مقالات وآراء
يوميات حسين الاعظمي (1393)- أثر الحق الضائع
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 14 أيلول/سبتمبر 2025 20:22
- كتب بواسطة: حسين الاعظمي
- الزيارات: 182
حسين الاعظمي
يوميات حسين الاعظمي (1393)
أثر الحق الضائع
عندما صدر كتابي الموسوم (المقام العراقي باصوات النساء) مطلع عام 2005 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، باعتباره اول كتاب(من حيث انه كتاب) يصدر عن بحث مستفيض لتجربة المرأة العراقية في غناء المقام العراقي خلال القرن العشرين..! حيث اجمع النقاد والكتاب ممن اطلع على الكتاب، بأنني انصفتُ المرأة انصافا كبيرا لم يسبق لغيري ان انصف المرأة هكذا..! وكانت هذه الكتابات والآراء من قبل النقاد والمتخصصين بهذا الخصوص تفرحني كثيرا..! لانني اعتقد ان المرأة بصورة عامة في كل زمان وفي كل مكان، ومن حيث المبدأ، لم تأخذ حقها في الحياة الفعلية على وجه العموم. لا في الدنيا ولا في الدين..! رغم ان الكثير من النصوص الدينية تحترم المرأة وتحاول ان تعطيها حقها في الحياة.
على كل حال، لستُ بصدد الحديث عن حقوق المرأة بصورة مباشرة. ولكن للموضوع صلة..! وقبل ان اتوغل فيما اريد التحدث به. فانه يكفيني ان استمع الى كلام جميل من زوجتي الحبيبة اكثر من مرة، وهي تحدث ابنائنا وتقول لهم، إن أباكم لم يرفع يده عليّ يوما، بل لم يسمعني اي كلمة سلبية طيلة حياتنا..! وهذا في الحقيقة عزيزي القارئ الكريم، هو ما يشعرني بالانتصار العظيم لرؤيتي التربوية وصفاء نفسي وفكري ومشاعري وتجربتي وثقافتي. نعم يبدو انني هكذا..! فلم ارفع يدي يوما على أي إمرأة أبداً مهما كانت انفعالاتي، ولم انبس بأي كلمة خشنة معهن. ولكنني ورغم كل ما تحدثت به الآن من حديث بهذا الخصوص، دعني عزيزي القارئ الكريم ان اروي لك حكاية من زمن الطفولة فيها شيء مخالف لِما ورد من كلامنا هذا..!
كنت في الصف الثاني الابتدائي في المدرسة الجديدة(مدرسة خديجة الكبرى المختلطة للاطفال) التي انبثقت من المدرسة الكبيرة(مدرسة النعمان الابتدائية المختلطة) التي قضيتُ فيها سنة الصف الاول الابتدائي. وطبيعي ان يكون عمري وانا في الصف الثاني الابتدائي في المدرسة الجديدة، لم يتجاوز سن التاسعة بعد. مع الاشارة الى انني في طفولتي هذه، كنت لا استطيع التحدث بصورة طبيعية كالآخرين..! أي انني كنت اقطع الكلام كثيرا واتحدث بصعوبة كبيرة، وعليه كنت غالبا ما اخسر مواقف مع غيري لي فيها حقوقا، حيث لا استطيع التعبير عن حقي في الوقت المناسب وتضيع عليّ حقوقا تجعلني أتأثر عليها كثيراً..!
لندخل في صلب الموضوع، فقد كانت احدى تلميذات المدرسة، وهي في الصف الرابع اكبر مني سنّاً على الاقل بسنتين، وجسمها اضخم مني بصورة واضحة، حيث كان جسمي نحيف وضئيل الحجم نسبيا. وكانت هذه التلميذة ايضا، قوية ووقحة وتعتدي على أي تلميذ في المدرسة لايلائم نفسيتها وسلوكها بصورة مستمرة..! ولنقل انها مسيطرة ومهيمنة على مواقف كل تلاميذ المدرسة..! كما نقول في لهجتنا الدارجة(شايخة بيها)..! حيث يهابها التلاميد ويتّــقون شرَّها، وهكذا عُـرفتْ هذه التلميذة بشرورها الدائم في المدرسة. وكما نقول في اللهجة الدارجة أيضاً(مسترجلة)..!
عندما يمتلك الانسان حقا من الحقوق، او يشعر ان له حقاً من الحقوق. نراه يدافع عن حقه بقوة وارادة كبيرة مهما كانت الظروف، ومهما كان الفارق في القوة والضعف بين صاحب الحق ومغتصب الحق. وربما الانسان نفسه لم يكن يعرف ان رد فعله القوي هذا عن نفسه..! حيث يكتشف حالته هذه في لحظة من اللحظات المحفزة والمؤثرة والمفاجئة التي تظهر على السطح ومنها سلب الحقوق عنوة..! وبالنسبة لي، تبدو حكايتي مع الحق مشابهة او مطابقة شأني كشأن كل البشر..! الذين لايروق لهم السكوت عن الحق، بل الدفاع عن هذا الحق دفاعا مستميتا بلا هوادة..!
على كل حال، كنتُ في كل الاحوال طفلاً، وكنتُ في تلمذتي بالمدرسة الابتدائية، وخاصة في السنوات الاولى الطفولية. تلميذاً خجولاً بعيداً عن المشاكل، ولا اتقرب من أي تلميذ أو تلميذة تأتِ من خلالهما مشاكل..! ولعلني كنتُ الاكثر ابتعاداً عن هذه التلميذة الشرسة، لانني عارفا بشرورها. خاصة وهي اكبر مني سنا واضخم مني جسما، وتهوى ان ترى نفسها قوية في كل وقت..! وهيهات لمن يتحرش بها او يخالفها..! فكنتُ اتجنب التقرب منها وابتعد عنها دائماً..! وبصراحة اقول، ربما كنت اخشاها..!
ولكن حصل الذي كنت اتقيه واحذر منه..! ففي مرة من المرات، اقتربتْ مني هذه التلميدة، حيث كنت منزوياً في احدى زوايا الساحة المدرسية، ويبدو انها أرادت ان تكتشفني، او تتحدى صمتي وابتعادي..! وبالتالي يبدو انها تجاوزت حدودها معي، بحيث نشب نزاع بيننا انتهى بالضرب المبرح بيننا لوقت طويل نسبياً دون ان يتنازل احدنا عن الضرب لفترة طويلة..! والحقيقة كانت قوية وتضربني بعنف كبير، ولكن اصراري وغضبي العارم، أبقاني أرد لها الصاع صاعين، وبصورة سريعة وبالضرب المستمر دون اي توقف، مهما كانت ضرباتها قوية ومؤثرة، حتى وصل الامر الى ان يسيل لعابها، بل حتى المخاط من انفها(آسف لهذا التعبير) الى ان استسلمت في النهاية واخذت تبكي..! وهو اعتراف منها بانتصاري عليها امام كل تلاميذ المدرسة..!
ولكن معالجة الادارة المدرسية لهذا النزاع، لم يكن عادلاً..! وهو ما ادى الى بقاء تأثري المحزن من ذكرى هذا النزاع الذي دافعت فيه عن حقي الذي اضاعته ادارة المدرسة..! وذلك عندما وصل الامر الى ادارة المدرسة من مديرة ومعلمات، ولا اتذكر تفصيلات اخرى في كيفية فهم ادارة المدرسة للموضوع، بحيث اوقفتنا الادارة في الاصطفاف الصباحي لليوم التالي امام جميع التلاميذ. وبالتالي اعطيَ الحق للتلميذة المعتدية رغم انني امتلك كل الحق..! ولكنني كما قلت لم استطع الدفاع عن نفسي بالوقت المناسب لتأخري وتباطئي في كلامي المتقطع زمنذاك. فاغرورقت عيناي بالدموع واجهشت بالبكاء امام كل المدرسة، لانني لم استطع الدفاع عن نفسي حينها..! وهكذا ضاع مني اول حق شخصي اتذكره في حياتي..! وبالرغم من انتصاري الساحق على التلميذة الطاغية المعتدية. الا ان قرار ادارة المدرسة المجحف بحقي ظل خالدا في ذاكرتي حتى اليوم، لأنه حق استلب مني امام كل زملائي التلاميذ.
بقي ان اقول شيئا عما ترتب من حادثة شجاري مع هذه التلميذة الشريرة، بأن من نتائج هذا الشجار بيني وبينها، ان زهوها واعجابها بنفسها وشموخها، قد انكسر نهائيا بين التلاميذ..! بحيث لم تستطع ان تعتدي ولا تنبس بأي كلمة نابية مع بقية التلاميذ بعد ذلك الشجار طيلة دراستنا الابتدائية..! ليكون هذا الشجار في النتيجة تأديبا حقيقيا لها، بأن تعرف حجمها وبالتالي احترامها لزملائها التلاميذ. رغم ان الاثر بالنسبة لي بقي حتى اليوم، ان حقا لي قد ضاع، وان يكن ذلك في زمن الطفولة..! وللذكرى اثر عميق.
اضغط على الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=c5DtvYVuHrs
حسين الاعظمي مقام الحويزاوي. من حفلة مدينة اوتاوا العاصمة الكندية يوم 20 /4 /2018. وليس في 14/4/2018 كما مدون من قبل الناشر، حيث كانت الحفلة الاولى في تورنتو بهذا التاريخ 14 /4 /2018.
صورة 1 / حسين الاعظمي في آذار عام 1966.
صورة 2 و 3 و 4 / حسين الاعظمي مع اسباطه ماهر وزياد وراما وسدرا. واحفاده فاطمة ومريم. حفظهم الله وحفظ جميع ابناء الناس.