اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• حرية المجهول - قصة قصيرة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علي إسماعيل الجاف

 

حرية المجهول

في احد أيام الربيع من العام الماضي، شعرت "لقاء" بالحزن والتعب من أجواء البيت الصغير الذي تعيش فيه كون الأثاث، الجدران، الألوان وحتى المناظر تمثل رموزا" للسلف السابق والتراث القديم الذي لا يمكن تحمله كونه لا يواكب الحداثة والتطور.

حاولت "لقاء" تغيير بعض معالم المنزل. وذات يوم وتحديدا" يوم الجمعة، جلست في حديقة المنزل يخامرها قلق وخوف متواصل من ما يخبيه الزمن والأيام القادمة لها. لم يكن "للقاء" صديقا" او رفيقا" تقضي وقتها معه او معها ... بعدها شاهدت "لقاء" فراشة جميلة في وسط حديقة منزلها تتنقل بحيوية من وردة الياسمين الى وردة ألجوري دون توقف سعيا" في أبراز صورة جسدها وأعضائه المذهلة في جمالها وترتيبها وتنسيق حركتها وطريقة طيرانها بجناحين رقيقين للغاية.

أرادت "لقاء" ان تقترب من الفراشة الجميلة لتشتكي لها حالها ... محاولة البحث عن وسيلة للتخلص من مأزق الموت البطيء الذي تعيشه في ذلك المنزل. لكنها لم تفلح في مخاطبة الفراشة ولم تجيد فن التحدث وطريقة استخدام الكلمات المؤثرة في النفوس التي كانت تغازل بها ظلام الليل وسطوة النهار العابرة كضوء الشمس ونسيم الربيع وندى الصباح على أوراق الأشجار ومخالب الأحلام المخفية في أعماق ذاكرتها ...

أدركت "لقاء" لغة الفشل وأصبحت عزيمتها ضعيفة وخالية من التفاؤل والعزيمة، لكنها قررت المحاولة ثانية" واقتطفت وردة ذات لون احمر من وردة ألجوري وحملتها بيدها وهي تسير في طريقها نحو القرية التي تسكن فيها المراءة التي ساعدتها بعد رحيل عائلتها بحادث سيارة.

أخبرتها "السيدة" بأن عليها الرحيل إلى باريس كونها فكرت بأمرها جيدا".

سألت "لقاء": "في أي أمر؟"

"خروجك من اليرقة لتصبحي تلك الفراشة الجميلة": أجابت "السيدة" بلطف.

ضحكت "لقاء" ثم قالت: "اهكذا سأصبح؟"

"آمل ذلك، كما أيضا" واحدة من تلك الفراشات النادرة."

تمتمت "لقاء" وقد بدت ملامح الحيرة واضحة على وجهها: "لا ادري كيف سيكون حالي كحال الفراشة الجميلة التي ينظر لها الجميع بمجرد الدخول ... ويسعى العديد لمسكها عند الوقوف ... ويتمنى الكثيرون ان يكونوا كحالها في هذا الكون ... لأنها تتجول دون توقف وتتحول دون تقشف وتتنقل دون عناء ومشقة بين أجمل الأزهار وأروع الأثمار وأفضل الأشجار بين أغصان التين والرمان والزيتون ...

تنهدت "السيدة" وقالت: "يجب عليك ان لا تكوني يائسة بحديثك لان الكلام يظهر ما في الأذهان وان سحر الرجال يكمن في حديث النساء."

ردت "لقاء" بنبرة لطيفة: "لن أنسى أبدا" بأنك أنجدتني!"

ثم ومع مرور الزمن توقفت الأقاويل وماتت تلك الحادثة من أذهان الناس.

حاولت "السيدة" ان تغيير دفة الحديث بقولها: "ان البستان فيه ما تشتهيه الأنفس وتريده الروح من جمال وسحر المناظر الخلابة التي ستنقلك إلى عالم جديد مليء بألوان والحان وأغصان ونهران ..."

فأجابت "لقاء" بنبرة لاهية: "أذا"، كيف سأقضي أيامي هناك وحيدة! وبالحقيقة أريد ان أمضيها معك ..."

ونظرت "لقاء" أليها من طرف عينيها لترى اذا كان كلامها سبب لها أية صدمة، لكنها وجدتها قائلة": "ما عساه يكون؟"

وبعدها دخلت "لقاء" منزل "السيدة" وأخذت تتنقل من غرفة إلى غرفة أخرى وتظهر إعجابها الشديد بكل لوحة تشاهدها، وتهتف للفنانين بوشير، فراغونارد ولونين الذين رسموا بريشهم أجمل وأروع الرسومات التشكيلية فلو انك نظرت بعينيك وسمعت بإذنيك ، فلن تقعي في خطأ.

"اعتقد أنني مجبرة على القيام بشيء أخر أيضا"، أجابت "لقاء" بغرابة وتساؤل.

فسألتها "السيدة": "وما عساه يكون؟"

"ان افهم بقلي!": ردت "لقاء" بصوت عالي حزين.

وأود ان أذكرك بقول الفيلسوف الصيني كوشنسكوف الشهير عندما قال: "كل ما اسمعه أتذكره، وكل ما أراه افهمه، لكن كل ما افعله أتقنه."

دهشت السيدة "زمن" خاصة وأنها تعلم ان قليلا" من النساء قد يقلن ذلك، باستثناء الجريئة وسليطة اللسان، ولو فعلن، فمن المؤكد أنهن لا يدركن أبعادها."

فأجابت السيدة "زمن" بذكاء عالي المسؤولية والمستوى: "من الطبيعي جدا" ان يكون قلبك عنصرا" مهما"، خاصة لمن قد تهبيه."

فقالت "لقاء": "لا يمكن لأحد ان يهب قلبه لأي كان."

سألتها "زمن": ولما لا؟"

وافقتها "لقاء" قائلة": "هذا ما كنت اعتقده دائما"، تماما" مثل شروق الشمس عند الضحى وهي تملأ العالم بأشعتها الذهبية مبعدة ظلام الليل الدامس."

"تبدين وكأنك أحببت من قبل" ، تحدثت "زمن" باستغراب وانتظار وتركيز واضحة.

أسرعت "لقاء" تقول: "لا، طبعا" لا...لا اعرف الحب ... بالطبع لا! لكني متأكدة من انه لن يحدث في حياتي."

فسألتها "زمن": "لن يحدث في حياتك؟ ماذا تعنين بقولك هذا؟"

"أنني لن أتزوج ثانية"! أجابت "لقاء" وهي تقول ذلك بنبرة عنيدة ومتصلبة.

أجابت "زمن" بصوت بدا توسلا": "هل ... هل يجب ان اشرح لك فنون النوم الحديثة كي تتخلصي من الخوف والإرهاق الملازمين لكي طوال تلك الفترة وكأنهما ظلك أثناء الليل ..."

أجابت "لقاء": "اعتبر الخوف شبيه بالحب، وشيء لا يمكننا ان نسيطر عليه. فهو أحيانا" يسيطر فينا و أحيانا" لا. ولا يمكننا ان نفعل شيئا" اتجاهه."

فقالت "زمن" بحزم: "لا أوافقك الرأي مرة أخرى، فالخوف شعور فطري وليد اللحظة، لكن يمكن السيطرة عليه بإرادة المرء واعتداله النفسي وتطلعه الفكري."

لم تقتنع "لقاء" بحديث "زمن" وأضافت شيئا" جديدا" بقولها: "أنني بالحقيقة أخاف من المطارات والطائرات والسيارات والفنادق الفخمة ..."

ذات يوم ذهبنا الى فندق "الفجر الجميل" وهناك شاهدت الخادمة ترتدي ملابس حمراء وتضع في جيب قميصها العلوي وردة جوري حمراء تشبه التي كنت احملها في يدي اليسرى. لم أدرك أهمية وجمال الأجواء الرائعة في فندق خمسة نجوم كوني انشغلت بترتيب ملابسي والبحث عن مكانا" هادئا" هناك لان الجميع يتحرك طوال اليوم دون توقف ويحاول أرضاء الزبائن بشتى الطرق والوسائل لكسب المال بطريقة الخطاب الهادف. وبالحقيقة، يشبه الجميع في فندق "الفجر الجميل" الفراشة الجميلة التي التقيتها في حديقة المنزل والبستان.

وفي قاعة الفندق الرئيسية، جلست "لقاء" بجوار شاشة التلفاز وجهاز النقال بيدها تفكر كيف تسير الأمور في فندق "الفجر الجميل" وتوصلت الى حقيقة مفادها:

"ان رئيس فرنسا يريد إرسال رسالة الى نساء العالم يقول فيها عليهن ان يتعلمن فنون قيادة السيارات: الحمراء والصفراء والخضراء دون ان يتدخل الرجال في ذلك، ويقول رئيس أمريكا ان نساء العالم بحاجة الى تعلم فنون الإدارة الحديثة وفض النزاعات والصراعات، بينما يؤكد رئيس بريطانيا فهم ان نساء العالم بحاجة الى قراءة الكتب الروائية حتى يفهمن فنون الرسم التشكيلي."

لمست "زمن" من حديثها الأمل من ملامح وجهها بدلا" من القلق، اذ قالت بنبرة مترددة: "وغدا" مطيعا" ولينا"."

توقفت قليلا" لتلتقط أنفاسها، ثم تابعت: "أنني قلقة على النساء من القيادة والإدارة والرسم."

وشعرت "زمن" أخيرا"، بأنها كمن يقدم فنانة جديدة لتعتلي منصة المسرح لأول مرة، لذا، فمن الأفضل ان تلفت الأنظار أليها منذ أول الطريق."

كانت "لقاء" قد قرأت في الصحف بأن احد الملوك في العالم سيقدم نصبا" او درعا" منحوت منذ أيام الفراعنة في مصر يرمز الى النور وعلى شكل نافورة للمياه في وسطها وردة حمراء تحملها امرأة.

شعت عينيها بفرح وسعادة، فنست للحظات قليلة خوفها وقلقها.

وبعدها تسمرت "زمن" في مكانها وقد شعرت بأنها لسعت من حية خبيثة. فصرخت برعب شديد وهي تقول: "هل تريدي ان تقولي لي ..."

نطقت "زمن" بكلماتها الأخيرة بنبرة هستيرية لم تسمع "لقاء" منها من قبل!

فنظرت أليها بدهشة واستغربت، لتجد عينيها قد امتلأتا بالدموع وأخذتا تتلألأن مع أنوار الشموع.

تحدثت "لقاء" عن الصحف البريطانية قائلة": "ان الرجال الفرنسيين يحبون التسوق مع نسائهم، بينما البريطانيين يكرهون ذلك."

... أحست "زمن" بأنها استخدمت لغة العيون وان عينها قالت كل ما عجز لسانها عن قوله، وكانت التعابير في غاية الروعة والجمال."

فالمرأة المعقودة اللسان، تعتبر مملة ويبتعد الرجال عنها ...، تمتمت "زمن" مع نفسها بغية إيصال الفكرة إلى "لقاء".

أجابت "لقاء" بحسرة وخوف: "أنا جاهزة للوقوع في حرية المجهول رغم سحر الكلام وفخ الحب."

ابتهجت أساريرها للحظات قليلة، ثم تبدلت ملامحها فجأة" وقد استدركت أمرا" هاما"، فسألته: "ما معنى حرية المجهول؟"

أجابها "العبير" بعطره الساحر موضحا": "انتظار القدر بفعل الزمن."

اندهشت "لقاء" من حديث "العبير"، فناولها كوبا" من عصير الجزر وقطعة سمك مشوية.

أومأت "لقاء" بيدها بطريقة لم يفهمها وما هو القصد منها، ثم قالت: "حدوة الحصان." بل ما كان يهمها شخصيته المثالية والصورة التي رسمتها "زمن" له بأنه فارسها النبيل المغوار.

لكنهما تناولا هذه الوجبة في حديقة منزله الرائعة تحت ظلال شجرة باسقة الأغصان، وذلك بناء" على رغبة "زمن" شخصيا".

تابعا يتحدثان بأمور مختلفة حتى بعد انتهائهما من تناول طعام الغداء، بينما كانت أشعة الشمس تنبعث من بين أغصان الشجر لتضفي على شعر "لقاء" لونا" رائعا".

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.