اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الطائر المهاجر: قصة قصيرة

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

القاص / علي اسماعيل الجاف

الطائر المهاجر: قصة قصيرة

 

تجلس "نداء" في غرفتها لوحدها بجوار كتبها التي لاتفارقها للحظة واحدة، وفي ثنايا الاوراق بحثا" عن رأيا" او موضوعا" يشدها للتعاطف معه كفكرة مثيرة وغريبة تمكنها من ايقاف هوس الاخرين وثرثرة الجهلاء والناشئين ... لكنها شعرت بأن مكتبتها ملأت بسموم الافاعي الهندية وكواسر القواطير الافريقية والاوربية وسطوة القرش الهائج الغربية ولطافة الحيوانات الشرقية.  نظرت الى ماحولها ودققت مليا" بجوارها، فهبت منتفضة" تبحث عن شيئا" يمكنها من فك قيود السلاسل التي وثقت جسدها به طويلا"، ولبست ثوب الغربة والغموض بفعل مخالب الزمن الخفية.  حلقت "نداء" عاليا" بخيال الماضي وحقيقة الحاضر التي انزلتها تحت الارض سعيا" في ايجاد الملاذ الآمن كي تجد ما يسكت قلقها ويطفئ نيران حزنها الملتهب لعدة سنين مضت دون معرفة متى يحل ويأني ضوء الشمس ليشع في الغابة؟

 

وبعد سنين طويلة، ادركت "نداء" وجود ساعة جدارية تشبه في شكلها طائر السنونو، وسمعت دقات الثواني التي تصدرها تلك الساعة دون توقف، فنتفضت قائلة":

"أنه أثمن الموجودات على الارض، والوحيد الذي لا يقبل التراجع، فما الذي أفعله بكتبي وببحوثي ودراساتي العلمية والانسانية وانا لا اجد تفسيرا" واحدا" يفسر لي حالتي ..."

 

ربت  على عنقها وهنئها الفارس!

 

من يرها ويرى النظرات التي تطلقها لا يمكنه ان يخطأ بأنها معجبة به.

 

فزمجرت السيدة بكلمات مبهمة وغامضة قائلة":

"ما رأيك بليلة الغد، واصوات الطيور المغردة الموجعة والمؤلمة."

 

أجاب قائلا": "بهية الطلعة، والاكثر اهمية ومقاما" وثراء ايضا"."

 

كان لزوجة "ملك الغابة" شعرا" أحمر اللون وعينين خضراويتين، وهذا مزيج لا يتواجد عادة" الا في القصص الروائية.

 

وأخذ يطري على جمالها بأعذب الالفاظ طوال السهرة تقريبا"، فتجاوبت معه لكن بتحفظ شديد وان مثل هذه الأفعال لم تعد تخدعها، وهذا دعاه أكثر لأن ينجذب الى عينها اللتين تومضان ببريق غريب لم ير مثله من قبل.

 

خامره شعور بأن هذه الرسالة ليست الوحيدة التي تعترض وتحتج على غيابه وعلى تأخره بالأتصال، فقال لنفسه: أوه!  لماذا على النساء ان تضع ما تفكر به دائما" على الورق؟

 

دخل غرفته بعد ذلك وقذف بالرسالة فوق طاولة الزينة ولم يعد يفكر بها الا بعدما أستيقظ في صباح اليوم التالي عندما وجدها أمامه.  ورفع رأسه ليوجه عيناه صوب الساعة الجدارية، التي وضعت بداخلها صورة "طائر السنونو"، ليرى كم قضى من الوقت في ليلته الماضية؟  وهل ثمة وقتا" كافيا" لقراءة كتاب "Time of Change " ومعناه "حان وقت التغير" لمؤلفه الكاتب الانجليزي " William John" .

 

وبعدها تنهى سمعه صوت الة فعندما اقترب من المكتبة سمع صراخا" قويا" يعقبه العويل والبكاء.

 

صعق "زمن" لما شاهده أمامه، فقد وجد أبن عمه "قدر" بوجهه العابس المقطب، بينما تقوقعت هي على الارض في منتهى الضعف.

 

لقد ضربها بعصا الخيزران ضربا" مبرحا"، حتى ان ملابسها التي كانت ترتديها، تمزقت وسالت منها الدماء!

 

ثم أنحنى وحمل الطفلة التي كانت تبكي بكاءا" موجعا".  كان وجهها محتجبا" بشعرها الأشقر الطويل، وعندما حاول "زمن" ان يلامس كتفها ليخفف عنها، صرخت بألم بسبب الجروح التي سببها لها "قدر".

 

وبلطف شديد يثير الدهشة، أحاط "زمن" الشال حول الصغيرة، فتلطخ بدمائها المسالة، ثم ألبسها معطفها ووضع قلنسوة المعطف فوق رأسها.

 

سحب يده من يدها بعد ذلك وتوجه الى الباب، ثم ألتفت أليها ولوح بيده، فرفعت يدها تلوح له هي الأخرى.

 

لكن وجد اليخت الذي يملكه يرسو في الميناء وكأنه هو الأخر ينتظر أوامره ومستعد للأبحار في الوقت الذي يريده "زمن".

 

ثم لوحوا له بأيديهم بعفوية صادقة وبحماس شديد.

 

ضحك "زمن" وقال: "أرى بأنك بدأت تشم رائحة مكر وأحتيال تجري وتدور ...، وتفضل بتوطد طريقك بنفسك، لكن اذا أحتجت لأية مساعدة، فأنت تعرف بأنني مستعد لأية خدمة لك."

 

حدث صمت طويل، عقبه كلام هادف يذكره بالماضي:

"حتى أنه بأمكانه ان يتذكر عيناها المتفتحتان وأنفها الأحمر وشفتيها المضطربتين، وأكثر من اي شيء أخر، الدماء التي أنسالت من كافة أنحاء جسدها بعد الضرب الشديد الذي تلقته من "قدر".

 

حيث ان الكثير من العائلات الاستقراطية ماتزال تعاني من الحالة الأقتصادية بسبب الحرب الطويلة التي نشبت بين بريطانيا وفرنسا!

 

لقد كانت ايضا"، اشجار ظلية، وجد في أفيائها فتيات صغيرات تلعبن وتتحدثن بمرح، ففكر ان الدرس بأكمله هنا، يساعد على الدراسة والحفظ والتعلم جيدا".

 

بلع "زمن" ريقه ثم تابع حديثه ناصحا" "نداء" وهو يقول:

"غدا ..."، وعندما تذهبين في نزهتك اليومية في "غابة الاوهام"، ستجدين لا أثر لعش "طائر السنونو" كونه أجتماعي وقريب الى الناس ويشيد عش الزوجية قربنا ... يسكنه الاخرون في غيابهما، وستشاهدين متسولة قرب الشجرة الضخمة، انها امرأة عجوز ستمد لك يدها مستعطية، أمنحيها قطعة نقدية.

 

علقت "نداء" قائلة": "أنه حقا" لأمر مشين ومخز!"

 

تبدلت ملامح الدهشة عن "نداء" ليحل مكانها حيرة وتفكير شيديدن، وخامرها شعور بأن "زمن" مازال يخفي شيئا" آخر بداخله، ربما يكون مزعجا"...

 

بعدئذ اظهرت أبتسامة واهية.  وخيم صمت لبضع لحظات.  وتراها تنكمش وتجفل من أي رجل قد تقابله، وترفض ان تتكلم معه او ان تقترب منه، بستثناء "الطائر المهاجر" الذي كونت معه علاقة حميمة وقرر بناء عشه فوق مكتبتها ليزوره كل عام مرة ...

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.