كـتـاب ألموقع

أفراح وأتراح الشيخوخة// محمد عارف

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: محمد عارف

تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 01 أيلول/سبتمبر 2016 17:53

كتب بواسطة: محمد عارف

الزيارات: 1889

الموقع الفرعي للكاتب

أفراح وأتراح الشيخوخة

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

كانت الوالدة تقول: «في الشيخوخة يمكنك أن تبوس من تشاء». وهذا ما أتَدّربُ عليه الآن منتظراً الشيخوخة بفارغ الصبر. وكانت تقول: «في الشيخوخة يمكنك أن تنسى أسماء حتى أقرب الناس إليك»، ولا أحتاج إلى التدرب على ذلك فهي موهبة فطرية. وإذا كانت الوالدة تقول، وقد تجاوزت التسعين، «آخ لو بسْ أحب»، فما عمر الشيخوخة؟.. بيكاسو يقول: «ليس للشباب عمر»، وكما في لوحاته التكعيبية، يقلب بيكاسو الأعمار لنراها، فيقول: «يستغرق الأمر وقتاً طويلاً كي نصبح شباباً». والوالدة «التكعيبية» بالغريزة، كانت تقول لبناتها الخمس ولصديقاتهن عندما يشكين من كثرة شغل البيت: «احمدوا ربكم على الشغل الكثير، إذا ماكو شغل مو زين على صحتكم».

وبيَّنَتْ صحة رأي الوالدة أحدثُ الدراسات العلمية المنشورة في «مجلة الجمعية الطبية الأميركية»، والتي كشفت أن الشغل البدني الكثير والشديد يقلل من خطر الإصابة بكثير من الأمراض، بما في ذلك السرطان، ويطيل العمر. اعتمدت الدراسة معطيات مسوحات صحية على مدى 14 عاماً، شملت أكثر من نصف مليون شخص في أواسط العمر، وعلى ضوئها حدَّدَت إرشاداتُ الحكومة الأميركية والمنظمات الصحية فترة 150 دقيقة أسبوعياً من التمارين البدنية لإدامة الصحة واللياقة البدنية. وظهر من معدلات الوفاة أن الذين مارسوا التمارين البدنية أقل تعرضاً للموت المبكر بنسبة 20% مِمّن لم يمارسها. ونتائج مدهشة حققها أشخاص ضاعفوا ثلاث مرات فترة التمارين، ولو مشياً على الأقدام، معدل 450 دقيقة أسبوعياً، جعلتهم أقلّ تعرضاً للوفاة المبكرة بنسبة 31%. وعكس المُتصّور تَقلُّ نسبة الوفيات في عمر مبكر كلما كانت التمارين البدنية أشدّ وأكثر إجهاداً.

ولأول مرة يكتشف العلم اختلاف أدمغة من يمارسون التمارين الرياضية بانتظام عمّن لا يمارسونها. فالتغييرات التي تحدثها في عمل الجينات داخل الدماغ تُعززُ تكوين خلايا عدة جديدة في «الحصين»، وهو جزء من الدماغ أساسي في عمل الذاكرة والتعلم. ومع أن التجارب أجريت على الفئران إلاّ أن دلائل قوية تشير إلى حدوث ذلك في أدمغة البشر، حسب الدراسة التي أجراها علماء مركز «لانغون» الطبي في جامعة نيويورك، ونشرت نتائجها مجلة eLIFE. والمدهش في النتائج أنها كشفت كيف تؤثر التمارين الرياضية على عمل الدماغ، حيث تحفز الجسم على إنتاج بروتينات BDNF التي يسميها العلماء «المعجزة» والتي تساعدُ «الخلايا العصبية» على النمو والحفاظ على نشاطها، وتُقوِّي أيضاً «المشابك» التي تربط بين الخلايا العصبية. وكم يبدو عمل «البروتينات المعجزة» مباشراً وبسيطاً، فجزيئاتها تحتشد فوق جينات أدمغة الذين لا يمارسون النشاط البدني وتمنعها من العمل، فيما لا تكبح عمل جينات أدمغة الذين يمارسون الرياضة.

و«الأفضل أن نشيخ عبر الممارسة، الممارسة، الممارسة»، كما يدعونا الكاتب الأميركي «جيرالد مارزوراتي» في كتابه «متأخر على الكرة»، والذي يتحدث فيه عن تمارينه العنيفة الشاقة، وهو في عمر 63 لاستعادة مهارته الشابة في كرة التنس، والتي تؤهله للمشاركة في مباريات البطولة على مستوى الولايات المتحدة. «فلا شيء يمنحك الرضا العميق عن نفسك غير أن تفعل ما كنت تفعله في عمر أقل وأقل، وهو أن تجد شيئاً جديداً، صعباً لتنغمر فيه وتُحَسِّنه». وهذا ممكن في رأي «زينة عزيز الحجية»، مدربة التنس العراقية التي تدير في عمان دورات تدريبية رياضية خاصة بالنساء. و«زينة» تعرف عمّ تتحدث؟، فهي بطلة العراق السابقة في التنس، وابنة «عزيز الحجية» مدير الألعاب الرياضية في الجيش العراقي خلال العهد الملكي، وفي ملاحظاتها على التمارين التي أستعدُّ بها للشيخوخة، أدركتُ أن المهم في كل عمر ليس نتيجة الحياة، بل الحياة، فامسِكْها من قرنيها، وفُزْ بها.

• < السابق
• التالي >