اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أرض البشر السماوية// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

أرض البشر السماوية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«الآلة لا تعزل الإنسان عن مشاكل الطبيعة العظمى، بل تقحمه فيها بشكل أعمق». هكذا أَقحَمنا الروائي الفرنسي «أنطوان أكزوبري» قبل سبعة عقود في «قمة المناخ» التي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي في باريس، ولولا الطائرة التي تحلق بالوقود المستخرج من النفط لما أبدع «أكزوبري» كتابه «أرض البشر» الذي صور فيه كطيّار «الوجه الحقيقي للأرض». وأعظم عصر في الآلات، عصرنا، أقحمنا كما لم يفعل أي عصر آخر في مشاكل الطبيعة، المهددة بالاستهلاك المجاني للوقود الأحفوري، والذي تتراكم غازاته في جو الأرض، وترفع حرارتها، بما يعادل 400 ألف قنبلة نووية في حجم قنبلة هيروشيما تنفجر يومياً عبر الكرة الأرضية، حسب تقرير في القمة.

«قمة الأرض» في ريودي جينيرو عام 1992 أقرّت «الاتفاقية الإطارية لمكافحة تغير المناخ العالمي»، وكمشارك في مؤتمرات علمية مَهَدّت لها، وأعقبتها أتوقعُ معارك معقدة طويلة لتحقيق «قمة باريس» أهم قراراتها، وهو دفع مبلغ 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان النامية على تقليل تراكم الغازات الدفيئة أو التكيف معها، وخفض الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين، وفرض تفتيش صارم للتثبت من التزام الدول بكميات الغازات الدفيئة التي تطلقها. فلا توجد إلزامات قانونية لتحقيق ذلك، ولن يوافق عليها «مجلس الشيوخ» في الولايات المتحدة، والتي أهدرت ستة تريليونات دولار على حرب العراق، وهي حرب النفط التي شنتها جيوش وأساطيل «البنتاغون»، أكبر ملوث للكرة الأرضية بغازات الكربون.

ولا نجاح كفشل «قمة باريس»، فالقمة التي اعتبرها ممثلو 195 دولة مشاركة فيها «الانتصار التاريخي»، هي «الفشل الذريع» حسب المتظاهرين ضدها حول العالم، ومعظم المتظاهرين ولد خلال نحو ربع قرن من وضع «قمة ريو» اللغة والمفاهيم المستخدمة في اتفاقية «قمة باريس»، ومع أن الاتفاقية الجديدة، والمعنية بتغير مناخ الأرض، يستحيل علمياً وسياسياً وعملياً، عزلها عمَّا في الأرض والسماء من متغيرات بحثها العلماء خلال 17 عاماً من إدارة عالم الأحياء المصري مصطفى كمال طلبة «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» (يونيب). ومذكرات «طلبة»، التي يدونها في القاهرة، وهو في سن الـ95، دليل عمل لتحقيق اتفاقية «تغير المناخ»، فبالعلم والسياسة والمثابرة تحققت اتفاقيات «فيينا لحماية طبقة الأوزون»، و«بازل لنقل النفايات الخطرة عبر الحدود»، ووُضعت اتفاقات وبروتوكولات «حماية الغابات»، و«الصحارى»، و«المراعي»، وحتى «البحار»، و«الجبال»، والمستنقعات، وتُسمى «الأراضي الرطبة»، و«حماية الفضاء الخارجي من التلوث»، ومؤتمرات الطاقة البديلة.

والطبيعة «السماوية» لأعقد مشاكل الأرض جعلت الصين الشيوعية بوذية، وأعادت روسيا الشيوعية إلى أحضان الكنيسة الشرقية، وأدخلت في صلب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية أحدث المفاهيم العلمية والاجتماعية الخاصة بالمناخ والبيئة. «حول العناية بالبيت المشترك» عنوان رسالة في نحو 40 ألف كلمة دعا فيها البابا فرانسيس سكان الأرض قائلاً: «كُنْ مُسَبّحاً، يا سيِّدي، لأختنا وأمِّنا الأرض، التي تَحمِلُنا وتَحكمُنا وتُنِتجُ ثمارًا متنوِّعةً معَ زهورٍ ملوَّنة وأعشاب»، وأعلَنَت الرسالة البابوية «المناخ هو خيرٌ عامٌ للجميع ومن أجل الجميع. إنه على مستوى الكون، نظامٌ معقّد ومُتّصِلٌ بالكثير من الشروط الأساسية للحياة البشرية، وهناك إجماع علمي راسخٌ جداً يشير إلى أننا نواجه احتراراً مقلقاً للنظام المناخي».

وليس كالدين الإسلامي عقيدة سماوية معنية بالأرض، تتجلى في القرآن الكريم، كما في الآية: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»- سورة «البقرة».

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.