اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الترجمة الأدبية.. تأريخها.. تأثيرها وأسباب وهنها

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. هاشم عبود الموسوي

 

الترجمة الأدبية.. تأريخها.. تأثيرها وأسباب وهنها

 

أريد أولاً أن أجزم بأن الترجمة هي أول وسيلة بشرية لتبادل الأفكار بين الشعوب، وأهم وسيلة لمعرفة الآخرين واكتشافهم والدخول إليهم.

ولقد لعبت الترجمة دوراً هاماً في وقتنا الراهن أدّت على سبيل المثال ببلوغ الصين نهضتها الحديثة، حيث كانت تترجم كل شيء، لدرجة أن الولايات المتحدة حذّرت حكومة الصين في سبعينات القرن الماضي مما دعته بعدم احترام الصين لحقوق المؤلفين أو الإشارة إليهم.. ولا داعي لذكر ما بات معروفاً عن الحركة الفكرية والعلمية والنهضة الأدبية التي رافقت حركة الترجمة في العصر العباسي.

ولنعد إلى فترة ليست بعيدة علينا ونتحدث عن حركة الترجمة في القرن التاسع عشر، لما كان لها من تأثير مباشر في تطوير النثر العربي الحديث، وحلول النثر الفني والنثر العلمي محل النثر الأدبي أو النثر المنظوم.

وقد كان من الطبيعي أن تبدأ حركة الترجمة بدخول المطبعة إلى مصر أولاً في عهد الحملة الفرنسية، ثم في عهد محمد علي، فقد نقل الفرنسيون مطبعتهم العربية والفرنسية إلى فرنسا بعد خروجهم من مصر، وكانت أهم خطواتها في عهد محمد علي إيفاده نيقولا مسابكي إلى إيطاليا من 1811م إلى 1821م لدراسة فن الطباعة، ثم تبنّيه لحركة شاملة لا نعرف لها مثيلاً في تاريخ الفكر العربي إلا حركة الترجمة الشهيرة أيام المأمون.

وإذا نحن تجاوزنا عن منشورات الحملة الفرنسية وملصقاتها وبياناتها الرسمية التي اقتضت ضرورات الحكم ترجمتها وطبعها للشعب المصري، ليُتابع أوامر الحكومة واتجاهاتها خلال السنوات الثلاث من الاحتلال الفرنسي (1798 – 1801م)، نجد أن أول كتاب تُرجم عن الفرنسية وطُبع في المطبعة العربية التي أنشأتها الحملة الفرنسية كان كتاب عنوانه "مرض الجدري"، وهو من تأليف دي جينيت، ومن ترجمة رافاييل زاخور. ثم بعد ذلك صمتٌ طويل دام حتى دارت مطبعة محمد علي ببولاق.

ويُمكننا أن نتتبع تاريخ الترجمة الحديثة في بداياته على ثلاث مراحل:

1. مرحلة المترجمين السوريين الذين ظهروا مع الحملة الفرنسية، وكانوا طلائع المترجمين في عصر محمد علي، في الفترة بين 1822م و1831م، أي حتى عودة بعثته الأولى من الطلبة المصريين في أوروبا.

2. مرحلة المبعوثين المصريين في أوروبا، التي تبدأ نحو 1831م وتنتهي بنهاية عهد محمد علي في 1849م.

3. مرحلة خريجي مدرسة الألسن التي أنشأها محمد علي في 1835م، وظلّت تُخرّج الأفواج حتى أغلقها عباس الأول في نوفمبر 1849م.

وهذه المراحل متداخلة طبعاً، ثم أن بعض خريجي مدرسة الألسن أُتيح لهم إتمام علومهم في أوروبا، وهؤلاء حفظوا تقاليد الترجمة حتى نهاية عصر إسماعيل (1879م) وما بعده. وقد بدأت مدرسة الألسن بتدريب 50 طالباً ازداد عددهم إلى 80 طالباً، ثم ارتفع إلى 150 طالباً ثم نقص في 1841م إلى 60 طالباً، أي بعد معاهدة لندن، وانكماش محمد علي حتى نهاية حكمه. وكان ناظرها وأستاذها الأول وعقلها وقلبها رفاعة رافع الطهطاوي.

أما مدرسة المترجمين السوريين فأعلامها ستة هم:

1. الأب رفاييل زاخور راهبة، وكان المترجم الأول بديوان جاك منو خليفة كليبر بعد اعتقاله في 1800م. وقد بقى في مصر سنتين بعد جلاء الحملة، ثم سافر إلى فرنسا في 1803م، وقد كان العضو الشرقي الوحيد في المجمع العلمي المصري الذي أسسته الحملة الفرنسية. وكان يتراسل مع نابليون وتاليران، وقد عُيّن في 24 سبتمبر 1803 أستاذاً مساعداً بمدرسة اللغات الشرقية بباريس، وظلّ يشغل هذا المنصب حتى 1816م، وظلّ بها حتى توفي في 1831م. وقد اشتغل مدرساً ومترجماً بمدرسة الطب التي أنشأها محمد علي بأبو زعبل في 1827م، وكان كلوت بك يسميه الدكتور رفاييل. وكان رفاييل يُتقن الإيطالية والفرنسية. ونعرف عنه أنّه ترجم إلى العربية بعض "حكايات" لافونتين أثناء عمله في مدرسة اللغات الشرقية بباريس. وقد كان أول كتاب مترجم طبعته مطبعة بولاق في 1822م هو القاموس الإيطالي العربي الذي وضعه الأب رفاييل زاخور (كان أول كتاب صدر عن مطبعة بولاق هو كتاب تركي في العلوم العسكرية كما جاء في الرحالة بروكي، وأول كتاب عربي هو كتاب في الأجرومية العربية بحسب ما جاء في هيوار دن وجمال الدين الشيال، وكان قاموس رفاييل هو ثالث كتاب أنتجته مطبعة بولاق).

2. يوحنا عنحوري، وقد كان ألمع مترجم سوري في مدرسة الطب، متقناً للإيطالية ضعيفاً في الفرنسية، حتى أن المراجع الفرنسية كانت تترجم له أولاً شفاهاً إلى الإيطالية ثم يترجمها إلى العربية.

3. جورج فيدال، يبدو أن اسمه الأصلي هو جرجس فيدال طيطي، وكان مارونياً من حلب، ويبدو أنه ولد نحو 1795م وقد عُيّن مترجماً بمدرسة الطب عند إنشائها.

4. أوغسطين سكاكيني، وهو أصلاً من دمشق، ويبدو أن أباه هو جبرائيل السكاكيني كان يخدم مع الحملة الفرنسية في مصر ثم رحل معها. وقد أقام أوغسطين في مرسيليا، ثم عاش في تونس، ومنها انتقل إلى مصر، وعُيّن مترجماً في مدرسة الطب.

5. يعقوب، ولا شيء يُعرف عنه.

6. يوسف فرعون، وهو من أسرة سورية نابهة ظهر فيها عدد من المترجمين، وأغلب ترجمات المدرسة السورية في علم الطب.

وقد كان أول كتاب تُرجم إلى العربية في عهد محمد علي هو كتاب في صناعة صباغة الحرير لماكيه، ومترجمه أنطون رفاييل زاخور، وقد طُبع في مطبعة بولاق في 1823م. كذلك ترجم رفاييل زاخور في 1824م – 1825م إلى العربية كتاب "الأمير" لماكيافللي. والترجمة العربية بعنوان "المجلد الرابع من مصنفات نيقلاوس في التواريخ وفي علم حسن التدبير في الأحكام"، وهي مخطوط في دار الكتب المصرية من 80 صفحة، والترجمة غير كاملة وفصولها الأولى تحمل عنوان "رأس"، أما فصولها الباقية فتحمل عنوان "فصل"، مما يدل على أن المترجم كان حائراً بين المعنى الحرفي أو الاشتقاقي لكلمة chapitre والمعنى الاصطلاحي. (وهذه غير الترجمة التركية لكتاب "الأمير" التي أُعدّت لمحمد علي بتوجيه صولت قنصل إنكلترا العام في مصر).

وقد كان أول مبعوث أوفده محمد علي إلى أوروبا هو عثمان نور الدين الذي قضى 5 سنوات في بيزا وليفورنو بين 1809 و1814م، ثم قضى ثلاث سنوات بين فرنسا وإنجلترا وعاد لمصر في 1817م وأسّس أول مدرسة نظامية هي مدرسة بولاق ومكتبتها في 1820 – 1821م. وقد كلّفه محمد علي وهو في أوروبا أن يشتري كتباً بمبلغ 50,000 روبل. وفي 1818م أمر محمد علي بشراء 600 كتاب فرنسي آخر. وقد كانت هذه نواة مكتبة مدرسة بولاق. وفي 1826م تلقّى محمد علي مكتبة في العلوم البحرية مُهداة إليه من مدير ترسانة طولون عن طريق دروفتي قنصل فرنسا العام في مصر. وفي 1822م زار الرحالة الإيطالي بروكي هذه المدرسة والمكتبة، فوجد بها كتباً لفولتير وروسو والكوميديا الإلهية لدانتي، ونسخة من الكتاب المُقدّس، ولم يجد لها مراجع عن مصر إلا كتاب فولني و"وصف مصر" الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية، وبعض أعداد "الديكاد اجيبسيين"، وبعد عودة البعثة المصرية الأولى، بعثة 1826م، في أوائل الثلاثينات من القرن التاسع عشر احتجزهم محمد علي في القلعة، ووزّع على كلٍ منهم كتاباً فرنسياً يترجمه، ولم يأذن بخروج أحدٍ منهم قبل أن يفرغ من ترجمة كتابه. وفي 10 سبتمبر 1834 أصدر محمد علي أمراً لكل المبعوثين في الخارج أن يترجموا الكتب التي يدرسونها في أوروبا أولاً بأول أثناء إقامتهم في البعثة وأن يرسلوها إلى مصر.

ولم تقتصر حركة الترجمة في عصر محمد علي على الترجمة من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية، فقد كانت هناك ترجمة مُنظّمة تحت كنف الدولة المصرية من اللغات الأوروبية إلى اللغة التركية (61 كتاباً)، ومن اللغة العربية إلى اللغة التركية (6 كتب). وقد كانت أبرز ظاهرة في هذا الاتجاه أن ترجمة مراجع العلوم والفنون العسكرية (حربية وبحرية) كان أكثرها من الفرنسية إلى التركية لاستخدامها في الجيش المصري، حيث الضباط إما أتراك أو شراكسة أو ألبان ... ألخ، وإما مصريون قد تعلّموا التركية (53 كتاباً)، وأقلها من الفرنسية إلى العربية (8 كتب). ولم يُنقل من الإيطالية إلى العربية غير قاموس رفاييل إلا كتابان، بينما نقل من الفرنسية إلى العربية 111 كتاباً، وهذا يوضّح أن لغة الترجمة الأولى في عصر محمد علي كانت اللغة الفرنسية. وهناك 3 كتب إنجليزية الأصل ولكنها نقلت إلى العربية عن الفرنسية، وهي كتابان في التاريخ وكتاب في طب العيون. وقد بلغ مجموع الكتب المترجمة في عصر محمد علي 191 كتاباً وفي تحليل اتجاهات الترجمة أيام محمد علي نجد أن العلوم العسكرية كان لها نصيب الأسد (64 كتاباً)، ويليها الطب البشري (34 كتاباً)، ويليها الطب البيطري (22 كتاباً)، ويليها العلوم الهندسية، وهي الهندسة والجبر وحساب المثلثات والحساب والميكانيكا والهيدروليكا والمساحة وعلم الخرائط (31 كتاباً)، ويليها العلوم الطبيعية والكيميائية، وهي الطبيعة والكيمياء والصيدلة والتعدين والجيولوجيا (7 كتب)، وأخيراً الزراعة والنبات (3 كتب). أما الأدب فقد كان للتاريخ فيها نصيب الأسد (14 كتاباً)، وتليه الرحلات (4 كتب)، وتليها الجغرافيا (3 كتب)، وأخيراً كتاب واحد في التربية، وكتاب في المنطق في تاريخ الفلسفة، وكتاب في علم الاجتماع، وكتاب في علم السياسة. أما الأدب فلم يكن له نصيب إلا "مغامرات تليماك"، التي ترجمها رفاعة الطهطاوي عن فنيلون في منفاه بالخرطوم أيام عباس الأول، وإني أُرجّح أن لاختياره قصة تليماك مغزى سياسياً عميقاً. لقد اغتصب الأمراء الدخلاء قصر أبيه الغائب عن إيثاكا وبنيلوب – مصر الصابرة – تنتظر عودة التشتيت العظيم. وهناك أيضاً "جولستان" وقد ترجمه جبرائيل يوسف متطوعاً وبغير تكليف من الحكومة.

ولم تكن مطبعة بولاق هي المطبعة الوحيدة في عصر محمد علي (صدر عنها 171 كتاباً)، فقد كانت هناك مطبعة مدرسة المهندسخانة (صدر عنها 5 كتب)، ومطبعة مدرسة الطب بأبو زعبل (صدر عنها كتابان)، ومطبعة ديوان الجهادية (صدرت عنها 6 كتب)، ومطبعة سراي رأس التين بالإسكندرية (صدر عنها كتابان)، فالعبء الأكبر كان واقعاً على مطبعة بولاق، ولكن مطبعة الليثوجراف (الحجر) التابعة للمهندسخانة كانت تُسعف في طبع الكتب الهندسية بما فيها من رسوم هندسية.

وفيما يلي قوائم بأسماء الكتب العربية المترجمة في الطب البشري والبيطري:

اسم المؤلف

اسم الكتاب

اسم المترجم

المطبعة وتاريخ الصدور

1. فرانشسكو فاقا

قواعد الأصول الطبية المحررة عن التجارب لمعرفة كيفية علاج الأمراض الخاصة ببدن الإنسان (جزءان)

غير مذكور وغالباً رفاييل زاخور

بولاق نوفمبر 1826

2. غير مذكور

في علم الفسيولوجيا

رفاييل زاخور

مدرسة الطب 1827

3. غير مذكور

رسالة في التشريح

رفاييل زاخور

مدرسة الطب 1828

4. برنارد

قانون الصحة

جورجي فيدال

بولاق 1832

 

واليوم عندما نتحدث عن ترجمة الأدب والشعر في ظرفنا المعاصر، فلابد لنا أن نعترف بأنه حديثٌ ذو شجون. وربما يدفع للأسى في كثير من الأحيان، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بترجمة الشعر العربي تحديداً، فالحقيقة أنّه لم تقم هناك أية حركة ترجمة منظمة للإبداع الشعري العربي، ولا في أي قطرٍ من أقطار الوطن العربي. وإنما اعتمدت تلك الترجمة على نصوص تم الانبهار بها، نتيجة التأثر بالسيد "الخواجة" المستعمر، الذي كان يدفعنا انبهارنا دائماً إلى تقليده، لكي نرتقي إلى مستوى خطابه. أي كان هنالك منذ زمن بعيد ما يُمكن تسميته بالاستهلاك الإبداعي، إذا جاز التعبير، دون تصدير إبداعي بالمقابل.

وكان ذلك من خلال ترجمة ما حظي من الآثار الإبداعية العالمية بشهرة واسعة، من الأعمال الأدبية والنقدية الغربية وخاصة "الرواية"، حيث يذكر معظمنا السلسلة التي ظهرت في أكثر من قطرٍ عربي بعنوان "روايات عالمية". فقد كانت تلك الروايات التي تحوز على شهرة واسعة في الأوساط الثقافية الغربية تتم ترجمتها إلى العربية، ثم ترجمة بعض النظريات النقدية الغربية بعد ظهورها بزمنٍ طويل.

وعلى الرغم من ذلك فقد كانت معظم هذه المشاريع هي مشاريع ذاتية تعتمد على الجهد الفردي، أو التصدير الفكري الأيديولوجي من قبل مؤسسات قطرية تعني بالترويج لأيديولوجية ما أو نظام سياسي ما. وليس معنى ذلك أن هذه الترجمات لم يستفد منها المواطن العربي، ولكنها دائماً كانت متخلفة في زمن إنجازها، وبالتالي متخلفة في تأثيرها، إذا افترضنا أنها كانت ترجمات دقيقة.

وقد شهدت حركة النشر والترجمة في الستينات وأوائل السبعينات عصرها الذهبي في مصر وبغداد وبيروت. عبر العديد من السلاسل الأدبية مثل المسرح والرواية والأعلام، ولكن الشعر كان على الدوام هو الأقل حظاً، وكأنّه لم يكن ديوان العرب في يومٍ من الأيام.


دور نشر عربية وأعمال مترجمة:

وفي الواقع فقد قام العديد من مؤسسات النشر العربية بترجمة العديد من الأعمال العالمية، ولكن العالم العربي كان دائماً في موقع المستقبل، ولم يكن في موقع المرسل إلا في أعمال جد ضئيلة ولم تكن أهدافها في الغالب بريئة، أو إبداعية محضة.

ولكن هذا لا يعني أن نبخس جهود العديد من دور النشر العربية التي ظهرت لها شهرة واسعة في ترجمة العديد من الآثار. فمثلاً تخصصت دار عويدات بترجمة المئات من الكتب الغربية وعن أعلام الغرب، ولكنها ترجمت النذر اليسير جداً من الشعر الغربي، وخاصةً الفرنسي منه.. وبالمقابل، وعلى حد علمنا لم تقم بترجمة أي شاعر عربي في سلسلتها التي عُرفت باسم "زدني علماً". وكذلك دار الآداب التي ترجمت عديد الأعمال الأدبية الأجنبية التي نالت شهرة ما، ولكننا لم نعرف عنها إلا ترجمة القليل من الشعر، ربما فرضتها أهمية بعض الشعراء مثل "بابلو نيرودا" ومائة رسالة حب إلى ماتيلدا، وبعض مسرحيات غارسيا لوركا وغيره، وبعض شعراء أمريكا اللاتينية.

فقد عاصرنا مثلاً ترجمة العديد من أعمال الشاعر التركي ناظم حكمت إلى العربية، ولعدة مترجمين في مثل مشاهد إنسانية من جزأين ترجمة فاضل لقمان، وكانت هذه الجهود تخدم أغراضاً أيديولوجية، لما كان يسمى حينها بالأممية الرابعة، ثم رأينا الشاعر اللبناني الدكتور ميشال سليمان يترجم "سيف اللهب" لبابلو نيرودا، بسبب ما حظي تاريخ نيرودا النضالي من شهرة في الساحات العربية. وترجمات لأشعار أوكتافيو باث، وأخرى لمجموعة شعراء فرنسيين قام بها عدد من الأدباء العرب، من بينهم الشاعر بول شاوول الذي ترجم كتاباً ضخماً يحوي مجموعة من شعراء الفرنسية، وقام سعدي يوسف ومحمد علي اليوسفي وغيرهما من الشعراء بترجمة بعض أشعار اليوناني يانيس رتسوس، كما ترجم آخرين بعض أشعار لويس بورخيس. ورأينا هناك من ترجم أشعاراً لكافافيس، لأنّه عاش في مصر وترعرع فيها، وترجمت الدار الجامعية للطباعة والنشر البيروتية كتاب للدكتورة نازك إبراهيم عبد الفتاح بعنوان "الشعر العبري الحديث، أغراضه وصوره"... الخ. ولا يُمكن أن ننسى هنا ترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة لرائعة ت. إس. إيليوت "الأرض البياب". وعلى كل حال معظم تلك الترجمات التي خرجت للنور كانت لشعراء أو كتاب عالميين هم في الأغلب من حملة جائزة نوبل، مثل ترجمة أعمال الرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سنغور، او الروائي الأفريقي وول سوينكا أو الروائيين اليابانيين مثل ساراماغو، أو يوكيو ميشيما أو كوبو آبي، أو أعمال غابريل غارسيا ماركيز. في الوقت الذي لم يقم أي مشروع ترجمة عربي لترجمة روائيين عرب كبار.

ومن الجدير بالذكر أنّه ربما من أهم الترجمات الشعرية التي نُقلت إلى اللغة العربية كانت ترجمة الدكتور الأديب والمؤرخ الليبي المرحوم خليفة التليسي لأعمال طاغور "هكذا غنّى طاغور"، والتي قامت على نشرها دارا نشر عربيتان هما الدار العربية للكتاب، والمؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر.

وربما أكبر خسارة في هذا المجال هي زوال مجلة "لوتس" "مجلة اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا" التي كانت تقوم بالعديد من أعمال الترجمة المهمة بحكم طبيعة تكوينها كمجلة للأدب الآفرو – آسيوي، حيث كانت تصدر بعدة لغات.

وعلى الرغم من بروز مترجمين عرب كثر أسهموا مساهمة فعالة في إطلاعنا على العديد من وجوه الثقافة العالمية والعلوم الحديثة والنظريات النقدية مثل مجاهد عبد المنعم مجاهد وسامي خشبة وغيرهما، فلن ننسى بالخصوص ترجمات الروائي والشاعر والناقد جبرا إبراهيم جبرا، الذي ترجم العديد من الأعمال العالمية، وربما هو من أول من ساهموا في تعريفنا بالمسرح والشعر الإنجليزي، رغم ذلك، فإننا لم نسمع بشاعر عربي تمت ترجمته إلى لغات أخرى سوى بعض الشعراء اللبنانيين مثل أدونيس الذي ساهمت علاقاته المتعددة والمتشعبة، وزوجته الناقدة خالدة سعيد بفرنسا في إنجاز هذه الترجمات التي اشتغل عليها الكثير من الشعراء العرب واللبنانيين المقيمين في باريس، وكانت من قبيل المؤازرة لأدونيس، نظراً لما كان يشن عليه من حملات تشكك فيه، وفي نهجه وفي ولائه، وفي مدرسته الشعرية ومجلة شعر. وكذلك كان الحال إلى حدٍ ما مع البياتي الذي ترجمت معظم أشعاره إلى الأسبانية بحكم عمله وتواجده في أسبانيا لسنواتٍ طوال. ثم صلاح ستيتية المقيم في باريس والذي يكتب بالفرنسية أصلاً والشاعر اللبناني جورج شحادة المقيم في باريس أيضاً. ثم شاهدنا ترجمات عديدة وإلى لغات عدة أيضاً لشعر محمود درويش نظراً لما كانت تُثيره قصائده من قضايا ساخنة، حين كان النبض العربي ما زال قوياً.. وكذلك عندما اكتشف العالم – الذي كان ما يزال أكثر براءة وأصلب عوداً حينها في مواجهة الباطل – اكتشف ما تفعله إسرائيل من قمعٍ وإرهاب بحق الشعب الفلسطيني الذي يُريد أن يستعيد أرضه، أو مع الطفل الفلسطيني الذي يُقاتل بالحجارة أمام ترسانة هائلة من الأسلحة الأمريكية الإسرائيلية. لذلك رأينا أن أشعار درويش قد تُرجمت إلى العديد من اللغات مثل الفرنسية والروسية والألمانية والإنجليزية.. والفنلندية وغيرها، واشتهرت في هذا السياق الحركة التي سببتها قصيدته "عابرون في كلامٍ عابر" حين أذاعتها القناة الفرنسية، مما استدعى ترجمتها إلى عديد اللغات.

مشروع بروتا لترجمة الشعر العربي:

وبالمقابل فقد كان البحث باتجاه مشروع ترجمة إبداعي عربي لمجموعة من الشعراء العرب إلى لغات أخرى هو ضرب من المستحيل، إن لم يكن من الأمور المستغربة، والتي تحمل في طياتها الكثير من المخاطرة. حتى الجامعة العربية، وعلى الرغم من كل مؤسساتها الثقافية الكثيرة، فلم تقم بمشروع ترجمة من هذا القبيل بالمطلق، في حدود ما نعلم. على الرغم من عشرات مشاريع النشر المشترك التي شهدتها بغداد والقاهرة ودمشق والرباط، فكان مشروع الألف كتاب، ومشروع المائة كتاب، ومشاريع مثل ترجمة "روايات عالمية"، والمشاريع التي عرفت بترجمة المسرع العالمي، سواء في الكويت أو في القاهرة أو بغداد ودمشق. حتى أن اتحاد الكتاب العرب لم يقم بأي مبادرة لمشروع نشر لنخبة من الشعراء العرب، إلى أي لغة. ومعظم الترجمات التي حدثت لم تكن سوى بمبادرة من الأجانب، أو من الأحزاب الشيوعية التي كان من بين أولوياتها أن تصنع الدعاية وتحظى بالدعم اللازم لها من موسكو.

ولكن، وفي نفس هذا السياق أقدمت الشاعرة والناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، الأستاذة في جامعة ميتشيغان الأمريكية، على مغامرة كبيرة، إذ قامت بالعمل على مشروع أسمته "بروتا" الذي قامت من خلاله بترجمة ببلوغرافية لسير وأعمال عدد غير قليل من الشعراء العرب، من العربية إلى الإنجليزية. والذي لم يحظ بالعديد من الشعراء بنصيبٍ فيه أيضاً، إذ اقتصر المشروع على ما يبدو على مختارات بعينها لشعراء محددين من كل قطر، ولم يكن مشروعاً شمولياً يعني بالحركة الشعرية العربية بمجملها. ثم لم نعرف ماذا حلّ ببقية مراحل هذا المشروع، لأن حصر المشروع بفئة بعينها أو بجيلٍ واحد أو جيلين من الشعراء فيه الكثير من الظلم للأجيال المقبلة من مبدعي هذه الأمة ومثقفيها على السواء، ولمستقبلها أيضاً.

ومثلما يقول المترجمون بالعربية واللغات الأخرى ومهما يكن من شيءٍ Cependant أو على أية حال however أو على كل حال hevertheless أو pourtant أو and yet ومع ذلك.

فإنني آمل الكثير من المترجمين الأجلاء، وأحتكم إلى رأيهم، وأُطالب بتشكيل هيئات متخصصة فيها أهل الرأي مع أهل الاختصاص.

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.