اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• حنا قلابات باقي في ضمائرنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

 حنا قلابات باقي في ضمائرنا

 

 

     يغمرني الأسى ويصعب علي الحديث عن الغائب الحاضر حنا قلابات: الشماس، الاديب، والكاتب الذي جبل على النباهة والذكاء منذ نعومة اظفاره، وقد ابتدأ طريقه في الحياة منطلقا من بلدته العريقة تلكيف، ثم طالباً للكهنوت في سيمنير مدينة الموصل، فيها خطى اولى خطواته في تعلم اللغات ومنها اللغة الفرنسية، لقد رسم لنفسه خارطة طريق كانت مساراتها متعددة، من المطالعة الى النقاشات المتواصلة حول مختلف القضايا، من تأريخ، دين، قومية، والى آخر مجالات البحث والتقصي، كان المقام يليق به وفي صدر تجمعات الاصدقاء والزملاء، من حملة الافكار والاقلام وهموم الناس، ومن مختلف الاديان والقوميات.

     بماذا اصف صديقي الراحل الذي عرفته لسنوات قليلة لم تكن كافية ان ادخل الى اعماقه، كان لنا مرجعا لا يعوض بسهولة، وهو متعدد المواهب: من حافظ عشرات ابيات الشعر، الى اتقانه موازينها، وعروضها، الى الميامر الكنسية والتراتيل التي وضع اساسها الراسخ مار يعقوب النصيبيني ومار نرساي، كان ايضا يقتني الكتب النادرة، ودواوين الشعر من مختلف العصور، كان ديواننا الصغير يزهو به على الدوام، وكان وجهه يشرق ويبتهج عندما يتلو على مسامعنا قصيدة الجواهري بمناسبة ألفية أبي العلاء المعري:

قِفْ بالمعرةِ وآمَسحْ َوْجَهَها الَتِربا.......... واستوحي َمنَ َطَوَقِ الُدنيا ِبما َوَهَبا

الى ان يصل ذروة القصيدة:

لِثورةِ الِفكر تأريخٌ يُحَدُثنا.........  بأنَ ألفَ مسيحٍ دوَنها ُصلَبا

هنا( والحديث لحنا قلابات) وقف عميد الادب العربي طه حسين مصفقا، وطالبا من الجواهري اعادة البيت فاعاده مراراً.

     كتب قصيدة بعنوان( ترنيمة الحمام) على اسم ابنته( هديل) التي ولدت في عام 1963 وهو نزيل سجن رقم( 1) الرهيب، والتي مطلعها:

أهو هديلٌ أم نحيبُ

أهو شدوٌ أم ترنيمُ

ما أروعُ صوتكِ الرخيمُ

يا ابنةَ الدوحِ في بلادي

وكتب مرثية للجواهري الخالد ابان وفاته عام 1997 مطلعها:

ما الخطبُ ما سببُ اجتماعُ الخطباءِ.......... هل غيّب الموتُ امثولةَ الشعراءِ؟

في عام 2007 كتب قصيدة بعنوان" دمعة على بغداد" :
سئمتُ مناظرَ الخرابِ والدماء ولعنتُ من كان سببَ الشقاءِ
وثنّيت اللعنة "نوبل وباروده" فقد أعطى الجُناةَ أداةَ الفناءِ

     كان حنا قلابات مشاركاً في معظم نشاطات الجالية، سبّاقا في الحضور، وعضوا فاعلا في اكثر الجمعيات والمنظمات والروابط التي تشكلت هنا في كالفورنيا، وعضوا في هيئات تحرير العديد من ادبيات المهجر، اضافة الى اصداره مجلة (الكلمة) لعدة سنوات، فكانت بحق حديقة غناء، فيها السجع والكلام الجميل، والابيات المقفاة، تنساب عسلاً وعذوبة، وفيها ايضا اخبار الوطن والجالية، صدق من وصفه بانه كان كتلة من الحيوية والنشاط.

     عرفته بغداد في شبابه  ثريٌ في الادب والعلم والموقف الوطني، ثم عرفته الكويت سنوات اخرى في العمل الوظيفي والمهني المتميز، واخيرا بلاد المهجر التي قضى فيها بقية عمره.   لم ينس الوطن، فعندما توفرت له فرصة في التسعينات زار منطقة كردستان المحمية، برفقة صديقه حكمت عتو، ثم كان تواجده في بغداد بعد سقوط الطاغية للعمل، وهو يحصد سنواته الاخيرة من عمر طويل عَبر الثمانين حولاً.

     لن يستطع اي كان، ان يملأ الفراغ الذي تركه، في اللغات التي تعلمها، والثروة الادبية التي امتلكها، والعائلة التي انشأها مع زوجته ليلى كرمو، وفي المقدمة ولده القسيس فرانك الغني عن التعريف، وباقي اولاده اريج، هديل، وداليا. انا على يقين بان غياب حنا قلابات سيلهم اصدقائه في التنقيب عن مآثره وفي اغناء ما حاولتُ تدوينه، وهم اهلٌ لكتابة أعم واشمل، منهم الشاعر زكر أيرم، الشاعر فالح حسون الدراجي، الصحفي المخضرم صباح صادق، القاص مرشد كرمو، المحامي جلال ايليا، المهندس محمد عبد الوهاب، جمال جميل، د. ريمون شكوري، سعيد سيبو، فاروق كوركيس، د. ثائر البياتي، المطبعي منصور قرياقوس، نوح شمعون، وغيرهم كثيرون. كان مسالماً ودودا ومسامحا، لا يحمل الضغينة لاحد، ففي التسعينات حدثت بينه وبين الشاعرة لميعة عباس عمارة مشادة ادبية على صفحات المهجر، ولكن ذلك لم يمنع ان تقوم صداقة قوية بينه وبين ولدها الاديب مازن مبارك، الذي شاركنا العديد من جلساتنا الاسبوعية.

      دعوني اناشد روح حنا قلابات، فاخاطبه بقلب كسير والم يعتصرني وفي اعماقي تساؤل وشكوى من غيابه الابدي، عن جلساتنا الهادفة التي احتضنتنا على مدى السنين، سيكون مكانه بيننا، سنذكره على الدوام، ونستشيره  في العقد التي تواجهنا. كان محنيَّ الرأس مثله مثل السنبلة الممتلئة غلة، سيكون حتى في غفوته، جاهزاً ان يرفع رأسه عندما يسمع تعبيرا ناقصا اونصا خاطئا فيصححه، اتذكر قراءاتي المتعمدة لمواضيعي قبل نشرها بين المجموعة الرائعة وانا اهدف الى التصويبات التي تردني، وخصوصا من فقيدنا الذي يعتبر رأيه هو الفيصل، في حال اختلفنا على معلومة لغوية اوادبية.

     ان انسى فلن انسى المقالة التي كتبها عام 1994 في جريدة صوت الاتحاد الديمقراطي العراقي عن الشخصية الوطنية المعروفة بعنوان( توما توماس في سان دييغو) وبهذا العنوان الاثير انهي كلماتي. وبعد الانتهاء أحمّل الفقيد الشماس حنا قلابات تحايا حارة، الى فقيد مجلسنا اسطيفان انويا شابا، الذي رحل عام 2008، رحم الله الاثنين واسكنهما فسيح جناته.

April 20, 2011

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.