اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الهروب إلى بطرسبرغ// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الهروب إلى بطرسبرغ

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«الطير الأسود الصغير» عنوان قصة قصيرة كتبتها خلال دراستي الجامعية في مدينة «لينينغراد» التي أصبح اسمها «بطرسبرغ». نُشرت القصة عام 1968 في مجلة «الآداب» اللبنانية، وتُستهلُ بالمقطع التالي: «لم تورق الأشجار بعد، لكن خضرة خفيفة تشع من صف الأشجار الطويل في الأسفل. كان العراقي يتطلع من نافذة غرفته ويفكر بأنها ستورق كلها في أقل من أسبوعين. كان الشيء نفسه يحدث في أي مدينة عاش فيها في أوروبا. وكان يدهش دائماً للسرعة التي تخضر بها الأشجار، ما إن يرفع رأسه حتى يجد الأشجار ازدحمت بالبراعم، وبدأت تورق.. ويحل فصل جديد آخر، وتتوالى الفصول: وارسو.. فيينا.. براغ.. برلين: الأشجار تبرعم وتورق وتيبس، لتعود تورق من جديد».

 

والآن أنا في «بطرسبرغ»، والعراقي الذي كنته لا يزال معي، على الرغم من كل ما حدث لكلينا، والمدينة لا تزال روسية، على الرغم من تبدل اسمها، والمناسبة التي جمعتنا عراقية روسية لا فكاك لها، وهي أول معرض استعادي في روسيا للمعمارية زهاء حديد. يضم المعرض نماذج من أعمالها في استكشاف الفن الطليعي الروسي على مدى أربعين عاماً. وخلاله، تقول زهاء: «أدركتُ كيف قامت العمارة الحديثة عبر الفن التجريدي، واكتشفتُ أن الحيّز المعماري نفسه يمكن أن يُحتوى، ويُطوى للحصول على الدينامية، والتعقيد من دون أن يفقد تماسكه، واستمراريته».

 

يُعقدُ المعرض في «القصر الشتوي»، وهو أكبر أجزاء «متحف الأرميتاج»، وكنتُ أقيم على ضفة نهر «النيفا» المقابلة له أثناء دراستي في جامعة «بطرسبرغ»، وكنتُ أعبره مشياً، عندما يتجمد النهر في الشتاء الروسي الطويل. كان العراق آنذاك، كما هو الآن، لا مهرب منه أو إليه. تروي ذلك خاتمة قصتي: «وأَخذَت الفتاة تزعق وراء ظهره.

 

التفت إليها: ماذا؟.. قالت: أسألك، هل هذه الصورة على الحائط هي الثور المجنح؟.. قال: أجل، الثور المجنح. وعاد يحدق عبر النافذة. قالت الفتاة: في بلاد ما بين النهرين ولدت أولى الحضارات في العالم. فكّر العراقي أنها لابد قرأت ذلك في المدرسة.

 

قالت الفتاة: وفي بغداد أنشئت في القرن الحادي عشر أولى الجامعات. سألها: أين قرأتِ ذلك؟ اقتربت منه، واتكأت على النافذة بجانبه. انتبه إلى أنها ارتدت ثيابها، وغيّرت لون الأحمر على شفتيها. سأل مرة أخرى: أين قرأتِ ذلك؟ قالت: في أحد الكتب. قال: ها.. أجل. والتفت برأسه نحو النافذة. سألته: أين تقع بغداد الآن؟ قال في العراق، إنها تقع دائماً في العراق. مالت بجسدها عليه، وقالت: لا. أعني في أي اتجاه تقع؟ قال: هه! لا أدري. أومأت: هناك؟ قال: لا أعرف. سألتْ : ربما هناك، باتجاه البيوت الخشبية؟ نفض ذراعها عنه، وقال: لا أعرف لا أعرف. قالت: كيف لا تعرف؟! قال: لا أعرف، إنها تقع في جهة ما على أي حال. أخذت يدا الفتاة تهتزان فوق حافة النافذة. وسمع صوت ضحكها المكتوم. ابتعدت عن النافذة، والتفّت وراء ظهره، وأخذت تضحك بصوت عالٍ، وألصقت وجهها بظهره، وهي تهتز من الضحك. التفت إليها: لماذا تضحكين؟! وأخذت تضرب الأرض بكعب حذائها وتضحك: أوه.. أوه، إنه لا يعرف! لا يعرف أين تقع بغداد! هئ.. هئ.. هئ.. هئ. وارتمت على السرير، وساقاها تهتزان فوق الأرض. قال لها: حسناً! أنا لا أعرف. أنا لا أعرف. هل تسمعينني؟ أنا لا أعرف أي شيء مطلقاً. مطلقاً. هل يضحكك هذا؟ سكنت قدماها فوق الأرض، وكفّت عن الضحك. لوّحت بكفها أمام وجهه، وقامت عن السرير. اتجهت نحو المنضدة، حَرّكت كرسياً بجانبها وقعدت. وتناولت من فوق المنضدة تفاحة، قرضتها بفمها، وقالت: لنذهب إلى المقهى إذن».

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.