اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• شرطة التحقيقات الجنائية في العراق ..بين المهمات النبيلة والأفعال الدنيئة -//- نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

مقالات اخرى للكاتب

شرطة التحقيقات الجنائية في العراق ..بين المهمات النبيلة والأفعال الدنيئة

لم تدوم الأنظمة الاستبدادية بقوة الأجهزة الأمنية والجواسيس والعيون وعسس الليل والتعذيب والقتل , لكنها تدوم بممارسة سياسات تلتزم مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية , كانت الحياة مليئة بما هو مرفوض من نقص في الحريات الديمقراطية العامة وفي انتشار الفساد المالي والإداري, وبتنامي الحكم الفردي والصراعات السياسية والتجاوز على الحريات الديمقراطية وحرية المواطن والمواطنة , وحقوق الإنسان بشكل عام .

صدر عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع كتاب متوسط الحجم يقع في (136) صفحة من الحجم المتوسط بعنوان (شرطة التحقيقات الجنائية في العراق ..بين المهمات النبيلة والأفعال الدنيئة) للكاتب والباحث د. كاظم حبيب, كان الهدف من الكتاب عبارة عن مقال للرد على تصريح أولى به" الشريف علي بن حسين بن علي بن حسين شريف مكة" للصحافة العراقية , أشار فيه إلى أن العهد الملكي كان عهد انفتاح وديمقراطية وحرية وسعادة , ووجد الكاتب نفسه كأحد أبناء ذلك الجيل الذي اكتوى بنيران النظام الملكي , أن يوضح ويشير إلى جانب القمع والإرهاب الذي مارسهُ النظام الملكي ضد المناضلين, وقد زج النظام رجال الشرطة والجيش وعناصر شرطة التحقيقات الجنائية في الدفاع عن النظام, ويبين الكاتب في مقدمة الكتاب إن الباحث والناشر( مازن لطيف علي) قد اقترح عليه بأن يصدر كتاباً أو كراساً حول التحقيقات الجنائية فكان هذا الكتاب .

وقد أشار الكاتب حبيب إلى تاريخ تأسيس مديرية شرطة التحقيقات الجنائية , في مدينة البصرة عام 1917 عند دخول القوات البريطانية , حيث ارتفع العدد إلى ( 2628) حسب المقال الذي كتبه الضابط البريطاني ويلسون بهذا الصدد عام 1928 , وقد اتخذت هذه المديرية مكتب خاص لطبعات الأصابع ومديرية الجوازات , وكانت في النصف الثاني من الثلاثينات أدرك البريطانيون إن الفكر الاشتراكي أو الشيوعي والأفكار اليسارية بشكل عام وجدت طريق لها في العراق , وشكلت خطراً كبيراً خلال فترة الحرب العالمية الثانية لهذا وجدت سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة صوب تحريم الفكر الماركسي وتصديها للتيارات الديمقراطية اليسارية , مما زجت السلطات ولفترات مختلفة الكثير من السياسيين في السجون العراقية , واستخدمت معهم أساليب التعذيب النفسي والجسدي والإعدام من أجل الحفاظ على مصالحها في العراق , لكن إدارة هذه المديرية كان بيد خليط من الضباط البريطانيين يساعدهم عدد من الأجانب جاءوا برفقة الحملة ,ولكن عام 1921 تم تعيين المقدم بريسكون منسقاً عاماً للشرطة , لكن كان أول ضابط عراقي نسب للتعيين كمدير عام للشرطة العراقية هو العقيد نوري السعيد.

أشار الكاتب في ص19 إن الأجهزة الأمنية شملت "كل الألوية والأقضية والنواحي وكافة المدن كدوائر فعالة ضمن جهاز الشرطة , كما توسعت صلاحياتهم ومسؤولياتهم في الحفاظ على النظام ومكافحة القوى المناهضة له , وخاصة القوى التي سميت بالهدامة " فقد كان عناصر المديرية يستخدمون كافة وسائل التعذيب الجسدي والنفسي مع المعتقلين والأحكام السياسية القرقوشية بسبب احتكامهم لأوامر السلطة التنفيذية مع عشرات الآلاف من المناضلين العراقيين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية , كما نفذ النظام الملكي أحكاماً بالإعدام بحق العشرات من المناضلين خلال فترة الحكم لهذا النظام , كما وظف النظام الملكي الآلاف من الشرطة السرية والمخبرين مما وضع الإنسان العراقي بحالة عدم الاطمئنان على حريته الفردية , إضافة إلى تعرض البريد للرقابة , كما مارس هذا الجهاز الدور الكبير في مطاردة العراقيين اليهود وتحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق , مما دفع الكثير منهم إلى الهجرة والإقامة في إسرائيل , حيث كان الهدف للتخلص منهم ومن وجودهم في العراق مما دفعت بهم للفترة بين (1948-1952) للهجرة إلى إسرائيل وإلى بلدان أوروبية أخرى , بعد أن مورس الفرهود بحق ممتلكاتهم في حزيران عام1941 , حيث كان يقود الحملة مفتي الديار الفلسطينية في العراق ( أمين الحسيني ) , وكانت هذه التصرفات غير الإنسانية لطخة عار في جبين وتأريخ الحكومات العراقية , حيث تم تهجير ما يقارب (140) ألف مواطن من العراقيين اليهود خلال الفترة المذكورة .

أشار الكاتب كاظم حبيب في ص 28 بأن " النظام الملكي في العراق فرض خلال 37 سنة من حكمة حوالي 11 سنة أحكاماً عرفية في أنحاء مختلفة من العراق , ومنها أكثر من سنتين في جميع أنحاء العراق ... كما كانت دائرة التحقيقات الجنائية هي الأداة المركزية والأساسية بيد النظام الملكي للتجسس على المواطنين وحبس أنفاسهم " فقد وضعت بريطاني خيرة عناصرها على رأس هذا الجهاز ليلعبوا دورهم في المراقبة وكتابة التقارير وتحليل المعلومات وتقديم المقترحات المفيدة لنشاط القوات البريطانية والمندوب السامي في العراق , وكانت المس بيل واحدة من أفضل تلك الشخصيات النشطة والفعالة في هذا الجهاز , وقد تسلم إدارة وإشراف هذا الجهاز عام 1946 بهجت العطية والمسمى بجهاز ( سي أي دي) , وقد أصدرت عام 1959 محكمة الشعب الحكم لهذه الشخصية بسبب توليه هذا الجهاز وإصدار الأوامر بتعذيب المعتقلين أثناء التحقيق لانتزاع الاعترافات منهم , وكانت (الشعبة الخاصة) تهتم بملاحقة العاملين في الشؤون السياسية لقوى المعارضة الوطنية , وكانت العلاقات بين مديرية التحقيقات الجنائية والشعبة الخاصة تتم عبر مديرية الشرطة العامة , لكن بعد ذلك ألحقت دائرة الشعبة الخاصة بمديرية التحقيقات الجنائية وأصبحت جزء منها , وقد عملت هذه الدوائر تحت إشراف غير مباشر للسفارة البريطانية أو جهاز الأمن الخاص في السفارة البريطانية .

كانت الإضرابات والتحركات السياسية الجماهيرية تحدث عند الاحتجاج على سياسة الدولة الداخلية أو في عقد الاتفاقيات والمعاهدات الجديدة المخلة بسيادة العراق واستقلاله ومصالح الشعب , تقوم أجهزة الأمن الثلاثة ( دائرة التحقيقات الجنائية ومديرية الشرطة العامة والشعبة الخاصة) بوضع العديد من الخطط الخاصة لمواجهة الأزمات قبل أو بعد وقوعها , ويعتبر متصرف بغداد هو المسؤول عن تنفيذ تلك الخطط وبدعم من أجهزة الشرطة والتحقيقات الجنائية , كما يمكنه طلب وزير الدفاع بتدخل الجيش في حالة الضرورة للتحرك ضد المخاطر , ويعتبر هذا التصرف تجاوز على الدستور وعلى مهمات الجيش , لكن يشير المؤلف د.كاظم حبيب في ص32 إن مدير التحقيقات لها الدور الأول أن "تتحكم في الأمور الإدارية بحجة حماية الأمن في المحافظات المختلفة ... إذا كانت تتمتع بسلطة كبيرة فعلياً ولكنهُ لم يكن يتحرك بدوره إلا بعد استشارة أجهزة الأمن العاملة في السفارة البريطانية ", لقد قدمت دائرة التحقيقات الجنائية خدمة كبيرة للنظام الملكي وللقوى الإقطاعية والنخبة السياسية الحاكمة المعادية لمصالح الشعب , وكذلك لبريطانيا ومصالحها في العراق عبرَ إجراءاتها القمعية المختلفة , لكن لهذه المديرية كانت ميزانية خاصة مستقلة ضمن ميزانية وزارة الداخلية لا تدخل ضمن الميزانية والتي ساعدتها على إجراء تحسينات واسعة في أجهزة الأمن , ويذكر الكاتب في ص41 " كنت أحد\ الذين اعتقلوا وسجنوا وابعدوا في العهد الملكي ابتداءً من عام 1955 ولعدة سنوات , وقد تعرفت في دائرة التحقيقات الجنائية وفي سجن بغداد وبعقوبة على بعض تلك الأساليب الشرسة في التعذيب بهدف انتزاع المعلومات والاعترافات , أو انتزاع البراءة ضد المبادئ التي يعتنقها والحزب الذي ينتمي إليه المعتقل أو السجين ...تعرفت على الشاعر عبد الرزاق الشيخ علي في موقف السراي في عام 1956 ثم عشت معهُ في الإبعاد في بدرة في عامي 1957 و 1958 وكان قد أصيب بالجنون " , وإن أسوء ما تعرض لهُ السجناء السياسيون في عراق العهد الملكي كانت مجزرة سجن الكوت وسجن بغداد عام 1953 أثناء وزارة جميل المدفعي حيث سقط (19) قتيل وعشرات الجرحى فيها .

كما أشار الكاتب حبيب في ص 47 إلى نشاط وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية حول مجزرتي سجن بغداد وسجن الكوت عام 1953 " خلال وزارة الفريق نوري الدين محمود وتعيين اللواء الركن عبد المطلب الأمين حاكماً عسكرياً , نشطت وزارة الداخلية وشرطة التحقيقات الجنائية وزجت بعدد كبير من المشاركين في الانتفاضة الشعبية (تشرين الثاني 1952) والمشتبه بمشاركتهم في المعتقلات , ثم قدموا إلى المحاكم العسكرية التي شكلت على عجل وأصدرت أحكاماً قاسية وجائرة على عدد كبير منهم بمختلف الأحكام ولسنوات طويلة على وفق ما كانت تقرره مديرية التحقيقات الجنائية بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية التي تقوم بدورها بالتنسيق مع الخبراء البريطانيين العاملين في جهاز أمن السفارة البريطانية " , حيث اعتقلت هذه الأجهزة القمعية أكثر من (220) شخصاً من المثقفين الوطنيين المشاركين في الحياة السياسية العراقية , كما ألقي القبض على (2999) شخصاً من المشاركين في مظاهرات انتفاضة تشرين الثاني 1952 , مما حكم على اثنين منهم بالإعدام في شارع غازي(الكفاح حالياً) بقصد إرهاب الناس , وحكم على الآخرين بأحكام متفاوتة أو بالإفراج عنهم بكفالات مالية , كما أشار الكاتب إلى الفترة التي سبقت الانتفاضة بقيام السجناء السياسيون مطالبين بحقوقهم كسجناء سياسيين لاستمرار الإضراب أكثر من عشرين يوماً , مما أدى إلى وفاة السجين السياسي نعمان محمد صالح حتى حسنت الحكومة أوضاعهم الغذائية وسمحت بزيارات العائلات وحصول السجناء السياسيين على الصحف اليومية .

لكن تعيين الضباط المعروفين بقساوتهم وحقدهم الشديد على الشيوعيين لإدارة السجون العراقية ومنهم عبد الجبار أيوب مديراً لسجن بغداد المركزي وجهاد الجاف مديراً لسجن الكوت , وشغل وزارة الشؤون الاجتماعية ماجد مصطفى الذي قرر نقل السجناء إلى سجن بعقوبة , وخلال وزارته وجهت ضربة تأديبية للسجناء السياسيين ومجزرة في سجن بغداد وكانت الحصيلة استشهاد (8) سجناء وجرح (93) سجيناً , لم يدخل المستشفى منهم سوى (23) جريحاً , وبعد هذه المجزرة تم نقل بقية السجناء السياسيين إلى سجن بعقوبة , ولم تبذل أية جهود حقيقية للتفاوض مع السجناء السياسيين بل نظمت مذبحة جديدة في سجن الكوت نتيجة الإضراب عن الطعام تضامناً مع أخوتهم السجناء في سجن بعقوبة .

وقد تضمن الكتاب موضوعاً آخر هو (ما فعله الاستعمار البريطاني والنظام الملكي في العراق على مدى أربعة عقود) والذي يحتوي على دور الحركة الملكية الدستورية في الدعوة لإحياء الملكية في العراق والتي تأسست عام 1993 والتي ترأسها السيد علي بن الحسين , إذ كانت توجهاتها الدعاية المكثفة والدعوة للنظام الملكي في العراق , لكن الكاتب حبيب قد عالج بهذا المقال طبيعة السيطرة البريطانية وحقيقة العهد الملكي في العراق ودور الإدارة البريطانية في العراق في السعي إلى تشويه الدستور بالممارسة العملية من خلال جملة من السياسات منها تعيين مستشار بريطاني بجوار كل من الملك ورئيس الوزراء وكبار المسؤولين , وتكريس تطبيق قانون دعاوى العشائر بجوار القانون المدني العراقي , وتعطيل المواد الديمقراطية في الدستور وتزوير الانتخابات البرلمانية وفرض الوزراء ورسم سياساتهم للحكومات العراقية المتعاقبة , ومحاربة الحياة الحزبية والديمقراطية السليمة , وتشكيل أجهزة الأمن والداخلية وقمع نضال الشعب العراقي وقواه الوطنية المختلفة , وإصدار أحكام الإعدام بحق قادة الحزب الشيوعي العراقي عام1949 , وفرض الاتفاقيات الاستعمارية على العراق ومنها معاهدة 1930 , وشجعت أجهزة التحقيقات الجنائية والشرطة والجيش ضد المناضلين العزل والمتظاهرين المطالبين بالديمقراطية , ورفض المعاهدات الجائرة والعدوان الثلاثي على مصر بعدَ تأميمها قناة السويس عام 1956 , وقد ساهمت بريطانيا وبقية الدول الاستعمارية حتى بعد ثورة 14 تموز 1958 بالتآمر على الحكومة الوطنية .

يؤكد الكاتب حبيب إن السياسة الاستعمارية في العراق و"باختصار شديد أرسى الأساس المادي المعوج لإقامة مجتمع مدني مشوه مستفيدين في ذلك من التخلف العام السائد في البلاد , ومن وجود حكام حلفاء تدربوا في المدرسة العثمانية وأصبحوا حلفاء مخلصين لبريطانيا على حساب مصالح بلدهم وشعبهم" , مما ساعد هذا التوجه في بروز ظاهرة الاستبداد في الحكم والحكام المستبدين.

كما قامت هذه الحكومات على منح الاحتكارات الدولية لعقود التنقيب واستخراج وتصدير النفط الخام بشروط استعمارية , وفي نهب التراث التاريخي للعراق من مناطق العراق الأثرية , إضافة إلى سنّ قانون تسوية حقوق أراضي رقم (50) وقانون اللزمة رقم(51) لسنة 1932 الذي صاغ بنود القانونين الخبير البريطاني (داوسن) والذي كان لصالح حفنة صغيرة من الشيوخ والإقطاعيين وكبار ملاكي الأراضي الزراعية , ممن ساومَ على ثورة العشرين أو وقف ضدها وكان القانونين مكافأة لهم .

كما تضمن الكتاب فصل عن ( طبيعة الدعوة الليبرالية الجديدة في العراق ) في أوساط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لممارسة سياسات الانفتاح الاقتصادي والليبرالية الجديدة في اقتصاديات بلدان العالم الثالث ومنها العراق , وهذا لا يمكن القبول به جملة وتفصيلاً بسبب تباين الظروف بين البلدان , كما تضمن الكتاب فصلاً عن ( ذكريات مرّه في ضيافة شرطة التحقيقات الجنائية في العهد الملكي ! في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ) والمقال الإهداء من قبل الكاتب لراعي الحركة الملكية الدستورية في العراق ويبين في المقال ما مرّ به الكاتب من معاناة في حقبة الحكم الملكي نتيجة لنضاله واعتقاله على يد رجال التحقيقات الجنائية وخاصة أولئك الذين يمارسون التعذيب ضد المعتقلين , , كان المقال تفصيلي لتعذيب في هذه الدائرة لسبعة أيام داخل سراديب وغرف مظلمة بحق المناضلين والمواطنين العراقيين نتيجة شعورهم الوطني اتجاه بلدهم .

يعتبر الكتاب من الكتب المهمة لما مر به العراق في حقبة الحكم الملكي ويوضح الكاتب الدور القذر الذي لعبتهُ دائرة التحقيقات الجنائية والشعبة الخاصة , وقد خلى الكتاب من الأخطاء المطبعية واللغوية وقد اسند في الكتاب بعض الصور والجداول المهمة للتطور الكمي للشرطة العراقية , فهو وثيقة مهمة توثق واقع وحقيقة هذه المديرية في فترة زمنية ماضية .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.