اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حكومة الاستيطان -//- محمد السهلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

حكومة الاستيطان

محمد السهلي

الحرية: مع الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الحكومية الجديدة في إسرائيل، يكون بنيامين نتنياهو قد تجاوز عمليا صدمة نتائج انتخابات الكنيست، التي فقد فيها قدرا لا يستهان به من قوته البرلمانية السابقة.

وما بين انتهاء الانتخابات وتشكيل الحكومة، تمكن نتنياهو من زرع الشقاق بين حزبي «يوجد مستقبل» برئاسة لبيد و«البيت اليهودي» برئاسة بينيت، وإن كان نزل عند شرطهما عدم إدخال الحريديين إلى الإئتلاف الحكومي وهو ما حرمه (حتى الآن) من قيادة حكومة موسعة تتمتع بشبكة أمان معتبرة داخل الكنيست.

لكن أهم ما حصل عليه نتنياهو من التشكيلة الحكومية الجديدة هو أنها ستكون حكومة استيطان بامتياز، نظرا لمواقف المكونات الأساسية للإئتلاف الحكومي من مسألة تجميد الاستيطان ورفضه رفضا باتا مهما كان الأسباب والدوافع.

لطالما عبر نتنياهو عن توقه إلى تحقيق «حلمه الاستيطاني» الكبير، الذي يتجلى بوجود مليون مستوطن يهودي في الضفة الفلسطينية، وعبّر عن سعيه لتأمين مستلزمات تحقيق هذا الحلم.

فأولا يحتاج إلى ائتلاف حكومي منسجم تماما في الموقف من توسيع الاستيطان، على أن تكون الأطراف الأساسية في هذا الائتلاف تملك من القوة البرلمانية ما يكفي لتمرير مشاريع رئيس الوزراء وحزبه، وتكون في الوقت نفسه أضعف من أن تحاول تجسيد طموحاتها في منافسة نتنياهو على رأس هرم المشهد السياسي. ولتحقيق هذا الأمر تم الزج بيئير لبيد الذي يمتلك حزبه «يوجد مستقبل» 19 مقعدا في الكنيست، في وزارة المال بكل ما يمثله ذلك من استحقاقات أبرزها أن لبيد سيبقى تحت المساءلة البرلمانية ومن قبل الجمهور حول الخطط الحالية المفترضة للخروج من الأزمة المالية التي عانت منها إسرائيل خلال السنوات الماضية وأدت إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق، وسيكون لبيد مع حقيبة وزارة المال في حالة انغماس دائم في محاولة حل الإشكالات القائمة والمستجدة وسيبعده ذلك حتما عن النظر حوله بما يكفي لمتابعة السياسات التي ينفذها نتنياهو على الأرض.

ما يريده نتنياهو أيضا لتحقيق حلمه الاستيطاني هو تأمين هدوء سياسي، ويشجعه على تحقيق غرضه أن جعبة زيارة الرئيس الأميركي أوباما تجاه التسوية مع الجانب الفلسطيني لا تحمل طلبات ذات صلة بالاستيطان عند الحديث مجددا عن ضرورة إطلاق المفاوضات المتوقفة. ومن المتوقع أن يبادر نتنياهو لإطلاق بادرات زرع ثقة تجاه الفلسطينيين تبتعد تماما عن موضوعة الاستيطان وتكتفي بالحديث عن إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين من سجون الاحتلال والتخفيض من القيود والعقوبات المالية التي تفرضها تل أبيب على إيرادات السلطة الفلسطينية ومستحقاتها من التقاسمات الجمركية.

ولا تخفي الأوساط المحيطة بنتنياهو أنه يسعى إلى تثبيت معادلة جديدة مع الإدارة الأميركية جوهرها استيعاب حاجة واشنطن إلى هدوء تل أبيب تجاه الملف الإيراني مقابل غض النظر عن النشاطات الاستيطانية في الضفة بما فيها القدس.

ويساعد نتنياهو على تحقيق حلمه أن أوساط الإدارة الأميركية باتت تتحدث عن ابتعاد أركان الإدارة عمليا عن ممارسة الضغط بما يخص مسار التسوية على قاعدة استخلاص جديد يقول بأنه كلما ازداد الضغط على الطرفين كلما ابتعد أحدهما عن الآخر، وأن الطلبات المتكررة التي تقدمت بها واشنطن من الجانبين من أجل التقدم بعملية التسوية، لم تؤد إلى إنجاز يذكر، ولم يعد استئناف المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، هدفا أساسيا في اهتمامات الإدارة الأميركية.

وعلى اعتبار أن وزير الخارجية جون كيري سيكون بصحبة الرئيس أوباما خلال زيارته المرتقبة فإن بعض الأوساط الأميركية المطلعة تقول بأن الوزير الأميركي مهتم بموضوعة التسوية لكنه يدرك بحكم التجارب السابقة بأن نصب طاولة المفاوضات لوحده لن يكون كافيا للوصول إلى حل. وبحسب هذه الأوساط فإن الأميركيين على ما يبدو منفتحون على ما أسموه أفكارا جديدة من نمط خطوات أحادية الجانب منسقة أو متفق عليها أو اللجوء إلى تسويات انتقالية.

هذا يعني أن انتفاء أي احتمال لممارسة ضغط أميركي على الحكومة الإسرائيلية سيطلق العنان بيد نتنياهو كي يتمادى أكثر فأكثر في نشر الاستيطان دون أي اعتبار لردات فعل دولية غاضبة، وسيبقى الحديث في موضوعة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني متواصلا على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي كمجرد رسالة إلى الخارج من أجل المحافظة على السكون القائم تجاه الإجراءات الإسرائيلية بشأن الاستيطان. ويعرف نتنياهو أنه في هذه الأيام ليس مضطرا لتوجيه رسائل إلى الداخل الإسرائيلي بخصوص مسألة التسوية على اعتبار أن الحكومة الجديدة في غالبيتها العظمى ليست فقط تدفع باتجاه توسيع الاستيطان، بل وتحذر من ذكر عملية تجميده ولو من قبيل الخطاب الإعلامي. ولا يبدو أيضا أن التهديد الأوروبي بعزل إسرائيل ومعاقبتها بشأن الإجراءات الاستيطانية محط تنفيذ على الأرض مع غياب الاهتمام الأميركي بهذا الشأن.

إن كل ما سبق يفترض بالحالة الفلسطينية أن تعمل بشكل جدي على إلغاء البيئة السياسية التي يفضلها نتنياهو لتوسيع الاستيطان، والمقصود هنا الاستقرار السياسي الذي ينشده على جبهتي المقاومة والجهد السياسي والدبلوماسي، وهذا يتطلب مواجهة الإجراءات التوسعية الإسرائيلية على الأرض عبر إنهاض المقاومة الشعبية الفلسطينية وتعميمها بتوفير كل الأسس السياسية والاقتصادية الكفيلة بحماية استمرارها وتعاظمها لتشعر الاحتلال جديا بأن أكلاف استمراره ستكون باهظة ولن ينعم المستوطنون بالرخاء الذي هم فيه على امتداد الوقت طالما استمر وجودهم الاستعماري على أراضي الضفة الفلسطينية بما فيها القدس.

إذا لم يحصل ذلك فإننا سنكون أمام استحالة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وسنجد أنفسنا أمام مليون مستوطن يهودي يعيثون في الأرض الفلسطينية نهبا، فيما تعزل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض بمكونات الشبكة الاستيطانية التي سيتضاعف حجمها فيما لو ترك نتنياهو وحكومته.. على غاربهم.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.