اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الثروات الطائلة في يد الإنسان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علي إسماعيل الجاف

 

الثروات الطائلة في يد الإنسان

يتحدث الناس عن التطور والمعرفة والتقدم العلمي والحضاري الذي يشده العالم ويتحصر أولئك لما يشاهدونه من مدن وقرى واقتصاد وخدمات ربما لن تصل الى بلدان العالم الثالث الا بعد انتهاء البشرية وولادة أجيال جديدة غيرهم! نحن نعلم جيدا ان تقدم تلك البلدان جاء نتيجة التضحيات والجهد الطويل والمتواصل من قبل أجيالهم التي تبنت هدفا واحدا اسمه "بناء البلدان يكون التقدم ويبرز الحضارة". في حين يظل الناس، في بلدان العالم الثالث، متأملين وحالمين بمن يمنحهم تقدما او تطورا او ازدهارا او كلاما طيبا يسمعونه بلغة جديدة، وليس فعلا بأرض الأحلام "Utopia " التي وصل الآخرون اليها، ويحاولون تقديم نموذجا متطورا عنها كبلاد ما وراء الطبيعة "Metaphysical Country" هذا العالم يسوده السلام والخيال والوئام.

لكن نحن نعيش اليوم، في بلادنا، أزمة اسمها "عقدة الرومانتيكية" التي توضح لنا عداء الكثيرون الى الحب والمرأة! ويقول العلامة د. علي الوردي في كتابه "مهزلة العقل البشري" : "الطبيعة البشرية لا تتغير، سواء أكانت في القصر الفخم ام في الكوخ الحقير. وكل إنسان يركض وراء ذاته ويود أعلاء شأنه."

بالحقيقة، نحن، في البلدان النامية، نعاني من مرض اسمه "عقدة الكمال" التي نص عليها عالم الاجتماع الألماني "بوخر" عندما قال: "البلدان النامية تعاني من شيئا واحدا اسمه عقدة الكمال كونهم لا يفهمون ان الترابط والتوحد يكونان نموذجا أخلاقيا مثاليا. والجميع لا يسعى للأخر وإنما للذات." يجب ان نفكر، كشباب وككبار، بالجيل القادم ونبدأ بجدية في بنائه كونه عماد المستقبل، وان نهتم بالأم والمدرسة والميزان كونهما يولدان الأجيال الناجحة التي يمكن للبلدان ان تستند عليها بدلا من إرسال مواردنا البشرية للخارج بحجة التمكين (التي ظهرت في أمريكا في أواخر الستينات عندما نادى بها "نيكولاس" وجاء بأسلوب تعليمي وتربوي جديد اسمه "لا يوجد فشل في الحياة، لكن يوجد نجاح كون الإنسان يملك عقلا"ميزه الخالق به عن الحيوان.") والتنمية البشرية والتيسير (أسلوب فرنسي استخدمته الدول المتطورة، بعد تطبيقه ونجاحه في فرنسا ، في كافة المؤسسات ويعني باختصار توفير الدعم اللازم للأبدع). ولا يعلم أساتذتنا الكرام، الذين يضعون طرقا وأساليب ما انزل الله بسلطان من اجل عدم التمكين وعدم التنمية وعدم التطوير وعدم التيسير، بوضعهم شرط العمر والمعدل والتوفل وبرامج الحاسوب كشرطا أساسيا في التقديم للدراسات العليا او محدودية المقاعد وغيرها. فهذه الأساليب لا تنفع الطالب عند حصوله عليها، فنراه يدرس لغرض النجاح وليس لغرض التعلم، وهل استطاع الطالب ان يستخدم الحاسوب او التحدث باللغة الانجليزية بعد حصوله تعلى شهادات معترف بها من جامعاتنا، ام الموضع هو تعطيل وتشويه وتأخير جهود الطلبة بدلا من ان يطلب من الطالب تقديم ثلاثة تقارير او خمسة بحوث لمناقشته بها حول اختصاصه! نرى شهادات عليا لا تستطيع ان تكتب اسمها باللغة الانجليزية فعندما يرديد جوازا ذلك الإنسان يلجأ الى صديقا له ليكتبه ثم يبعث به الى الدائرة المختصة ... كفانا تحطيم وتدمير لأجيالنا ودعونا نأخذ بأيدهم نحو العلم والمعرفة. ولا يعلم من يقود برامج البعثات والدراسات خارج القطر ان أجيالنا لا تتطور وإنما تطور ويستنزف جهدنا من الغير. نحن ضريبة أخطاء الآخرين الذين يقودوننا بدون عقل، فكر، معرفة، وهدف! بعبارة أخرى، يجب ان نتخلص من الطبيعة البشرية المتغيرة والمتقلبة، ويقول عالم الاجتماع البريطاني "جون" وكذلك "فرويد" في طبيعة الإنسان الأتي: "التأثر عادة يحتاج الى نوعين من الحوافز: حافز عقلي وحافز عاطفي. ويقول الجاحظ عنا: "ان العراق أهل النظر والفطنة وأهل الشام أهل بلادة وتقليد."

أذن، لابد ان تستثمر عقول مواردنا البشرية في الداخل دون اللجوء الى الخارج. نعم، ان الإنسان لا يستطيع ان يترك عاداته واعتباراته القديمة باءرادته لأنها مغروزة في عقله الباطن كما قال البروفيسور "جب". يجب ان نكون كالذين يؤيدون بأقوالهم ويثبطون بأعمالهم وأفعالهم. اليوم بلدان العالم الثالث بحاجة الى الاهتمام بأجيالها، ونعلم جيدا ان الغرب لن يتركهم مكتوفي الأيدي، بل يسعون بك ما لديهم من قوى وطاقة في إدخال البلدان النامية في دوامة الأزمات والرابح الأكبر من يستطيع ان يكسب دعم شعبه كالمريض يستعين بطبيب لعلاجه، والطالب يلجأ لمدرسه ليشرح له موضوعا ما لا يفهمه، والمتهم البريء يناشد عدالة الحاكم لينصفه. يستخدم المثقفين والوعاظ سلام المقاييس الأخلاقية التي لا تفيد شيئا كون البنى التحتية غير مهيئة لتنشئتها فكريا وعقليا وبدنيا وفق فلسفة التربية والتنشئة الحديثة التي تشجع التلاميذ على الرقص واللعب والضحك، وعلى تعاطي الغرام وضح النهار وليس خلال الظلام!

علينا ان نبدأ بالعناية الجدية بالمرافق التي فيها نسبة الفقر والجهل عالية جدا، وان نكون صادقين مع أنفسنا قبل غيرنا في أننا سنقوم بحل مشكلة الفقر في البلدان النامية كون تلك الطبقة تشكل جزءا حقيقيا من مجتمعاتنا وهم أخواننا في الدين. ويقول العلامة د. على الوردي في كتابه "وعاظ السلاطين"، ص. (53) الأتي: "... فالفقير أذا غمز لامرأة في الطريق أقاموا الدنيا عليه وأقعدوها اما أذا اشترى الغني مئات الجواري وأشبعهن غمزا ولمزا كان ذلك عليه حلالا طيبا ... أما اذا جاء الفقير برأي جديد قالوا عنه: انه زنديق. وأمروا بصلبه على جذوع النخيل."ان الفكرة التي نريد إيصالها من خلال البحث هي ان المجرم، الفقير، الأمي، ... الخ ليس ذنبهم وإنما ذنب من لا يوفر لهم الظروف المناسبة والملائمة للعيش في حياة كريمة كبقية الأفراد و "الصفوة"! ليكونون جيلا نافعا وموارد بشرية مثمرة وطاقات مبدعة يستفيد البلد منهم.

يقول ميكافيلي في كتابه "الأمير والسياقات"، ص. (61) في وصف مجتمعه الأتي: "من الممكن ان يقال بوجع عام ان الإنسان منافق سليط اللسان منكر للجميل يحب الربح ويكره الخطر. وما دمت تنفعه فهو من أتباعك اذا هو يقدم في سبيلك دمه وروحه وأمواله وأطفاله ... والأمير الذي يعتمد على أقوالهم وحدهم ... وقد تنقلب عليه في لحظة ..." ان القيم المدفونة في اللاشعور لا تزول بسرعة، ولعلها تبقى في الإنسان حتى ساعة الموت. ولا يخفى على احد ان التاريخ يسير على قدمين، ويجب علينا ان لا نجعل المدنية والتمدن والحداثة مسرح الشيطان كما يقول "Toynbee".

نعم، ان الحضارة الغربية مغرية، لكن المرأة هي المدرسة الأولى في المجتمع والبلد. لابد ان تكون هناك جدية في وضع النقاط على الحروف. تم الحضارة جهاز مترابط لا يمكن تجزئته او فصل أعضائه بعضها عن بعض.

نحتاج في بلدان العالم الثالث ان نستثمر في الموارد البشرية لكي نشجع على الإبداع والمعرفة. كيف نكون واضعين للقوانين في مسلة حمورابي (تعتبر شريعة حمو رابي- سادس ملوك مملكة بابل القديمة - من أقدم الشرائع المكتوبة في التاريخ البشري . وتعود إلى العام 1790 قبل الميلاد وتتكون من مجموعة من القوانين. وهناك العديد من الشرائع المشابهة لمثل شريعة حمورابي والتي وصلتنا من بلاد آشور منها مجموعات القوانين والتشريعات تتضمن مخطوطة أور-نامو، ومخطوطة إشنونا، ومخطوطة لبت-إشتار ملك آيسن إلا أن تشريعات حمورابي هي الأولى في التاريخ التي تعتبر متكاملة وشمولية لكل نواحي الحياة في بابل (. ونبقى مستهلكين لمنتوجات غيرنا! فلا بد ان يكون لدينا ما نصنعه بأيدنا، ويقول توينبي في كتابه "دراسة في التاريخ"، ص. (49)، وهو مؤرخ معروف" "ان الصفة الرئيسية التي تميز المدنية عن الحياة البدائية هي الإبداع. لم نسمع بأبداعا واحدا في بلدنا ونملك أضخم الميزانيات في الشرق الأوسط بعد السعودية، هل يتم دعم المبدع، الباحث، الكاتب، المبتكر، المؤلف، المترجم، ...؟ فمتى نسمع ان ظاهرة الأمية والبطالة والفقر قد انتهت في بلدنا وهناك برامج تطبيقية يقدمها المبدع من بلدنا لخدمة الناس؟ كوننا نرى الفرد من بلدنا يتميز على البريطاني والأمريكي والألماني، تسرق جهوده وطاقاته، ولا يريد ان يقدم برنامجا يحل معظلة اجتماعية او اقتصادية او عليمةّ! ويقول "توماس": "ان الفقر ليتحدى كل فضيلة وسلام، لأنه يورث صاحبه درجة من الانحطاط والتذمر تكتسح أمامها كل شيء ... ولا يبقى قائما غير هذا المبدأ: كن ... ا ولاتكن ..." وهماك قولا أخر في الفقر: "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه او سلاحه."

ويقول العلامة د. علي الوردي في الأغنياء الأتي: "ان من يعظ الأغنياء في ان يستثمروا أموالهم في سبيل المصلحة العامة كمن يعظ المجنون ان يكون عاقلا. فالمجنون مهما فعل من تهور او اعتداء يعتقد بأنه في فعله هذا سيد العقلاء، وهو يضع اللوم على غيره من الناس باعتبارهم مجانين." ان وضع الثروات الطائلة في يد الإنسان كوضع مسدس محشو بالرصاص في يد طفل ارعن كما يقول الشاعر توماس. وبالحقيقة، نحن نندفع نحو العمل بدل من ان نفكر به كما كان يعتقد قديما ان الإنسان يفكر أولا ثم يندفع في عمل من الأعمال. لقد اتفق المفكرون في هذا العصر على ان الغنى الفاحش والفقر المدقع رذيلتان اجتماعيتان ولا تنهض امة حديثة وفيها هاتين الفجوتين!

وأخيرا، يرى "ويلز" في كتابه "ملخص عن التاريخ"، ص. (482) الأتي: "ان الأفكار الخفية التي تشاور نفوسنا لا يعرف الناس عنها شيئا اذ أننا لا نملك المقدرة على تحقيقها وبذا يعتبرونها ..."

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.