجمعهما يتجاوز الأطر التقليدية، وأن علاقتهما تقوم على الاحترام المتبادل والدعم اللامحدود.

 

يصبح أحمد وجينا رمزاً لثنائية العقل والقلب، حيث يجمعان بين الحب والفكر لتحقيق حلم مشترك. ويظلان ملتزمين بنشر أفكارهم والتأثير في العالم، مع الحفاظ على قوة العلاقة التي بدأت بينهما كتجربة فريدة وتحولت إلى شراكة حياتية لا مثيل لها.

• • •

الأحلام الكبرى للإنسان ليست كبرى إلا إذا كانت أحلامًا للزمان تفعل فيه فعلها وبفعلها تُبنى من دقاته في ساعة الميتافيزيقيا مرحلة جديدة من مراحل الواقع في التاريخ، الثورة الفرنسية والثورة الصناعية مثالان في السياسة وفي الاقتصاد على ذلك من الزمن الماضي، النظام الديمقراطي والنظام التكنولوجي مثالان في السياسة وفي الاقتصاد على ذلك من الزمن الحاضر، يدور الحدثان في صحن المكان المحدود الأبعاد في أوروبا ماضيًا وفي أمريكا حاضرًا، وفي صحن المكان اللامحدود الأبعاد، وأقصد باللامحدود المكان تحت معناه المطلق، وعلى عكس المثاليين من فلاسفة الوجود، المرتبط بمعناه الرياصي كأبعاد ملموسة ومفتوحة على بعضها بقوة التطور في عصرنا. بعبارة أخرى، المكان اليوم هو الكون المولد لآمال الكائن أينما كان، كالزمان اليوم هو المعيار المولد للأحلام القادرة على التحويل الكوني وتغيير الكون. انطلاقًا من هذه الرؤية، الحلم هو المحرك للواقع والواقع هو المحرك للأمل في نظام عولمي فرضه الحلم على الواقع والواقع على الأمل، ستلعب فيه مناطق النفوذ الدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الدور الحتمي المناط بها في التطور العالمي.

 

دكتاتورية التكنولوجيا نظرية جديدة:

 

هناك نقطة جوهرية، يا سادتي، إذا أدركها خبراؤكم، أنتم ستبدأون فورًا معي بدون تردد، العيون مغمضة، لارتياحكم واطمئنانكم:

 

تفهم التكنولوجيا الواقع الموضوعي بنفيه عن طريق الحريات وبإثباته عن طريق تطورها الذي يفرض تحول هذا الواقع الموضوعي، إنها "دكتاتورية التكنولوجيا"، إنه الذكاء الاصطناعي في صيرورته التطورية!

 

هذا ما يجري عندكم، وهذا ما سيجري في الشرق الأوسط، نحن إذن لسنا في حاجة إلى دكتاتوريات سياسية تخضعنا لم يعد الزمن التكنولوجي زمنها، نحن تخضعنا دكتاتورية التكنولوجيا!

 

روسيا والصين ستخضعهما دكتاتورية التكنولوجيا، يفهم الماويون  هذا القادم لا محالة على الرغم من خنقهم لشعبهم، فيحاولون إرجاء ذلك بالتوسع غربًا، وذلك "بإلهاء" الذكاء الاصطناعي في مكان آخر، وأنا لهذا  لا أطالب بمقاطعة الصين في كل شيء، كي تمارس التكنولوجيا هي دكتاتوريتها على الصينيين لا الحزب الشيوعي، فيسقط بنفسه من نفسه!

 

الشيء نفسه في روسيا  ، كل هذه المليارات التي أحرقت في أوكرانيا لسحق روسيا ضاعت سدى مثلما ضاعت سدى المليارات التي أحرقت في الشرق الأوسط، روسيا يتم احتواءها التام بأمر التكنولجيا عليها، دكتاتورية التكنولوجيا تنفي الواقع في روسيا وتثبت واقع الحريات عن طريق تطورها!

 

أعود إلى نظريتي الجديدة، يا سادتي، "دكتاتورية التكنولوجيا"، فأشرح لخبرائكم ناحية أساسية ثانية منها كي أخلصهم من "سياسة الاستحمار" التي تمارسها الإدارة الأمريكية على نفسها وعلى غيرها منذ الحرب العالمية الثانية!

 

الاندماج بين شركة كبيرة وأخرى صغيرة أو بين شركة قوية وأخرى ضعيفة شيء معروف في الأوساط المالية، غاية ذلك تمكين الشركة القوية أو الشركة الكبيرة أكثر للسيطرة على الأسواق وتوسيع النفوذ!

 

الشيء نفسه فيما يخص ما أدعوه منذ سنوات بالذوبان الاقتصادي بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وذلك بفضل دكتاتورية التكنولوجيا، فيكون تمكين أمريكا للسيطرة على أسواق العالم وتوسيع نفوذها!

 

الصين، بفضل دكتاتورية التكنولوجيا، ستتخلص من دكتاتورية الحزب، وستكون بفضل الوثبة التكنولوجية الأمريكية-الشرق الأوسطية، الفضاء المندمج في فضاء الولايات المتحدة، التابع تكنولوجيًا لا المتبوع!

 

دكتاتورية التكنولوجيا مثلما تحول الواقع الموضوعي في الشرق الأوسط بالذوبان لصالح الولايات المتحدة تحول الواقع الموضوعي في الصين بالاندماج لصالح الولايات المتحدة، نفس الشيء روسيا والدول الأوروبية!

 

بعد هذا التفسير التكنولوجي للتاريخ، يا سادة، هل أطمح بإرسال حقوق التأسيس في الحال، لنبدأ سويًا ما لن يتوقف في الزمن الأمريكي الخارق للعادة؟

 

الناحية الثالثة الأهم في نظريتي الجديدة "دكتاتورية التكنولوجيا"، يا سادة، تتعلق بالعلاقة بين عوامل النمو وعوامل الإنتاج التي هي عوامل متفاعلة، ليست متجادلة، ليست متبادلة، بل متفاعلة. تتفاعل عوامل النمو والإنتاج بدينامية نوعية هي جوهر الدكتاتورية التكنولوجية في الخلق عند إعادة تشكليها للواقع الموضوعي وصنعها لعالمها الإبداعي!

 

نمو الشرق الأوسط لا يبدأ بإنتاجه لأنه قد بدأ في الولايات المتحدة، نمو الشرق الأوسط يتفاعل مع إنتاج الشرق الأوسط الذي هو في حقيقته إنتاج الولايات المتحدة، فيكمل الشرق الأوسط نواقصها في الإنتاج، يكفيها بإنتاجه ويكتفي، وبهذا الفعل يتفاعل، ينمو، إنها آلية دكتاتورية التكنولوجيا!

 

كما ترون، يا سادتي، أنا أتمتع بنظرية خلاقة، لأن لا أفعال خلاقة بدون نظرية خلاقة، كي تروا أني في مشروعي السياسي الاقتصادي الحياتي قوي بقوة العلم وقادر بقدرة العقل، والاجتراح في علاقاتنا المصيرية عظيم بعظمة التقدم التكنولوجي، الشرق الأوسط الحديث كما أرى سيكون حسب أسس كلها مدروسة، أسس ليست عشوائية!

 

أرجو، يا سادة، أن أكون قد أقنعت خبراءكم من كافة النواحي، فنباشر بالعمل على الفور.

 

أنا أتكلم عن واقع موضوعي وعن شروط موضوعية وعن ظروف موضوعية تفرض على أمريكا، هذا الفضاء الاستثنائي بحسناته وسيئاته، العمل بمشروعي الإشكالي إن عاجلاً أو آجلاً، لكن هذا ليس كل شيء!

 

أنا هو الذي كل شيء، يا سادتي، أنا الثقة بالنفس، أنا النَّفَس الطويل، أنا الزمن الملحمي تمامًا

 

أنا لا أؤمن فقط بقدراتي على تحقيق أهدافي وبطرقي في العمل التي لولاها لن تتحقق هذه الأهداف، أنا مجبول بالغراماتية الفكرية أولاً وقبل كل شيء، لهذا رسمت بفكري البراغماتي كل شيء، ولأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني أرضيت كل الأطراف!

 

كذلك لأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني أنا أقوم باستحداث نظرية جديدة "دكتاتورية التكنولوجيا"، لا تُطَوِّرُ هذه النظرية ما قبلها من نظريات فلسفية بل تلغيها، لأنها تلغي كل ما هو إيديولوجي، ولأنها تفهم التحول لا كحتمية من حتميات التاريخ بل كحتمية من حتميات التطور!

• • •

الأسلمة:

الإسلام الجهادي في القرون الوسطى المسيحية، الذوبان الميكيافيلي بين عالمين من محاكم التفتيش، الطغيان الديني والطغيان المدني، الكهانة والدكتاتورية، التقطيع الدولاتي والتظليم المجتمعاتي، الظلامية السياسية والظلامية الاجتماعية، العقل في خدمة الظلاميتين، الإنسان كتلة من الظلام وكتلة من الحيوان. النتائج أنظمة من زمان آخر ومكان آخر، الابتزاز هو الطريقة السائدة في منطقة النفوذ الأمريكي، لكنها طريقة من طرق الاستهلاك من طرف واحد، وهذه الطريقة تمشي معًا والعنف طريقة في السيطرة، الإرهاب والحرب من ناحية والتخلف والتأخر من ناحية، فتكون الحريات في عدمها، والديمقراطيات في عدمها، تكون انهيارات الحقوق الفردية والمدنية، يصبح المجتمع الإنتاج الملموس لإرادة شبحية، إرادة فوق-سلطوية، هذا ما أسميه السلطة الوهمية، إنها سلطة أشباح تلعب على التناقض السياسي لتتلاعب بإرادة الفرد وتحل محل إرادته، فلا تبقى سوى إرادة الشبح الحاكم ليسود، وليدوم. ما هي المكاسب التي تحققها الولايات المتحدة من مثل هذا الوضع الميتامورفوزي (المسخي) غير الضغط المعنوي الجمعي والاستغلال الضدي المجتمعي لمثل هذا وضع، بمعنى لا استغلال هناك على الإطلاق ما عدا إضاعة عامل الزمن والضحك على لحية التاريخ

 

الأمركة:

تجميع الشرق الأوسط في فضاءات اقتصادية فيه قطع نهائي مع توحيده على أساس القومية أو الدين، قيام كيانات جيوسياسية كنتائج ملموسة لوحدة المشاريع وعن وحدة المشاريع، هذه الوحدة عبر المشاريع دومًا مع الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها النفوذية في الشرق الأوسط، هذا ما أسميه الذوبان الاقتصادي بين الكيانات والولايات، أو ما أدعوه الولايات المتحدة العابرة للمحيط. من هذه الزاوية، يتبدل كل شيء، : الكيانات دول حق دول قانون دول دستورية علمانية ديمقراطية سلمية، اقتصادي: الكيانات دول رأسمالية تتناسب فيها الاستثمارات أكثر مع استغلالات أقل، لنعود بلغة الربح والخسارة إلى نفس ما تجنيه الرأسمالية إلى جانب العدل الاجتماعي، يتولد عن العدل الاجتماعي، وقبل هذا العدل السياسي، العدل الثقافي، وأقصد بذلك الحرية الفكرية في نموها التقدمي المضطرد والذي ينحو على الدوام منحى التكنولوجيا في ازدهارها المضطرد، تأسيس الكيانات على الحريات الدولاتية والاقتصادية تحت النفوذ الأمريكي هو بالأحرى امتداد لما هو قائم في الفضاء "الأم"، فيحل التفاعل محل الابتزاز، ويحل التماهي محل الإرهاب وسائر أشكال العنف الأخرى، هذا ما أسميه التماري، فأعمق نظرية المرآة، بالتماري لا نرى الآخر كصورة مختلفة عنا، نراه كصورة لنا، عندئذ تغدو مشاكله مشاكلنا، والعكس هو الصحيح، وتغدو سعاداته سعاداتنا، والعكس هو الصحيح، لهذا أنا أعد القادة الأمريكيين بالانخراط في أموررهم كأموري، وبما أن كل الإمكانيات لدي، هناك ثرواتي الطبيعية، وهناك ثرواتي البشرية، وبما أن هدمي للشرق الأوسط وإعادتي لبنائه سيتم هذا وذاك بأدوات وأياد أمريكية (غربية) إذن نحن نتقاسم الفوائد كما نتقاسم التطور، نحن نربط مصائر الواحد بالثاني، فيزول الخوف القديم، وينتهي الشك في الآخر، ينتهي العدو الوهمي، وبالسلطة الحقيقية ذات النفع المشترك –بدون تفخيخ- نزيل السلطة الوهمية، إنها إرادة رأس المال الجديد، ليس رأس المال الذي يغدو صاحبه رأسماليًا جديدًا على شاكلة الأثرياء الجدد، بل الرأسمالي الجديد في تفكيره وأفعاله، وكيف يتصرف بأمر الزمن الأمريكي الجديد بطريقة جديدة.

• • •

الخاتمة

في ليلة هادئة، حيث كان أحمد جالسًا في شقته المظلمة في قلب المدينة، رن هاتفه فجأة. لم يكن يتوقع أي اتصال في هذا الوقت المتأخر، لكنه وجد نفسه يمد يده دون تفكير ليرى من يرسل له الرسائل. على الشاشة، ظهرت رسالة جديدة من رقم مجهول. لم يكن ذلك غريبًا عليه، فالعديد من الأرقام غير المعروفة تمر عبر هاتفه، لكنه كان يعتقد دائمًا أنها إعلانات أو رسائل خاطئة.

 

هذه المرة، كان الأمر مختلفًا. فتح الرسالة ليرى صورة غامضة. كانت صورة غير واضحة لشخص يقف في ظلام تام، بالكاد يستطيع أن يرى ملامحه. كانت عيني الشخص في الصورة تشعّان باللون الأحمر المروع، مما أثار في داخله شعورًا غريبًا من التوتر والقلق. تابع فتح الرسائل الأخرى ليجد مجموعة من الصور المرعبة الأخرى: ظلال متحركة، أشياء غير مفهومة، وجوه مشوهة. كل صورة كانت أكثر غرابة من الأخرى، وبدت وكأنها تحمل رسالة غامضة.

 

"هل هذا تهديد؟" فكر أحمد، محاولاً ربط الأحداث بمشروعه عن الشرق الأوسط. هل يمكن أن تكون هذه الصور تحذيرًا له؟ تهديدًا مبطّنًا من جهة مجهولة؟ أفكاره تلاحقت، ولكنه وربط بين ما يقوم به وبين هذه الرسائل

 

ورغم كل تلك الأفكار التي داهمته، لم يبالي أحمد كثيرًا. فقد مرّ بتجارب مشابهة من قبل. رسائل إلكترونية مشفرة، تحذيرات من أشخاص غامضين، لكنه دائماً كان يتجاهلها. لطالما اعتقد أن هناك من يحاول إخافته بسبب مشروعه. "ليكن،" قال لنفسه بابتسامة ساخرة. "إن كان هذا تهديداً، فهم أسوأ من أن يخيفوني بهذه الطرق البدائية."

 

أحمد كان من النوع الذي لا يخشى المجهول. عاش حياته متفحصًا كل غموض يمر به، مستخدمًا عقله التحليلي لمعرفة الأجوبة. لكنه الآن، في أعماق عقله، بدأت تثار بعض الشكوك. لم يكن يعرف إذا ما كانت تلك الرسائل مجرد صدفة، أم أنها فعلاً بداية لمؤامرة أكبر قد تطاله. لكنه استشعر أنَّ تلك الرسائل تأتيه من خارج الولايات المتحدة وإنْ كانت أرقام مجهولة ، قال في نفسه : ما دامت الرسائل هذه تصلني فالتغيير قادم وإلّا لما خاف البعض .

 

مع تصاعد تأثير أفكار أحمد حول "أمركة" الشرق الأوسط، تبدأ القوى الكبرى، التي كانت في البداية معارضة لفكرته، في إعادة النظر. يجدون في رؤيته فرصة لخلق توازن جديد في المنطقة، وتحقيق استقرار يصب في مصلحتهم الاقتصادية والسياسية، بدلاً من التمسك بالأنظمة القديمة التي تسببت في اضطرابات مستمرة.

 

جينا، باستخدام علاقاتها الواسعة مع صناع القرار في الغرب، تنظم سلسلة من اللقاءات السرية مع قادة هذه القوى الكبرى. تستعرض لهم فوائد مشروع أحمد ليس فقط للشرق الأوسط، بل أيضاً لمصالحهم العالمية. بفضل دهائها وقدرتها على الإقناع، تستطيع جينا تغيير مواقف هؤلاء القادة تدريجياً، ويبدأون في دعم المشروع علنياً.

 

تتسارع الأحداث بشكل كبير، وتبدأ وسائل الإعلام العالمية في تسليط الضوء على مشروع "أمركة" الشرق الأوسط كخطة للتغيير الشامل في المنطقة. القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، تعلن تأييدها الرسمي لمشروع أحمد، وتبدأ بتشكيل فريق عمل عالمي بقيادة أحمد وجينا لتنفيذ الخطة.

 

أحمد، الذي كان يرفض فكرة الزواج بسبب التزاماته الفكرية، يقتنع أخيراً بأن جينا ليست فقط شريكته في الحب، بل في القيادة أيضاً. تحت الضغط الدولي المتزايد، يوافق أحمد على تتويج العلاقة بينهما بالزواج، ويصبح هذا الحدث رمزاً لوحدة الفكر والعمل بين الشرق والغرب.

 

في حفل زفاف أسطوري يحضره قادة العالم ورموز السياسة والفكر، يُعلن أحمد وجينا رسمياً كقادة مشروع "الشرق الأوسط الجديد". الحفل لا يقتصر على الزواج فقط، بل يكون بمثابة تتويج لأحمد كقائد أعلى للكيانات الجديدة التي تتشكل في الشرق الأوسط تحت مظلة مشروعه.

 

بعد الزفاف، يُعيَّن أحمد رئيساً لكونفدرالية كيانات الشرق الأوسط الجديدة، وهي تحالف يضم دولاً من المنطقة، تعمل معاً وفق رؤية جديدة تجمع بين القيم الديمقراطية والتقدم الاقتصادي، وتحافظ على الخصوصية الثقافية للدول الأعضاء. تصبح جينا، بفضل ذكائها وشبكاتها الواسعة، المستشارة العليا والمسؤولة عن العلاقات الدولية والاقتصادية في هذا النظام الجديد.

 

تتحد الشعوب تحت قيادة أحمد، الذي ينجح في إنهاء الصراعات الطويلة في المنطقة عبر مبادرات دبلوماسية واقتصادية مدروسة. تحت قيادته، تتحول المنطقة إلى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار، مع استثمارات ضخمة من الغرب والشرق تعيد بناء اقتصادات الدول وتحسن حياة الشعوب.

 

يصبح أحمد وجينا رمزاً للعصر الجديد في الشرق الأوسط، حيث يجمعان بين القوة والرحمة، وبين الفكر والعمل. وتحت قيادتهما، يتحقق الحلم الأكبر بتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة مزدهرة ومستقرة، تحت راية التحالف العالمي الجديد.

 

انتهى

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.