اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• النص وإشكالية اللغة وتأثيراتها

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

باسل شامايا

 مقالات اخرى للكاتب

النص وإشكالية اللغة وتأثيراتها

 

النص هو بنية أدبية فكرية يترجم أفكار المؤلف وفلسفته وقراءاته في المحيط الذي يتحرك داخله وهو مجموعة من العلامات والدلالات ، يرتكز على ثيمة تبنى عليها وحدة الأحداث ولكي نحلل النص فلا بد ان نحلل أولا اللغة او الكلام الذي نتحاور به للحصول على كل ما نعتمده على خشبة المسرح وبتحليل هذا العنصر الدرامي المهم سنكشف الرؤية الكلية للكلمات ونحلل العلاقة بين حوار وآخر . وكلما كانت الكلمات او الحوار الذي يستخدمه المؤلف واضحا في معناه ومقاصده كلما كان ذلك سهلا ومستساغا عند المتلقي . اذن اللغة هي إحدى المرتكزات التي تشكل القيمة الدراماتيكية للنص ، ترتبط بعناصر الدراما لتشكل هيكل الأحداث أما في محتواها الدرامي فتشكل البعدين الزماني والمكاني . لنعود بعض الشيء الى التأريخ القديم قبل اكتشاف اللغة وتحديدا حينما اهتدى الإنسان الى الإشارات والعلامات في التعامل اليومي ليتم من خلال ذلك محاكاته للطبيعة عبر الحركة والصوت ، ومعبرا عن التصاقه بها حتى يصل الى قواسم الفهم المتبادل بينه وبين العالم ، ثم إيجاد علاقات مشتركة بينهما ، فحاول في البداية تجسيد انفعالاته ومشاعره وصراعه بالحركات التي يقوم بها ، ثم مزج بعد ذلك معها الصوت والإيقاع ثم الحركة التي جاءت لتطبيق القول بالفعل ، وهكذا أيقظ عنده الشعور وعند كل من يصغي اليه ، فاللغة ارتبطت في مراحلها الأولى بمعرفة الإنسان بالطبيعة فتعامل معها بالإشارات ليحدد معناها وقد عرف ذلك مسرحيا بالتمثيل الصامت ( البانتومايم ) الذي يشترك فيه الجسم بالإشارة ، خلاصة القول هي مزيج من الكلمات والتنغيم الموسيقي والحركات وبما انها عنصر من عناصر العرض المسرحي تعتمد في جميع المذاهب المسرحية لتجسيد الأحداث ، يوظفها المخرج ليحولها من بنيتها الأدبية الى رونقها الصوري الممتع وذلك من خلال التكوين الإنشائي للعرض . وللمسرح السرياني هموم يعاني منها نتيجة تأثيرات هذا العنصر السلبية على العروض المسرحية . وقبل ان ألج الى هذه الهموم أود ان استعرض ولو بشكل مختزل عن نتاجات فرقة مسرح شيرا وتأثيرات اللغة على انجازاتها .   تأسست الفرقة في بغداد عام 1993 كفرقة عراقية للناطقين بالسريانية مجازة من قبل وزارة الثقافة والإعلام حينها ، أنتجت خلال هذا السقف الزمني أكثر من أربعين عملا مسرحيا بين مسرحية واوبريت علما ان إمكاناتها المادية المتواضعة كانت أحيانا تحول دون تحقيق رؤية المخرج التقنية والفنية .. وكانت تلك الأعمال مزيجا من ( الكوميديا والتراجيديا) عرضت على عدة مسارح كالمسرح الوطني والرشيد وبغداد والنصر وآشور وبابل الكلداني كما عرضت في محافظات أخرى غير بغداد كالموصل واربيل ، وشاركت في مهرجانات عربية وسريانية وبأعمال جادة رصينة ذات طابع اجتماعي سياسي ديني تاريخي ، لم تكن بأقل شأن من الأعمال التي مثلت العراق في بلدان عربية وأوربية ، تناولت موضوعاتها جوانب حياتية عديدة عالجت ظواهر عدة ، فمثلا مسرحية (الغربة) عالجت موضوع الهجرة ومساوئها على ذلك الشاب الطموح الذي اجبره والده على الهجرة بسبب جشعه وأنانيته وبالنتيجة يدفع ثمن ذلك في إدمانه على تناول المخدرات . ومسرحية ( العودة ) التي تناولت موضوعا إنسانيا لأسير عانى وكابد في غياهب الأسر وبعد عودته الى ارض الوطن يعاني المزيد من الآلام خصوصا حينما يتفاجأ بفقدان والدته وإخوته وزوجته التي اجبرت على اختيار الهجرة  الى ارض الغربة ولم يبق له غير والده الكهل الذي أصاب هو الآخر بالعمى بسبب الظروف القاهرة التي عاشها بعد ضياع عائلته . وكذلك أعمال دينية تناولت حياة القديسين وكيف يدفعون حياتهم ثمنا من اجل معتقداتهم الدينية ونذكر منها : ( عاصفة المجد، الأنبا جبرائيل دنبو، الإيمان، صراع مع المجد وغيرها ) وكذلك مسرحية ثمن الحرية التي تناولت موضوع الإنسان المتجبر الذي يتحكم بمقدرات الشعب وبين ليلة وضحاها تنهار تلك الإمبراطورية التي يبنيها على تعاسة الناس .. اضافة الى ذكرته هناك الكثير من نشاطات مسرح الطفل الذي شاركنا في مهرجانات وطنية وعروض خاصة على مسارحنا . لا أريد ان أطيل أكثر في الحديث عن نتاجات الفرقة لكي لا ابتعد عن موضوعي ( المشكلة ) والتي تعتبر همنا الكبير منذ تأسيس الفرقة .اذن اقول ان اللغة هي وسيلة للتعبير عن رغبات الفرد وأفكاره ودواخله وفي المسرح هي الأسلوب الذي يعتمد على الترميز والإسهاب والتكثيف ، تعمل على تفعيل إمكانية الحواس وعلى تحويل المعنى الى نظام زاخر بأفعال التشكيل المرئي ، وهناك من خلال التجارب المسرحية توظيفات عديدة للغة في الأعمال الدرامية ، فنجد مثلا اللغة هي التي تترجم عذابات مكبث وتجسدها للجمهور وكذلك هي السبب في تفاعل الجمهور مع دزدمونة حينما تناجي حبيبها هملت وغيرها الكثير من الأعمال المسرحية التي تلعب اللغة فيها دورا في نجاحها ، اذن نقول انها أداة المؤلف في التعبير عن رؤيته التأليفية ولكونها الجزء الأهم في المسرحية نتناول مشكلتها التي تعرقل مسيرة مسرحنا السرياني . ان الغرض من الأعمال المسرحية التي تنجزها الفرقة هو إحياء التراث واللغة والفلكلور واغناء الوعي الثقافي والفني عند كل من يفتقر الى هذا المجال الحيوي المهم ، إضافة الى مواكبة مسيرة مسرحنا العراقي الذي نعتبر جزءا لا نتجزأ منه ... ان معاناتنا وهمومنا منذ عرضنا أولى أعمالنا المسرحية انحصرت في حضور الجمهور الى صالة العرض وان مشاهدة اكبر عدد ممكن من الجمهور هو ما تطمح إليه الفرقة خلال انجازاتها المسرحية ، ففي كل منجز مسرحي تستغرق بروفاته بين ( 6-7 ) أسابيع وخلال هذه المدة يتم تخصيص ميزانية لتغطية مصاريف البروفات اليومية ، وهناك مصاريف أخرى حينما نتهيأ للعرض ، وبعد العرض يجب إيفاء الممثلين أجورهم وكذلك الفنيين والمؤلف والمخرج ..! ترى هل تغطي عروضنا المسرحية جميع هذه المصاريف ..؟ بالتأكيد كلا ..! ربما سائل يسال لماذا ..؟ بودي ان أركز هنا في الإجابة على الإشكالية التي نحن بصددها .. إننا وكما تعلمون قومية صغيرة قياسا بالقوميات الاخرى كالعرب والأكراد .. فحينما نقدم لإنتاج مسرحي نعرف مسبقا ان الحضور سيكون محصورا على الذين يتحدثون باللهجة التي تستخدم على المسرح ، فان كان التعامل بالكلدانية المحكية مثلا سوف يكون جمهورنا محصورا في مناطق ( القوش، باطنايا، تلسقف، تلكيف، باقوفا وغيرها ) وبذلك سوف نخسر حضور بقية أبناء شعبنا الذين يتحدثون بالآثورية مثلا وآخرين يتعسر عليهم هضم اللغة أو اللهجة التي يتحاور بها الممثلين والتي تجسد أحداث المسرحية ، بالإضافة الى ان هناك بعض الأقوال والأمثال الشعبية المحلية يوظفها المخرج خلال سياق الحديث ، يتقبلها أهالي مناطق من قرانا ولا يستسيغها آخرون ولا تحرك فيهم شيئا . لقد قدمنا العديد من هذه الأعمال لم نتمكن من جني ثمار جهودنا المبذولة للسبب ذاته .. إنني أتحدث عن تجربتي التي عشتها وعانيت منها في الكثير من الأعمال التي كنت في بعضها ممثلا وفي الأخرى مخرجا وعرضت على مسارحنا وبشكل خاص في بغداد ، فان اعتمادنا على بيع بطاقات الدخول كان لا يسد الا الشيء اليسير من مصاريف المسرحية لأن المنجز المسرحي يستغرق كما ذكرنا آنفا بين ستة الى سبعة أسابيع حتى ينضح ويصبح مؤهلا للعرض أمام الجمهور . أكيد خلال مدة البروفات وحتى الجنرال منها نحتاج الى تغطية خلال هذا السقف الزمني إضافة الى ما ذكرناه بالنسبة للمصاريف الأخرى . ان محدودية الجمهور تسبب لنا إخفاقا في العملية الإنتاجية حينما نعتمد على شباك التذاكر لتغطية المصاريف وهذا ما يحد من نشاطنا وإبداعنا ويجعلنا نتأنى عن المجازفة في إنتاج عمل مسرحي ، وبعد ان خضنا عدة تجارب والمشكلة ترافقنا تمكنا من احتوائها بعض الشيء حينما أقدمت الفرقة لإنتاج مسرحية ( العودة ) عام 1999 في بغداد والتي استخدم فيها المؤلف عدة لهجات حين كتابته النص ، حيث وظف المخرج ثلاث لغات وعدة لهجات واختار لتجسيد الأحداث شخصيات ( كلدانية ، آثورية ،عربية ) وطلب منهم التحاور كل بلهجته التي يعتاد عليها في حياته اليومية وهكذا حضر الى العرض الكثير من أبناء شعبنا بمختلف انتمائاتهم القومية والاثنية ، وكذلك لجأ المؤلف والمخرج الى نفس المعالجة في مسرحية النزولات وثمن الحرية اللتين عرضتا على مسارح بغداد . لقد كان لهذه المعالجة سببا في نجاح هذه الأعمال جماهيريا وماديا قياسا بالأعمال الأخرى .. نأمل أن تحتوى مثل هذه الإشكالات التي تحد من عطاء مسرحنا السرياني .. نتمنى دوما ان يبقى زاخرا بالإبداع والتألق . أخيرا أرجو من جمهورنا الكريم ان يدعم مسرحنا السرياني بالحضور الى قاعات العرض لمشاهدة أعمالهم التي نكرسها لأجل راحتهم وسنكون بمنتهى السعادة لو كتبتم ما تجدونه من إخفاق او ضعف في منجزاتنا المسرحية ن سواء كان ذلك من الناحية الأدبية او الفنية او التقنية ، ونحن نسعى لتقديم الأفضل الذي يكون جديرا بمشاهداتكم ، فبدونكم إخوتي واخواتي لا يمكن ان تسير هذه الواجهة الثقافية الى الأمام لا بل أية واجهة أخرى من واجهاتنا الثقافية والاجتماعية والفنية .    

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.