اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب (18)- إلا أنتِ وأنا – الجزء الثاني// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرة في الحب (18)- إلا أنتِ وأنا – الجزء الثاني

د. سمير محمد ايوب

 

لأِكْسِرَ شيئاً من وَجَعٍ، خابَتْ جميعُ تَوَقُّعاتِهِ المُتَّجِهَةِ إليها، واضِحٍ كالبرقِ، جريءٍ غَيرَ مُدَجَّنٍ، كُنتُ قبلَ غُروبِ الأمسِ، مُحتاجاً لِصمتٍ نظيفٍ، مُقاومٍ للتلوثِ والدنَسْ، أتَمَدَّدُ فيه وأغوص. ففي بَعضِ الصمتِ، إرتزاقٌ وإرتدادٌ وقُبْح. فَيَمَّمْتُ وجهي كعادتي، شطرَ صخرةٍ في جَبلِ نِبّو (مأدبا – الاردن) ، مُطِلَّةٌ على أسوار القدس من هُناكَ.

 

تِلكَ صخرةٌ كُنتُ منذ سِنينٍ، قد إلتقيتها لأولِ مَرَّةٍ عِنْدَها. وإعتَدْنا معا، أن نَحُجَّ إليها وان نعتمر وان نعتكف، كلما هاج بنا شوقٌ، أو داهَمَتْنا غِربانٌ ألْبَيْنِ، لِنُعيدَ ضَبْطَ إيقاعِ شراكَتِنا الموغِلَةِ في الإدمانِ وفي الثباتْ.

 

تَناهى إلى سَمْعيَ من البعيدِ، صوتُ مُطربِ الجيل، مُتَرَنِّماً بِرائِعَتِه: رُدَّتِ الروحُ. كُنتُ كُلِّما إقتربْتُ، أزدادُ يَقيناً أنها هُناك. ما أن بِتُّ في مرمى بِصَرِها، حتى حَمْلَقَتْ مَذهولةً. وَقَفَتْ هنيهات مُرتَعِشَةً. وسرعان ما أقْبَلَتْ هَرْوَلَة بإتجاهي. تَهَدَّجَ صَوتُها وهو يَتَلوَّى كَمدا:

وَيْحَ قلبي، أصَدَّقْتَ واشٍ كَذَبَ، وظنٍّ صَبَأْ؟ أما كانَ من حقي عليك أن تَتَبين!!!

أحقاً سَلَوتْ؟ ويْحَكْ، ظَلَمَ الواشي، الذي زعمَ القلبَ سَلا أو ضَيَّعَكْ!

 

بِصوتٍ لا يكاد يُسمَع، صَرختُ بِشئٍ هَشٍّ مُدافِعاً عن نفسي: ولكني، إبْتَعدتُ فقط وما سَلَوتْ.

 

قالت بصوت لاهِثٍ مُتَقطع كَصاعِدِ جَبَلْ: نعم، في رِحلةِ التأويلِ، إئْتَلَفنا وإختلفنا، ولكن بِحُبْ. وبِحُبٍّ سِرْنا طَواعيةً فوقَ جَمرِ الغضب. وبَقَيْنا كَظيمينِ يسكنهما حزن الأنبياء، وحينا حُرقَةُ ثُوار مُصَفَّدين.

 

قلتُ وأنا أخفي بكَفَيَّ عينيَّ: ومع هذا ، بَقيتي غِوايَتي ونَشيدَ روحي.

 

أدْنَتْ جَوالَها من وجهي، وهي تَرنو بعينينٍ تفيضُ بسؤالٍ مَكلوم، أوَّله جفنانٍ ترتَعشُ رموشُهُما، ومُنتهاهُ بصري وبصيرتي، رَفَعَتْ صوتَ جوَّالِها إلى مداهُ. أطْرَقْتُ مُتَحاشِياً أنينَ عينيها، وأصغيتُ لِمُطربِ الجيل وهو يشدو كديك ذبيح: مَوقِعي عِندَكَ لا أعلمُهُ. آهٍ لَوْ تَعْلَمُ عِنديَ مَوْقِعَكْ!!!!!

 

أفاقَتْ أحسنُ الأيام، وأنا أُطوِّقُ كَفَيْها المُبْتَلَّتَينِ، بِعرقٍ باردٍ ودمعٍ ساخِن. وتَمَرَّدَتْ شفتايَ بِنجوى:

 

يا أختَ هارون، ما أتقناهُ معاً من حُبٍّ، ما كان عابرَ سبيلٍ، ولا تلقيحَ غَيمٍ ورَعدٍ،  ولن يكونْ. أنت عَصايَ التي طالما تَوكَّأ عليها سمعُ عقلي وبَصرُ قلبي، سِنيناً دون ضَجَرٍ. مُبَكِّراً بِكِ آمَنتُ. وتَنكَّرْتُ وما أزالُ، لكلِّ قبائلِ النساء إلا أنتِ. وهَجرتُ سَبايا أبي لهبٍ، وما مَلَكَتْ أيمانُه. لأجلك غادرتُ غيرَ آسفٍ سراديبَ الوَهمِ والأحلامِ المُعلَّقَةِ، وطواحينَ الهواء. ومَعاً عَشِقنا صُعودَ القِمَمْ.

 

أسْنَدْتُ رأسَها الموجوع. أحَتَضَنْتُ وجْنَتيها بِكفيَّ معا. كَفْكَفْتُ كَثيراً من دَمعِها. تشابَكَتْ مِنا ألأبصارُ. على وقعِ طلائع بَسَماتٍ تُطِلُّ حَيِيَّةً، تَمْتَمنا مع عبد الوهاب، مدخلَ رائعته: رُدَّتِ الروحُ على المُضنى مَعَكْ، أحسنُ الأيامِ يومٌ أرجَعَكْ.....

 

الأردن – 24/10/2018

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.