اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الوقوف أمام ضريح لينين !

تقييم المستخدم:  / 4
سيئجيد 

أمير أمين

مقالات اخرى للكاتب

الوقوف أمام ضريح لينين  !

 

حينما كنت طفلاً كثيراً ما سمعت عن لينين المحنط في موسكو والذي مضى على رحيله عشرات السنين وكم كنت أتمنى زيارة ضريحه والنظر اليه بخشوع ومهابة ولم أكن حينها أدرك كيفية إستلقاءه وهو في غفوته غير مدرك ما يدور حوله من أحداث عاصفة في أماكن متفرقة من سطح كوكب الأرض ولم أكن أتخيل حجم جسده والملابس التي يرتديها وهو مغمض العينين قاطع التنفس وكأنه تمثال نقش من حجر وكنت أتمنى زيارته حينما أدرس في إحدى جمهوريات الإتحاد السوفيتي المترامية الأطراف والملتصقة في كتلة متينة بقيادة أحزابها الشيوعية التي يوحد نشاطها ويسيّر عملها كيان تنظيمي واحد متين البنيان هو الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي والذي تقف على رأسه اللجنة المركزية ومكتبها السياسي قائد النشاط اليومي للحزب ولما تم إفتتاح مقر للحزب الشيوعي في مدينة الناصرية  عام  1973وصار الحزب يعمل في ظروف شبه علنية كنا نحضر في المقر لمشاهدة بعض الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن لينين ونضاله وطريقة إختفاءه وتنقلاته وكيفية هجوم البلاشفة على خصومهم والإستيلاء على السلطة وكم آلمتنا وفاة لينين بعد مدة وجيزة من إصابته بطلق ناري معادي ثم  شاهدناه وهو في نومته الأبدية والناس تأتي لتحييه على المآثر البطولية التي إجترحها وهو على رأس الحزب والسلطة وغالباً ما يصطحبون معهم أولادهم وبناتهم لتلك الزيارات لكي تترسخ في مخيلتهم هيئة لينين وأفكاره وكنا مبهورين بطاقة لينين الخلاقة وحركته الدؤوبة في تلك الأفلام التي لا أعرف أين هي الآن وأصبح لينين من خلالها ومن خلال كتاباته من أعز أصدقائنا بالإضافة الى حكايات بعض السياسيين عنه وعن البلاشفة والجيش الأحمر وهذه الأمور وغيرها جعلتني أشعر بالأسى لعدم تمكني من زيارة موسكو والدخول للضريح وظلت هذه القضية من الأمنيات الكبرى في نفسي والتي كنت كثيراً ما أفكر بكيفية تحقيقها وحدثت الأمنية وتحققت المعجزة ذات مرة حينما زرت فيها ضريح لينين وكانت عام 1986 وبرفقة طالبة عراقية كانت تدرس في روسيا إسمها صباح والتي تبرعت مشكورة بإصطحابي للضريح وحينما وصلنا الى الساحة الحمراء فوجئنا بطابور بالآلاف من البشر كانوا ينتظرون دورهم لدخول الضريح.. ! قلت لصباح  : لنؤجل ذلك الى يوم آخر حيث أنني لا يمكنني الإنتظار ربما لعشرة ساعات ليأتي دوري في الدخول , لكنها ردت عليّ بأن جواز سفري سيشفع لنا بتقديمنا على الآخرين كوني  زائر ولست مقيم وفعلاً أظهرت جواز السفر ملوحاً به أمام أعين الشرطة  بينما كانت صباح تتكلم معهم باللغة الروسية عن كوني لست مقيماً هنا مما حدى بأحدهم أن يسحبني من يدي ومعي صباح الى بداية الطابور وما هي إلاّ لحظات حتى كنا  أمام  لينين  وجهاً لوجه ..!! الذي كان ممدداً داخل قفص زجاجي دون حراك بعد أن كانت حياته مليئة بالصخب والنشاط والعمل اليومي المتفاني في كل لحظة عاشها من أجل الفقراء..إنتابتني مشاعر مختلطة وأنا أدور مع جمع من الناس أمام وحول الضريح وكنت أفكر بلينين متمنياً أن يستيقظ ولو برهة لكي يسلم عليّ بأية لغة يختارها وخرجت دون أن أسمع منه حرفاً واحداً..وفي عام 1992 صرت أزوره بإستمرار حينما أواعد صديقتي الروسية مارينا على اللقاء بها في المرة القادمة في الساحة الحمراء قرب الضريح حتى أنها إتهمتني بحب لينين وكانت تغار منه ! وأجيبها ضاحكاً : أنتي كالزوجة التي تتهم زوجها بحب أمه أكثر منها وهي لا تدرك بأختلاف الحب بالنسبة للرجل حينما يحب  شريكة حياته وحبيبته وحينما يضمر حبه وحنانه لوالدته فكانت تضحك لأني قلبت الموضوع الى نوع من الجدية !.وفي إحدى المرات  التي زرته بها مع مارينا تذكرت والدي الذي كان يصطحبني الى محل صديقه حسن صمد في الناصرية لكي يحلق لنا رؤوسنا أنا وإخوتي سمير وجمال وكان حينما يدخل المحل يسلم على صاحبه قائلاً له : جلبت لك لينين وستالين وخروشوف لكي تحلق لهم رؤوسهم هههه وكان يسميني لينين ويسمي أخي سمير ستالين وأخي جمال خروشوف وكان صديقه الحلاق حسن صمد يعشق الثورة الروسية وقادتها  البلاشفة العظام وخلال فترة وجودنا في محله كان يتناقش مع والدي حول لينين وستالين الذي يشيد بشجاعته وشجاعة الجيش الأحمر الروسي في قهر النازية ودحر هتلر في عقر داره برلين..كنت في حضرة لينين خاشعاً أفكر بعظمته وفضله على البشرية في تخليص شعوبها من الإستعباد والإستغلال الرأسمالي ومن الذل والهوان كخشوع المتدين البسيط الذي يقف أمام شباك الحسين يبكي عليه بألم لاعناً قتلته في واقعة الطف..كانت تبهرني الساحة الحمراء والجدار الشاهق الأحمر بأحجاره الصغيرة المرصوفة بعناية ومن بعيد أرى وأستمع لخطوات حرس لينين وأذهل  حينما تدق الساعة ويتم بسرعة مذهلة وبلباقة يعجز وصفها لطريقة تبديل الحرس حينما تنطلق شلة منهم وبنسق متساوي يسيرون رافعين أرجلهم بعلو واضح الى الأعلى يضربون بها الأرض بشكل مموسق وبخطوات محسوبة بدقة لحين وصولهم الى حرس الضريح ويتم إستبدالهم بآخرين جدد دون أن نعرف كيف حصل هذا وكأنهم لم يستبدلوهم أصلاً ولا أحد يعرف أو يستطيع حل اللغز المحير في كيفية تبديل حرس لينين إلاّ حينما أنهى غورباتشوف الحزب الشيوعي وتفكك الإتحاد السوفيتي و أستبيحت الساحة الحمراء التي جاء  اليها عدد من الصحفيين الغربيين وسمح لهم بتصوير كيفية تبديل الحرس والتي شاهدوها عدة مرات بالتصوير البطيء وإستطاعوا من فك اللغز المحير الذي أذهل ملايين المشاهدين وكان الناس يتجمعون في دقيقة تبديل الحرس  والتي تسرهم مشاهدتها متحملين قساوة الطقس الروسي  وكثيراً ما كانوا يتناقشون مع الآخرين من كون ذلك لعبة لا سيما وأن الحرس متشابهين في الطول والقيافة والشكل الى حد ما وكأن العملية هي مجرد خدعة ولم تتم بالفعل...!!.تحية الى لينين العظيم في ذكرى ثورة أكتوبر  الإشتراكية العظمى عام 1917 وتحية محبة الى حرس ضريحه  الذين تجاوزوا الآلاف خلال العقود المنصرمة من عمر الزمن والذي شهدنا في العقدين الأخيرين منه كيفية التجاوزات على لينين وفكره وتراثه وتحطيم تماثيله في عدد من جمهوريات الإتحاد السوفيتي الذي أصبح سابقاً كما يلقب به الآن..لكن لينين بقي وسيبقى إسمه عنواناً وطريقاً تهتدي به الشعوب الطامحة للإشتراكية والتقدم رغم  كل  شيء .. 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.