اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب (12) - التماوتُ والإماتَةُ// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرة في الحب (12) - التماوتُ والإماتَةُ

عشوائيات فكرية للتأمل

د. سمير محمد أيوب

 

قالت: ظَنِّيَ أنني أكثر العشاقِ حظَّاً، أبْقانِيَ على قيد الأمل. أقتسم فتات حبٍّ، مع مَن كنتُ أظنه نصفيَ الآخر. على حين غفلةٍ منهُ، سقطَ قناعَهُ الأخير. أحبَبتُ هذا السقوط. لأنه صفعَ الكثيرَ من تضاريسِ ما يجمعُنا من شراكة. وانكسر وجه الحقيقة، عن مشاعرَ كنّا نتكئُ عليها بالتَّوَهُّمِ.

 

منذ زمنٍ كان قد تجرَّدَ من رومانسيتِه. تآكلتِ الفواصلُ بينَ المألوفِ في مشاعرِهِ، وغيرَ المألوفِ في مصالحِه. تحوَّلَ إلى تاجر. يحسبُ تصرفاتَه معي، بالقيراط والدرهم. تشظى كلُّ ما كان بيننا. تغيَّرَت دلالاتُه تبَعاً لمساقِ الحاجةِ والضرورةِ والواجبات، المُتَمَلِّصَةِ من معاييرِ العقل، وصرامةِ المشاعر. بات مشترَكُنا يُساكِنُ المزعومَ من معايير. ويَتطلعُ إلى استنطاقِ شظايا التَّصَدُّعِ، لإعادة تشكيله وفق محاصصاتٍ إنفصاليةٍ مُتوالدة.

 

يا شيخي، مشترَكُنا لم يَعُدْ يأتي، إلا مُثْقَلا بالإهمال والإستجداء. الغربةُ فيه تلسعُ كلَّ حيٍّ فِيَّ. بِتُّ أحِسُّ بأنني بلا قيمة. يباغتني تجلدي ويتهمني بالرخص. إستوعبتُ درسيَ. فقررتُ أن أكسب صفقةً في هذا البازار. أحاولُ عبرَها وأنا أحتَضِرُ، إسترجاع صوتيَ أو شيئاً من ظِلّيَ. علَّني أنجوَ بنفسي، إلى عالمٍ نسجتُه بِحُبٍّ. فأنا كيانٌ يبحث عن السعادةِ في أبسط الأشياء، ولا يتجزَأ في مُحاصَصاتٍ ومُقايضات. من أجل هذا جئتُكَ متسائلةً وسائِلةً،  لِمَ لَمْ تَعُدْ أيٌّ من طُرُقي تُؤدي إليه؟ ومِنْ هُنا إلى أين؟

 

قلتُ مُستغرِباً ومتعجبا: إستفهامُكِ يا سيدتي، هارب من رحِمِ الحقيقة. ليس له إجابةً يقينية، حتى في أروقةِ خيالٍ هجين. ولكن لأحسِنَ البدأ، أؤكدُ أنَّ المشترَكَ، لا يُصابُ بطاعونِ الموتِ الأسود، عن قصدٍ أو عن غيرِ قصد، ولا من سحرٍ مدسوسٍ في صخرٍ أصمٍّ. ولا تُعَكِّرُ ماءَهُ الرقراق، ريحٌ عاتيةٌ، ولا تُحَوِّلُ مجراه. حتى الموجُ  الأحمقُ ، فإنه أعجزُ من إغراق بواسقَ شجره، وبعثرةِ حُلوَ ثَمَرِه.

 

عاجَلَتني مُقاطعةً: ولكن يا شيخي، قَتْلُ الحبِّ شنقاً، أو غِيلَةً، أو برصاصِ الرحمة، كلُّه موتٌ مستَقِرٌ مفهوم. وإن كان في كثيرٍ من الأحيان غير مقبول... أرادت أن تُكْمِلَ. ولكني، إستمْهَلْتُها بوميضٍ مِنْ عينيَّ. فتوقفت. فاكملت قائلا: بالتأكيد هناك خللٌ ما في منظومات فهمكما، لِما كانَ بينَكما أو في محيطِكُما، مُتَعَيَّناً أو غيرَ مُتَعيَّن.  بالتكرارِ تَراكمَ فَتفاقَمَ. وفي لحظة ناسبَتْهُ، بضربةٍ قاضيةٍ، أطاحَ بآلياتِ الفَهم، والرغبة بالتفاهُمِ، والصبر والتغاضي، وحسن النية.

 

قالت وهي تَئِنُّ: تباعدت المشتركات بيننا، حدَّ الإنتفاء. لم يعُد لأيٍّ من تجلياتِها أيُّ بريقٍ أو ظِلالٍ. كنتُ أرى مجرى تَماوُتِها وسَواقيَ إماتِتِها، حتى مصباتِ موتِها البَطئ. ولكني عجزتُ عن معرفة المنابِعِ، وتحديدِ الأعماقِ والتَّشعبات.

 

قلت وأنا أحدِّق في عينيها: هناك بالضرورة، ومضةٌ ما أشعلت كَيدا داحِسيَّاً بينكما. لتَسْييدِ فِكرَتِه في ظِلِّه، منح كلٌّ منكما نفسَه، مشروعيةَ إزالة كلَّ ما عداهُ هوَ. وأظن أنَّ هذا، هو ما قد أفضى بالتراكُمِ، إلى إقصاء ما كان من مشتركٍ، يجمعكُما بالتجريب غيرِ المُستقر، وكمون جماليات إهتمامٍ رجراجٍ هو الآخر. وتظهيرُ كلَّ أشكال التنافر وفيوض الإسكات، حتى باتت المُساكَنةُ البيولوجية بينكما، صمَّاءَ قسرية. ما أنتما الأن فيه يا سيدتي، هو تعليق وتأرجُحٌ مُقَسَّطٌ، على مشانقَ قسرية.

 

يا سيدتي، الخلل ليس في الحب. ولا في تسارع التغيُّرِ في ظلاله، بل في طموحاتٍ أو أطماع أو أوهام أو ظنون، تصيَّرَنا دون أن ننتبه، مُتَطَلِّبينَ ونَقَّاقينَ وجاحِدين. تشلَّنا عند لحظةٍ مُخاتِلَةٍ. فندورَ في دوائرَ متوَهَّمَةٍ. تُنْسينا أن أهم الأهَمَّاتِ في الحياة، هي حاجاتُنا واحتياجاتنا، وقدراتنا على أن نَحْكيها وتَحكينا، لا أن تحكُمَنا ونَحْكُمَها.

 

اللامبالاة  يا سيدتي، في فهم هذا الثالوث الذهبي، هي بوابةُ الوجع، وبسملة الأسى. إذا ما مَسَّكُمُ ضُرُّها، وإفتقدتم دفء الحب وبلاسمَه، ساعتها لاتبحثوا بعيدا. بل إسألوا أيديكم، أين دفنتما المشترك، آخر مرة!!!

 

الأردن – 4/10/2018

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.