اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• هل يعيش كتابنا و مثقفونا في جُزرٍ معزولة ؟

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 د. هاشم عبود الموسوي

هل يعيش كتابنا و مثقفونا في جُزرٍ معزولة ؟

 

بعد أن توزّع نشر نتاجاتي الثقافية المتواضعة على عدة مواقع الكترونية أصبحت تصلني يومياً على بريدي الالكتروني رسائل قد يصل عددها إلى المائة رسالة، من عراقيين وأخوان عرب وآخرين، وأكثرها من أشخاص يُقيمون خارج العراق، فأقوم بالجواب عن بعضها ومعاودة إرسال البعض الآخر منها إلى نُخبة ممن أعتقد بأنهم قد يستفادوا منها، وغيرها أقوم بمحوه من بريدي، تلافياً لتكدسها..

 

المُلفت للنظر أن تصلني رسالة من صديق قديم من داخل العراق، ممن كان يلتهم الكتب والمجلات والجرائد التهاماً بالقراءة،( حتى أنه كان يضطر إلى سرقة الكتب عندما لا يجد بجيبه نقود، مع انتقاداتي الشديدة له).. راسلني هذا ليسألني.. أين اختفيت.. وأين صوتي.. ومن خلال مكالمتي الهاتفية له، اتضح لي بأنّه قد توقّف عن القراءة، واصفاً لي الحالة العامة التي تُخيّم على المجتمع الذي كُنتُ أعرفه (والذي كان مثالياً بالمثابرة على الاطلاع والقراءة)، بأنّه أصبح مبتعداً حتى عن متابعة الأخبار العامة، ناهيك عن الاطلاع الثقافي.. بهذا أكون قد أطلقت العبرات التي خطّت هذه المقالة:

 

عندما بدأتُ أكتب لمواقع الإنترنت، كُنتُ أُعنون مقالاتي بعبارة: هل يقرأون ما نكتب؟ وهل يفهمون ماذا نُريد؟ وعندما شعرتُ بأن بوصلة التيار الجارف لأكثر القوى المتحكّمة في أوضاع العراق متجه إلى النفعية بشكلٍ شرس، وأدركتُ بأنّه لا مجال لكبح هذا الشبق من خلال مثل هذه الكتابات. و توقّفتُ عن كتابة مثل تلك المقالات التي تحتوي على عبارات تقريرية، لا أعتقد بأن أحداً ممن يملكون القرار قد استساغها أو حتى قرأها.. فعمدتُ بعد ذلك إلى طرح أسئلة على نفسي، وعلى زملائي المثقفين.. علّنا نستطيع أن نُساعد هذا البلد المُنهك لانتشاله من براثن الكبوات التي تُحيط به من كل مكان، هذا البلد الذي كان يُقال عنه، بأن الكتب عندما تؤلف وتُطبع في بلدانٍ أخرى، فإنّها لا تُقرأ إلا فيه (هكذا كان العراق)..

 

واليوم عندما نسمع بأن الاندفاع للقراءة قد تلاشى بشكلٍ يُرثى له، فلابد أن نتذكّر الحكمة القائلة: "إذا مات القارئ، ماتت الكتابة، وإذا ماتت الكتابة مات الكاتب.. فهل سنصل إلى مثل هذا المصير؟ وهل نحن نعيش حقاً في جُزرٍ معزولة، لا أحد يسمعنا ولا أحد يقرأ لنا؟

 

ما حكايتنا مع الموت، ألا يكفي هذا الموت المجاني للآلاف في كوارث الحروب العبثية والجوع والفقر والمجاعات والمجازر؟.. ولماذا كل هذا الموت اليومي؟.. لا مخافة من الموت الذي يعني فناء الروح والجسد، فهذا قضاء لابد منه، لكن أليس هناك موت مجازي، معنوي، دلالي، سريري، حياتي ويومي، موت سوسيولوجي.

 

جاءت البنيوية لتعلن (موت الإنسان) وجاء من يعلن (موت التاريخ) وأعلن موريس بلانشو (موت الكاتب)، وهناك أحاديث كثيرة اليوم تعلن (موت القارئ)، وربما تطول قائمة الوفيات أو الضحايا هنا، وكل إعلان مما سبق يجد أصحابه في معطيات الحياة ما يدفعهم إلى إعلانه والدفاع عنه.. لكن كيف يواجه هذا الموت، هل تتيح الحياة والظروف فرصاً كثيرة للمواجهة والدفاع؟.. ربما أن الكاتب يكتب وليس له خيارٌ آخر كواحد من أشكال الدفاع عن الحياة ضد الموت، وسؤال الكتابة الأزلي، لماذا نكتب، ولمن نكتب، لا يجد حضوره إلا في حضور الآخر وهو القارئ هنا.. ألا يكتب الكاتب نصه وهو ينشئ حواراً مع هذا الآخر، ألا تبقى شخصيات وحيوات هذا النص ميتة دون أن يقرأها قارئ حي ويُعيد نبش الحياة لهذا الورق القائمة عليه تلك الكلمات، وتلك الحكاية وهذه الحياة؟؟.

 

سواء كانت المناسبة معرضاً محلياً أو دولياً أو عربياً للكتاب، أو كانت عبارة عن شجن يومي وحياتي في شؤون القراءة والكتابة، القارئ والكاتب والكتاب، فإن الكل يشتكي ويعلن تذمره واستياءه، القارئ الذي يتهم الكتاب بأنهم لم يعودوا يكتبون أشياء مهمة ومثيرة للاهتمام، ويدعي أن العالم في وادٍ وما يكتب في وادٍ آخر، ناهيك عن المستوى الفني واللغوي، وبأنه لا يجد نفسه فيما يكتب وانعدام لغة الحوار وفقدان الصلة، وفي هذه الحال فإن العلاقة بين القارئ والكاتب، القارئ والنص، بات يشوبها الكثير من اللغط والتساؤل والتشاؤم وسوء الفهم والتقدير، كذلك ما يشتكي به القارئ من غلاء سعر الكتاب ووضع دور النشر لأسعار الكتاب بما يزيد كثيراً عن سعر التكلفة أو المرابح المعقولة، وضعف القوة الشرائية نتيجة ضعف الأجور وقلة الدخل.. في حين يقول أصحاب دور النشر الذين يعلنون تذمرهم من حال الكتاب وقلة عدد القراء ويُرجعون ذلك إلى عدة أسباب منها سيطرة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وطغيان عصر الصورة التلفزيونية من مسلسلات وبرامج إخبارية ومنوعات ومسابقات وانتشار سوق الإنترنت وأقراص الـ لـ.كروم أو ما بات يُعرف بالكتاب الإلكتروني، وعدد القراء في تناقص مستمر، وهم يُرجعون سبب غلاء سعر الكتاب لدينا مقارنةً بالدخل الفردي ولا سيما لهؤلاء الذين تُشكّل القراءة هاجساً حياتياً بغلاء سعر الورق الذي هو مادة مستوردة وأجور المطابع مرتفعة ويقولون أنهم يقيمون تخفيضات حقيقية على أسعار الكتاب عكس ما يدّعي القراء في الغالب، وأنهم في الغالب لا يربحون كثيراً من سوق المعارض التي تكلفهم كثيراً، (أجور حجز مكان وشحن وتنقلات وما إلى ذلك)، وبالرغم من ذلك فإن بعض دور النشر تجني أرباحاً جيدة ولا سيما تلك التي تهتم بنوعية معينة من الكتب، ويؤكدون انتشار الكتب السهلة والأبراج والمنوعات الخفيفة وكتب الدين والتراث وبعض أنواع الكتب العلمية ولاسيما المتعلقة بعلوم الكمبيوتر.

 

أما الكاتب أو المبدع فحدّث ولا حرج فهو يشتكي من الاثنين معاً وكذلك من الوضع العام وتردي حال القراءة والرقابة وتحكّم دور النشر والمكافآت القليلة التي يتلقاها نظير عمله الإبداعي، تلك الشكوى لا تأتي من فراغ، فمبيعات الكتب ولا سيما الأدبية منها (شعر، رواية، قصة، قراءات نقدية وفكرية..) تعطي أرقاماً لا تتجاوز بضع مئات من النسخ، هذا طبعاً عدا بعض الكتب التي تلقى رواجاً كبيراً ربما لاسم المؤلف أو لموضوع الكتاب أو لضجة تُثار حوله هنا وهناك.

 

إشكالية القراءة والكتابة وما يتعلق بوضع القارئ والمبدع والعلاقة بينهما مسألة أشبعها الكتاب والباحثون والنقاد بحثاً ودراسة وتأملاً، ومع ذلك ستبقى تلك الإشكالية قائمة وملازمة للعمل الإبداعي مهما كان نوعه أو جنسه، الكاتب يكتب في أحد تجلياتها لأن هناك آخر هو القارئ سيقرأ هذا المنتج الإبداعي، والقارئ ربما يبحث عن حياته وروحه، عن عوالم جديدة عن رؤى جديدة لمسائل بُحثت من قبل ليجد نفسه في أحدها، ومهما كانت الحال في هذا أو ذاك، فإن الصلة الوثيقة بين القارئ والمبدع ستبقى عصية على الإمساك بكامل عوالمها وأوجهها.. الكاتب لن يموت ما دامت الحياة تُفرز كل حين ما يدفع المبدع للتعبير عنه وصوغه أدبياً.. ربما يعتري الحالة الإبداعية في فترةٍ من الفترات بعض الركود أو الجمود أو قلة الكتب الهامة ذات الرؤية الصادقة في التناول والبحث وإن كان انتشار ما بات يُعرف بالكتاب الإلكتروني وانتشار معارف الكمبيوتر والإنترنت، بات يُشكّل معلماً هاماً للحياة الثقافية، لكن سيبقى الكاتب وورقه وقلمه وإن استخدم بعض التقنيات الحديثة هو الأساس.. وسيبقى هناك قراء يجدون في حالة البحث عن كتاب جديد وهام والجلوس في ركنٍ هادئ والتمتّع بتقليب صفحات هذا الكتاب متعةً إنسانية حقيقية لا تضاهيها متعة ولا يحلّ محلها أي وسيطٍ آخر.. ربما أن الظروف المعيشية والحياتية قد تُجبر المرء على المقارنة بين الكتاب والرغيف.. أو حجة الوقت الضيق أو أي شيءٍ آخر لن تُلغي الكتاب ولن تُوقف المبدعين عن الكتابة، ولا القراء عن القراءة، ولا الحياة عن إعطاء فرصة للباحثين في كيان الإنسان وروحه وجوهر وجوده، في علاقته بذاته وبالآخر، وبالشغف والمتعة والحلم في الاكتشاف الجديد للحياة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.