اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

في رحاب درب الحياة// قرار المسعود

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

قرار المسعود

 

في رحاب درب الحياة

قرار المسعود

 

            توقفت قليلا عن درب الحياة، فأحسست منها ما كان يغزوني من نوائبها وتسلط عواطفها، فرأيت العجب العجاب في ثانية، فنادتني: سر أم أنك تريد أن تُسْمي بين أكناف القبور؟ فأجبتها بخذول، ليس بحكمتكِ هذا الأمر، إنه من الأجل مقسوم وحضرني حينها من الحكمة البالغة:

قال علي بن أبي طالب رضي الله عليه: ما للعباد سوى الفردوس إن عملوا وإن هفوا هفوة فالرب غفار.  

قال الشاعر :

المَوتُ بابٌ وَكُلُّ الناسِ داخِلُهُ

فَلَيتَ شِعرِيَ بَعدَ البابِ ما الدارُ

الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِما

يُرضي الإِلَهَ وَإِن قَصَّرتَ فَالنارُ

 

      فعمَ حنئذٍ صَمْتَ الكلام بيننا وهْدَأتْ الحركة في جسدي فمشيت في دربها المحتومُ المقدورُ وأنا أتأمل في تهجم جيوش العواطف التي تتكالب علي كلما غفلت عن الاستغفار. وأنا أفكر لأجد طريقة تلازمني حتى أتجنب وأتحاشى شهواتها وغرورها ووسوسة الشيطان "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فأكرر التعوذ،  فأجد بعضا من الراحة والإطمئنان وأتذكر أن الصبر والذكر هما السبيل ومفتاح الجنة.

 

           في عينيكِ يا سيدتي قرأت مأساة ومأساة وفي عينيك قرأت آهات وآهات وفي عينيكِ قرأت الغرور والمغريات. أتدرين مَنْ أنتِ يا سيدتي؟ أنت الكون بأكمله، أنتِ كل العالم الذي يبحث عن الإنصاف، أنتِ رمز الحرية والمبتغى الذي تلتقي فيه كل الطموحات، أنت الحياة والتمتع الزائل، أنت الكل في الكل وفي الأخير أنت الأدنى، أنت الإمتحان الذي لا ريب فيه، أنت تمثلين كل شيء ولا يبقى منكِ شيء، أنتِ فاتنة العقول المثمرة بالشهوات، أنتِ الحتمية المقدرة، أنتِ منبع الشوق في الخيال، أنتِ كل فوز وكل هزيمة، أنتِ محطة غفلة النفوس، أنتِ المحتومة والمرغوبة، أنتِ محطة الزاد النافع والمخيب. أنتِ الأمر المحتوم والمقدر، أنتِ النشء الطالع وخيبة المشايخ. أنتِ لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر، أنتِ الطاعم لا يشبع منكِ والشارب لا يروى منكِ والناظر لا يمل منكِ، أنتِ مَنْ علا فيكِ نزل ومَنْ تجبر فيكِ ذل ومَنْ علم فيكِ ظل ومَنْ ساد فيكِ تاه، أنتِ متاع الغرور.

 

         فقالت في صرخة الفتنة والتعجب! ألَسْتُ المحطة التي لا مفر لكَ عن عبورها، ألسْتُ المحطة التي تحضر زادكَ منها ليوم الغد، ألستُ المحطة التي يراد التمتع الأزلي فيها، أنا سابقة الخلود، أنا الممهدة لأمر عظيم، أنا مَنْ جد فيّ أفلح ومن تكاسل خذل، أنا أيامي معشوقة ونهايتي مسروقة، أنا فاتنة كل موجود وخاذلة كل موعود أنا مبتغى كل ملهوف. فصمتُ مرةً أخرى تسود علي حتمية المرحلة، فبكيت واستبكيت ونظرت في حقيقتي أتأملُ فيما حولي فحضرني في تلك اللحظة، أن الصراع المحتوم بين بني البشر مع الدنيا لا يستثني العالم ولا الجاهل ولا المغفل، صراع مقرون بمدة الوجوده فيها.

 

فبدوري اعترفت أن وجودي مكتوب وعمري مأجول وورزقي مقسوم وعملي محسوب، فراودتُ نفسي بعد أن ذهبت تسبح على شواطئ بعيدة ومهدتُ لها جلوس الحكمة والرشد في العمل مع الواقع وخاطبتها بالتي هي احسن وبالمقبول في عالمنا. فأصبح المفيد والمغزى النهائي هو المغفرة والإعتراف بالمرحلة الحتمية، ففطنت من غفلتي ورجعت لنفسي من هواجسها الفتانة لأتمم أجلي بعد صراع محتوم بيننا ختامه الزوال والندامة، وأنني تعديت عليها من أجل تغيير دورها بدل من أصحح دوري. لأنني من الأمة التي منحها الله كل الوسائل التي تُمكنها من اجتناب الشر والمنكر وأعمل الخير، وباستطاعتي تجنب شرها ومكرها  إن تأملت في دوري وما يترتب عليه في النهاية، وإن كنت مغفلا او جاهلا أو مقلدا لها فالعاقبة وخيمة. وحضرتني حكمة زهير ومقولة الفلسوف

فزهير قال:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش * ثمانين حولا لا أبا لك يسأم

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله * ولكنني عن علم ما في غد عم

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب * تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

ومن لم يصانع في أمور كثيرة  * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه    * وإن يرقى أسباب السماء بسلم

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه * يهدّم ومن لا يظلم الناس يُظلم

لا تكتمن الله مافي نفوسكم        * ليخفى ومهما يُكتم الله يعلم

يؤخر فيوضع في كتاب فيُدخّر  * ليوم الحساب أو يعجّل فينقم.

 

أما الفيلسوف برتراند راسل قال:

الذي ليس لديه أيّ حس فلسفي، هو انسان يعبر الوجود وهو مسجون في الأحكام القبلية التي يتلقاها من الحس المشترك والمعتقدات المألوفة لزمانه ووطنه  والقناعات المتراكمة التي طوّرها دون تعاون وموافقة عقله.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.