اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

نكران جميل اليونان// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

نكران جميل اليونان

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني مثخن بالجراح وما أزال أقف على قدمي». قال ذلك بطل رواية «زوربا اليوناني»، وهذا تقريباً ما قاله رئيس وزراء اليونان «تسيبراس» في ختام مفاوضات استغرقت ستة شهور، وسهرة حتى صباح الاثنين الماضي، حين أعلن موافقته على صفقة قرض من أوروبا قيمته 86 مليار يورو خلال ثلاث سنوات، يذهب نصفه لسداد ديون اليونان للمقرضين، فيما يخصص النصف الآخر لتشغيل المصارف اليونانية المشرفة على الإفلاس. مقابل ذلك تقوم اليونان بتنفيذ برامج تقشف تشمل خفض التقاعد، والنفقات الاجتماعية، وفرض ضرائب إضافية على المشتريات الاستهلاكية، وإنشاء «صندوق الأصول» الذي يضم موجودات اليونان، كالخدمات العامة للكهرباء، والماء، والاتصالات، والموانئ، والتي تُخَصخَصُ، أو تُديرها المجموعة الأوربية. واشترطت اليونان، مقابل ما يبدو بيع ملكية الدولة اليونانية، أن يكون مقر الصندوق في أثينا، وليس عاصمة الوحدة الأوروبية «بروكسيل».

 

والطريق «المفخخ» لبلوغ الاتفاق قد يكون أكثر أماناً من تحقيقه، ولا ضمانة فيه سوى تمسك اليونانيين والأوربيين ببقاء اليونان ضمن الوحدة الأوروبية. وأول المؤشرات على ذلك لا تبدو مُبشرة بالنسبة للحزب الحاكم نفسه، الذي فاز بالانتخابات لمعارضته التقشف، وتضامن معه آلاف المتظاهرين في العواصم الغربية، بما فيها برلين المتشددة، ووقف معه -وبعاطفة مشبوبة- علماء اقتصاد بارزون، بينهم بول كروجمان الحاصل على «نوبل»، والذي كرس مقالات عدة تنطق عناوينها: «أوقفوا نزف اليونان»، و«اليونان على حافة الهاوية»، وذكر في مقالة «الحساب الرياضي للتقشف» أن «عملة اليورو كانت خطئاً فادحاً منذ البداية، فأوروبا لم تملك قط الظروف الأولية لعملة موحدة ناجحة، وذلك قبل كل شيء لعدم توفر نوع من النظام المالي والمصرفي، الذي يضمن على سبيل المثال، عندما تنفجر فقاعة العقارات في فلوريدا أن تبادر واشنطن أتوماتيكياً لحماية المسنين ضد المخاطر على رعايتهم الصحية، أو مدخراتهم المصرفية». وبرهن كروجمان حسابياً أن التقشف بنسبة 2% يؤدي، بسبب قلة الضرائب إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 3%.

 

والمفارقة الساخرة هي تصّدى حكومة اليسار لتحقيق برنامج يميني عجز اليمين عن تحقيقه. وقد احتاج اليسار اليوناني الحاكم إلى فلسفة أرسطو للتوفيق بين تصويت أكثر من 60% من اليونانيين في الاستفتاء ضد برنامج التقشف، والذي يعني الخروج من الوحدة الأوروبية، وتصويتهم بنسبة أكثر من 70% لمصلحة البقاء في أوروبا. وهي حسب أرسطو «علامة الدماغ المثقف أن يكون قادراً على التعامل مع فكرة من دون أن يتبناها».

 

وبقي لليسار اليوناني الراديكالي ما بقي لزوربا «قليلٌ من الأشياء وكثيرٌ من القلب». ونعمة القلب بادية على وزير المالية المستقيل، يانيس فاروفاكس، الذي تغيب عن جلسة البرلمان عند التصويت على قبول برنامج التقشف الأوروبي، ووصفت تغريدته في مدونته وضعه خلال خمسة شهور من المفاوضات بأنه «ماركسي تائه وسط الأزمة الأوروبية البغيضة». واليسار الراديكالي يعتقد أن أثينا لم تَسقط في الديون، بل أُسقطت، كما أُسقطت قبلها أيسلندا وأيرلندا والبرتغال وإيطاليا، وبلدان آسيا وأفريقيا الغارقة بالديون. ويُحمِّلُ اليسار «مافيا وول ستريت» ورأس المال العالمي مسؤولية الأزمة الاقتصادية عام 2008، التي صنعتها قروض عقارات بالملايين دون حساب أو شروط، وبيعت سنداتها الضامنة «مفخخات» إلى صناديق التقاعد والاستثمارات حول العالم، والتي أفلست عند انفجار فقاعة العقارات.

 

وأوجع قلبي مُسِّنٌ يوناني متظاهر قال لمراسل «يورونيوز» في أثينا: «اليونان كانت أوروبية قبل أن تكون هناك أوروبا». ويعرف كل دارس لتاريخ الحضارات عمق انتساب أوروبا والغرب للحضارة اليونانية. و«أسلم وصف شامل لتراث أوروبا الفلسفي أنه يتكون من هوامش على أفلاطون»، قال ذلك عالم الرياضيات ألفرد وايتهيد، الذي يعدُ من أبرز فلاسفة القرن العشرين. ويرينا نكران أوروبا لجميل اليونان كم كان أفلاطون مصيباً عندما قال قبل نحو 2500 عام عبارته المفارقة أن «الدكتاتورية تنبعث بشكل طبيعي من الديمقراطية، وأكثر أشكال الدكتاتورية والعبودية طغياناً ينبع من الليبرالية المتطرفة جداً»!

 

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.