اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الكذب مرض أم ضرورة ؟

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ناهدة محمد علي

الكذب مرض أم ضرورة ؟

إن الزمن المعاصر يتميز بالكثير من القيم المعكوسة والتي تقلب الحقائق في سبيل الحصول على مكاسب مادية أو معنوية . إن قيمة الصدق كانت في الماضي قيمة أساسية للفرد بها يتميز المعلم الجيد والتاجر الناجح والأب ورجل الدين المتميز , إلا أن التطور الحضاري أدى كما هو معروف الى صعود الأسس المادية ونكوص الأسس المعنوية ومنها القيم فهبطت رايات الصدق وإرتفعت عالياً راية الكذب .

إن الطفل يتعلم منذ نشأته أن يطالب بحقه في الطعام والشراب والنظافة لكنه بعد أن يصبح في السادسة أو السابعة تُلقى عليه واجبات مع الحقوق وقد يبدأ في الهروب من بعضها ولكي يدفع عنه العقاب يبدأ في الكذب لكي يضع جداراً واقياً أمامه يتلقى الصدمات , فهو يكذب للتخلص من الدوام المدرسي ويكذب حين يلقي بطعامه المدرسي في القمامة ويكذب حينما يضرب زميله ويدعي العكس , وهكذا يصبح لديه وسيلة نافعة للخلاص من العقاب الإجتماعي ولا ينطبق هذا طبعاً على كل الأطفال بل يمت هذا بصلة الى العلاقة الأُسرية ونموذج ( القدوة ) في البيت والمدرسة .

يكبر الطفل وتكبر أيضاً حاجته للكذب فهو يكذب حينما يضع أوراق الغش في أكمامه ويكذب حينما يغازل فتاة بمجرد اللهو وقد يكذب على الوالدين في أسباب خروجه وهكذا يصبح لديه نهجاً للحياة .

إن هذه المرحلة تُعد تحضيراً للمرحلة القادمة حينما يتخرج الشاب ويضطر الى مجاملة مديره وهو يزدريه أو إتهام زملائه بالتقصير ظلماً ويدور هذا كله في الواقع في نقطة واحدة وهو أن الشخص الكاذب هو شخص يعاني من الضعف والخوف فهو مرعوب دائماً من عقاب الوالدين أو المجتمع ومن إزدراء الزملاء ومن فقدانه لوظيفته , فهو قد يدعى الغنى وهو فقير أو النجاح وهو فاشل لذا يصبح الكذب مفتاحاً تُفتح به كل الأبواب وتظهر حالة الخوف هذه مع الأطفال الذين يتسمون بالكذب ويتبين ذلك في ظاهرة التبول اللا إرادي والكوابيس الليلية فيستخدم هذا الطفل الكذب لدرء الأخطار عنه بسبب خوفه , والمشكلة هنا إن بعض الوسائل التربوية تعتمد على الكذب دائماً والخيال الجامح كقصص الأساطير وقصص ( الجن ) وقصص الخيال العلمي وعوالم الفضاء , كل هذه تعتمد على تغيير الحقائق وتضخيمها ثم تصبح لدى الأطفال نهجاً سلوكياً وخاصة لدى الأطفال الذين يبنون عوالمهم بأنفسهم وليس لديهم فاصل ما بين الخيال والواقع ويفضلون الخيال على الحقيقة ويتضمن هذا ايضاً لُعب الأطفال الخيالية مثل لُعب الساحرات ووحوش الفضاء .

إن العنصر الضعيف الآخر في الجنس البشري هم النساء حيث تعرضت المرأة دائماً وعلى مر العصور الى ضغوط صعبة ومضنية وكان دائماً لها أسياد كالأب والزوج ثم رئيسها في العمل وقد لا حقتها النظرة الدونية فأحست المرأة دائماً بالضعف وبما أنها لا تتميز بالقوة العضلية وقد تفتقد الى المستوى العلمي أو المادي فقد تضطر أحياناً الى إستخدام الكذب والدهاء والمراوغة للدفاع عن ذاتها فكثيراً ما تكذب في مشاعرها للوصول الى أهداف محددة وتكذب في تغطية الشكل الخارجي في إستخدام المساحيق والألوان لرفع مستوى جمالها وهي تهمل بهذا الجمال الداخلي , كما أن النساء وبشكل خاص الشرقيات منهن يعانين من خوف مزمن من المستقبل ويعانين من التشكيك في نوايا الرجال المحيطين بهن , فتثقل المرأة نفسها بالحلي تحسباً للمستقبل المجهول وهذا بإعتقادها هو ما يحميها لذا فهي تكذب للحصول على المزيد منها . إن التكنيك الآلي للكذب هو تغيير الحقيقة للوصول الى أهداف معينة وهي مادية في الغالب فقلما يكذب الفرد للحصول على مزايا معنوية إن حالة الكذب هذه الى هذا الحد هي في حدود الطبيعة المرفوضة والشائعة , أما الحالة المرضية والتي يصاب بها مرضى ( الوسواس القهري ) أو مرضى ( الشيزوفرينيا ) فتكون مزمنة وليست بالآنية وتخرج عن إرادة المريض ومخططاته المستقبلية بل ينظر مريض الوسواس الى ما لديه من أطباق فيجدها مليئة بالأوساخ والمكروبات وهي نظيفة وقد يتصور وجود ذئب في غرفة نومه أو ينظر الى ستائره فيرى عليها وجوهاً غريبة ومخيفة فيبث مخاوفه الى والديه وهو مصدق لأكاذيبه المرضية , أما مرضى الشيزوفرينيا فقد تبلغ حالتهم حداً أخطر وربما يعتقد المريض أن أحداً ينوي الإعتداء عليه أو قتله فيبادر هو بالإعتداء عليه أو قتله وقد يتصور المريض بأن مخلوقاً فضائياً ينام في غرفته وقد يصادقه أو يدخل في حالة قتال معه وهذا النوع من الكذب المؤلم يصاب به أطفال وشباب لديهم خلل عقلي في السيطرة الدماغية ومشاكل في كمياء المخ وهم لا يستحقون إلا الرعاية الصحية والنفسية .

إن الكذب العادي واليومي قد يتحول الى مرض مزمن لا يستطيع الفرد عنه فصاماً وقد تتملكه هذه العادة الى حد تصديق أكاذيبه ويأخذ في التعايش معها كأن تعيش المرأة أُكذوبة الشباب والجمال وتجعل من نفسها مسخاً مضحكاً وهي مصدقة لأُكذوبتها ويصبح الخيال واقعاً معاشاً ويعاني مثل هؤلاء الأفراد من العزلة عن مجتمعاتهم .

إن هذه القيمة المعكوسة كثيرة الإنتشار بين رجال الأعمال والسياسيين المولعين في الدعاية والتي هي نوع من أنواع الكذب التجاري والسياسي يستخدمها أصحاب رؤوس الأموال في زيادة أموالهم وتلوين منتجاتهم بأنواع من الدعاية التجارية والتي تعتمد الكذب على المستهلك وإضافة ميزات ملفقة لمنتجاتهم التجارية , أما الساسة فيستخدمون الدعاية للصعود السياسي ويكتشف الناخبون بعد ذلك أن كل ما وعدو به كان مجرد أكاذيب يتداولها السياسيون جيلاً بعد جيل , وهكذا إنهزمت القيمة القديمة والتي هي الصدق وإرتفعت قيمة الكذب وأصبحت قيمة حضارية يتسم بها بعض المثقفون والسياسيون .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.