اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يا لثارات العراقيين! // محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

يا لثارات العراقيين!

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«الانقلاب» عنوان مسرحية كتبتُها عن انقلاب عام 1963 ضد ثورة تموز عام 1958 في العراق. لم تُنشر، ولم تُمّثلُ المسرحية التي تصور عراقيين مقيمين في مدينة أوروبية يناهضون الانقلاب. قرأت مقاطع منها فقط في سهرة منزلية، حضرها المخرج العراقي الراحل قاسم محمد. وعندما غادرتُ بغداد عام 1978 حملتُ مخطوطتها معي بعد أن شَطَبتُ عبارات تذكر اسم حزب «البعث»، الذي لعب دوراً رئيسياً في الانقلاب، خشية وقوعها بيد المفتشين في المطار. وتَنّقلت المخطوطة معي عبر العالم منذ ذلك الحين.

وعُدتُ أخيراً أتصفحها بمناسبة صدور كتاب «وصفي طاهر رجل من العراق». أعدّ الكتاب الناشر العراقي رواء الجصاني، ونضال، ابنة وصفي طاهر، وتضمّن حسب عنوانه الثانوي «وقائع وشهادات عن التهيئة لثورة 14 تموز 1958 ونجاحها، واغتيالها». و«طاهر» ابن عمي، وأحد قادة ثورة تموز، قُتل وهو يقاوم الانقلاب داخل مبنى وزارة الدفاع، وهو عسكري فريد من نوعه، التحق بمجاهدي فلسطين في حرب عام 1948، وفي مكتبته الشخصية قرأتُ عيون الأدب العالمي، وعلّمني كيف أصغي للموسيقى الكلاسيكية العالمية، وأغني وقت الخطر. وغنّينا معاً، من دون أن أعرف المناسبة، المعروفة الآن تاريخياً، وتتعلق بوشاية أحد «الضباط الأحرار». وكان «طاهر» يتوقع الاعتقال كل لحظة، وانقطع عن أمسيات النادي العسكري، فَتَمَتعنا في المنزل بوجبات النادي الشهية، والغناء. كنا نردد «طقطوقة» أم كلثوم المرحة: «قولي يا عالم بالأشواق الحب حلو ولا حراق»، ويسألنا: «الحُبْ، الحُبْ، الحُبْ؟». ونجيب: «آآآ». فيقول: «الحب حلاوته بالقنطار يدوقوا منها كبار وصغار يا حلاوته. حلاوه تطوِّل في الاعمار إذا ما يكونش وراها فراق». وأتصور مخبري «المخابرات العسكرية» المرابطين أمام المنزل يرددون معنا: «يا حلاوته»!

و«طاهر» الشخصية الحاضرة الغائبة في مسرحية «الانقلاب». وكما يحدث عندما أقرأ عملاً فنياً كتبته منذ فترة طويلة، أشعر بحنان أبوي نحو كاتبها، الذي هو أنا، وأتابع بإعجاب مهاراته: «يا ملعون!». وهذه المرة باغتتني نوبة بكاء طويلة، كما لو كنتُ التقيتُ أشخاصَ المسرحية: «علي» الطالب في جامعة المدينة الأوروبية، الذي أصيب بانهيار عصبي منذ أذيع نبأ قتل الانقلابيين أخيه، وزميلته السورية «نوال» تلاحقه طوال الوقت خشية أن ينتحر. وفؤاد، وهو أديب، ومدرس عراقي يعمل في جامعة المدينة، كان بعيداً عن السياسة، لكن «الانقلاب» جعله من قادة حركة مناهضته في أوروبا، وزوجته الأوروبية «ليزا» التي كانت قد تركته، وعادت لتشارك في نشاطاته ضد الانقلاب. وعلاء، صديق فؤاد، وهو طبيب شيوعي سابق، كان في طريقه إلى العراق عندما وقع الانقلاب، فمكث في منزل فؤاد، يسُّب الشيوعيين العراقيين طوال الوقت، لأنهم لم يستولوا على الحكم!

«إنه الليل، وضباب كثيف، لا يُرى من خلاله سوى السياج الحجري، وفي أقصى طرفه الأيسر سُلّم ينحدر نحو النهر». هذا منظر مشهد في المسرحية يظهر فيه «علي» يُعنِّف «نوال» التي تتبعه على مسافة، ويسألها لماذا تلاحقه. تخبره بأنها جلبت له معطفاً فدرجة الحرارة منخفضة. «وأنت تسير بدون معطف وعاري الرأس أيضاً». ويصل الحوار المشحون بينهما الذروة، فيخطف منها المعطف ويرميه في النهر. نوال: «لماذا صرتَ تكرهني؟». علي: «لا أكرهك». نوال: «لا. أنت تكرهني». ويطلب منها أن تتصوره ميتاً كأخيه، الذي نشرت الصحف العالمية صورة جسده مثقباً بالرصاص. تقول نوال: «لا. لا أريد أن أتصور ذلك». يعتلي السياج الحجري ويقول: «حسناً سأجعلك تتصورين»، ويقفز نحو النهر، وتعتلي «نوال» السياج صارخة وتقفز وراءه. صوت «علي» من وراء السياج: «لا تخافي.. لا تخافي. نوال هاتِ يدك لا تصرخي. ليس الماء عميقاً هنا».

لماذا لم أنشر المسرحية، التي عشت حرفياً تقريباً تفاصيلها؟.. لا أدري. لعل السبب نفور وصفي طاهر من مشاعر الثأر والانتقام، التي حوّلت بلدنا من تسجيل الرقم القياسي في إنشاء الحضارات العالمية، إلى تسجيل الرقم القياسي العالمي في الثارات. يالثارات الثارات يا عراق!

تاريخ النشر: الخميس 09 يوليو 2015

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.