اخر الاخبار:
حماس: نحتاج وقتاً لدراسة خطة ترامب بشأن غزة - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:15
أسماء المرشحين علی مقاعد الکوتا المسيحية - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:10
مصابون بحادث طعن خارج كنيس يهودي في مانشستر - الخميس, 02 تشرين1/أكتوير 2025 10:26
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

دجاج كنتاكي- قصة قصيرة// مراد سليمان علو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مراد سليمان علو

 

عرض صفحة الكاتب 

دجاج كنتاكي- قصة قصيرة

مراد سليمان علو

 

وهو يهمّ بدخول دكان جاره (فرمان) المليء بالمشروبات واللحوم، خطر على باله: إن للأشرار طبيعة مليئة بالكراهية والعنف، وكلما أدركنا ذلك مبكرا، كلما زادت فرصتنا بالنجاة والبقاء أحياء.

 

فتح الثلاجة القريبة، وأخذ منها دجاجتين سمينتين، وأستل أربع زجاجات بيرة من الصناديق المرمية جانب الثلاجة الكبيرة، ثم، خرج على عجل.

 

دخل البيت دون جلبة، ولزيادة في الحرص على عدم إثارة جلبة كان قد خرج من البيت حافيا، ليتفقد الشارع أولا، وليرى إن كان بإمكانه دخول دكان جاره؛ ليجلب له ولزوجته عشاء. فلم يأكلا شيئا منذ ليلة أمس.

 

دخل البيت كقط خائف، ولم تستقبله زوجته، فهي خائفة أكثر، وجالسة بصمت قرب بقجة البرات لصق الحائط الشرقي من غرفة المعيشة المبنية على الطريقة الشرقية، وما أن اقترب من باب الغرفة حتى نبّه زوجته بقوله:

 

ـ إنه أنا وقد عدت، ثم أردف قائلا: الليلة سيكون عشاءنا دجاج كنتاكي، خذي الدجاجتين وأذهبي إلى المطبخ لطبخهما.

 

ـ وهل ستأتي معي؟

 

ـ إن كنت خائفة بالتأكيد سآتي معك، ودعيني أجلب بيرتي أيضا.

 

الجوّ خانق، وهو أكثر حرارة في المطبخ، خاصة وقد أشعلت الزوجة الطباخ الغازي ووضعت عليه قدر من الماء؛ للطبخ، والبيرة التي يشربها ((الياس)) ليست أكثر برودة من الجو.

 

ـ لماذا تشرب؟ منذ متى وأنت تشرب؟

 

ـ عندما يكون المشروب دون مقابل، والطعام كذلك، خصوصا من جارنا (فرمان) الذي لم يكن يعطينا طلباتنا بالآجل.

 

ـ جارنا لم يقصر معنا طوال السنوات الماضية.

 

ـ أجل، ولكن هذه السنة تغير نحونا ولم يعد يعطينا بالدين ولذلك أنا أيضا لن أقصر معه طالما نحن محاصرون هنا، ثم أخذ يبتسم.

 

ـ لأنك لا تعمل، ولا تخرج من البيت.

 

ـ كل ما في الأمر تمرضت هذه السنة ولم أقدر أن أذهب إلى العمل، ما علينا المهم سنتناول دجاج كنتاكي على العشاء.

 

ـ ما الكنتاكي؟ دجاجك لم يكن حتى مجمدا.

 

ـ الدجاج طعم الحياة.

 

ـ أجل، ولكن ليس الدجاج المجمّد، والتي جلبنه ليس مجمّدا، بل مسروقا.

 

ـ طبعا، الكهرباء مقطوعة، والكنتاكي هو ذلك الدجاج السمين القادم من ولاية أمريكية بنفس الأسم ويتم تتبيلها وقليها لتصبح مقرمشة.

 

هيا يا عزيزتي، واصلي الطبخ، وسأصعد أنا لأكمل الشرب على السطح، فأكاد اختنق هنا، فقط لو كانت الكهرباء غير مقطوعة. وتأكدي إن الدجاج ليس مسروقا، نأكله نحن أفضل من يستولي عليه غدا أو بعد غد أصحاب اللحى.

 

وفي هذه الأثناء سمع صوتا خافتا يناديه من وراء باب الحوش الخارجي، عرف فيه صوت جارهم (حجي)، فتح (الياس) الباب بحذر وأدخل حجي بسرعة ثم أحكم إغلاق الباب.

 

ـ لا ينبغي أن تقفل الباب.

 

ـ لماذا؟

 

ـ لأنهم إذا أتوا والباب مغلق بإحكام سيدركون بإن أحدهم في الداخل وقد قفل على نفسه. أترك الباب مفتوحا.

 

ـ وكيف عرفت بأننا ما نزال في البيت؟

 

ـ كنت أراقب شارعنا من غرفتي ورأيتك تدخل دكان جارنا (فرمان). بقيت وحدي في البيت والعائلة كلها هربت، ظننت إن الأمر لن يطول للمساء.

 

ـ نفس الشيء حصل معي. ولأول مرة يشعر بأنهم ليسوا بأمان وعليهم أن يخرجوا هم أيضا.

 

ـ وما الذي تراه مناسبا في حالتنا، بماذا تنصحنا؟

 

ـ سنخرج نحن أيضا بعد منتصف الليل.

 

ـ اذن دعنا نتعشى أولا، لنصعد إلى السطح.

 

ـ ولهذا جئت فأنا جائع، هل تشرب يا ((الياس))؟

 

ـ إنها مجرد بيرة.

 

ـ رقبتك ستقطع دون كلمة إن وقعت أعينهم عليك وأنت تشرب.

 

ـ البيرة لا تسكر يا جاري.

 

ـ ماذا؟ أنت لا تفهم، ثم لو وضعت بعض الكولونيا على وجهك بعد الحلاقة تسكر، ماذا تقول؟

 

ـ اطمئن بعد أن نتناول دجاج الكنتاكي لن يبقى للكحول أثر ولا رائحة. في الحقيقة هذا الصباح كنا نخاف الموت، والآن أشعر بأننا في النعيم بسبب طبخ زوجتي.

 

ـ اتفق معك فدجاج جارنا (فرمان) رائحته تغطي على كل رائحة.

 

وأخذا يهمهمان ضحكا وهما يصعدان إلى السطح.

 

عند دخول (داعش) القرية لم يهرب (الياس) كالبقية، بل لم يحرك ساكنا. طلب من زوجته البقاء في البيت وعدم الخروج إلى أن تنجلي هذه الغمة وترحل (داعش) طواعية أو مكرهة، فما أهمية قرية في وسط الصحراء بالنسبة لجماعة تطالب بمقاليد حكم دولة.

 

كان يسمع همهمة الجيران ولغطهم في الصباح الباكر وهم يتحضرون للهروب والخروج من القرية بأسرع وقت، ودون الالتفات إلى شيء.

 

سيعودون، جميعهم سيعودون في المساء، كان يطمئن زوجته، وسيبقى لهم تعبهم وهلعهم للاشيء، هكذا كان يعتقد، وكانت الزوجة تكتفي بالنظر إليه والوقوف قبالته حتى يكمل كلامه دون أن تبدي وجهة نظر مخالفة.

 

البقاء في المنزل لم يكن ليزعج (الياس)، فهذا ديدنه طوال هذه السنة، يداعب أزرار الراديو، دون أن يفهم شيئا من الأخبار، ولم يستسيغ الأغاني التي تبثها الإذاعات المختلفة، فهو من الأشخاص الذين يهتمون بالكلمات قبل اللحن والأداء؛ ولذلك كان دائم البحث عن المحطات الكردية وبالذات تلك التي تبث برامجها باللهجة الكرمانجية.

 

قال جار (الياس):

 

ـ نحن القرويون نمتاز بذاكرة قوية، لا نستطيع نسيان شيء.. والاختباء نهارا لا يليق بالفلاحين والعمال والرعاة أمثالنا... ولكن (الياس) الذي أكد له بأن دكان جارهم (فرمان) بمثابة منجم لهم. قال له ضيفه إن الأمر لن يستغرق كثيرا حتى يتم تفتيش جميع البيوت والاستيلاء على محتوياتها؛ وعليه يجب أن نخرج في الليل.

 

بعد ساعة ونصف وكاد الكلام عن وضعهم يأكل من أمعائهم صعدت زوجة (الياس) وهم تحمل صينية الطعام، فصاح بها بصوت مبحوح:

 

ـ لا تظهري نفسك يا امرأة. فقالت له وهي تضع الصينية برفق.

 

ـ ما ذا لو دخلوا علينا البيت يا (الياس)؟

 

ـ علينا أن نتحمل نتائج اختياراتنا

 

ـ لو لم تكن كسلانا لما تخلفنا دون الناس

 

ـ لم أكن سانجو في الجبل.. انظري إلى حالي ووزني.. لما لم تذهبي انت مع الآخرين

 

ـ لم يطاوعني قلبي أن اتركك.. أنت لا تستطيع أن تطعم نفسك

 

ـ آه الطعام، تفضل عمّ (حجي).. ما هذا يا عزيزتي؟

 

ـ تشريب دجاج.

 

ـ ولكنني كنت أمني النفس بتناول دجاج كنتاكي وليس تشريب دجاج.

 

ـ ليس في مطبخي ما يكفي من توابل لقلي الكنتاكي.

 

ـ كان عليك أن تقولي، ولم يكن جارنا (فرمان) ليمانع في حصولنا على بعض الأعشاب والتوابل من دكانه العامرة. 

 

 مسك بالصينية من طرفها وسحبها بينه وبين جاره حاجي وهو يقول:

 

"اعتبر العشاء دجاج كنتاكي يا جاري بدلا من تشريب دجاج".

 

وأخذ الثلاثة يتناولون الدجاج بهدوء وحبات العرق تنزل من وجوههم ببطء أكثر.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.