اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

زهاء حديد.. تحية وداع بالروسية// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

زهاء حديد.. تحية وداع بالروسية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

تَوَقَّفَ قلبُ المعمارية العراقية زهاء حديد، وهي في عزِّ الشباب، عن عمر يناهز 65 عاماً. ولو عاشت كأحبِّ معماريٍ لنفسها البرازيلي «أوسكار نيمير»، لصمَّمَت مثله في عمر 104 متحفا في عاصمة جديدة تنشئها لبلدها. والمادة الإعلامية الهائلة، المتعددة اللغات والوسائط، التي أطلقها رحيلها، تنبئ بالثورة القادمة، ليس في عمران بلدها فحسب، بل في نفوس أهلها أيضاً. لأنّ البنايات التي نُعمِّرها تُعمِّرنا. ومعمارُ روح وفكر زهاء من صنع بلدها، الذي أشاد مدن «أوروك» و«أريدو» و«بابل»، قبل ألفي عام من ظهور المدن في أي بلد آخر.

و«التجريدية»، «الإبداع الطلقْ»، «مبدعة ما لا مثيل له»، «وفاة ملكة المنحنى»، «الفاتحة الجسورة والمحبوبة»، و«سيدة العصر الرقمي».. بعض عناوين مقالات الصحف العالمية عنها، وملفات مصورة لنصبها المعمارية، وبرامج تلفزيونية تفرض علينا إعادة التفكير بالتصور التقليدي عن جاذبية المرأة وجمالها. فأشدّ ما يذهل في «زهاء» تألقها وانتصار جمال ونضارة ملامحها على الهرم. «زهاء» شهيدة الجمال، جمال المعمار والروح.

وأي تحية لمبدعة عربية أبهى من إطفاء أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أضواء جسر الشيخ زايد الذي صمّمَته «زهاء»، ودخلت به التاريخ كأول امرأة تبني جسراً في مهنة مقصورة على الرجال. وإطلاق اسم مؤسس الدولة على هذا الجسر أنهى وضع «الدخيلة» outsider، حسب تعبير «زهاء» نفسها، فـ«بريطانيا تقاضيني الضرائب كبريطانية، وتعاملني كأجنبية، وحكومات عربية تعتبرني أجنبية، وتعاملني كامرأة عربية».

ولم تنتصر امرأة عربية على الاضطهاد والدسائس الدولية، كزهاء التي عُرِفت حتى مطلع القرن الحالي كأشهر معمارية، لا بنايات لها في لندن. وكانت فضائح حرمانها من إنشاء بنايات فازت بها في المسابقات مادة لمقالاتي عنها مطلع التسعينيات في «الحياة» اللندنية، قبل أن ألتقيها. وسألتني «زهاء» عندما زرت أول مرة مكتبها شرق لندن عن سبب تجنبي لقاءها. قلتُ: «أخاف ما يقال عن لسانك اللاذع». سألت مُحتجةً: «من قال ذلك!». قلتُ: «النحات إسماعيل فتاح»، وانفجرنا بالضحك سوية، فمن يستحق اللسان اللاذع كهذا النحات العبقري الذي عمَّر بغداد بنصبه؟

وكما يحدث مع الشخصيات التاريخية، ستؤثر «زهاء» بعد رحيلها بقوة أكبر مما في حياتها. فبناياتها المشيدة حول العالم لا تغيب عنها الشمس، وبنايات تنتظر الإنشاء، في نيويورك، وطوكيو، والدوحة، والمنامة، وعمّان، والقاهرة، والرباط، وبغداد. وستكتشف الأجيال الجديدة الأبعاد السياسية والفلسفية لعمارتها، التي قامت بمغامرة لا مثيل لها في تاريخ الفكر والفن والسياسة، وأحيت عمارة «ثورة أكتوبر» الروسية التي اضطهدها حتى النظام السوفييتي.

ولم أدرِ أن بحثي عن «زهاء» بالروسية، في نحو ألفي كلمة سيكون تحية الوداع. نشرت البحث مدونة «آرك سبيتش» Arch Speech بموسكو، مع مقالات عنها لكبار المنظرين العالميين، بينهم شريك مكتبها الألماني «باتريك شوماخر». وعندما شَكَت «زهاء» في آخر رسالة بالموبايل قبل أسبوعين من رحيلها، أنها لا تعرف الروسية، سرّيتُ عنها بأنني جلبتُ لها من «بطرسبرغ» كتاب السيرة الذاتية بالإنجليزية للفنان الروسي «كازيمير ماليفيتش» الذي كان موضوع أطروحتها الأكاديمية، وارتبطت باسمه مدرستها المعمارية.

وترجمتُ لها تقديم المدونة الروسية لبحثي بالسؤال: «ماذا نعرف عن زهاء حديد؟.. قد يبدو أننا نعرف كل شيء، لكن هناك من يعرف عنها أكثر بكثير، الصحفي والكاتب العراقي محمد عارف تابَعَ إبداعات زهاء منذ ثمانينيات القرن الماضي». ولا فضل لعراقي أن يعرف العراقية أكثر بكثير، فهو يعرفها بقلبه. وهل غيرُ حدس القلب العراقي جعلني أستشهدُ في بحثي بالروسية عن «زهاء» بموال «وَنِّيت ونّةْ حزن، جِبَل حمرين هَزّيته»؟

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.