اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• المجاملة والنقـد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 
بقـلم : مايكل سـيـﭙـي

 سدني

 

            المجاملة والنقـد

 

المجاملة :

هـل هي فـنٌّ أنعَـم الله به عـلى البعـض لكـسب ودّ الغـير ، أم هي نفاق مبطـّن لا يُراد منه الخـير ؟ هل هي ( بالعاميّة ـ تـَلـَوُّ ﮒٌ ) لترضية المقابل ، أم هي إبتـذالٌ وضعـفٌ عـند المجامِل ؟ هل هي إعجابٌ نزيه بالصديق ، أم هي خـدعة عـنـد وقـت الضيق تـُـعَـبَّـرُعـلى الرفـيق ؟  ومَن يدري فـقـد تكون إمتحاناً ، تـُكـتـشف به شخـصية الثاني مجاناً ، وفي كل الأحـوال إنها إقـرار العاطل بما هـو باطلٌ ، ينـتـعـش لها الجاهل ، ويستهـجـنها الأبيٍّ العاقل الذي نكـُنُّ له إحـترامنا بالمقابل . وفي مقالنا هـذا سنركـّز عـلى الجـهلة القـلائل ، ونـنير زقاقهم الضيق بالمشاعـل ، عـسى أن نستـنـهض وعـيَهم الخامـد الغافل  .

 تسحـبني الذكـريات إلى مطلع عام 1974 في الكـوت وأنا مقـيم في فـنـدق متوسط المستوى بإجرة ثـلاثة دنانير شهرياً متـفـق عـليها سواءاً نـمتُ في سـريري أم لا ، وفي الغالب كـنـتُ أسـتـخـدمه خـمسة ليال في الأسبوع بسبب سـفـري إلى بغـداد مساء كل يوم خـميس ورجوعي صباح السبت ، ويقضي العِـرف الإجـتماعي والقانوني أنْ لا يُستـخـدم فـراشي لغـيري طالما إني أدفع أجـرته الشهرية كاملة ، ثم أنّ إقامتي كموظف في فـندق بسيط هـو فـخر لصاحـبه ودعاية له . وذات ليلة جـمعة شتائية ممطرة فـضـّلتُ الرجـوع ليلاً تحَـسُّباً لأيّ تأخـير صباحي عـن الدوام فوصلتُ الفـندق في الساعة الواحـدة والنصف بعـد منـتصف الليل  (السبت) وفـتح العاملُ البابَ وإتجـهتُ إلى غرفتي ، وحـين هممتُ بالدخـول إليها تـفاجأتُ حـين رأيتُ رجلاً نائماً في سريري ، فـخـرجتُ منها لأكلـِّمَ العامل الذي أفادني بأنّ سريري مشغـول بأمر من صاحب الفـندق ، وعـرض عـليّ أن أشغل سريره الخاص كي أرتاحَ فـرفـضتُ وشكرتـُه ثم خـرجـتُ في تلك الليلة الباردة أطرق أبواب الفنادق لأجـد مكاناً أنام فـيه ليلتي حـتى حـصلتُ ، وصارَ هـو محل إقامتي للسنوات التالية حـتى إنـتقالي إلى بغداد . وبشأن المفاجأة المذكـورة ، رجعـتُ من دوامي نهار ذلك اليوم ، وقـبل أن أذهـب إلى الفـندق الأول حـيث كتبي ومستلزماتي اليومية رآني صاحـبه في الطريق وقال لي : هـيّا نجـلس في المقهى لنشرب أي شيء ، فـقـلتُ له : شكراً أنا مشغـول ، فـقال : أراك تـفهمني بأني أجاملكَ ؟ فـقلتُ : وهل هناك ما يتـطلب ذلك ؟ قال : إنّ موضوع ليلة البارحة كان خـطأ منا ونحن نعـتـذر ، قـلتُ : إنّ الذي فات مات وعـلينا بالآتي ، إنسَ الموضوع . سألتُ نفسي عـمّا يعـنيه إعـترافه  بمجاملته لي قـبل إعـتـذاره ؟ ما هذه المراوغة وما هـذا الجـشع ، كـيف يتظاهـر بودّه لي وفي غـيابي يستغلني ؟ وحـين ذهـبتُ لنقل حاجاتي البسيطة طلب مني بإلحاح البقاءَ فـلم يفـلح معي فإستأذنـتُ بالخـروج ، مما أثار حـقـده عـليّ وصرتُ أسمع لاحـقاً كلامَه المسيء عـني مما أكـد لي نفـسيته ( لا الضعـيفة ) بل المريضة ، وعـلمتُ أن أمثال هؤلاء أصحاب ضمائـر ميتة ، فـتركـتـُه وأنا أتـذكـر قـول المسيح : ( دع الموتى يـدفـنون موتاهم ) ، حـقاً إنّ للمجاملة ثـلة واطئة مِن رجالها ، وغـيرُهم لا يُجـيـدونها . 

إن الخـبرة الإجـتماعـية تـزوّدنا بمصفاة للوجـوه والنـفـوس وبالتالي تـُعَـلـّمُـنا أن شبـيه الشيء ينجـذب إليه مما يجـعـلنا أمام قـطبَـين : فاعلٌ خامل عـدّته فـرشاته ودهـنه ، والآخـر مفعـول به يتـخـذ مِن لمعان كسائه ذريعة لكـينونـته ، بإنشراح خادع وغـبطة فارغة يعرفها الطرفان ، والأنكى من ذلك أنّ المتـقـبّلَ يسلك ذات السلوك فـيُحاكي صاحـبَه الأول بالأصباغ نـفسها وكأنهما ثـعـلبان توأمان يدرك أحـدهما حـيلة الآخـر ، إنه مشهد رائع لدُمىً تـتـحرك أمامنا وتـتحاور بسيناريو فـيلم كارتوني أشبه بـ توم & جـيري نستمتع به وقـت الفـراغ .

كان كارل ماركس عـلى عِـلم بطبائع بعـض أفـراد المجـتمع ، خـمول وإتكالية متـفاعلة مع الحـسد والغـَيريّة التي تـقودهم إلى الغـدر المبَطـّن والخيانة البشرية ، ولم يـبق معهم من عُـملة لكـسب الرضى أو شراء الذمم سوى هـزّ ذيولهم أمام أمثالهم فـيـبتعـدون عـن الحق مقـتربـين إلى الباطل ضالـّـتهم . و(حَـﭽـي بـيناتـنا) فإن كارل ماركس هـذا مخـتبـِـر المجـتمع كان يدري بـِرَداءة هـؤلاء الذين يكـيلون المديح للأردأ منهم بُغـيَة إسـترضائهم والحـصول عـلى كلمة ( عـفـرم ) منهم عـسى أن يغـطي أحـدهم إرتجاف الآخـر في أيام البرد من شـتائهم ، لذلك كـتب رسالة مخـلصة إلى صديقه الحـميم قال فـيها : إذا مدَحـك أحـد فإعْـلـَمْ أنك عـلى خـطأ .

نحـن أمام معـضلة إجـتماعـية ثـنائية القـطبَين تـنـدرج ضمن الأمراض النفـسية ، قـطب يحمل ﭭايروساته ، وقـطب ثان يتشرنق بها ويأويها في بـيئـته ، وفي الحـقيقة إنها داءٌ ينـتـشر بينـنا وليس فـينا مَن يداوينا ، فأين الطبـيب الذي يُـشفـينا والصيدلاني الذي يعـطينا دواءنا  ؟

 

الـنـقـد :

وما أدراك ما النـقـد ، إنه يُـبكِمُ الأفـواه ويَصُـمّ المَسامِع ، يقـضّ مضاجع (الموتى) في كل المواقع ، ينـْصُبُ الموانع فـيعرقل مسيرَ الأحـياء في الشوارع فـترتـجـف الأصابع ، ينبش السهول القاحـلة فـيحـوّلها إلى مقالع ويسبب الفـواجع ، وما أدراك ما النقـد ثانية ، إنه كارثة يومية ، يُـنغـّص حـياة الغـد قـبل الأيام الحالية ، ويرسم طرقاً مستقـيمة فـيُحـرج سالك الممرات الملتوية . إنه يُـعمي بؤبؤ عَـينيه والشبكية في وضح النهار والشمس سمتية ، فالخـطوات الأمامية يراها خـلفية ، والصروح المضيئة العالية تبـدو أمامه سراديـب مظلمة تحـتية ، والآن يا إخـوانـنا نكـتـفي بهذا القـدر من السجَـعـية ، إلى مناسبة أخرى قـوية ، تـحَـفـزونـنا بالدّرَر اليومية ، لا شـفـهية ! بل عـلى هـذه الصفحة التحـريرية .

فالنقـد فـن آخـر غايته إصلاح الفـرد قـبل الشعـوب ، يُـظهـِر العـيوب للترميم وليس لزيادة دقات القلوب ، يسعى إليه الناقـد بنيّة صافـية وإخـلاص دؤوب ، في مواقـع العـمل ومقاهي المَـلل أم في الدروب ، فلا يَهابُه إلاّ أصحاب الذنوب .

ومثـلما يقـول المخـتصّون أن أمراضاً غـريبة عـضوية ، تظهر بعـد كل حـقبة زمنية ، فإن النفـسَ الأمّارة بالسوء تبتـكـر أنماطاً من عـقـد في المسالك النفـسية ، لم تكـن في السابق موجـودة أو مرئية ، سببها فـراغ وعـجـزٌ ـ غـيرة وحـسدٌ ـ كـبتٌ ويأسٌ ـ في حـياتـنا اليومية ، عَـلِمَ بها الرب المسيح قـبل ألفي سنة حـين قال : " تـُقـفِـلون ملكـوتَ السماوات في وجـوه الناس ، فلا أنتم تـدخـلون ، ولا الذين يريدون الدخولَ تدعـونهم يدخلون " متى 23 : 13 ، إنّ تفـسير الآية الإنجـيلية القـيّمة المذكـورة شيءٌ ، وما أريد قـوله شيءٌ آخـر ، فـقـد لا يرغـب أحـدهم بزيارة الملكـوت للترحـيب بساكـنيها ولكـن ! لماذا يمنع البعـضُ غـيرَهم ( لابل يعاتبونهم ) على زيارتها لأداء التحـية إلى داخليها ؟ أبهـذا يفـتخـر المخـتار بحـكمته الوهـمية وخـيالها ؟ وإلى اللقاء مع السلام في كل آن وأوانٍ .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.