اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• بعض الظواهر الاجتماعية الراهنة لدى العراقيين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 د. هاشم عبود الموسوي

·        بعض الظواهر الاجتماعية الراهنة لدى العراقيين

 

بالرغم من بروز ظواهر اجتماعية سلبية، متعددة الأوجه في مجتمعنا الراهن، عبر ما تعرّض له من اهتزازات وانتكاسات، إلا أن الكثير من الظواهر الاجتماعية تنحسر بهدوء حتى تكاد تختفي تماماً من حياتنا، من دون أن يُحسّ أحدٌ تقريباً بانحسارها وتراجعها، رغم أن بعض هذه الظواهر كانت تستحوذ على اهتمام جميع الناس إلا ما رحم ربي على اختلاف أعمارهم وتباين اهتماماتهم ومستوياتهم العلمية والثقافية.

 

من هذه الظواهر ظاهرة الغيبة والنميمة، أو ما نسمية محلياً "القشبة" أو (الكص) والقيل والقال، فقبل عقدين من الزمن كان الناس في بلادنا يسلون وقتهم بلوك سير الآخرين، بالطعن صراحةً أو ضمناً في أخلاقهم وشرفهم وترويج الشائعات حول سلوكهم بشكلٍ عام، بصرف النظر عن صحة أو بطلان هذه الشائعات.

 

والصحف والمجلات والإذاعات كانت تشنّ بين الحين والآخر حملات للتنديد بالنميمة عبر التحقيق والمقالة، وحتى القصة والشعر الشعبي، ولكن تأثير هذه الحملات كان محدوداً ولم تتراجع الظاهرة بل ربما استفحلت، وأيضاً اهتمت المنابر الدينية بنقد الظاهرة بتذكير الناس أن الاغتياب هو بمثابة أكل لحم الأخ ميتاً، وإبراز كل المأثور الديني المضاد، من أحاديث نبوية شريفة، ومواقف الصحابة لتوعية الناس بخطورة الغيبة والنميمة على تماسك المجتمع، وللفقهاء والعلماء دورٌ ينبغي أن يفعّل في كل العصور لمكافحة المفاسد والآفات الأخلاقية التي تُصيب المجتمع، بالدعوة الكريمة بالتي هي أحسن والوعظ والإرشاد، وإذا كان الواعظ الديني يتجنّب عادةً الخوض في تفاصيل نشوء أي ظاهرة سلبية في المجتمع، ولكنه لا ينبغي أن يستنكف عن نقد ورفض كل ما هو ضار بالمجتمع، بالنصح والإرشاد والدعوة للتمسك بمكارم الأخلاق، ولنعد إلى صلب الموضوع.

 

من السهل معرفة أسباب انتشار ظاهرة الغيبة والنميمة والسعي بين الناس بالفتنة، بإعمال وسائل البحث والتقصي العلمي الاجتماعي، وعدم فعالية الحملات الإعلامية والدينية المضادة في الحد من انتشارها أوان ازدهارها، فمن طبيعة المجتمعات التقليدية البسيطة التي يملك الناس فيها فائضاً من الوقت مع قلة وسائل الترفيه لتمضية وقت الفراغ فيما هو مُمتع ومُفيد، وتراجع الحريات الخاصة حرية التعبير بتفشّي علاقات القمع والقهر، مما يؤدي إلى اللجوء إلى تناقل الأخبار والمعلومات والشائعات بشكلٍ شبه سري مشافهةً، ولكن ما سبب الانحسار؟ لا يُمكن أن نرجع ذلك إلى طفرة دينية إيمانية أصابت المجتمع فصار يستطعم المرارة في لحم الأخ الميت، كما لا يُمكن القول بأن السبب هو تنامي الوعي لدى أفراد المجتمع وارتقائهم حضارياً، لأن ثمة ظاهرة أخرى جديدة سأذكرها في آخر المقال، تكشف عن تراجع الوعي بل وانحطاطه بشكلٍ غير مسبوق!.

 

ثمّة مُتعة في اغتياب الآخرين والتقليل من شأنهم وتسفيه نجاحاتهم، إذ يؤدي ذلك إلى بعث الرضا الداخلي ويُعيد للمرء اتزانه النفسي، لأن المرء مجبولٌ على تقييم نفسه بمعيار الآخرين، خاصةً الأقارب عائلياً والأنداد عمرياً، والانتقاص من قدر الآخرين واحتقار نجاحاتهم باعتبارها مُزوّرة وغير حقيقية، يُحقّق شيئاً من السلام الداخلي للمرء.

 

تُشير كثيرٌ من الدلائل على انحسار وتراجع هذه الظاهرة والحمد لله، لدى العراقيين في داخل الوطن.. ولربما يكون ذلك بسبب أحداثٍ جِسام تواجههم في حياتهم اليومية، فلا تدع لهم مجالاً لمثل هذه الممارسة السلبية.. ولكنني أجزم بأنها لا تزال وللأسف مُنتشرة لدى تجمّعات العراقيين في الخارج، وحتى بين المُثقفين والسياسيين وشخصيات مرموقة لا يُنتظر منها ذلك.

 

ويزداد أحياناً الهمز واللمز في بعض المواقع الإلكترونية في الوقت الذي نحتاج فيه كل جهدٍ إيجابي من مثقفينا، لأجل إعادة بناء مجتمع متهدّم تزعزعت فيه القيم والمُثل السامية.

 

أعتقد أن انحسار الظاهرة، أي ظاهرة، رهنٌ باستنفاذها لقواها الذاتية، ويتسارع هذا الانحسار بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، حيث ينخرط الناس في عاداتٍ جديدة أفرزتها ظواهر جديدة طارئة، وثمة ظاهرة أخرى قديمة ما تزال راسخة لم يطلها أي تغيير، وهي ظاهرة الاستجداء لدى المواطن وهو يطلب أبسط حقوقه من الدوائر الرسمية أثناء استخراج المستندات القانونية المدنية.

 

فالمواطن اعتاد أن يبدأ كتابة طلبه الخاص بشأن خدمة ما بعبارة مألوفة لا تُثير أي استغراب وهي (أرجو منكم..) وتتنوع الصياغات لتُعطي دلالة الذل والخضوع نفسها فيكتب أحياناً (أتقدم بطلبي هذا راجياً منكم..) ربما من الممكن قبول هذا التذلّل والاستجداء إذا كانت الخدمة المطلوبة تنطوي على امتيازٍ ما، أو مُخالفة قانونية، ولكن الاستجداء في أبسط الحقوق المدنية التي يُفترض أن ينالها المواطن بأيسر السُبل، وأن يطلبها بلهجة آمرة وبرأسٍ مرفوع، وليس بورقة تبدأ بالرجاء وتمنّي الموافقة مع انحناءة ذليلة أمام شباك صغير، فهذا إنما يعكس استمراء الخضوع والعبودية في العقل الجمعي، ويؤكد أن المواطن لا يعي تماماً حريته وحقوقه الطبيعية، كما لم تعِ المؤسسات الحكومية، أهمية هذا الموضوع وتأثيراته السلبية في تقهقر نفسية المواطن، وابتعاده حتى عن بعض إيجابيات التغيير الذي حصل.

 

فالمواطن الحر الذي يعي حريته لا يستجدي وهو يطلب حقاً طبيعياً من حقوقه، ولكن أجهزة السلطة ومؤسسات الدولة كرّست مسألة الخضوع والعبودية في نفوس مواطنيها، بتقديمها لحقوقهم على شكل هدايا ومكرمات، يتعيّن عليهم التسبيح ليل نهار حمداً لكرمها وبذخها.

 

وما يزال المواطن مُصنّفاً في خانة (مسجل خطر) لذلك فهو مُتّهم بالتزوير والتلاعب والخداع في اسمه وعمره وإقامته وحتى ملامح صورته، وعليه إثبات براءته بشهادات السجل المدني، مع ختم الصورة في كل معاملة إدارية، الأمر الذي ينسف كل الصور الزاهية الخلابة التي يرسمها الإعلام الرسمي، عن الجنة المُنتظرة من الديمقراطية المُقدّمة إلينا على طبقٍ من سراب الوعود المؤجلة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.