اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من يزرع الشر في أنفسنا -//- د. ناهدة محمد علي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

من يزرع الشر في أنفسنا

د. ناهدة محمد علي

تتواجد نزعة الشر في النفس البشرية منذ الأزل ومنذ الخلق الأول , وكما تتواجد في الإنسان تتواجد ايضاً في الحيوان , لكن الفرق كما هو معروف هو أن الحيوان يترصد ويهاجم ويقتل لأجل نزعة البقاء وليس الفناء , والمضحك أن العقل اللاواعي يفسر القتل والسطو وتعذيب الآخرين وإستلاب الأموال والأرواح وتجويع الشعوب وإخضاعها على أنه نزاع لأجل البقاء , لكن هذا التصور هو عكس الحقيقة , فهو تنفيس حتمي لنزعة العدوان لدى الإنسان فهو إن شاء البقاء يمكنه أن يبقى مما أُتيح له أو بما فيه من إمكانيات وثروات ولا تخلو بقعة في الأرض من الثروات الطبيعية ويمكنه الإعتماد على إنجازاته المادية والروحية وما فوق أرضه أو باطنها , لكن الأسهل هو إستلاب ما لدى الآخرين وإن لم يملكوه , فهو يعتدي بلا سبب منطقي فيأخذ من لا يستحق ممن لا يملك .

لا أقول أن النفس الإنسانية خالية من الخير فالشر والخير أخوان متنازعان يسكنان النفس البشرية والأقوى فاعلية هو الذي يظهر للعيان لأسباب موضوعية كثيرة , تختلف من فرد الى آخر ومن جماعة الى أُخرى .

لقد لا حظت ظواهراً للشر والخير للنفس الإنسانية أود أن أسردها للقاريء الكريم .

جلست ذات يوم لأُتابع بريدي الألكتروني فوقع بين يدي فديو لشاب عراقي لم يكن ( سوبرمان ) وليس مُنظِراً أو عالم فضاء لكنه شاب من شباب العراق الفقراء جعل جسده النحيل جسراً ما بين بنايتين متهدمتين ليعبر فوقه الناس رجالاً ونساءاً من الهاربين من الإنفجار الهائل الذي أصاب وزارة العدل العراقية , وكان ( عبد المهيمن ) جسراً بشرياً للحياة يعبر فوقه الناجون , قلت في نفسي إن الكثيرين من أمثال هذا الشاب ومن أمثال ( عثمان العبيدي ) الذي أنقذ العشرات من النساء والأطفال من الغرق ثم غرق بسبب الإرهاق . هؤلاء هم كُثُر من مواطني الشعب العراقي ولكن لنتساءل أيعقل أن يحرق الكم القليل من الشر الكثير من الخير , ويبدو ايضاً إن أعواداً قليلة  من الكبريت تستطيع إحراق حقل أخضر شاسع .

قرأت عن نموذج آخر للخير نشرته الصحافة الإنكليزية يتحدث عن مجموعات خيرية  تقوم بمساعدة العوائل الفقيرة وخاصة الآسيوية منها والتي تسكن في البيوت الخربة والغير صالحة للسكن فتقوم بترميمها وتجميلها مجاناً لتصبح لائقة  .

هناك نموذج آخر للخير وهو أقصى ما تقدمه النفس البشرية من خير من خلال غريزة الأُمومة وفي هذه ليس هناك من فرق بين أُمهات العالم أجمع , حيث نشرت الصحافة العالمية واقعة لأم أُوربية خرجت لنزهة شتائية قصيرة وكان الثلج يعم مناطق شاسعة من الغابات , خرجت هذه الأم مع عائلتها المتكونة من زوجها ورضيعتها ومع القليل من الطعام والماء وحافظة للقهوة وما كان إلا أن أضاعت هذه العائلة الطريق وسط الثلج المتراكم ونفذ الطعام والماء وتوقف محرك السيارة , وبقيت الصغيرة ترضع من ثدي أُمها ودافئة في أحضانها , وإضطرت العائلة للسير مشياً على الأقدام مسافات طويلة , بدأ الدم يتجمد في عروق المرأة وزوجها فربطت الأم الطفلة على بطنها لتستمد الحرارة من جسدها , ثم أصاب الأم الجفاف بسبب الرضاعة المستمرة فأخذت الأم تلوك الثلج مما جعل حالتها تسوء وإنخفض ضغطها بشكل حاد , ثم دخلت الأم في حالة تجمد وغيبوبة وبقيت الطفلة دافئة على بطن أُمها ثم فارقت الأم الحياة , لكن الزوج إستمر حاملاً الطفلة وبعد ساعات إستطاع أن يجد الطريق الصحيح وبقيت الطفلة على قيد الحياة بفضل أُمها . كان هذا هو أقصى الخير وهو يعمل بطريقة غريزية لا تقبل المساومة . لكن هناك مظاهر لأقصى حالات الشر فهناك أطفال في كل مكان يُحرقون أو يُجَوعون حتى الموت أو يتجولون بين ساحات القمامة أو بين مزابل البغاء حيث يحشر الكثير من الأطفال الآسيويين والأفارقة في سوق العبيد والبغاء ويُجوعون وقد يُعطى البغايا القاصرات القليل من الطعام للحفاظ على إيراداتهن وهناك الكثير من الأطفال في العالم وفي الدول الغنية والفقيرة يعيشون بلا منازل ويتركون في العراء في البرد القارص ويتواجدون أحياناً في مخيمات وأحيان أُخرى في علب الكارتون .

في مقارنة بديهية ما بين العالم الإنساني والعالم الحيواني نجد أن الكثير من الحيوانات وخاصة الشرسة منها لا تأكل صغار أبناء جنسها وفي عالم الطيور تقدم الطيور الناضجة لصغار بعضها البعض المساعدة والطعام وتساعدها في إستخراج الديدان من الأرض . وقد قرأت ذات مرة في أنباء الحرب الشرسة التي جرت في أُوغندا لسنوات بأن أسراب الفيلة تقف على حدود هذه الدولة وتتوقف عن رحلتها المعتادة ما بين الغابات الأفريقية للبحث عن العشب والماء غير راغبة في دخول الأراضي التي تملأها النيران والدم وربما تعجب لحال البشر .

إن أسباب نوازع الشر لدى الإنسان ربما تكون بسبب التربية الأُسرية أو النماذج القدوة في العائلة وبين الأقران ونوع الثقافة الذاتية ودور وسائل الإعلام والتي قد تنمي عامل الشر وتجمله وتوجد المبررات له كما تلعب الهوايات والإتجاهات دوراً واضحاً في تحديد نسبة تراكم الشر في النفس الإنسانية , ويلعب الأدب والفن في إثارة هذه النوازع أو خفضها الى الحد الأدنى فالإتجاهات الفنية للرسم والموسيقى قد تنمي الصخب والفوضى وقد تهذب النفس الإنسانية وترققها , فالموسيقى الهادئة والموسيقى الكلاسيكية تهديء الجهاز العصبي وتهذب المشاعر الإنسانية وتجعلها أكثر ميلاً الى السلام والهدوء , وهذا ينطبق تماماً على الفنون التشكيلية , أما الموسيقى التي تعتمد على الصخب تمركز الإحساس بالعنف والرغبة فيه وتستنفذ الطاقة الإنسانية المنتجة وترفع مستوى التشنج العصبي وتدفعه دفعاً الى العنف لذا يخرج الكثير من الشباب من أجواء الملاهي والموسيقى الصاخبة الى الشارع لممارسة العدوانية والفوضوية . ينطبق هذا وبحدة على دور فن السينما حيث تعتبر السينما حالياً كما وصفها أحد المخرجين الفرنسيين وهو ( كلود ليولوش ) بأنها ( أدب القرن الحادي والعشرين ) فهي قد تسمو بالنفس الإنسانية وقد تجعلها عنيفة ومدمرة , وما تفعله السينما في الغالب هو تنمية النوازع العُنفية والإنتقامية , وتصبح فكرة الإنتقام هي العقدة الأساسية في كل الحبكة السينمائية وتدور الكثير من القصص السينمائية والتي ينفذها الممثلون ويلعب الصوت والصورة واللون والحركة الجزء الفاعل في تحريك الرغبة الى العنف والإنتقام , وتؤثر خاصة في الأطفال والمراهقين حيث تُطبع أفعال وحركات الممثلين في ذاكرة الطفل والمراهق وفي مخيلته , ويساعد السيناريو المحبوك مع التجسيم الصوري واللوني على قوة الإقناع , كما يساهم أشكال الممثلين ووسامتهم والفوز الذي يحصل عليه المنتقم في النهاية على إقتناع المراهق بصحة ومبررات هذا العمل العنفي , ويقاس نجاح الفلم تكنيكياً وفنياً بمدى قدرته على إقناع المشاهد . وهذا ما تعتمد عليه معظم الدراما السينمائية والمسرح المعاصر والتقليدي وتبقى فيهما فكرة الإنتقام والثأر ولأسباب مختلفة إبتداءاً من مسرح ( شكسبير ) في مسرحية ( ماكبث ) أو ( الملك لير ) , وأفضل ما أنتجته السينما العالمية الكلاسيكية والمعاصرة تحمل فكرة الإنتقام وتروجها بغض النظر عن مدى رقي القصة المطروحة إبتداءاً من ( الأخوة الأعداء ) الى نماذج من السينما المعاصرة مثل :

Freaks

والذي يتحدث عن تشويهات خلقية للأقزام وفكرة الإنتقام المتأججة فيهم  حتى أُصيبت بعض المشاهِدات بالإحهاض بسبب التشنج العصبي , وهناك الكثير من أسماء الأفلام التي تدور حول فكرة العنف والإنتقام مثل :

Dark man, Die hard , Marked for death , Bullet in the head  , blood Fist

وهناك الكثير من الأسماء والتي لا حصر لها ولا جنسية لها , فهي تشمل كافة الجنسيات من الدراما الهندية والصينية الى الدراما الأمريكية والتركية  .

لقد أثبتت التجارب العلمية على أن دماغ المراهق يختزن التجارب العنفية المُشاهَدة وقد يحولها الى فعل وتجارب حقيقية مطبقة إذا توفرت له الظروف والأسباب المشابهة لظروف البطل متصوراً بأنه سيفلت من العقاب أو سيُكافأ من قِبل المجتمع كما حدث للبطل .

إن الدراما السينمائية السيئة قد تؤثر على مستويات مختلفة كما حدث لبعض المثقفين والممارسين للعنف من السياسيين وحتى على بعض رجال الدين , فقد حدث أن قام بعض الرهبان بقتل عوائلهم بالكامل بحجة إنقاذ أرواحهم وتنقيتها , وكما يحدث ايضاً لكثير من الطلاب من مدمني أفلام    ( الآكشن ) حيث يمارسون القتل الجماعي لزملائهم من الطلاب والمدرسين وقد يقوم بعضهم بالإنتحار بعد ذلك ولهذا قطعاً أسباب مساعدة وظروف إجتماعية وإقتصادية دافعة .

إن الدراما الأمريكية والأُوربية والتركية تعتمد على كشف صور وحالات مشوهة وإستثنائية وخطرة ثم تعممها فتصبح ظواهر إجتماعية فيصدق بها  من يصدق من العقول الشابة والتي تفتقد الى الخبرة والمعلومات والتجارب الحياتية , ولو إطلعنا على مسيرة الدراما التركية لوجدنا أنها تصور المجتمع التركي على أنه مجتمع عنفي متخلخل لكنه في الحقيقة مجتمع تقليدي ومحافظ رغم التطور الحاصل في المجال الإقتصادي , ولرفع إيرادات هذه الدراما يظهر فيها الكثير من المنتقمين والكثير من اللقطاء والكثير ايضا من الضياع والفساد الإجتماعي وتجلب هذه الظواهر الإجتماعية للنفس الإنسانية وتجعلها تلهث وراءها لإكتشاف المجهول والإستمتاع بالتوفز العصبي والغريزي بسبب أحداث الفلم . إن عامل الإثارة هو عامل مهم من عوامل النجاح المادي في تجارة السينما . وتتبع الدراما العربية هذا الأسلوب ايضاً ولكن بشكل مخفف , فتكشف جوانب السوء والمظاهر الإجتماعية السلبية , ولا أدري لماذا لا يتم تسليط الضوء على الجوانب الخيرة والنبيلة في السلوك العربي لكي يجري تقمصها والإقتداء بها من قِبل الأطفال والشباب , ولست ضد كشف الظواهر الإجتماعية السيئة والمتخلفة في العالم العربي , لكن تسليط الضوء على الجانب الإيجابي والبديل لهذه الظواهر هو مدرسة بذاتها للشباب العربي , وخاصة إذا كان السيناريو محبوكاً ومقنعاً .

إن الظروف الموضوعية والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المحيطة بالفرد والجو السياسي العام كثيراً ما يدفع الى السلوك الإجرامي والسلبي , وإزدياد نسبة الفقر في العالم العربي والجهل وإنتشار البطالة قد يدفع بالكثير من الشباب الى ممارسة الإجرام واللصوصية , وتصبح الحالات الإستثنائية ظواهر عامة وهذا ما حدث في العراق ومصر وسوريا في العقود الأخيرة , فأين ما وجد الفقر تواجد الغضب , وأينما وجدت البطالة تواجدت اللصوصية وحالات السلب والنهب , وأينما وجد القهر الجسدي والنفسي تواجدت حالات الإغتصاب والتحرش الجنسي , كما أن إنعدام الديمقراطيات يؤدي الى تنفيس لممارسات وتجمعات إرهابية وعنفية , حينها يبتلع الشر الخير ويجذبه كقطب المغناطيس فتتهشم الكثير من القيم الخيرة وتنفصل عن النفس الإنسانية وتأتي حينها البدائل المشوهة , وتفقد في هذه الحالة مظاهر الخير قوتها لأن الإنسان ضعيف بطبعه أمام قوة السلاح والكسب السهل ويترافق هاذان الإثنان ولا يعود الإنسان السوي مقاوماً لقوة السلوك السلبي إذا أصبح ظاهرة عامة مدعوماً بالقوة إلا إذا إمتلك هذا الفرد القوة الذاتية للتمسك بالمباديء الطيبة والنبيلة .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.