اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الخسارة الفادحة للفائز في انتخابات كردستان! -//- صباح كنجي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الخسارة الفادحة للفائز في انتخابات كردستان!

صباح كنجي

الانتخابات كنتيجة مُعلنة تختصرُ في ارقام وأسماء الفائزين، هي انعكاس طبيعي لمجمل السياسات الاقتصادية والتفاعلات الاجتماعية التي تشهدها كردستان من  عقدين بعد انتفاضة عام 1991، التي نجم عنها انسحاب الادارة المركزية للدولة في العهد الدكتاتوري، وتشكيل إدارة ثورية مؤقتة من المعارضة اجمعت احزابها على خوض الانتخابات في ايار عام 1992، ليبدأ عهداً جديداً في مسار الشعب الكردي يضعُ حداً لمسار الثورة والقوى السياسية لصالح حكومة محلية اقليمية وبرلمان يجمعُ بين احزاب ومنظمات قومية ويسارية وإسلامية بالإضافة الى التركمان والكلدو / آشور/ السريان، بتشجيع من قبل اوساط دولية وإقليمية وفرت الحماية للتجربة الناشئة في كردستان لحين سقوط وزوال الدكتاتورية عام 2003 حيث بدأ العهد الجديد في العراق.

عهد تمثل بتحول الاحزاب الكردية الثورية الى سلطة حاكمة في الإقليم لعب فيها الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني على امتداد العقدين الأولين الدور الرئيسي في احتكار السلطة، وتقاسما المشاركة المركزية في بغداد ، والاتفاق على تحاصُصْ واردات الإقليم من المركز في اطار ادارتين.

ـ الاولى في السليمانية و اربيل يتحكم بها الاتحاد الوطني.

ـ والثانية في دهوك ينفرد فيها الديمقراطي.

قبل ان يتحول مسار الحدث عام 1996 لصالح الديمقراطي، الذي تمكن بتنسيق مع الحكومة المركزية من دخول اربيل والاستحواذ على العاصمة، ليبدأ بعدها مشوار المشاركة والمناصفة السياسية والحكومية والمالية بين الحزبين مترافقاً مع نهج السيطرة والهيمنة على الاقتصاد والواردات وحركة التجارة ورأس المال والعقارات ناهيك عن الحكومة والدولة والمؤسسات التي بدأ يستحكمُ فيها كل طرف لصالح مؤيديه وأعضائه من مؤازرين ومنافقين وانتهازيين تجمعوا حول الحزبين بحثاً عن لقمة العيش أو وظيفة لقاء التفافهم وتأييدهم للحزب وسياساته.

دون أن نغفل تأثير البنية العشائرية وحالة الخراب الناجمة من سياسات العهد الدكتاتوري المقبور في اندفاع الكثير من المواطنين للانجرار الى فلك الحزبين المنتفخين اللذان استطاب لهم الجو ولقبا بالكبيرين المتحكمين بأوضاع كردستان.

بحكم كون السياسة امتداداً مكثفاً للاقتصاد فإن ما جرى من تحولات اقتصادية واجتماعية في العقدين الأخيرين في زمن المناصفة بين الحزبين قد انعكس في الانتخابات الاخيرة لتسفرَ عن متغيرات صادمة للبعض، تبدو من الوهلة الاولى كأنها حقائق جوهرية بحكم النظرة السطحية للحدث والرضوخ لنتائج الانتخابات في هذه المرحلة التي تشهد تحولات خطيرة ينبغي عدم التوقف عند مظهرها فقط ، لأن الظاهر منها للسطح من نتائج لا يساعد على ادراك المخفي منها. بالذات ما يتعلق بجوهر العمل السياسي والتوجه الاقتصادي والغوص في بنية التحولات الاجتماعية التي طالت المؤسسات الاجتماعية المدنية في المقدمة منها بنية الاحزاب الحاكمة التي تمر هي الاخرى بجملة متغيرات تمثلت بـ :

1ـ تحولها من احزاب للثورة الى احزاب سلطة تشهدُ حالة انعطاف يتجسد في نقاوة الثائر وفساد رجل السلطة بحكم كونها " أي السلطة " مفسدة كما وصفها ابن خلدون.

2ـ وضعت المعادلة الجديدة الاحزاب وهنا تحديداً الحزبين الرئيسين امام امتحان سياسي واجتماعي يفترض نجاحهم في تقديم الخدمات للمواطنين وتعويضهم لما لحق بهم من خسائر في العهد الدكتاتوري وتجاوز ما خلفه من خراب ودمار  في بنية المجتمع الكردي اشترك فيه العديد من رؤساء العشائر و الجحوش والمتخاذلين في صفوف الاحزاب الذين تواطئوا و تماهوا مع نهج الدكتاتورية  في ذلك العهد  الدموي ..

بجردة حساب وتأمل لما رافق هذه الانتخابات من نتائج يبدو لي وبحكم معرفتي بالخارطة السياسية الكردية، ان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو الحزب الديمقراطي الكردستاني .. الحزب " الفائز "بالنتيجة المعلنة من لدن المفوضية العليا للانتخابات بـ 38 مقعداً حصل عليها بعد أن:.

1ـ خسر كوادره المعروفين من جيل الثوار الذين واكبوا الثورة من امثال سلام برواري المثقف والمكافح الذي قاد الفرع الاول في مرحلة الكفاح المسلح لفترة من الزمن إذ دخل الانتخابات ولم يفوز، فاز الذين انحدروا من صفوف العشائر والعاملين مؤسسات القمع والجحوش في قائمة الحزب الديمقراطي.

تأتي خسارة سلام البرواري في سياق سلسلة اخفاقات تتواصل حلقاتها مع الانتخابات تمثلت بخسارة سابقة لكادر آخر من جيل ثوار الفرع الأول في بهدينان في انتخابات سابقة حيث لاقى المرشح الاول في قائمة الديمقراطي فرج مرزا نفس النتيجة ولم يتمكن من الفوز حينها.

في الوقت الذي وصل مستشاراً للجحوش يدعى حسين الحريري الى اللجنة المركزية في المؤتمر الأخير للحزب ومن ثم لعضوية المكتب السياسي لاحقاً في سابقة تشكل منعطفاً في بنية وتكوين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يشهدُ تحولا لصالح الفئات الطفيلية الناشئة التي بدأت تتمركز حوله وتمتدُ فيه مشكلة اخطبوطاً اجتماعياً طفيلياً ينمو في احشاء الحزب ليحوله الى بؤرة منتفخة متعفنة تجمع التناقضات في بودقة حزب الثورة والسلطة والحكومة والبرلمان المندمج مع مؤسسة العشيرة والفساد .

هي الخسارة الاكبر للديمقراطي الكردستاني المنتشي بفوزه في انتخابات جعلت من خصمه الاتحاد الوطني الكردستاني الطرف الثالث في معادلة التوازنات. بالتالي ستكون المواجهة اللاحقة اصعب و اكثر تعقيداً خاصة وان الانتخابات اسفرت عن :..

2ـ ليس خصماً وحيداً ومنافساً ثانياً ، بل ثلاثة خصوم أقوياء جعلت من حركة التغيير / كوران المعادلة الأقوى كخصم سياسي جديد منفتح اجتماعياً وفكرياً يتبنى مفاهيم يسارية علمانية بالرغم من كل المآخذ على نهجهم بحكم انحدارهم وانشقاقهم من صفوف الاتحاد المنافس التقليدي للديمقراطي لكنهم، أي         الـ كوران يمثلون توجهات تقدمية ويتطلعون الى اهداف تتمحور حول بناء الدولة المدنية وتوفير الخدمات ورفض البنية العشائرية ومكافحة الفساد.

3ـ اما الخصم الآخر المتمثل بالقوى الاسلامية في كردستان بتركيبته المكونة من الاتحاد الاسلامي الـ يككرتو والجماعة الاسلامية والحركة الاسلامية. فيشكل حسب تصورات الحزب الديمقراطي الكردستاني الفئة الأخطر بحكم تبنيه لمفاهيم الدولة الاسلامية وامتداده داخل العراق وخارجه المستعد للتنسيق مع قوى القاعدة عند الضرورة والمدعوم من اكثر من جهة دولية و اقليمية.

والمدقق في سياسة ومواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني يلاحظ بوضوح ميله لمهادنة قوى الاسلام السياسي ونهجهم المريع في كردستان في الوقت الذي بدأت الميول الاسلامية تغزوه من داخل تنظيماته وتحتل مواقع مهمة في قوام تشكيلته الانتخابية الفائزة حيث تقدم الستة مرشحين الذين يمثلون قوى العشائر من ذوي التوجهات الدينية ونالوا اعلى الاصوات في القائمة على حساب ومواقع الثوار وكوادر الحزب الذين تراجع دورهم داخل الحزب الى حد باتوا لا يجرؤون خوض اية انتخابات حزبية او برلمانية لاحقة امام الزحف العشائري وشيوع مظاهر التدين الذي بدأ يفرز المتشددين في ميولهم الدينية ليس في المجتمع فقط بل داخل صفوف الحزب ايضاً.

4ـ ان فوز الديمقراطي الكردستاني في هذه الانتخابات سيضعه امام استحقاقات وخيارات كبيرة ، يصعب تلبيتها في ضل تفشي الفساد وميول الاستحواذ على السلطة ورأس المال وسياسة الاعتماد على العشائر وتجميع المرتزقة            والانتهازيين في الاستقطاب السياسي/ الاجتماعي الراهن الذي شكل غطاءً لحماية المجرمين والقتلة الذين تلطخت اياديهم بدماء الابرياء في كردستان وساهموا في تدمير القرى والمدن في حملة الانفال الاجرامية.

5ـ وفي سياق الانتخابات و نتائجها يبدو الأمر على صعيد المكونات الاجتماعية الكردية اكثر تعقيداً فيما يتعلق بالمناطق التي  تخضع للحكومة المركزية سواء في كركوك ام الموصل ومناطق ديالى التي يتواجد فيها الشبك والايزيديين والفيليين الذين اختفوا من خارطة الانتخابات الكردستانية وتلاشى وجودهم فقد  يئسوا من سياسة المخادعة والإذلال التي الحقت بهم خسائر فادحة وباتوا يتطلعون للبديل الآخر المستقل عن الديمقراطي الكردستاني ولا يستثنى من بين  التوجه اعضاء وجمهور الحزب الديمقراطي نفسه الذين رفعوا الصوت عالياً بعد سنوات من التذمر والمماطلة إذ شهدت المواقع الالكترونية العديد من  المقالات النقدية اللاذعة من لدن بيشمركة وكوادر الديمقراطي احتوت لأول مرة ليس نقداً سياسياً للأخطاء فقط ، بل ما يمكن وصفه برسائل احتجاج ورفض من الممكن أن تتفاعل لتتحول الى حالة تمرد تتجاوز المواقف الفردية الى اتجاه  فعل جماعي منتظر .

خاصة وان ردود الفعل الديناميكية التي اعقبت اعلان النتائج من قبل قيادة الاتحاد ذاتها عن تراجعهم وخسارتهم، وإسراعها للاعتراف بالنتائج والإقرار بالأخطاء السياسية والسعي لمراجعة وتقييم الاوضاع برؤية نقدية صريحة وشاملة لا تخلو من الجرأة، ترافقت مع توجهات ومساعي جادة لتشخيص  ومعالجة الاسباب والعوائق التي تعترض المنجزات والتعهدات البرنامجية التي لها علاقة بالأوضاع السائدة في كردستان من جراء سياسة المناصفة والتحالف الاستراتيجي بين الحزبين وتمديد فترة الرئاسة لمسعود بارزاني وانغماس قادة الاتحاد وكوادره في الاعمال التجارية وجمع الاموال وغيرها من الامور التي بدأ يطرحها كوادر في قيادة الاتحاد نفسه قبل غيرهم ويتميز من بينهم في تشخيصاته ومواقفه المعلنة عادل مراد المسؤول الاول للمجلس المركزي للاتحاد .

هذه الانتقادات والتوجهات الدراماتيكية في جوهرها تشكل نقداً للطرف الآخر الفائز الديمقراطي الكردستاني وتطال وجوده وتوجهاته في العمق بحكم تتطابق اوضاعه مع ما جرى في صفوف الاتحاد وجعلته يتراجع الى الخلف لصالح قوى جديدة ناشئة تعكس مصالح الشرائح الأوسع من كادحي كردستان.

لهذا نقول وننبه .. انّ هذه الانتخابات قد افرزت فائزاً في الحسابات الشكلية للنتائج .. لكنه في الجوهر من الأمر هو ذاته الخاسر الأكبر فيها ..

مرحى للديمقراطية حتى لو خلقت اشكالاً في نتائجها لا  يفصلُ بين فائز وخاسرٍ في زمن التزوير الديمقراطي الذي ساهم بفعالية في هذه الانتخابات ..

ـــــــــــــــــــ

صباح كنجي

 

اكتوبر 2013

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.