اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قسيس.. والأزمة المالية -//- محمد السهلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

قسيس.. والأزمة المالية

محمد السهلي

الحرية: كلام كثير قيل إثر استقالة وزير المالية في السلطة الفلسطينية نبيل قسيس. وبين قبول الاستقالة من رئيس الوزراء سلام فياض، ورفضها من قبل الرئيس عباس، تتسلط الأضواء مجددا على الأزمة المالية التي تعانيها السلطة، كما تعيد إلى الواجهة الاقتراحات الملموسة التي تقدمت بها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في محطات مختلفة من أجل حل الأزمة وإنعاش الاقتصاد الوطني من خلال خطة وطنية متكاملة وضعت عناصرها الأساسية بعد فحص علمي وواقعي للوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومستلزمات مواجهة الاحتلال بما يمكن المجتمع الفلسطيني بجميع شرائحه من النهوض بعناصر هذه المواجهة.

وقد تفاقمت الأزمة المالية والاقتصادية في مناطق السلطة إلى درجة أشعلت الشارع الفلسطيني الذي عمته التظاهرات والمظاهرات غضبا من ارتفاع الأسعار واحتجاجا على السياسة الاجتماعية ـ الاقتصادية للحكومة الفلسطينية وبالقدر نفسه من الغضب ضد الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال، بدءا باتفاقية أوسلو وانتهاء ببروتوكول باريس الاقتصادي، وطالبت هذه الاحتجاجات بوقف العمل بهذه الاتفاقات وإلغائها. وقد وجد الرأي العام الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في الضفة نفسه أمام أفق مسدود في العملية السياسية وكذلك الأمر في مسألة التنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية وتدهور متواصل في مستويات المعيشة بفعل سياسة الاحتلال من ناحية، وسياسة الحكومة من ناحية أخرى.

لقد تفجرت هذه الاحتجاجات في الأساس على خلفية ارتفاع أسعار مشتقات النفط وعدد من السلع الأساسية التي لا غنى للمواطن العادي عنها في حياته اليومية. ولا تنحصر الأزمات المالية والاجتماعية والاقتصادية، التي تضغط بثقلها على المواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحدود الانعكاسات السلبية الواسعة للاتفاقيات الموقعة مع حكومة إسرائيل على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بل هي تتجاوز ذلك إلى سياسات الدول المانحة مساعدات من ناحية، والسياسة الاقتصادية من ناحية أخرى تحت سمع وبصر الحكومة وبتشجيع منها في إطار ترويج الأوهام حول الانتعاش الذي يمر به الاقتصاد الفلسطيني.

لقد تغير منحى مساعدات الدول والجهات المانحة بدءا من العام 2009 وتراجعت المساعدات بشدة في العامين 2010 و 2011. وهبط المعدل الشهري للمساعدات الخارجية لدعم الموازنة العامة بنسبة أكثر من الثلثين أي من معدل 150 مليون دولار شهريا عام 2008 إلى نحو 50 مليون دولار عام 2011. وتحولت خطة التنمية الحكومية إلى خطة وهمية. وتراجعت الاستثمارات وخاصة في مجال زيادة الطاقة الإنتاجية لفروع الاقتصاد إلى ما هو أدنى مما كانت عليه في العام 2005، بينما نما الاستهلاك ونمت حركة من السلع والخدمات في الضفة الغربية من 1.6 مليار دولار عام 2005 إلى 2.8 مليار دولار عام 2009.

وهكذا تكشّف الوضع عن أزمة اقتصادية وأزمة مالية، ودخل الاقتصاد في أزمة خسائر سنوية في الناتج المحلي الإجمالي وأزمة مديونية تتراكم فوائدها وأزمة عجز في الميزان التجاري، فضلا عن الأزمة بالعدوى الناتجة عن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وأزمة تَحكُّم تعكسها الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.

في سياق انسداد آفاق التسوية السياسية وتوقف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وتوجه الجانب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لتحسين مكانة فلسطين إلى مستوى دولة تحت الاحتلال، بدأت موارد السلطة تجف تدريجيا، ما اضطرها إلى الاستدانة من القطاعين المصرفي والخاص إلى الحد، الذي لم يعد باستطاعتها الاستمرار في الاستدانة بسبب التدهور الحاد في وضعها الائتماني.

لقد أكدت الجبهة الديمقراطية في سياق طرحها لإستراتيجية اقتصادية واجتماعية جديدة على أن إجراء إصلاح ديمقراطي شامل في النظام السياسي الفلسطيني هو ضرورة سياسية لإقامة نظام يرتقي في بنيته وآلياته وأهدافه إلى تجسيد المشروع الوطني الفلسطيني، وكذلك تبني سياسات اقتصادية - اجتماعية تقوم على مبدأ العدالة الاجتماعية لكل فئات الشعب، خاصة في ظل الاحتلال.

كما أكدت على أن هذه الخطة الاقتصادية - الاجتماعية بآلياتها وأهدافها ترتبط ارتباطا وثيقا بمتطلبات النضال الوطني التحرري والهادف إلى الخلاص من الاحتلال والاستيطان، ونيل الاستقلال والسيادة. هدفها الرئيس توفير مقومات الصمود للمجتمع في معركة الاستقلال الوطني.

وأشارت إلى أنه كي تصبح هذه الخطة قابلة للتنفيذ لابد أن تكون حصيلة توافق وطني شامل يقوم على أساس المشاركة الفاعلة في صوغ أهدافها وآلياتها من قبل القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة. وإنه لابد أن يُضمن للخطة تطبيقا خلاقاً بالفعل لا بالقول، لمبدأ التكامل بين السياسات الاقتصادية والسياسات الاجتماعية. فأهداف التنمية الاجتماعية لا يمكن تحقيقها على نحو مستدام بدون الموارد التي يؤمنها النمو الاقتصادي. والنمو الاقتصادي يصبح بلا مغزى ما لم يهدف إلى الارتقاء بمستوى حياة المواطنين في مختلف المجالات.

إن سياسة الدمج والإلحاق الاقتصادي التي انتهجتها سلطات الاحتلال منذ حلوله في العام 1967 ألحقت دماراً شاملاً ببنية الاقتصاد الوطني ومزقتها إلى أشلاء ترتبط بوشائح عميقة من التبعية مع الاقتصاد الإسرائيلي.

والحديث يجري هنا حول تحديد السياسات المطلوبة لتعزيز صمود المجتمع في ظل الوضع القائم بما يفرضه من قيود ومعيقات، وفي سياق استمرار النضال من أجل التحرر والاستقلال. ولكي تكون هذه السياسة واقعية فإن عليها أن تنطلق من حقائق الوضع الراهن، وتسعى في الوقت نفسه إلى توفير المقومات والشروط لتغييرها وتجاوزها. إن التحرر من قيود الاتفاقيات المجحفة، بما في ذلك بروتوكول باريس الاقتصادي سيء الصيت، بل والخلاص من ممارسات الاحتلال المدمرة للاقتصاد الوطني، هي بلا شك أهداف نضالية مشروعة وليست مجرد شعارات، بل أهداف كفاحية يتوقف إنجازها على إحراز التغيير الملموس في موازين القوى بين الشعب وبين الاحتلال. وأحد أبرز عناصر هذا التغيير في ميزان القوى هو تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني لمواجهة تحديات المجابهة المتواصلة مع الاحتلال واستمرار النضال من أجل التحرر الوطني.

من هذه الزاوية، فإن ما يمكن أن يكون في جعبة الوزير نبيل قسيس من خطط إنقاذية من الأزمة المالية والاقتصادية القائمة ربما لا يتجاوز بعض الإجراءات التحسينية في الأداء الاقتصادي للحكومة، بينما المطلوب إصلاحا شاملا للنظام السياسي الفلسطيني واستتباعا اعتماد سياسة اقتصادية اجتماعية جديدة تنطلق من توصيف وتعريف الأزمة البنيوية للسياسة القائمة وبالتالي فإن المطلوب إعادة النظر في هيكلة النشاط الاقتصادي الفلسطيني ونقله من إطاره الريعي باتجاه اقتصاد تنموي إنتاجي يعزز صمود المجتمع الفلسطيني ويزيد من قدرته على مواجهة الاحتلال على طريق إنجاز الحقوق الوطنية.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.