اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من أجمل ما قرأت (النص 49 بتصرف)// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

من أجمل ما قرأت (النص 49 بتصرف)

د. سمير محمد أيوب

الاردن

 

لا يهم ، عندما يكون كل رأس عفيفا.

في إحدى جولاته التفقدية لشؤون البلاد والعباد، إسترعى نظر الوالي، رجلا يجلس مستظلا بشجرة على حافة نهر، فإتجه بموكبه الى حيث الرجل. وجده راعٍ لزيرٍ فُخَّاريٍّ على حمالة خشبية، نظيفا مغطى وكوزا للشرب، ممتلئا بماء صاف زلالا.

 

هذا زيرٌ يا مولاي، إشتريته بِحُرِّ مالي. أجمع فيه ماء النهر طوال العام. لأسقي بلا كلل أو ملل وبلا تمنين، كلَّ من يقاسي عطشا من المارة من هنا. تَصَدُّقاً صامِتاً عن روحِ والِدَيَّ.

 

نظر الوالي إلى كبير وزرائه وهو يقول: أرى أن تُعِينوا هذا الإبن البار، بكلِّ ما يُسَهِّل ويُنظِّم ويضمن إستمرار عمله المجاني النبيل، في سقاية المارة من هنا، وأن تتيحوا له فرصا لزيارة أهله.

 

فقال كبيرُ الوزراء: أرى يا مولاي، أن نجعل لهذا المواطن الصالح، نائِباً يساعده على ملء الزير مرة بعد مرة. وأن يَحِلَّ مَحَلَّه أثناء غيابه كلما أحَبَّ زيارة أهله. إستحسن الوالي رأي وزيره. فقال: عليك الإشراف بنفسك على هذا الأمر. ورعايته وفق توجيهاتي. وتابع الوالي جولتة التفقدية.

 

ومرَّتِ الأيام ودارَت. وقرَّرَ الوالي في جولة غير مُبَرْمَجةٍ، تفقد الزير. فأمر موكبه بالتوجه فورا إلى النهر. وطلب من وزيره ألأول اللحاق به إلى هناك. حاول أحد أزلام الوزير أن يسبق الوالي إلى الزير، فَمُنِعْ. قبل أن يصل الوالي مقصده، شاهد مبنى فخما مُسْتَحدَثا على شاطئ النهر, تعلوه يافطة فخمة، مكتوبة بخطٍّ أنيقٍ: هنا إدارة عموم الزير الوطني.

 

فور دخوله بوابة المبنى، طلب الوالي أن يأخذوه إلى مكتب المدير العام، وكان ابن شقيقة الوزير وصهره. لم يجده في مكتبه، بل وجد بدلا منه، أكواما من الأوراق والملفات، وطابورا من فناجين القهوة الفارغة، ومَكْرَهَةٍ من أعقاب السجاير. تبين أن المدير العام، منذ اسبوعين في بلاد الواق واق، يشارك في مؤتمر هناك، عن المقاصد الربانية في سقاية الناس. ولكن الأمين العام إستقبل الوالي، وراح يتدحرج أمامه. فصادفا رجلا طويل القامة، عرّف عن نفسه أنه رئيس الديوان، وتلك مسؤولة إعلام الزير، وهذه مسؤولة العلاقات الداخلية، أما مسؤولة العلاقات الخارجية فهي مبتعثة  منذ أسبوع، لتوأمة زير الولاية بزير الموزامبيق. وتلك التي تقرأ المجلة الملونة، فهي مسؤولة السياحة المائية، وذاك النائم الشاخِرُ يا مولاي، هو مسؤول التسويق والترويج. أما المسؤول المالي فهو لسوء الحظ، غائب وفق مغادرة أصولية، أما مسؤول النقل فهو معار لمصلحة الموانئ، وفني الصيانة في دورة متخصصة بعلوم التَّوَحُّد.

 

وهنا وصل الوزير الأول، فقال له الوالي مُستنكرا: ويحك يا رجل، زيرُ ماءٍ وغطاءٌ وكوز، صار بقدرة فاسد، مرفقا عاما وإدارات وجيش عرمرم من البطالة المقنعة!!! فأجاب الوزير: إسْتَعذَب الناسُ يا مولاي، شُرْبَ الماء من الزير، وازداد الإقبال عليه. فقررت تحويله إلى مرفقٍ عام للخدمات الشعبية، وفق أحدث فنون الإدارة والضبط المالي.

 

فسأله الوالي: عن المبالغ المُخَصَّصَةِ لإدارة الزير؟ قال الوزير: لا أذكر بالضبط. ولكنه قروضا ميسَّرة من البنك الدولي، ودول شقيقة واخرى صديقة يا مولاي. وأظنه لا يزيد عن بضع ملايين. ففي سبيل النفع العام، يهون أي مبلغ نصرفه. وراح يشرح للوالي عن خططٍ همايونية، للخروج من عنق زجاجة الديون المتراكمة، على مرفق الزير.

 

أخذ الوالي يتنقل بين المكاتب الفارهة المكيفة، من غرفة الى غرفة، ومن طابق لآخر، راح يتفرج ويتعجب. وبعدها سأل وزيره: أين الزير؟ نظر مدير الشؤون العامة ووكيل الأمن المائي أحدهما للآخر، ثم إلى الوزير الذي قال: إنه هناك يا مولاي، في قاعته الخاصة في الدور الأرضي.

 

في الدور السفلي، دخلوا قاعة واسعة مُتْربَة، يغطي الغبار كلَّ ما فيها. قال الأمين العام: كان ينبغي أن يكون الزير هنا يا سيدي. ولكننا أرسلناه منذ بضع أشهر إلى الورشة الأميرية للصيانة. فضرب الوالي كفّاً بِكفًّ وهو يصرخ غضبا:  تبّا لكم، كلّ هذا ولا زير؟! 

 

تَلَفَّتَ الوالي حوله، فوقع بصره على رجل ضعيف شاحب الوجه. عرفه فورا. نعم ياسيدنا، أنا الإبن البار صاحب الزير. لقد كذبوا عليك. لم يعد للزير وجود هنا منذ زيارتك الأولى.

 

سار الوالي بضع خطوات، ثم جلس غاضبا، من هول ما سمع وما رأى. وقال للإبن البار: عد يا ولدي إلى مضاربنا. وتولى أمر الزير كما كنت تفعل قبل أن نلقاك. هذه دنانير عشر، إشتري بها زيرا جديدا. وضعه تحت ظل شجرة، وإسق الناس منه ماء زلالا.

 

ثم أصدر الوالي حكمه على الوزير، بأن يسدِّدَ ديون الزير ومصاريف الذين عينهم، من ماله الخاص. وإن نفد ماله، فمن مال زوجته وأولاده وأقاربه، الذين أكلوا المال العام سُحتا في بطونهم.

 

الأردن – 26/8/2018

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.