اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عندما وقعت الواقعة// عباس طريم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

عندما وقعت الواقعة

عباس طريم

اريزونا

 

لم يكن بالرجل العادي الذي تخطيه النظرات.. بل كان متميزا في كل شيء. في مشيته وتحيته وابتسامته العريضة وهندامه الذي يوحي بالتدين والاستقامة, وفي قلة حديثه وعدم اختلاطه, الا بالامور التي تهم الدين والعبادة, ومسبحته التي لا تفارق يده يحركها فتتحرك شفتاه دون صوت. وكان يبش في وجوه الناس ويتحدث معهم كاخ فارقهم منذ عشرين عاما. وعندما يدخل المسجد يحيي  الكل.. واحدا تلو الاخر ويقبلهم. وينزوي للتعبد وقراءة القران الكريم. فاحبه  الكل دون استثناء. وعادة ما يبكي بكاء مرا عندما يسمع القاريء وهو يجود بقراءة  اية  من  ايات القران الكريم. وعندما  يتحدث  الناس فيما بينهم يذكرون  افضاله وورعه وتدينه. حتى اصبح مثلا في روح الاستقامة, والجدية, والتدين.

ويوما, جاء الى المسجد وهو يبكي فقام الناس لمواساته والتفوا حوله .. وساله الشيخ بالم وحرقة: ماذا جرى يا ابو احمد اقلقتنا والله . فقال: لقد ماتت قطتي وانا ابكي من الصباح. وسال الشيخ: ياشيخنا هل ستكون قطتي معي في دار النعيم انشاء الله .؟ واستطرد وقال: لقد كانت مسالمة مثلي يحترمها الجيران  ولا  تاكل الا من يدي. وعندما تجوع تنتظر رجوعي دون ان تتضجور او تبدي انزعاجا او تذهب الى الجيران بحثا عن الطعام. وبودي لو اعطيها روحي لتعيش بها. فاحتضنه الشيخ واجلسه بقربه واشار الى جموع المسلمين ..ان هذا هو المسلم الحق الذي  يتالم من اجل كل مخلوقات الله!, وان من دواعي الفخر ان يكون ابو احمد بيننا, وقال: يا ناس ان الله يحبنا فارسل لنا هذا الرجل التقي. وقد انتشرت هذه القصة كالنار في الهشيم. فازدادت الناس ايمانا به واحتفت  بمقدمه. وعندما يدخل المحلات.. والاماكن العامة, تتسابق الناس للسلام عليه  والتبرك بقدومه.

 وفي احد الايام اشار لمن حوله بانه اسس شركة تجارية لخدمة الجالية فمن  يضع مئة دولار يحصل على مئتي دولار يستلمها خلال بضعة اشهر. وكانت   معه جميع الاوراق الرسميه التي تدعم كلامه وتؤيد ما ذهب اليه, وضعها امام  الجميع, وقال: تاكدوا بانفسكم. فامنت به الناس, وبتدينه وورعه, ودفعتها الثقة  المطلقة بسلوكه السوي وانضباطه واخلاقه العالية, وسلمته [الراية والصرماية]   كما يقولون. خاصة انهم استلموا الفوائد لثلاثة اشهر فازداد الاطمئنان به وبعمله  وشجعهم هذا المردود على دفع المزيد من الاموال. واخذ البعض منهم يتصل  باهله في العراق ويحثهم على بيع جميع املاكه وعقاراته وسلمت اموالها بيد  الحاج ابو احمد. وهناك من اثر في عقلية اخوانه واصدقائه في العراق واقنعهم باستغلال الفرصة التي لا تاتي الا مرة واحدة في العمر, فسال لعابهم بعد ان سمعوا بقيمة الارباح الخيالية وباعوا املاكهم وارسلوها لاخوتهم في امريكا على امل ان تزداد ثلاثة اضعاف. وهكذا اصبح المبلغ كبيرا جدا ويصل الى الملايين.

 

 وفي [ ليلة ظلماء فارقها البدر] غاب المؤمن ابو احمد. ولم يكن غيابه بالامر العادي فقد كان المسجد بيته الثاني لا يفارقه ابدا. وعندما جاء اليوم الثاني ولم  يعد.. قلق الناس عليه, او بالاحرى على  اموالهم. وحاولوا الاتصال به لكن هاتفه كان مغلقا  فازداد قلقهم ولعب الفار في عبهم. واخذ الهمس يدب بين  المصلين. وفي اليوم الثالث لم يكن الحديث الا عن العم ابو احمد الذي تبين انه اختفى, وانتقل من بيته الى مكان اخر. فقد زاره بعض من اقلقهم غيابه فلم يجده او يجد اثرا للحياة في البيت. وقد انتشر خبر اختفائه بواسطة الهواتف النقالة واخذت الناس تلطم على صدورها ومنهم من لم يصدق, ويقول: ان الرجل  سيعود فقد كان يبكي عندما يسمع القران الكريم. ومنهم من يذكر الناس بقصة القطة, وكيف كان يبكي عليها, فكيف يغدر بالناس. وقد ظهرت مجموعات لا احد يعلم بها, وليسوا من مريدي اماكن العبادة, وقد تكتمت على ما دفعته من اموال الى الحاج ابو احمد, خشية الحسد وعيون الناس. ومنهم من اقسم على ابو احمد باغلظ الايمان ان لا يذكر اسمه ضمن المشتركين كي يبقى الامر سرا فهو لا يريد الناس ان تعرف انه يملك تلك المبالغ. ومنهم من يحرم الدفع جهارا ويدخله في خانة المحرمات, ويدفعه سرا. ولكن ما ان وقعت الواقعة  حتى  جاء  مع  من  تورطوا يشاركهم الصراخ والعويل. فتجمهر الناس حول  الشيخ  وكل منهم  يندب حظه العاثر ويتامل ان يجد بارقة امل في حديث الشيخ الذي قال: "ان الغايب  حجته اوياه". فاجابه احدهم [مولاي شارد مو غايب ما موجود  بالبيت, ولا  يرد على  التلفون ] . فقال  الشيخ: "انا لله  وانا  اليه  راجعون".  ومرت الايام ثقيلة على الناس تحمل في بطونها من الالام والتعاسة والقهر والندم على ما فعلت ايديهم, ما يشيب له الرضيع .وقد  بكت الرجال بدموع  الحسرة والندم. وكل منهم اخذ يسرد قصته في جمع المال وكيف انخرب بيته, وخرب بيوت الناس. وقد حدثت الكثير من المشادات بين ابناء الجالية وكل منهم يتهم الاخر بدفعه واغرائه بالمشاركة لكسب بعض الارباح. وهرب بعض الوسطاء الذين كانوا يتصورون انفسهم من الذكاء بحيث يستطيعون اقناع  الناس  للمشاركة باموالهم فيصيبهم من الطيب نصيب. لكنهم وقعوا في الفخ  واصبحوا امام المدفع [ وهربوا في جنح الظلام ]. وقد خربت  الكثير من  البيوت  وبات  البعض في الطرقات خاصة اللذين باعوا بيوتهم. وخسر البعض تحويشة العمر كله ومنهم من ندب حظه وحظ الذين اوهمهم من اهله في العراق فدفعوا كل ما لديهم, وهم ينتظرون الارباح تاتيهم الى بيوتهم وهو الوسيط بينهم وبين التاجر ابو احمد, فلا يعرفون غيره. واستحالت الحياة الى جحيم, وتهدمت الامال, وصعد الضغط والكرستول, والسكر عند  الناس الى اعلى درجاته. ومنهم من  فقد الوعي ونقل الى المستشفى بعد ان تبين له ان صاحب القطة ما هو الا نصاب, دخل عليهم فملك قلوبهم وافرغ جيوبهم, وطلقت بعض النساء التي  باعت عقاراتها دون علم ازواجها, فانكشف امرها بعد تلك الكارثة. وكانت تأمل ان تسترد اموالها مع الارباح, قبل ان يكتشف الامر.  ونامت الناس بعيون تدمع وقلوب مكسورة ,  تنظر الى الله!.  فكيف ينام الحاج ابو احمد ياترى ..؟

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.