كـتـاب ألموقع
• الملوك لا يصنعون التاريخ للجمهوريات
حسن الخفاجي
الملوك لا يصنعون التاريخ للجمهوريات
ثمة حقائق قد لا يدركها بعض الساسة بسبب انشغالهم في البحث عمن يساعدهم في الجلوس على كرسي الحكم ، ان الشعوب التي أنهت مرحلة الملوكية وتخرجوا منها نحو الجمهورية منذ أكثر من خمسين عاما لا يمكن ان يقبلوا بعودتها، أو عودة أفكارها على شكل استشارات ، أو الاستقواء بها .
العودة للعمل بنصائح الملوك والأمراء بالنسبة للشعب العراقي تشبه إلى حد كبير عودة طلاب الجامعات إلى مقاعد الدراسة الابتدائية !.
قد يصنع الملوك التاريخ لشعوبهم ، لان درجة وعي الملوك تقارب درجة وعي شعوب رضخت لحكمهم ، لكنهم لا يمكن ان يصنعوا التاريخ لشعوب فاقتهم في التقدم والرقي والحضارة ، مثلما لا يجوز لراكب الجمل وساكن الصحراء والخيام ان يرشد قائد الطائرة ، أو قبطان الباخرة ، أو سائق السيارة إلى الطريق الصحيح ، أو بدوي يرشد عالما من ناسا على دروب الفضاء !.
قد يتوهم هذا السياسي أو ذاك من ان وصفة العطار الأمي تعالج جميع ما استفحل من علل ، وما عجز عن علاجه بعض حكماء البلد .
من أصيب بسرطان المنصب ينشد العلاج مرة من الصحارى يروم نصيحة البدو، ومرة من الباب العالي التركي يروم الاستقواء بالسلاطين العثمانيين ، ومرة أخرى يستجدي المساعدة من الإيرانيين ، وتارة يطلب المساعدة من كل من يتطوع بإرسال علاج ، حتى وان كان مرسل العلاج يود تجربة وصفته على الآخرين ، ليصبحوا مثل فئران التجارب.
الملوك والأمراء قد يؤثرون في سير الأحداث لكنهم لا يستطيعون ان يرسموا الدرب والمستقبل لشعوب سبقتهم إلى التطور وتداول السلطة .
إصغاء ساسة العراق صاغرين إلى ملوك الطوائف يقلل كثيرا من قيمتهم أمام من انتخبهم .
ومن لا يحترم تفويض الشعب له لا يحترم نفسه .
تحول بعض الجمهوريات إلى ما يشبه الملكية والحكم الوراثي لا يعني رجوع التاريخ إلى الخلف وتوقف عجلة الحضارة واستمرار التقدم ، لان التجارب السيئة التي تحدث في جزء صغير من العالم لا يمكن ان تكون قياسا لحضارة البشرية .
تحول سوريا من جمهورية إلى ما يشبه الملكية معناه ان العرب معزولون عن حركة التاريخ ، من اجل هذا يسعى الملوك والأمراء لتحويل أنظمة الحكم الديمقراطية إلى أنظمة استبدادية .
تساعد الأنظمة الملكية أنظمة عربية تريد اللحاق بالتجربة السورية منها النظام المصري والليبي واليمني كي تصبح كل أنظمة الحكم عند العرب ملكية ، أو جمهورية وراثية شبيه بالملكية !.
التاريخ يقول: ان كل الدول التي سارت بطريق التقدم هي تلك الدول التي نزعت سلطات ملوكها ، وجعلت سلطاتهم رمزية بروتوكولية ، من هذه الدول انكلترا ، وهولندا ، والسويد واليابان ، واسبانيا ، وكندا ، والدنمرك ، وبلجيكا ، أما الحكم الملكي المطلق الذي تختزل فيه كل السلطات التنفيذية والتشريعية بيد شخص واحد هو الملك فيوجد في: السعودية ، والمغرب ، والأردن ، والبحرين ، (يعني بس بالدول العربية) .
كنت أظن ان كل ساستنا سيذهبون بعد الانتخابات إلى ماليزيا ليستفيدوا من تجربة مهاتير محمد في حكم وبناء بلد فيه أكثر من 18 ديانة ، وفية الكثير من الأعراق ، ليعرفوا عن قرب كيف استطاع الطبيب الجراح مهاتير محمد ان يوحد جهود الماليزيين نحو بناء ماليزيا ، لتتحول خلال فترة عشرين عام من (قطة كسولة إلى نمر اقتصادي شرس) كما شبهها احد الكتاب .
كنت أظن ان ساستنا سيذهبون إلى اليابان ، وألمانيا ، وسنغافورة ليستفيدوا من تجارب تقدم هذه البلدان ، لكنهم بدلوا فرصة الاستفادة من دروس تقدم هذه الدول ، وتقدم ماليزيا التي حولت كارثة الفقر إلى غنى ، تركوا كل هذه الدول ، وذهبوا صوب الصحراء إلى بلد حوّل نعمة النفط والغنى إلى فكر تكفيري ، وثقافة طائفية ، وكارثة أصابت دول العالم بنار انتحاريين انفجروا بين الأبرياء .
دولة تشكو قلة الإمطار ، وبعد أول زخة مطر قوية تحولت إلى سيول أغرقت البشر والسيارات في مناظر مروعة مات فيها المئات . دولة صرفت المليارات على الإعلام وشراء الذمم ، والتدخل في شؤون الدول الأخرى ، وتركت شعبها وبنيتها التحتية تعاني.
ماذا لو ترك ال سعود الحكم وتنحوا ليحكم مهاتير ماليزيا السعودية ولو لأعوام ؟
ماذا لو حكم مهاتير آخر العراق ، أو مصر ، أو سوريا وكل وباقي دول التخلف العربي ؟
ان من يستنجدون بالإغراب وبالمتخلفين من اجل ان يعم طوفان جده خصومهم ويتخلصوا منهم ، فهؤلاء لم يدركوا ان الطوفان إذا عم سيضرب الجميع .
"ان تكون رأس فارة خير من ان تكون ذيل أسد"
حسن الخفاجي
المتواجون الان
701 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع