كـتـاب ألموقع

الزحف القاري للسياسات الدولية// محمد عارف

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: محمد عارف

تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 13 آذار/مارس 2015 19:47

كتب بواسطة: محمد عارف

الزيارات: 1577

الزحف القاري للسياسات الدولية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

خلال عشر سنوات الأخيرة غيّرت خطوط طيران دول الخليج حركة السفر الجوية العالمية، إنها تطير حالياً إلى بلدان حول العالم أكثر من الخطوط الجوية للولايات المتحدة، وتنقل مسافرين أكثر منها. ردود أفعال كبرى شركات الطيران الأميركية «دلتا» بلغت حدوداً هزلية عندما اتهمت شركات الطيران الخليجية بالتآمر مع «القاعدة»! والهزل هروب، ليس من الحقيقة بل من اليأس. ويأس «دلتا» أعمق ممّا يراه خبراء الطيران في تقاعسها عن تطوير أعمالها وخدماتها. فالزحف القاري للاقتصادات والسياسات الدولية يُحدث تغيرات زلزالية حول العالم، ويعيد تشكيل علاقات القوة العالمية. والصناعات كالدول تضطرب في خضّم انتقال مركز الثقل العالمي القائم منذ قرون في شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، وعلى امتداد خطوط التماس تعصف الفوالق الزلزالية بالاقتصادات والبلدان.

«عقد التغيرات الزلزالية»، عنوان تقرير إحدى أكبر شركات الحسابات العالمية «بي سي دبليو»، وفيه ترصد تغيّر ميزان القوة الاقتصادية العالمية، وتتابع لحاق وتجاوز مجموعة البلدان السبعة النامية الصاعدة مجموعة السبعة المتطورة الغنية. فإجمالي المنتوج المحلي للسبعة الصاعدة، الصين والهند والبرازيل وروسيا والمكسيك وإندونيسيا وتركيا، سيقارب عام 2019 إجمالي منتوج السبعة الغنية. ولن يستمر التقارب طويلا حتى تصبح قوة نمو مجموعة النامية الصاعدة أكبر بكثير. وفي عام 2030 سيزيد مجموع المنتوج المحلي لـ«السبعة الصاعدة» بنسبة 30٪ عن «مجموعة السبعة» الغنية، وتصبح الصين أكبر قوة اقتصادية في العالم، وبعدها بمسافة بعيدة تأتي الولايات المتحدة، تليها الهند واليابان والبرازيل وروسيا وألمانيا والمكسيك وفرنسا وبريطانيا.

والمثل الصيني يقول: «لا تبحث عن الحمار الذي تمتطيه». وخبراء السياسة يبحثون الآن عن «الجيوسياسة» التي نشأت مطلع القرن الماضي، وعادت للظهور عقب عودة مخاطر الحرب الباردة. هذا موضوع بحث «والتر ميد»، أستاذ الشؤون الدولية في كلية «بارد» بنيويورك، والذي يعتبر استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، ونزاع الصين واليابان على المياه الساحلية، ومحاولة إيران السيطرة على الشرق الأوسط.. مؤشرات على عودة لعبة القوة إلى العلاقات الدولية. و«الجيوسياسة وهم» عنوان تعليق معاكس قدمه جون آيكنبري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة «برنستن»، واعتبر النزاعات القائمة مجرد أدلة على ضعف أنظمة هذه الدول.

والحقيقة أن على «الجيوسياسة» أن تصبح «جيولوسياسة». فالجغرافية السياسية التي تشكل أساس «الجيوسياسة» تهتم بدراسة آثار مناخ الدول، ومساحتها، وأراضيها الزراعية، وموقعها من البحار، وغير ذلك من مقومات ثابتة. واليوم تتغير المقومات الثابتة لدول العالم، بما في ذلك مناخها، وتتغير حركة التغير نفسها، آلية سيرورتها «الجيولوجية» التي تتحرك زاحفة كالكتل القارية تحت سطح العالم، وعلى تخومها تمتد الفوالق الزلزالية الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية، وفي مواقع الاحتكاك الضيقة بينها تتفجر الزلازل.

والباحثون الاقتصاديون أقرب من الباحثين السياسيين لمتابعة التغيرات، لأنهم يتعاملون بأدوات قياس علمية. «التحولات الزلزالية التي تغير عالمنا» عنوان بحث بيتر سوليفان، رئيس «قسم استراتيجيات الأسهم» في بنك «إتش إس بي سي»، وفيه يذكر أن أكثر التغيرات تحدث عندما تقع تغيرات كارثية تقلب توازن القوى القائم. و«العديد من التغيرات تحولات زلزالية مصدرها ليس الحركة التكتونية للصفائح القارية، كتحطيم شركات صناعة معينة إحداها الأخرى، بل من زلزال يحرك المنظر بالكامل». ويرى سوليفان «حدوث التحولات الزلزالية اليوم بسرعة أكبر من المعتاد، بسبب الأزمة المالية العالمية، وانفجار الإبداعات التقنية».

و«الشمس نفسها التي تذيب الشمع تُصّلبُ الطين»، حسب الحكمة الأفريقية. وهذه مفارقة نمو السكان في أفريقيا بسبب تقدم الرعاية الصحية، وانخفاض وفيات الأطفال، ويقابلها تناقص معدلات اليد العاملة في الغرب، بسبب تزايد معدلات المتقدمين بالسن. يفسر هذا ما نشهده يومياً من حوادث غرق زوارق المهاجرين في البحر المتوسط، إنه زحف قاري لن يتوقف. و«مع أن التغيرات الديمغرافية قابلة للتنبؤ، بسبب بطء وتائر حدوثها فإن اللايقين الذي يكتنف هذه التطورات كبير جداً، فلم يحدث قط في تاريخ البشرية أن قلّصت خيارات الأفراد للإنجاب عدد السكان لفترات طويلة». هذه حصيلة مؤتمر «الصندوق الاحتياطي الفيدرالي» ببوسطن، وعنوانه «التحولات الزلزالية: الآثار الاقتصادية للتغيرات الديمغرافية».

• < السابق