اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ليلة سقوط طور عابدين في سهل نينوى

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

كامل زومايا

مقالات اخرى للكاتب

ليلة سقوط طور عابدين في سهل نينوى

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.">/عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

اخذني الحنين الى طور عابدين ، لا ادري ان كان حنينا حقا ، فأنا لم اراها قط حتى في مخيلتي، او عشقتها وفاءا لشعبي الجريح أم انها لحظة وداع لشعب يحتضر ..

حال وطأت قدماي طور عابدين بدت لي عجلة التاريخ تأخذني الى الوراء، وبدأ انين ورثاء ابو العلاء المعري يسري في عروقي كالنار في الهشيم ليحثني ان أخفف الخطى

خفف الوطء ما أظن أديم .... الأرض إلا من هذه الاجساد

صدقت يا بن معرة النعمان ، فقد خارت قواي وسلبت ارادتي وماعدت احمل نفسي على نفسي لأطئ هذه الارض المقدسة المجبولة بالدم.

الرحلة كانت متعبة بعض الشيء بسبب الأنتظار لساعات طوال عند الحدود الدولية بين العراق وتركيا لكثرة الشاحنات والمركبات والحركة البطيئة في اجتياز الحدود اضافة الى ارتفاع درجات الحرارة وشمسها الساطعة في شهر تموز ، والانكى من ذلك والعطل الفجائي الذي احل بالسيارة التي تقلنا الى مقصدنا ، وصلنا الى دير مار كبريئل عند منتصف الليل تقريبا ، الا اني وبالرغم من كل التعب ، لم اتمكن النوم، فكنت مع الغسق في باحة الدير ابحث عن اجوبة لأسئلة كانت تلازمني منذ ان عزمت زيارة طور عابدين او قبل حتى بدون زيارة .

في زحمة ما كنت به من هول الصدمة اغتزلت اسئلتي بسؤال واحد لعلني اجد الاجابة بين كروم الدير او في عيون الزائرين التي كانت تبحث لربما عن ايقونة منقوشة بضفيرة طفلة اغتسلت بدموع اخيها الرضيع في اروقة الدير وبين ثنايا جروحه عبر قرن وقرون من الزمان ..

لم اعد اهبه في البحث عن اجابة تجعلني أغادر المكان ، لأنام واستريح الى الابد والى الابد ، انها كلمات احتضار في الزمن المر، كلمات لا معنى لها عند عدوا غادرا او "صديق" ان كان هناك صديق ، ياصديقي انا قادم اليك عاريا دون ملابس داخلية ، فاني في تلك الليلة سأرقص جبرا مع آكلي اللحوم البشرية وستعلن الحياة الابدية لقاتلي من جسدي ومن عشيرتي اني مت مذبوحا من اجل حفنة من الفستق الحلبي واللوز والبلوط ، ياقاتلي اني انصفك بقتلي فما عدت كما عدت تلميذا في مدرسة نصيبين، ولم يعد سؤالي من نحن وهل نحن كما نحن اسئلة تؤرقني ، آسف لمخيلتي التي اعرتها من جدي العاجز عن فهم حقيقة نفسي ، وي أسفي لشعبي يبحث عن هويته في اصقاع البلدان بين غسالات صحون المطاعم وماسحي زجاج السيارات ، ياعدوي انصفني ولمرة واحدة ان قدرت ، أجهز بمديتك بجسدي المقسم لتشفي غليل المؤتمرين عبر البحار يعمذون اطفالي بدموع امهات فقدت ابناءها فضللنا الطريق !! في زحمة الافكار والبكاء على الاطلال ، كان سيدنا المطران الحزين في دير ماركبريئل يبحث هو الآخر عن جواب لسؤاله لي الى اين المصير يا ابناء سهل نينوى الحزين؟؟؟

نسمة الصباح والقمر وتلك السماء الصافية وزقزقة العصافير والبلابل التي تغرد لصباح قادم مع نجمة الصباح وقدسية المكان كدير ماركبرييل ، ترتسم لوحة كأنك في جنة الله على الارض في طور عابدين ، الا انك وعلى حين غرة تشعر بالرهبة من ذلك الهدوء والصمت القاتل الرهيب ، فما قيمة الجنة من دون بشر..! هذا هو عالمك السحري الذي قد تحبه عندما تكون هارباً او متهارباً من زحمة الدنيا والحياة المعاصرة ولكن ....

بين الحين والحين تسمع اصوات تدق على الابواب، ليبدأ النهار من جديد لراهبة طاعنة في السن تحمل قاروة حليب ، واخرى تسرح الابواب للقادم الجديد وتبقى حدقات عيني تتسول في تلك الباحة للدير الحزين جوابا لحياتنا الفانية ، الا ان ازيزا لطائرة اخترقت الصمت وزادت من حيرتي ..... ازيز صوت يشق الصمت ليكبر من بعيد بل انه قريب الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، حي على الصلاة ....، لم اعد ابحث عن اجوبة لنفسي بل سرحت الى ذلك الصوت القادم من بعيد الى باحة الدير وبحثت عن مار كبرييل في تلك اللحظة فلم اجده..

ها أني اكتب كلماتي المتناثرة لا طعم لها في زمن دب في العمر خراباً، في هذه اللحظات تحط الراهبة المثقلة بهموم الدير وبعذريتها متضرعة للعذراء مريم وابنها المخلص من اجل حياة ابدية ، تبتسم لي ولأرجاء الارض الخربة ، تلك الراهبة تجر العربة في باحة الدير مستسلمة لمستقبلها المجهول كحال ماركبرييل ، اسلم عليها بابتسامة حزينة ، وتجيبني بأبتسامة تعصر قبلي كأنها تبحث عن الآتي الذي طال انتظاره ولم يأتي .

اخبرني صديقي هالان الذي رافقني مع اخي فريد زومايا الرحلة بأنه رأى بوما حول الدير ويعتقد بأنه نذر شؤم سيحل على الدير ، عاد مرة اخرى صديقي بمعلومة جديدة اخرى بأنه وجد اضافة الى لتلك البومة اثنتين اخرتين تحط في محيط الدير ، استلمت المعلومة ولم اكن مباليا بما سيحل من شؤم من تلك البومات ، فماذا بقى لنا ليكون اكثر شؤما من الذي نحن فيه ؟؟

في باحة الدير حين ارخى الليل سدوله، جلسنا مع شبيبة الدير ، يفتخرون لأصلهم لبلاد ما بين النهرين ، غادرونا ليخلدوا للنوم بعد نهار طويل متعب ومرهق في خدمة الدير وزواره ، وفجأة نبهني صاحبي لخطر قادم في المكان الذي كنت اجلس فيه ، فقد كانت على مقربة من ذراعي اليمنى الممدوة عقربا يحاول ان ينهي عالمي السفلي الذي احلم به كما كان يحلم به كلمامش في ارهاصاته ساعة احتضار صديقه انكيدو ، كاد ذلك العقرب يدس السم في جسدي الذي يحلم باليوم الآخر ، في تلك الليلة اعلن العقرب بأنه قادر ان يبدد احلامي وانه ومن معه قادرا ان يعيد الامر ثانية ليلعلن عن نبأ لسقوط طور عابدين في سهل نينوى ..!

بزغت الشمس مرة اخرى واصبحت باحة الدير اكثر ضجيجاً من زقزقة العصافير وتغريد البلابل وتدافق الزوار ، واقمنا الصلاة وبحثنا لخبزنا اليوم كفافه وسألنا لنعطي كفنا لأجساد اطفالنا العارية ونحن نقيم رياضتا الروحية ..

في هذه البقعة من الارض هل خصنا الله ان نحمل الصليب ونتبع قاتلينا ؟

أهذه هبة من الله ان يخصنا بما لا طاقة لنا ان نتحمله لليوم الآخر ، أم انه الميزان في قياس الايمان للبحث عنه في اسفل ثقب الارض في طور عابدين ، أم هو بكاء على الاطلال لحضارة طواها الزمان ..

لم اعرف هل اني اكتب مرثية لمار كبرييل وطور عابدين ام انها احلام يقضة لشعب ضل طريقه ولكنه مازال يكابر كعهده ويعد بخفي حنين ، أهو كذلك أم اننا نكابر ونكابر ونكابر...أليس في المكابرة في بعض الاحيان وفاءا لمن سبقونا بأديم الارض من اجسادهم لنكون لسانا لتاريخ خطت كلماته من اجسادهم الطاهرين ..

طور عابدين / ماركبرييل

7/7/2012

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.