اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• الطبقة الحاكمة -//- محمد محبوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد محبوب

الطبقة الحاكمة

في كتابه (عائلات أميركا الستين) كشف الكاتب الاميركي (فيردناند لندبيرغ) خارطة الترابطات القائمة بين اجيال النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة حيث كانت السلطة والثروة تهيمن عليها أقلية من العوائل المتنفذة التي جمعت ثروات هائلة خلال مرحلة التنمية الاميركية من اعمال الاستثمار والاستغلال والفساد،وكانت تلك الطبقة الحاكمة سببا رئيسا في كارثة الانهيار الاقتصادي الكبير الذي اصاب اميركا عام 1929،ثم تبارى الكثير من الكتاب الذي فضحوا هيمنة تلك العوائل التي توارثت السلطة والثروة في البلاد،وفي اواسط خمسينيات القرن الماضي نشر (سي رايت ميلز) كتابه الشهير (نخبة السلطة) والذي قدم فيه تحليلا لتشابك الهرميات السياسية والعسكرية والاقتصادية وكانت (الطبقة الحاكمة) تراجعت قبضتها ونفوذها نسبيا خلال مرحلة الحرب الباردة.

وفي بلد مثل العراق مازال يحبو على طريق التنمية والديمقراطية،فانه يعاني من بروز ملامح ظاهرة خطيرة على مستقبل البلاد، ويمكن ان نستعير مصطلح (الطبقة الحاكمة) لاعطاء هذه الظاهرة الوصف المناسب الذي ربما يمثل بحد ذاته ناقوس خطر،ولعل اخبار الدورة الاخيرة لمعهد الخدمة الخارجية تمثل الجزء الظاهر من جبل الجليد، فالمعايير المعتمدة في المفاضلة بين المتقدمين لهذه الدورة أثارت لغطا كثيرا في الاوساط البرلمانية والسياسية والشعبية بسبب ارتفاع نسبة قبول أقارب المسؤولين فيها،الامر الذي اضطر مجلس النواب الى وقفها لحين تدقيق سلامة اجراءات القبول فيها،والواقع ان القبول في هذا المعهد والعمل في السلك الدبلوماسي عموما صار حكرا لاقارب المسؤولين منذ سنوات طويلة،وهي للاسف من الامور المسكوت عنها مع اسثناءات قليلة عندما يبلغ السيل الزبى.

يقول النائب عن ائتلاف دولة القانون هادي الياسري: لا يمكن ان يتم حصر العمل في الوظائف المرموقة بأبناء المسؤولين وعدم منح المواطن العادي فرصة العمل في هذه الدوائر المرموقة مما يؤدي الى توزيع غير عادل للدرجات الوظيفية بحجة الكفاءة في الوقت الذي تثبت فيه الحقيقة ان هناك محاباة في القبول بمثل هكذا دورات،وقال الياسري في تصريح لقناة العراقية إن ابناء المسؤولين الحكوميين كانت لهم حصة الأسد في دورة معهد الخدمة الدبلوماسية الأخيرة بسبب الفساد المتفشي في الدولة العراقية على الرغم من الاعلان عنها كدورة لعامة المواطنين دون تمييز بين أحد وآخر.

كما شكا في وقت سابق رئيس كتلة الاحرار في مجلس النواب بهاء الاعرجي من تحول السفارات العراقية الى نواد عائلية في اشارة الى ظاهرة تعيين الاقارب في هذه السفارات وهو ما عبر عنه العديد من النواب العراقيين في مؤتمراتهم الصحفية وعبر الفضائيات. ظاهرة تفضيل الاقارب في التعيين بالوظائف الحكومية تتجاوز وزارة الخارجية الى الوزارات والمؤسسات غير المرتبطة بوزارة ودوائر الحكم المحلي في المحافظات وفي اقليم كردستان وان كانت بدرجات متفاوتة،لكن العمل في السلك الدبلوماسي يظل مغريا بالنسبة للكثيرين نظرا لما يوفره من رفاهية واقامة خارج العراق وهذا مايفسر تكالب المسؤولين كبارا وصغارا على التوسط لتعيين اقاربهم في هذا الميدان.

نظام المحاصصة الذي لازم العملية السياسية منذ ولادتها عام 2003 ترك ومازال اثارا سلبية للغاية على المؤسسات الحكومية الاتحادية والمحلية على حد سواء،فقد شاعت ثقافة التوافق الوظيفي بين الاحزاب والكتل السياسية وتفشت هذه الثقافة الغريبة داخل هذه المنظومات السياسية،فبدا الحديث عن محاصصة مناطقية وعشائرية ثم عائلية،ولعل الخلافات الذي ظهرت الى السطح داخل القائمة العراقية حول تعيين مفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات بسبب استئثار مدينة دون أخرى بمثل هذه الوظائف المرموقة،هذا الخلاف يمثل غيضا من فيض مما يدور من خلافات غير معلنة داخل الأحزاب والكتل السياسية حول تقاسم الوظائف الحكومية المرموقة.

في عهد النظام الدكتاتوري السابق كانت التعيينات تجري وفق اعتبارات مناطقية وحزبية، ومن هنا كان المسؤولون الكبار والموظفون المرموقون في الدولة غالبا ما ينحدرون من منطقة محددة،بينما يتم منح بعض الوظائف الحكومية للمتزلفين ايضا لاعتبارات حزبية الامر الذي أفقد الوظيفة العامة هيبتها،وبعد سقوط ذلك النظام ظلت الوظيفة الحكومية للاسف تخضع لمعايير غير عادلة في الاختيار وأكثر ايلاما للمواطن الذي كان ينشد العدالة،فبات يشاهد كيف يتم تقاسم الوظائف الحكومية بين الاحزاب والكتل السياسية الفائزة في الانتخابات وبالتالي بروز ظاهرة احتكار اقارب المسؤولين للوظائف الحكومية ولاسيما المرموقة منها وأبرزها الوظائف في السلك الدبلوماسي.

وفي مناسبة حضرتها قبل اعوام قليلة استمعت الى حديث بين أثنين من المسؤولين من الصف الثاني في حزبين كبيرين،كانا يتداولان في موضوع تقاسم الوظائف الحكومية المرموقة،شكا أحدهم: لم نحصل على حصة جيدة في المناصب الوزارية،فرد الآخر: لكنكم حصلتم على الكثير من وكلاء الوزارات والسفراء والقناصل والمدراء العامين وعمداء الكليات. وقد طرحا تفاصيل كثيرة حول كيفية تقاسم السلطات. كانت فرصة ثمينة بالنسبة لي بوصفي مواطنا لاينتمي الى الطبقة الحاكمة للتعرف عن قرب على هذه الاسرار من مصادرها،كنت اقرأ الكثير عنها بعين المتشكك بسبب كثرة ماينشر من معلومات غير دقيقة واحيانا مفبركة،حاولت التظاهر وكأني مطلع على هذه التفاصيل لكن في الوقت نفسه حاولت الحصول على بعض المعلومات التي كنت أجهلها،مثلا حول صلة القرابة بين هذا المسؤول أو ذاك،ومن هو الذي دفع فلانا او علانا ليكون بين ليلة وضحاها وكيل وزير او مديرا عاما او سفيرا او قنصلا،معلومات مخيبة للآمال جعلتني اتساءل عن جدوى التغيير الذي حصل في العراق،اذا كنا نستبدل طبقة حاكمة صغيرة تشكلت وفقا لمعايير عائلية ومناطقية وحزبية بطبقة أخرى وان كانت تشمل عددا اكبر من العوائل والاحزاب وربما المناطق.

هناك طبقة حاكمة تتشكل ملامحها في العراق منذ العام 2003 وفقا لمعطيات حزبية وعائلية،واذا استمر توزيع الوظائف الحكومية المرموقة على اقارب المسؤولين فسوف يتشكل نوع من التحالف الضمني القائم على المصلحة المشتركة وتصبح الخدمة العامة حكرا على طبقة أجتماعية بعينها،طبقة بدأت تتشكل ملامحها وتشمل عوائل المسؤولين وأقاربهم،طبقة متنفذه وحديثة النعمة تتمتع اليوم بنصيب وافر من السلطة والثروة،الامر الذي يمكنها من ترسيخ وجودها ونفوذها السياسي والاقتصادي،بالتالي يصبح دخول المواطن العادي الى ميدان الخدمة المدنية العامة صعبا او هامشيا.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.