اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

رتل الشهداء المتجه جنوبا.. يشفي العيون العور// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

رتل الشهداء المتجه جنوبا.. يشفي العيون العور

صائب خليل

20 حزيران 2016

 

كتب الصديق علي القماش في تعليق له على مقالي الأخير: ".... انا شخصيا بدأت أؤمن ان التقسيم او القتل المتبادل هو الحل وهذا مؤشر اننا في طريق النهاية ان لم يظهر في الافق حل اخر.. اتعلم سيدي مدى الحنق والغضب الذي يعتري البعض عندما نرى او نسمع الاصوات التي تتهم الحشد بالتجاوز على بعض الاشخاص ولكنه ولأنه اعور او اعمى القلب والبصر لا يرى رتل الشهداء الذي يتجه الى الجنوب بلا مقابل!"

هذه المرارة العميقة لدى الشيعة من السنة صارت منتشرة وعميقة، ولكن الإعورار هذا ليس في الحقيقة من اختصاص السنة وحدهم. فبشكل عام كنت قد لاحظت مراراً أننا، نعاني من "اعورار" يشوش ويصغر آلام الآخرين وتضحياتهم وبطولاتهم، فنمتنع عن التفاعل معها كما ينتظر من بني البشر ان يفعلوا.

 

وحين نفكر قليلا فإننا نجد أن السبب في هذا "المرض" هو أيضاً الإعلام! الفيروس الأشد خطرا والسلاح الأكثر رهبة الذي يوجه إلى الشعب العراقي اليوم. فحين لا يرى السني إلا القنوات التي تبث أفلام "جرائم الحشد" المزعومة (سواء كانت صحيحة أم لا) في الفلوجة، او عمليات سرقة للثلاجات والأغراض التي قيل ان الحشد سرقها من تكريت، فإن هذا السني لن يرى في تحرير تكريت إلا سرقة ثلاجات وحرق محلات وفي تحرير الفلوجة إلا هجوم "صفوي" للانتقام من السنة وإذلالهم! كل شيء يظهر الشيعة كمجرمين والسنة كضحايا لا حول لها ولا قوة. لذلك نرى المشاهد السني يهمل الجانب الآخر الشديد الأهمية، ولا يستطيع التعاطف معه او الكتابة عنه، ويتصرف وكأنه "لا يراه"!

وبالمقابل فأن الشيعي يتعرض إلى قنوات أخرى لا تظهر إلا بطولات الحشد وضحاياه وتفجيرات الإرهاب "السني" مع منشورات تؤكد تضحيات الشيعة وإجرام السنة. لذلك فعندما حاول السنة ان يشكوا "تهميشهم" فإنها تحولت إلى وسيلة للسخرية في الجانب الشيعي. وحين حاولت في مقالتين لي ان أوصل إلى الأصدقاء الشيعة شكاوى السنة من تصرفات الجيش في المناطق السنية جابهها البعض من أصدقائي الشيعة بالرفض الشديد وذهب الحماس بأحدهم إلى "فضح حقيقتي" بمقالتين تشهيريتين متتاليتين!

 

فمثل عور السنة عن آلام الشيعة فالشيعة أيضا مصابين بالعور عن رؤية ما يعانيه السنة. فلم تنقل لهم اية قناة إعلامية حقائق الاعتقال وإساءة استعمال قانون الأربعة إرهاب لابتزاز الناس وتخييرهم بين دفع رشاوي ساحقة أو فقدان أهلهم، ولا فرق الموت "الحكومية" التي تقوم باعتقال السنة واغتيالهم والتي أسسها جون ستيد وأمثاله من إرهابيي اميركا الجنوبية ضمن القوات الخاصة من ذهبية وغيرها، والتي تمثل المقابل الإرهابي “الشيعي” بالنسبة للسنة، للإرهاب “السني” للشيعة المتمثل بالقاعدة وداعش (أضع "السني" و "الشيعي" لوصف الإرهاب بين اقواس لأنها ليست كذلك بل هي كلها فرق إسرائيلية في رايي تم ملأها بالمجندين من الجانبين، وأريد لها ان تظهر كإرهاب "سني" و "شيعي"). ومثلما يرى السنة أنفسهم كضحايا وحيدين (للجيش "الشيعي")، يرى الشيعة بالمقابل أنفسهم الضحية الوحيدة ويكررون السؤال: "هل رأيت شيعيا يفجر نفسه"؟ والحقيقة هي ان الطرفين ضحايا، لكنهم ضحايا "عور" العيون لا يرى أي منها آلام الآخر ويتصور أنه المسبب لآلامه والرافض لرؤية آلامه هو.

 

والحقيقة ان هذا "التعوير" الإعلامي المتعمد لا يقتصر على السنة والشيعة وهو أيضا ليس بجديد. فالكرد لا يشاهدون مما يحدث للعرب شيئاً، ولا يشاهد العرب شيئا من مصائب الكرد. وقد شعرت بهذا الأمر حين كتبت عام 2008 " حلبجة وغيرها...تحدثوا لنا ولا تتعبوا...نريد ان نعرف لغتكم.."(1) حاولت فيها ان احقن الصور التي يريد ان يراها الكرد، في وعي القارئ العربي، وأن اشجّع الكرد على ان يكتبوا لنا عنها لسد هذا العجز في "الرؤية" لدينا، هذا مقطع منها:

"مجاميع من اللوريات تقطر بشراً.... اخذت لتدفن بعيداً عن ارضها.... مقابر جماعية...بقايا لرجال ونساء واطفال يرتدون ملابس غريبة عن هنا...

"تحدثوا الينا...تحدثوا الينا وبصدق نريد ان نستمع وان نفهم ما مر بكم...لتقل لنا عيونكم ما لا تستطيع السطور ان توصله الينا... لتحك لنا عن هول الامكم.... لا تسمحوا لأحد ان يشوه انسانية قصة شعبكم...لا تسمحوا لأحد ان يصغر الام اهلكم..

.... يتوجب تعليم القلب ايضاً وإلا بدا الرأس باهتاً مضحكاً...أخبرونا بما حدث لكم، وإلا فلن نفهم لغتكم بعد ذاك...نريد ان نعرف معاني الكلمات في قاموسكم...نريد ان نعرف ما تثير في نفوسكم، وإلا كان كل حديثنا بعد الآن حديث طرشان

تعالوا نتصور شعور الأم التي دفنت حية مع ابنها الملتصق بها في لحظات النفس الأخير تحت التراب وهي تسمع اخر حشرجاته وندائه لها وهو يختنق قبل ان يسعفهما الموت من عذاب بني جنسهما الوحشي: البشر!"

 

كانت هذه المقالة محاولة مني لعلاج "إعورارنا" تجاه الكرد، وحسب علمي لا توجد محاولات بالمقابل في الجانب الكردي، الذي نشعر أنه أصبح ذو عين واحدة تماما، عين معادية لا ترى سوى إسرائيل.

 

لذلك اسعى إلى نشر أفلام ضحايا الإرهاب على صفحتي والدعوة لنشرها، حتى حينما تكون فيها مشاهد مؤلمة، في محاولة لتطبيب "العين العوراء" وجعل البصر متوازنا قدر الإمكان. وكان آخر الأمثلة تلك على إحدى تفجيرات بغداد المرعبة، وعلقت عليه بالشكل التالي “صعب على العين.. صعب جداً... وأصعب على الأذن... لكننا إن لم نفتح اعيننا وآذاننا، رغما عنها وعنا... لن نفهم شيئاً.. لن نقدّر حجم الألم، ولا حجم صمود من يتحمله، ولا إلى كم سيستمر هذا الصمود... ولا ما يمكن ان ينتج عن كل هذا الألم من دمار وتحطيم....”

ولا يقتصر "الإعوار" على ضبابية وتقليل قيمة التضحيات والآلام، بل يشمل أيضاً ضبابية وتصغير قيمة البطولات. فالشيعة لا يكادون يذكرون الـ 20 ألف سني في الحشد ويتهمون السنة بشكل عام بالتخاذل امام داعش، دع عنك التركيز على الشتائم والتعيير بالشرف رغم ان السني الذي يقف مع الحشد، دع عنك الذي ينتمي إليه، يخاطر ليس فقط بحياته بل ايضاً برفض من قبل مجتمعه إن سارت الأمور على غير ما يرام.

ومقابل ذلك يتجاهل الكثير من السنة التضحيات الجسيمة للحشد "الشيعي" ويركزون على احداث تعتبر سخيفة بالقياس بتلك التضحيات. كما ان بطولة السيد حسن نصر الله ينظر إليها بتشكك أو تأييد مبسط، إن لم يكن رفض واتهام بالإرهاب، رغم ان الرجل يمتلك كل مواصفات البطولة والإنسانية، ومن الصعب ان نجد من يزيده بطولة ومبدئية في التاريخ في العالم، إضافة إلى الكاريزما والذكاء والقدرة الكبيرة على الخطابة وتحفيز الجماهير، وهي صفات قلما اجتمعت في شخصية.

وهناك اعورار شديد في النظر إلى قاسم سليماني (وبعض رفاقه الشهداء في العراق) حيث يتم التركيز على العين التي ترى فيه "تدخلا إيرانيا" خطيراً، وتتمكن من تجاهل تام لحقيقة أنه وفريقه من الحشد، بما امتلكوا من أسلحة ومعدات اتصالات، تم جلبها من إيران، قد دشنوا اول الهجمات المضادة للحشد على داعش وبدأ مرحلة تحرير المدن التي كان حلفاء العبادي قد صرحوا بأن الانتصار عليها يتطلب 30 سنة! يعني حتى من يكره إيران، عليه ان لا "يعور" عينه على مبادرتها التي لولاها ربما ما كان هناك انتصارات للحشد.

 

إضافة إلى هذه كلها هناك اعورار عدم الاهتمام بمشاعر الآخر حينما يصرح سياسي بكلمات اقل ما يقال إنها ليست لطيفة تجاه الآخر. وحين يرد الآخر بنفس الطريقة أو اشد، فان الأول يغتاظ ويغضب، وقد عميت عينه وذاكرته عما فعل "جماعته" قبلها. ولا يتذكر افراد أي من الطرفين شيئا يستحق الذكر عن إساءات جماعتهم حين يتهمون الآخر او يلومونه او حتى حين يعتبون عليه. ومن جملة تلك الإعورارات رفع شعارات والوية يعلم أصاحبها أنها تسبب القلق للجانب الآخر.

 

هذا الإعورار "الخفيف" نسبيا يمكن امتصاصه بسهولة إن لم يكن الجانب المقابل أعوراً بدوره، وأن يتذكر أن هؤلاء الذين يرفعون هذه الشعارات وتلك الدعاءات إنما قد ضحوا من الجانب الآخر بالكثير وقدموا الكثير، ومن عور الضمير أن ينسى ذلك وان يجد السني صعوبة في قبول هذه المظاهر بحسن نية. وفي كل الأحوال فأن التنبيه إلى هذه المظاهر يساعد على تجاوزها.

 

وقد كتب الأخوة علاء اللامي(2) ومنير التميمي(3) وتصدوا للأمر بنشاط رائع مؤخراً، وكذلك زينب الموسوي التي تخوض جدالا شرساً على منشورها الذي طالبت فيه باحترام مشاعر اهل الفلوجة حتى في اختيار الأدعية(4)

وكانت هناك مبادرات للتصدي المسبق للإعلام السلبي، فكتبت قبل أيام مقترحاً أسلوبا للبحث عن "الرموز القوية" في معركة إعلام الفلوجة(5) كما كتب نصير المهدي مقترحا رائعا بإطلاق اسم "جسر الشهيدين" على الجسر الذي اعدم عليه الشهيدان رزاق عبد الشعباني (سني) ومصطفى العذاري (شيعي) ليكون رمزاً للإخاء بدلا من المرارة والفرقة. (6)

 

وقام أبناء مدينة الضلوعية بإقامة نصب عاجل خلدوا أسماء الشهداء من أبناء الوسط والجنوب من الشيعة الذين ضحوا بأرواحهم من أجل فك حصار داعش عن مدينتهم التي صمدت لأكثر من نصف عام. (7)

إنها مبادرات تبعث الأمل بشفاء عيوننا من العور وقلوبنا من المرارة. ويمكننا ان نتخيل العالم لو كنا نراه بحيادية لا اعورار فيها! ليس ذلك سهلا ولا يشفى العليل بين ليلة وضحاها، وربما كانت بعض الإعورارات يمكن تحملها لبعض الوقت، إلا الإعورار عن الشهداء، فذلك عمى حقيقي وجريمة مخلة بالشرف.. لذلك، وحتى تزول غمة الاحتلال وأجندته وإعلامه، ويشفى الجميع من سمومه، وينعم كل عراقي بعينين سليمتين، فإنني باسم كل العراقيين الذين تلقحوا ضد الطائفية بتربيتهم وصمود رؤوسهم، أقول لـ "رتل الشهداء المتجه جنوبا": ايتها "الأجساد الطاهرة التي تستحي الأرض ان تحتضنها"(8).. لكم منا في هذه الأيام التي جعلتها تضحياتكم أعياد انتصارات مقدسة: انحناءة إجلال وعرفان عميقة... ومن عيوننا دمعة فراق محبة، وستبقى لكم في ضمائرنا ذكرى عزيزة عطرة لا يمحو خطوطها الزمن.

 

(1) صائب خليل: حلبجة وغيرها...تحدثوا لنا ولا تتعبوا...نريد ان نعرف لغتكم..

 https://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/3hlbja.htm

(2) صفحة علاء اللامي

https://www.facebook.com/allamialaa?fref=ts

(3) صفحة منير التميمي

https://www.facebook.com/munir.altamimi?fref=ts

(4) زينب الموسوي: دعاء الافتتاح بكرمة الفلوجة

https://www.facebook.com/talbt.almhmd/posts/803583549778420

(5) ‏صائب خليل‏ معركة إعلام الفلوجة 3- الرموز القوية كيف نجدها؟

https://www.facebook.com/saiebkhalil/photos/a.350693164987759.83177

.320945874629155/1104805172909884/?type=3&theater

(6) نصير المهدي - شهيدان علقا في نفس هذا المكان .. احدهما سني من...

 https://www.facebook.com/neseer.elmehdi/posts/1752540988360341?pnref=story

(7) صورة لنصب أقامه أبناء مدينة الضلوعية... - عبد الرحمن اللويزي

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=1050170828400718&set=a

.113133575437786.25800.

100002234322648&type=3&theater

(8) التعبير مقتبس من زينب الموسوي: العراق فقد شباب تستحي الارض ان تستقبل جثامينهم

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=803633153106793&set=a.644203632383080.1073741828

.100003803479577&type=3&theater

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.