اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

متى يكون الجنوح للسلم حكمة ومتى يكون خطراً؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

متى يكون الجنوح للسلم حكمة ومتى يكون خطراً؟

صائب خليل

20 آب 2017

 

السلام هو العلاقة الطبيعية بين الكائنات الحية. فرغم ان الحياة لا تخلو من الصراع، إلا انه الحالة النشاز التي لا تلجأ إليها الكائنات إلا للضرورة. فالصراع مكلف، حتى للمنتصرين احياناً. ورغم ذلك فيمكننا أن نلاحظ بوضوح أن هذه الكائنات عندما تلتقي بخصم لها، لا تبادله الابتسام، بل تكشر عن انيابها تحذيرا وتهديداً، وتلك هي حكمة الله للحفاظ عليها (إن كنت مؤمناً) أو حكمة الطبيعة التي مكنتها أن تبقى على قيد الحياة لملايين السنين (إن لم تكن مؤمنا). فإن كان السلام هو الاستراتيجية الأقل كلفة فلماذا الصراع إذن، ومتى يكون الصراع اقل كلفة من السلام؟

لنعرف هذا يجب ان نفهم نوع العلاقة بين الطرفين. نوع الخصومة.. ان نعرف ما الذي يريده المقابل منا.. 

إذا التقى قطان في الطريق، و"كخ" أحدهما بوجه الآخر، فربما يكون الأول خائفا على اطفاله أو على منطقته. في هذه الحالة يمكن للقط الآخر بكل بساطة ان يطمئنه بأن "يجنح للسلم" فيدير رأسه بعيدا ويغير اتجاه سيره قليلا لتحل المشكلة بدون اية خسائر لأي طرف. وسيكون أحمقاً إن كشر الآخر عن انيابه وهجم على الأول دون ان يفهم ما كان يريد.

لكن، ما هو رد الفعل المناسب للقط الجالس في بيته، حين يأتيه كلب معروف بعدوانيته؟ كلنا نعرف الجواب: سيكشر عن انيابه (حتى لو كانت صغيرة) ويظهر مخالبه ويحاول ان يقوس ظهره ليظهر أكبر من حجمه، محذراً: إن اقتربت فستدفع ثمناً مؤلماً! ولو تخيلنا قطاً يدير رأسه، أو يظهر اللطف مع كلب ينوي العدوان عليه، أو يتركه يقترب منه أكثر من اللازم فسيكون قطاً أبلها بلا شك. وأنا لم اسمع بقط يتصرف بهذه الحماقة. فهذا الدرس مكرر ملايين المرات، حتى صار جزء من الوراثة تمارسه حتى القطط الصغيرة.

 

لماذا لا يوجد مثل هذا القط؟ لأنه إن كان موجوداً، فلا بد أنه قد انقرض! ليس الموضوع "كرامة" القط، بل لأنه التصرف الأكثر أماناً وضرورة من ضرورات البقاء على قيد الحياة. القطط تعلم بشكل جيد وواضح، ان مثل هذا الكلب ليس بحاجة إلى اللطف، ولن يأبه به، لكنه ككل المخلوقات، يسعى إلى تجنب الألم لذلك يجب ان نهدده به. وهذا ما تستخدمه القطط، وكل الحيوانات التي تواجه أخرى أكبر منها وأكثر قوة. فحكمة "عرض الأنياب" حكمة قديمة واستراتيجية فعالة.

ويجب ان ننتبه هنا إلى أن عرض الأنياب والتهديد، ليس في الحقيقة دعوة للصراع، بل ردع له! بينما قد تفهم "الابتسامة" التي في غير محلها، على أنها مؤشر ضعف أو بلاهة، فتكون بهذا إغراء بالعدوان ودعوة له. وبالتالي فإن عرض الأنياب في تلك الحالات، هي الاستراتيجية "الأكثر سلمية" وفعالية في تجنب الصراع.

 

الأمر صحيح تماما في السياسة وبين الدول. لا أحد يصدق ان أميركا ستضرب كوريا الشمالية، ليس لأن كوريا الشمالية لطيفة وتبتسم، إنما لأنها تكشر عن قنبلتها الذرية. كوريا الجنوبية شعبا وحكومة اليوم ضد تحرشات ترامب بجارتهم الخطرة، ولذلك فهم يعتبرون أميركا هي الخطر الذي يهددهم من خلال عدوا نيتها بالتحرش بجارهم. ولو لم تكن لكوريا الشمالية انياب لما اهتمت بها جارتها، بل ربما سعدت بضربها.

لهذا السبب قامت إسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي، رغم ان العراق كان في تلك اللحظة ينفذ خططها بتدمير نفسه وإيران. فهي تحسب ان القنبلة الذرية إن امتلكها العراق، فستكون له انياب مستقبلا وقد يستعملها للدفاع عن نفسه. ولنفس السبب قلبت اميركا الدنيا مع إسرائيل لكي تمنع إيران من تصنيع قنبلتها الذرية، رغم انها لن تساوي إلا قطرة في بحر السلاح النووي الأمريكي والإسرائيلي، ولن تستطيع إيران أن تبادر بضرب أي منهما به في أي حال من الأحوال، مثلما لا يمكن ان نتخيل قطاً صغيرا يهاجم كلبا كبيراً لا يتحرش به. لقد كان الهدف هو ان لا تمتلك إيران انيابا ومخالبا تستطيع ان تدافع بها عن نفسها، او وتهدد بالدفاع بها عن نفسها. لكن حكومة التجار التي يرأسها روحاني أضاعت كل التضحيات وأذعنت لمنعها من امتلاك انياب الدفاع والتهديد. ومع ذلك، وسواء كان تقدير هذا صحيحا أو خطأً، فقد استفادت إيران بعض الشيء من تلك "الأنياب" التي لم تكتمل، واستطاعت بفضلها تخفيف الحصار عنها. فحتى التهديد بإمكانية بناء قنبلة ذرية، هي انياب أبعدت "الكلب" المتوحش عنها، ولو لحين.

والعلاقة بين لبنان وإسرائيل مثال آخر لتلك الانياب. فبعد ان أثبتت لبنان أن لها أنيابا وهزمت إسرائيل في حروبها الأخيرة، وباعتراف قادتها، صار هؤلاء يتجنبون التحرش بها. إنهم لم يفعلوا ذلك حين كانت مسالمة "مبتسمة"، لا تشكل خطراً عليهم. لقد كان ضعف لبنان عام 1982 "دعوة للحرب" في حقيقتها، بالنسبة لدولة عدوانية مثل إسرائيل، أما قوتها وتمكنها من "عض" إسرائيل عام 2000 فكانت "دعوة للسلام"، وعلى عكس التصور البسيط الذي لا يرى من الحقائق إلا ظواهرها.

 

على ضوء هذا، نتساءل: هل السياسة المناسبة من جانبنا تجاه السعودية هي اللطف والابتسامات والدعوة لعلاقات الأخوة والجوار والعروبة الجيدة؟ لأجل هذا يجب ان نفهم السعودية وما تريده منا. إنها "دولة" عدوانية بلا شك، تدخلت بأموالها دائما، وبقواتها أحيانا، للتسبب بالأذى لكل دول المنطقة (عدا إسرائيل). فهل كان موقفها العدائي خوفا من اعتداء عليها؟ هل أن موقفها العدواني من العراق، مجرد رد فعل على موقف عدائي مسبق بدأه العراق، وإن أزلناه ينتفي الداعي لديها للعدوان؟ هل كان الأمر كذلك تجاه اليمن؟ تجاه سوريا؟ تجاه لبنان؟ هل هناك دولة واحدة تحرشت بالسعودية قبل ان تتحرش السعودية بها؟ لا. لا توجد دولة واحدة فعلت ذلك. فالسعودية إذن لا تبحث عن السلام والعروبة والجوار الحسن، فالطريق إلى هذه مختلف تماما عما تفعله السعودية. ولماذا هي هكذا؟ لسبب بسيط، هو انها ليست "دولة حقيقية" رغم شكلها. إنها كانت دائما عبارة عن هراوة تضرب بها اميركا أعداءها، والآن تم ضم إسرائيل بشكل صريح إلى اسيادها الذين تقدم لهم نفسها كهراوة يضربون بها من يشاءون.

 

إن الفشل في رؤية حقيقة محتوى "السعودية" كهراوة، والإصرار على انها تتصرف بدافع "طائفي" أو تراث "وهابي"، خطأ خطير رغم إغرائه. ويتسبب هذا بالخطأ في القرارات بشأن العلاقة معها. فنحن يمكن مثلا أن نأمل بان نجعل دولة طائفية ما، ترى أن لها "مصلحة" لطائفتها في السلم معنا، لكن المجانين فقط هم من يتصورون أنهم يمكن ان يقنعوا هراوة بأن لها "مصلحة" معهم.

 

السعودية ليست دولة ليكون لها "مصالحها". ولو كانت كذلك لرأت ان تبديد الاف المليارات في حروب أميركا وبدون ان تبني طابوقة واحدة في مجتمعها، أمر مدمر لها، وأن شعبها سينفق فور انتهاء النفط. السعودية ليست حتى دولة يسلط الأمريكان عليها ضغطا شديدا يجبرها على التصرف بشكل لا مصلحة لها فيه، كما يفعل الأمريكان مع كل اصدقائهم أو الخاضعين لهم بدرجة او بأخرى، إنما هي استسلام تام وتنفيذ مباشر للأوامر. إن زيارة مسؤول أو رمز ديني عراقي وملاطفته لحكام السعودية، ومهما يقدم لها من تنازلات، فلا يمكن ان تكون ذات قيمة للسعودية أكثر من الاف المليارات التي أصرت على دفعها حين تبنت تلك الأهداف، ومن يعتقد أنها يمكن ان تتنازل عنها مقابل مجاملات لا قيمة لها وهي المستعدة ان تدفع من اجل نسغ الحياة لشعبها وأمل مستقبله، فهو حالم يجب ان يتم إيقاظه من نومه قبل فوات الأوان.

 

لذلك فتصرفات السعودية، تصرفات لا ارادية، بل أوامر لا يمكن التأثير عليها من خلال ملاطفتها او بناء المصالح معها. وبما أن اميركا وإسرائيل تريد الدمار لهذه البلدان بلا استثناء وبشكل خاص العراق وسوريا، فأن السعودية ستعمل بهذا الاتجاه الذي يتم توجيهها إليه وبدون أن يؤثر عليها أي شيء إطلاقا، ولا تحيد عنه شعرة.

السعودية لم تكن تهين الشيعة وتكفرهم لان حكومتها "طائفية" حقا، وتفضل السنة على الشيعة، وهذا سهل الأثبات. فلم يقف السعوديون مع سنة العراق او سنة فلسطين بأي شكل كان، بل كانوا يختارون السنة التابعين لأميركا وإسرائيل لخدمتهم! وإن تغيرت إحدى الدول وصارت ذيلا لإسرائيل، فستكون السعودية "صديقا" لها فوراً، بغض النظر عن مذهبها وقوميتها. وعندما كانت إيران في ذات الخندق، كانت السعودية تتزلفها وتبجلها. لذلك يجب التوقف عن اجترار الوهم بأن السعودية طائفية وأنها تريد إبادة الشيعة أو حتى إيران.. السعودية لا تريد شيئا، لأنها ببساطة ليست شيئا له إرادة.

 

طيب، لنقل أنها لن تستجيب لنا، ما المشكلة في ان نحاول؟ هل هناك خسارة في المحاولة؟ نعم هناك خسارة كبيرة، بل مخاطرة كبيرة جداً. فأنت حين تلاطف أحداً، ستضطر إلى ان تدخله بيتك، فتمنحه قدرات إضافية للتصرف وتمرير خططه بشكل أكثر فعالية. لقد اكتشفت الأنظمة اليسارية التي جاءت الى الحكم في دول أميركا الجنوبية، أن مجاملة أميركا ومحاولة إبقاء العلاقة معها، أكثر خطورة بكثير من إغضابها بشكل كامل وصريح. ومن الأنظمة اليسارية التي وصلت الى السلطة في بلادها، سواء تلك التي جاءت بالثورة أو بالانتخابات، تمكن من البقاء في الحكم من سارع إلى طرد السفارة الأمريكية، أكثر بكثير من تلك التي تركتها في محاولة "ابتسامة" لتهدئة أميركا وتخفيف عدوانها.

هل لوجود سفارة أو قنصلية معادية كل تلك الأهمية والخطر؟ نعم.. فحين كانت اميركا تتآمر مع إسرائيل سرا على الربيع العربي، بادرت أولاً بإعادة العلاقة الدبلوماسية الأمريكية مع سوريا لتضع متآمراً في منصب السفير الأمريكي، ليقوم هذا بدور تحريضي مهم. وتعلمت الثورة الإيرانية درساً بليغاً مما أصاب مصدق من السفارتين الأمريكية والبريطانية، فكان اول عمل قامت به هو محاصرة وإغلاق السفارتين، بل قامت باعتقال أعضاء السفارة الأمريكية كرهائن لتضمن عدم تآمر أميركا عليها إلى ان تستقر.

 

إن لنا احلامنا بالسلام والعيش بأمان ونتخيل أن الباقين يجب ان يكونوا مثلنا وأن يفهمونا. لكن لأميركا ولإسرائيل، أهدافا أخرى، ليس فقط في المنطقة، بل في كل العالم، وهي ليست مستعدة لتغييرها مقابل "الصداقة" و "العلاقات الودية" وهذه العبارات التي تراها فارغة، وهي بالفعل فارغة بالنسبة لأهدافها. وبالنسبة لإسرائيل فان أهدافها تدميرية بالكامل لهذه البلدان، وستستخدم كل أدواتها لتنفيذها، وستطيعها هذه الأدوات، ومن ضمنها السعودية. هذه الأدوات ليست مستعدة للتخلي عن مهمتها مقابل ابتسامات عراقية ساذجة وتصورات سطحية مبسطة.

 

إن "السلم" أمر خطير حين لا يكون مدروساً. إنه يرخي الانتباه ويخفض السلاح، فإن جاء قبل الأوان كان قاتلا. لقد حصلت مصر من الدمار من إعلانها السلم، أضعاف ما كانت تخسره من حالة الحرب، رغم ان شعبها كان يئن من الحرب. وما لم تستطع الحرب تدميره في الشعب المصري، تمكن منه السلم تماما. وما خسره الشعب الفلسطيني من اتفاقيات "السلام" المزيف، أضعاف ما كن يخسره من حالة الحرب. ولو أن اهل الموصل كان لهم الإرادة اللازمة وتمكنوا من تنظيم أنفسهم لقتال داعش، لربما لم يقتل ألف منهم، أما "الاستسلام" الذي تجنبوا به هذه الحرب، فكلفهم أربعين ألفاً من القتلى وأكثر منهم من الجرحى وشعب محطم نفسياً ومدينة مدمرة ومستقبل ضائع، فأيهما أشد وحشية من الآخر، ومن أيهما يجب ان يخشى المرء أكثر من الثاني؟ الحرب أم السلام الخطأ؟

 

ويكون "السلم" الخاطئ التوقيت، خطيراً بشكل خاص، عندما يكون لك شركاء، إن لم تتفق معهم مسبقاً وتوحدوا موقفكم. فإعلانك السلم منفرداً يقوم كأول خطوة وقبل كل شيء، بتحطيم شراكتك تلك. وهذا يترك شركائك مكشوفين للعدو وضعفاء، ويتركك مكشوفا بلا شركاء. فاحتلال لبنان لم يحدث إلا بعد ان وقعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل. فدفع شركاء مصر ثمن ذلك السلام، ثم دفعت مصر ثمنه بعد ذلك. وانا اكتب هذه السطور الأخيرة، تتوالى أخبار انتصارات سوريا على دواعش إسرائيل، وتثبت مثلما اثبتت لبنان قبلها، أن "ثمن المقاومة اقل بكثير من ثمن الاستسلام". وبالصدفة أيضاً تمر اليوم الذكرى الـ 24 لتوقيع اتفاقية أوسلو للسلام، والتي تسببت من الدمار للشعب الفلسطيني ما لم تسببه أية حرب.

 

إن التعب والإرهاق من الصراع والرغبة بالحياة الطبيعية الخالية من التوتر، تغري باستعجال السلام ومصافحة العدو وهراواته وذيوله. لكن ما لا يدركه المتعب المشتاق للراحة، هو أن تلك المسافة مع العدو، والتي يتخلى عنها بتوقيعه السلام، كانت تحميه كالدرع وتخفف الضربات عنه. ومن يخفض درعه قبل الأوان، بخديعة أو لتعب، يكشف صدره عارياً لرماح الغدر. كلنا متعبون ونشتاق السلام لكننا يجب ان نتذكر إن "إعلان السلم" قبل أوانه، أكثر خطورة وأكبر كلفة من إعلان الحرب أحيانا.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.