اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

سنغافورة صرح كبير للعلم والتكنولوجيا// د. محمد الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

اقرأ ايضا للكاتب

سنغافورة صرح كبير للعلم والتكنولوجيا

د. محمد الربيعي

 

اثار مقال "علينا ان نتعلّم من سنغافورة" لعالم الاجتماع العراقي د. ابراهيم الحيدري* شهيتي للكتابة حول تجربة سنغافورة بسبب ارتباطي الكبير بهذه الجزيرة ولسنوات عديدة بدأت في بداية التسعينات من القرن الماضي حيث ساهمت مساهمة فعالة في تطوير علم البيولوجيا الجزيئية والخلوية ومساعدة جامعة سنغافورة الوطنية في بناء القاعدة العلمية لابحاث زراعة الخلايا وانتاج العقاقير الطبية والتي اشار اليها د. ابراهيم تحديدا باقتباس قول كي كوان يو، بان سنغافورة قامت "بتأسيس المعهد العالي للجينات البيولوجية، فاستقدمت خبراء من بريطانيا والسويد واليابان وعملوا معهم بجد ومثابرة على مستوى دولي، وبذلك تطورت لديهم صناعة متطورة للعقاقير الطبية". وهي اشارة واضحة الى العمل الرائد الذي ساهمت به في تلك السنوات. وفي فترة ارادت سنغافورة ان تبني صرح البيوتكنولوجيا كأحد الركائز الرئيسية للاقتصاد السنغافوري حيث دعت مجموعة من العلماء البريطانيين للتشاور معهم وكنت احدهم. وخلال الزيارة القى كل منا محاضرة للشباب حول اهمية اختصاصه غرضها اثارة اهتمام الطلبة بهذه المواضيع الحديثة حضرها اكثر من الفين طالب من المدارس الثانوية وكان هذا رقما قياسيا لي بالنسبة لعدد الحضور. قيل لي بان الحضور كان على حسب رغبتهم ولم يسوقوا كقطعان الغنم كما هو عليه في بلداننا. ومن ذلك الوقت لم استغرب ابدا لأي انجاز علمي يظهر فوق هذه الجزيرة، وبدا لي طبيعيا ما اورده د. ابراهيم حول مفردات معجزتها الحضارية.

وكأي بلد في العالم على طريق التطور (فيما عدا البلدان العربية!) اعتمدت سنغافورة على العلماء ذوي الروابط العرقية ومن الاصل الاسيوي الصيني تحديدا حيث كان هؤلاء من اكثر المترددين على الجزيرة ومن استمروا في تعاونهم وتقديم خبرتهم وعلمهم الى اخوانهم في العرق. مع هذا فما يميز سنغافورة وربما يقربها من حالة العراق هو تعدد الاديان والثقافات. فبالإضافة للصينين يوجد المسلمون الماليون والهنود والاوربيون. وهذا هو جل التشابه ونهايته حيث تتميز سنغافورة بأعلى درجة من التسامح الديني والعرقي وبتمثيل كل الاقليات على كافة الاصعدة المحلية والحكومية.  ومن مميزات سنغافورة التي لم يطرقها د. ابراهيم هي اللغة الانكليزية التي تعتبر اللغة الاولى ويجيدها كل المواطنين بالإضافة الى لغات الام الاخرى، وهو ما اصبح عاملا موحدا وبوابة انفتاح نحو الحضارة الغربية، ليلتهم السنغافوريين منها المعرفة والعلم والتكنولوجيا والادب والفن. الركيزة الرئيسية بدون شك هي قيادة الدولة الاستثنائية بكل المعايير. على سبيل المثال، اصبح الدكتور كوه كنج سوي، نائب رئيس الوزراء في الفترة 1973 الى 1984 مستشارا للزعيم الصيني دنغ شياو بينغ، ويعتبر لي كوان يو، اول رئيس وزراء لسنغافورة ومؤسس الدولة الحديثة احد افضل القادة في عصرنا الراهن بالرغم من اننا في البلدان العربية لم نسمع به ولا نعرف عنه شيئا. قالت لي زميلتي البرفسورة ميرندا ياب التي درست في هارفارد ان هنري كيسنجر كان يكن لرئيس الوزراء السنغافوري احتراماً كبيراً، ومن قصصه المفضلة هي ان لي كوان يو، بالرغم من التقدير والدعم الكبير الذي كان يلقاه من الادارة الامريكية، قال ذات مرة امام مجموعة متميزة من اساتذة جامعة هارفارد في ذروة حرب فيتنام " انتم تثيرون اشمئزازي" في اشارة الى تورط امريكا في الحرب القذرة ضد الشعب الفيتنامي.

كيف تحولت سنغافورة من بلد نامي من دول العالم الثالث الى دولة متقدمة ومتطورة في خلال اربعة عقود من الزمن. السر يكمن في قوة النظام التربوي والتعليمي حيث تحتل سنغافورة ومنذ سنوات، أعلى المراتب في السلالم الدولية التي تقيس قدرة الطلاب في القراءة والرياضيات والعلوم. بني النظام التربوي على ضروريات توفير الاستقرار والرفاهية لبلد متعدد الاعراق من خلال تنفيذ سياسات تسمى "سياسات البقاء"، هدفها تحقيق تماسك اجتماعي بين المواطنين ومنحهم فرص عمل وسكن صالح وتعليم كفء، وصحة وافرة، وفيها يرتبط التعليم الى درجة عالية بالتدريب وبحاجة السوق، وتعطى اولوية الى النمو الاقتصادي وتكوين مؤسسات انتاجية جديدة وبناء رأس المال البشري قبل توزيع الموارد، ولكي يتم المحافظة على انتعاش الاقتصاد كان لابد له ان يكون مبنيا بالضرورة على التنافسية حتى في التعليم المدرسي والجامعي. ونجاح سنغافورة كدولة، يعود الى كون السياسات الاقتصادية والتربوية براغماتية، وليس ايديولوجية بحيث تؤكد دائما على اهمية الجهود ومعايير الجودة. وتؤكد سياسات التعليم على تحقيق الجدارة في مواضيع ثلاث رئيسية وهي العلوم والرياضيات واللغة الانكليزية. اما في التعليم العالي فتؤكد سياساتها على التعليم التكنولوجي والمهني في معاهد تقنية وبولي تكنيك. وهناك خمس جامعات تضم 27% فقط من الطلبة المؤهلين لولوج التعليم العالي.

يوفر التعليم احتياجات القرن الواحد والعشرين بصورة ابعد من مجرد القراءة والكتابة ألا وهو حل المشاكل والاتصال والمحادثة، ويؤهل التعليم الطلاب للتعليم الذاتي مدى الحياة. وكاستجابة للعولمة تهتم المدارس بإعداد الطلبة لوظائف مستقبلية لا تتوفر حاليا، فهي تعدهم للمستقبل عن طريق تخليق الافكار الجديدة وايجاد حلول لمشاكل مرتقبة باستخدام تقنيات لم يتم اكتشافها حاليا. هكذا تعد سنغافورة طلابها للمستقبل.. لذا ليس من الغريب ان نسمع ان سنغافورة تعيش في المستقبل. اصبح رعاية وتعزيز ثقافة الابتكار والابداع عنصرا مهما في التعليم لغرض اعداد الطلاب للمستقبل لذا تجد المدارس في لجة لا هوادة فيها تبحث عن التغيير وطرق التحسين عبر ممارسات مبتكرة وأساليب تربوية جديدة.

ابتدأ "الانفجار الكبير" لإصلاح التعليم في عام 1987 ولا زال مستمرا الى يومنا الحاضر وذلك عندما شعرتْ الدولة بضرورة تحويل الاقتصاد من اقتصاد معتمد على كثافة العمالة الى اقتصاد معتمد على كثافة التكنولوجيا، وبسبب عدم القدرة حينئذ على التنافس مع الصين ودول جنوب شرق آسيا الاخرى حيث تتوفر العمالة ذات الاجور الواطئة بينما تنخفض مستويات المهارات التكنولوجية العالية. ومن أجل إحداث التحول الاقتصادي الناجح احتاج النظام التربوي والتعليمي في سنغافورة الى احداث ارتباط قوي بين تدريب القوى العاملة وأولويات الاقتصاد وذلك عبر نظام تعليم يرّكز على العلوم والتكنولوجيا  وعلى اللغة الانكليزية كلغة للتواصل مع المستثمرين وأسواق التصدير، ويرّكز ايضا على تدريب قوى عاملة ذات مهارات صناعية ذات علاقة بأولويات الاقتصاد.

لم يكن لاعداد الحاصلين على شهادات البكلوريوس الجامعية اهمية اكثر من اهمية توفير قوى عاملة من حملة شهادات الدبلوما ويمتلكون مهارات حرفية تخدم تطور الاقتصاد، لان الاولويات كانت ولا زالت هي تدريب اجيال تدريبا تكنولوجيا عاليا لكي تنافس سنغافورة الدول الصناعية الكبرى. ولتحقيق هذا الهدف وّفر النظام التربوي الثانوي مسارات ومواضيع عديدة ومختلفة لتتناسب مع القدرات المتوفرة والاحتياجات الوطنية، فعلى سبيل المثال يتجه حوالي 30٪ من الطلاب الاقل قدرة أكاديميا او ميلا للعلوم الصرفة الى دراسة المواد المهنية والتقنية، وتبني المدارس علاقات وثيقة مع معاهد التعليم الفني ويساعد هذا وجود ثانويات متخصصة في الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والمستقبل. ولكي تحقق المدارس هدفها بكفاءة عالية يمنح كل مدرس 100 ساعة من التطوير المهني كل عام، وتوفر فرص كثيرة لإجراء البحوث للحصول على شهادات عليا مع شرط بقائهم في التدريس الثانوي بالإضافة الى توفر التدريب المستمر لمدراء المدارس، والنتيجة ان سنغافورة قد خلقت نظاماً تربوياً وتعليمياً راقياً يضمن درجات عالية من التدريب والتعليم المستمر للقوى العاملة من خريجي المعاهد والكليات والجامعات على حد سواء، واستطاعت عبر ربط التعليم بأهداف الاقتصاد ان تخفض معدلات الهدر وهجرة الكفاءات الى الخارج الى اقل المعدلات العالمية.

ويمكن تلخيص منجزات نظام التربية والتعليم السنغافوري بالاتي: 1- تحديد الأولويات الوطنية الرئيسية والهامة في بناء القدرات لغرض تخصيص الموارد. 2- اتخاذ قرار اعتماد الانكليزية كلغة وطنية اولى في وقت كانت نسبة المتحدثين بالانكليزية اقل من 20%. 3- استجابة قوية من قبل المدارس والمعاهد والجامعات لاحتياجات سوق العمل. 4- تركيز قوي على ثنائية اللغة وتعدد القيم والاديان. 5- تنوع الدراسات والشهادات على اساس احتياجات سوق العمل حيث يذهب 27% من طلبة الثانويات الى الجامعات و 40% الى البوليتكنيك (الكليات التقنية)، و 20% الى المعاهد التقنية. 6- تحديث المناهج بصورة مستمرة مع التركيز على العلوم والرياضيات واللغات والتكنولوجيا. 6- بناء اسس تربوية قوية في الطالب اولا، و بعدها تتوفر له المرونة والتنوع في الاختيار.

ان نجاح سنغافورة اعتمد بدرجة كبيرة على نجاحها في جعل نظام التعليم  جهازا للتدريب لإشباع مطالب سوق العمل الوطني، وأولويات الأسواق العالمية، والتأكيد على التعليم المهني والتقني لغرض تعزيز قدرات ومهارات القوى العاملة، واعتبار هذا النوع من التعليم متفوقا في محتوياته ونتائجه على التعليم الاكاديمي النظري البحت. في يومنا هذا يعتبر معهد التعليم التقني في سنغافورة من افضل المعاهد التقنية في العالم، ويمثل صورة رائعة تفتخر بها هذه الدولة.

نصيحتي لوزارة التعليم العالي وهيئة التعليم التقني هو دراسة هذه التجربة عن طريق ايفاد مختصين الى سنغافورة والى مراكز المعهد ومشاركة زملائهم السنغافوريين في الادارة والتدريب لاكتساب الخبرة والمعرفة بصورة مباشرة.

 

* د. ابراهيم الحيدري. علينا ان نتعلّم من سنغافورة! المدى، عدد 3156 ، تاريخ 26\08\2014

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.